ألعاب كثيرة .. زهور .. كتب ملونة .. ضحكات الصغار تعلو... ما كل هذا الجمال .. بدا مروان سعيدا يلف ويدور ويلهو ويضحك .. ضحكاته تعلو وتعلو و... فجأة تبدد كل شىء " لاااااا " ....... صرخ مروان مفزوعا حين نهض من حلمه الجميل على صوت الرصاص يشق جوف الليل ككل ليلة من ليل بلاده الطويل .. جرى مروان نحو حجرة أمه وجدها تمسك بمصحفها تقربه لصدرها تدعو الله " احفظهم يا إلهى .. احفظهم " ..
صرخ مروان .. "أمى ..أمى .. ماذا حدث؟" .. ضمته أمه إلى صدرها ولسانها يتمتم احفظهم يا رب ..
لم يفهم مروان شيئا ولم يسمع بعدها سوى دوى الرصاصات ودقات قلبه المتسارعة لم يفكر سوى فى حلمه الذى لم يكتمل وأسبل عينيه على عبرات لم تجف..
صباح ملبد بالغيوم .. أبت الشمس أن تظهر .. نهض مروان .. موعد الذهاب إلى المدرسة .. نظر من النافذة الشوارع فارغة بل ميتة .. جنود الموت فى كل مكان ..أنين الجرحى فى كل بيت.. هتف مروان " أحمد .. أخى أحمد .. لم أره منذ الأمس" .. جرى مروان إلى حجرة أخيه لم يجده .. إنتفض قلبه فزعا .. يا إلهى .." أخى .. أمى .. أحمد أين هو؟ .. أمى " ..
جرى إلى حجرة أمه .. تنهد قائلا "حسنا ها هو" .. وقبل أن يدخل وجد أخاه ينهض يرتدى ملابسه يلف خصره بأشياء غريبة .. نهض مقبلا يدى أمه .. أمى ادعى لى .. ردت أمه بدموع عينيها .. تقبلك الله شهيدا يا ولدى ..
شهق مروان .. " شهيدا؟؟ ماذا ينوى أخى أن يفعل .. هل .......؟ " إندفع مروان نحو أخيه ... "لاااااا أخى أخى .. أحمد .. لا تذهب .. أرجوك .. ماذا تريد أن تفعل بنفسك؟ " إحتضن مروان أخاه ودموعه تغرقه .. قبل أحمد جبين مروان قائلا .. "لا تبكى يا أخى .. بل افرح لى" ..
نظر له مروان .. "افرح .. كيف؟ .. أتريد أن تتركنا وحدنا؟ .. أخى لا تفعل .. أرجوك لا تذهب" ..
جذب أحمد مروان وأجلسه ومسح دموعه الغزيرة .. نظر فى عينيه
- مروان.. لماذا لم تذهب إلى المدرسة اليوم؟
- انهم منتشرون بالمكان .. لا أستطيع
- ولماذا لم تعد تلعب خارج الدار؟
- لا أستطيع انهم يمنعوننا .. يحظرون الخروج
- لماذا لم أعد أسمع ضحكاتك تعلو فى بيتنا؟
- لماذا تسأل هذه الأسئلة يا أخى .. ماذا تقصد؟
تنهد أحمد قائلا .. "مروان.. إننى وزملائى نفعل ما نفعله فى سبيل الله ومن أجل الحق .. من أجل أن تعيش كأى طفل فى بلاد لله .. تتعلم .. تلعب .. تضحك .. تحلم" .. غالب مروان دموعه وحاول أن يرسم على شفتيه ابتسامة وهو يردد .. " أحلم .. نعم أنا أحلم .. أتعرف يا أخى .. اننى أحلم بالألعاب والزهور والفراشات وأجرى وألهو كثيرا ..أفعل كل هذا فى الحلم .. فلا داعى لذهابك يا أخى .. أرجوك" .. ابتسم له أخاه مقبلا اياه قائلا .."حسنا سأذهب لأحول حلمك إلى حقيقة ...تذكرنى يا مروان .. وادعو لى ".. قبل جبينه ويدى أمه وذهب .. صرخ مروان .."كلا أخى لا تتركنى أرجوك ..أمى امنعيه من الذهاب ..أمى" .. احتضنته أمه وهى تتمتم بكلمات لم يسمعها ... وما هى إلا لحظات ودوى الإنفجار المروع هز أرجاء المكان بقوة الحق وأغمضت الأم عينيها فى حزن شامخ .. وجرى مروان إلى النافذة .. نيران .. دخان يتصاعد .. أشلاء القتلة .. الكل يعدو .. جبناء .. جبناء يحتمون خلف أسلحتهم .. أحمد أخى .. نظر للسماء وجه أخيه يبتسم له وصوته يتردد .. مروان .. ادعو لى .. ردد مروان بدموعه .. "اللهم ارحم أخى وتقبله شهيدا" ..
ترددت كلمات أخيه فى أذنيه .. من حقك أن تحلم .. أن تحلم .. تبدل المكان فى عينيه .. الأنقاض .. البيوت المهدمة.. شبح الموت .. رأى حديقة غناء فسيحة.. الألوان تغطى كل شىء .. أشجار و زهور.. طيور تغرد بحرية.. وأطفال تلهو وتضحك بلا خوف.. بلا خوف .. إنطلقت الكلمات من مروان .. "أعدك يا أخى أن أحلم وأحول حلمى حقيقة على أرض وطنى" .. جفت دموع مروان ورفع رأسه عاليا فى شموخ وعزة يتابع روح أخيه الطاهره ويبتسم لها ...
رد مع اقتباس
..
