- الإهدائات >> ابوفهد الي : كل عام وانتم الي الله اقرب وعن النار ابعد شهركم مبارك تقبل الله منا ومنكم الصيام والقيام وصالح الأعمال والله لكم وحشه ومن القلب دعوة صادقة أن يحفظكم ويسعدكم اينما كنتم ابوفهد الي : ابشركم انه سيتم الإبقاء على الدرر مفتوحة ولن تغلق إن شاء الله اتمنى تواجد من يستطيع التواجد وطرح مواضيع ولو للقرأة دون مشاركات مثل خواطر او معلومات عامة او تحقيقات وتقارير إعلامية الجوري الي I miss you all : اتمنى من الله ان يكون جميع في افضل حال وفي إتم صحه وعافية ابوفهد الي الجوري : تم ارسال كلمة السر اليك ابوفهد الي نبض العلم : تم ارسال كلمة السر لك ابوفهد الي : تم ارسال كلمات سر جديدة لكما امل ان اراكم هنا ابوفهد الي الأحبة : *نجـ سهيل ـم*, ألنشمي, ملك العالم, أحمد السعيد, BackShadow, الأصيـــــــــل, الدعم الفني*, الوفيه, القلب الدافىء, الكونكورد, ايفا مون, حياتي ألم, جنان نور .... ربي يسعدكم بالدارين كما اسعدتمني بتواجدكم واملى بالله أن يحضر البقية ابوفهد الي : من يريد التواصل معى شخصيا يرسل رسالة على ايميل الدرر سوف تصلني ابوفهد الي : اهلا بكم من جديد في واحتكم الغالية اتمنى زيارة الجميع للواحة ومن يريد شياء منها يحمله لديه لانها ستغلق بعد عام كما هو في الإعلان اتمنى ان الجميع بخير ملك العالم الي : السلام عليكم اسعد الله جميع اوقاتكم بكل خير ..
إضافه إهداء  

آخـــر الــمــواضــيــع

النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: ~بأبي أنت وأمي يا رسول الله (11) ~

  1. #1
    الصورة الرمزية الأصيـــــــــل
    تاريخ التسجيل : Mar 2002
    رقم العضوية : 9
    الاقامة : السعودية-جدة
    المشاركات : 3,056
    هواياتى : القراءة-الكتابة-التمثيل-ركوب الخيل
    MMS :
    الحالة غير متصل
    معدل تقييم المستوى : 53
    Array

    ~بأبي أنت وأمي يا رسول الله (11) ~




    [frame="9 90"]العهد المدني عهد الدعوة والجهاد والنجاح

    سكان المدينة وأحوالهم عند الهجرة

    لم يكن معنى الهجرة التخلص والفرار من الفتنة فحسب، بل كانت الهجرة تعنى مع هذا تعاونًا على إقامة مجتمع جديد في بلد آمن، ولذلك أصبح فرضًا على كل مسلم يقدر على الهجرة أن يهاجر ويسهم في بناء هذا الوطن الجديد، ويبذل جهده في تحصينه ورفعة شأنه‏.‏

    والذين قابلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة كانوا على ثلاثة أصناف وهم‏:‏

    1 ـ أصحابه الصفوة الكرام البررة رضي الله عنهم‏.‏
    2 ـ المشركون الذين لم يؤمنوا بعد، وهم من صميم قبائل المدينة‏.‏
    3 ـ اليهــود‏.


    ولا يخفي أن تكوين أي مجتمع على هذا النمط لا يمكن أن يستتب في يوم واحد، أو شهر واحد، أو سنة واحدة، بل لابد له من زمن طويل يتكامل فيه التشريع والتقنين والتربية والتثقيف والتدريب والتنفيذ شيئًا فشيئًا، وكان الله كفيلًا بهذا التشريع، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قائمًا بتنفيذه والإرشاد إليه، وبتربية المسلمين وتزكيتهم وفق ذلك ‏{‏هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ‏}‏ ‏[‏الجمعة‏:‏ 2]‏‏.‏

    وكانت هناك قضايا طارئة تطلب الحل العاجل والحكيم، أهمها أن المسلمين كانوا على قسمين‏:‏

    قسم كانوا في أرضهم وديارهم وأموالهم، لا يهمهم من ذلك إلا ما يهم الرجل وهو آمن في سِرْبِـه، وهم الأنصار، وكان بينهم تنافر مستحكم وعداء مزمن منذ أمد بعيد‏.‏

    وقسم آخر فاتهم كل ذلك، ونجوا بأنفسهم إلى المدينة، وهم المهاجرون، فلم يكن لهم ملجأ يأوون إليه، ولا عمل يكسبون به ما يسد حاجتهم، ولا مال يبلغون به قَوَامًا من العيش.‏

    أما المشركون من صميم قبائل المدينة فلم تكن لهم سيطرة على المسلمين، وكان منهم من يتخالجه الشكوك ويتردد في ترك دين الآباء، ولكن لم يكن يبطن العداوة والكيد ضد الإسلام والمسلمين، ولم تمض عليهم مدة طويلة حتى أسلموا وأخلصوا دينهم لله‏.‏

    وكان فيهم من يبطن شديد والعداوة ضد رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين، ولكن لم يكن يستطيع أن يناوئهم، بل كان مضطرًا إلى إظهار الودّ والصفاء نظرًا إلى الظروف، وعلى رأس هؤلاء عبد الله بن أبي، فقد كانت الأوس والخزرج اجتمعوا على سيادته بعد حرب بُعَاث ـ ولم يكونوا اجتمعوا على سيادة أحد قبله ـ وكانوا قد نظموا له الخَرْز، ليُتَوِّجُوه ويُمَلّكُوه، وكان على وشك أن يصير ملكًا على أهل المدينة إذ بوغت بمجىء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانصراف قومه عنه إليه، فكان يرى أنه استلبه الملك، فكان يبطن شديد العداوة ضده، ولما رأي أن الظروف لا تساعده على شركه، وأنه سوف يحرم بقايا العز والشرف وما يترتب عليهما من منافع الحياة الدنيا أظهر الإسلام بعد بدر ولكن بقى مستبطنًا الكفر، فكان لا يجد مجالًا يكيد فيه برسول الله صلى الله عليه وسلم وبالمسلمين إلا ويأتيه، وكان أصحابه ـ من الرؤساء الذين حرموا المناصب المرجوة في ملكه ـ يساهمونه ويدعمونه في تنفيذ خططه، وربما كانوا يتخذون بعض الشباب وسذجة المسلمين عميلًا لتنفيذ خطتهم من حيث لا يشعر‏.‏

    أما اليهود فإنهم كانوا في الحقيقة عبرانيين ولكن بعد الانسحاب إلى الحجاز اصطبغوا بالصبغة العربية في الزى واللغة والحضارة، حتى صارت أسماؤهم وأسماء قبائلهم عربية، وحتى قامت بينهم وبين العرب علاقة الزواج والصهر، إلا أنهم احتفظوا بعصبيتهم الجنسية، ولم يندمجوا في العرب قطعًا، بل كانوا يفتخرون بجنسيتهم اليهودية وكانوا يحتقرون العرب احتقارًا بالغًا وكانوا يرون أن أموال العرب مباحة لهم، يأكلونها كيف شاءوا، قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 75‏]‏‏.‏ ولم يكونوا متحمسين في نشر دينهم، وإنما جل بضاعتهم الدينية هي‏:‏ الفأل والسحر والنفث والرقية وأمثالها، وبذلك كانوا يرون أنفسهم أصحاب علم وفضل وقيادة روحانية‏.‏

    وكانوا أصحاب دسائس ومؤامرات وعتو وفساد؛ يلقون العداوة والشحناء بين القبائل العربية المجاورة، ويغرون بعضها على بعض بكيد خفي لم تكن تشعره تلك القبائل، فكانت تتطاحن في حروب، ولم تكد تنطفئ نيرانها حتى تتحرك أنامل اليهود مرة أخرى لتؤججها من جديد‏.‏ فإذا تم لهم ذلك جلسوا على حياد يرون نتائج هذا التحريض والإغراء، ويستلذون بما يحل بهؤلاء المساكين ـ العرب ـ من التعاسة والبوار، ويزودونهم بقروض ثقيلة ربوية حتى لا يحجموا عن الحرب لعسر النفقة‏.‏‏

    وكانت في يثرب منهم ثلاث قبائل مشهورة‏:‏
    1ـ بنو قَيْنُقَاع ‏:‏ وكانوا حلفاء الخزرج، وكانت ديارهم داخل المدينة‏.‏
    2ـ بنو النَّضِير‏:‏ وكانوا حلفاء الخزرج، وكانت ديارهم بضواحى المدينة‏.‏
    3ـ بنو قُرَيْظة‏:‏ وكانوا حلفاء الأوس، وكانت ديارهم بضواحى المدينة‏.‏


    وهذه القبائل هي التي كانت تثير الحروب بين الأوس والخزرج منذ أمد بعيد، وقد ساهمت بأنفسها في حرب بُعَاث، كل مع حلفائها‏.‏

    وطبعًا فإن اليهود لم يكن يرجى منهم أن ينظروا إلى الإسلام إلا بعين البغض والحقد؛ فالرسول لم يكن من أبناء جنسهم حتى يُسَكِّن جَأْشَ عصبيتهم الجنسية التي كانت مسيطرة على نفسياتهم وعقليتهم، ودعوة الإسلام لم تكن إلا دعوة صالحة تؤلف بين أشتات القلوب، وتطفئ نار العداوة والبغضاء، معنى كل ذلك أن قبائل يثرب العربية ستتآلف فيما بينها، وحينئذ لابد من أن تفلت من براثن اليهود، فيفشل نشاطهم التجارى، ويحرمون أموال الربا الذي كانت تدور عليه رحى ثروتهم، بل يحتمل أن تتيقظ تلك القبائل، فتدخل في حسابها الأموال الربوية التي أخذتها اليهود‏.‏

    كان اليهود يدخلون كل ذلك في حسابهم منذ عرفوا أن دعوة الإسلام تحاول الاستقرار في يثرب؛ ولذلك كانوا يبطنون أشد العداوة ضد الإسلام، وضد رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أن دخل يثرب، وإن كانوا لم يتجاسروا على إظهارها إلا بعد حين‏.‏

    يشهد بذلك أيضًا ما رواه البخاري في إسلام عبد الله بن سَلاَم رضي الله عنه فقد كان حبرًا من فطاحل علماء اليهود، ولما سمع بمقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة في بني النجار جاءه مستعجلًا، وألقى إليه أسئلة لا يعلمها إلا نبى، ولما سمع ردوده صلى الله عليه وسلم عليها آمن به ساعته ومكانه، ثم قال له‏:‏ إن اليهود قوم بُهْتٌ، إن علموا بإسلامي قبل أن تسألهم بَهَتُونِى عندك، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءت اليهود، ودخل عبد الله بن سلام البيت‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏أي رجل فيكم عبد الله بن سلام‏؟‏‏]‏ قالوا‏:‏ أعلمنا وابن أعلمنا، وأخيرنا وابن أخيرنا ـ وفي لفظ‏:‏ سيدنا وابن سيدنا‏.‏ وفي لفظ آخر‏:‏ خيرنا وابن خيرنا، وأفضلنا وابن أفضلنا ـ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏أفرأيتم إن أسلم عبد الله‏؟‏‏]‏ فقالوا‏:‏ أعاذه الله من ذلك ‏[‏مرتين أو ثلاثا‏]‏، فخرج إليهم عبد الله فقال‏:‏ أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله، قالوا‏:‏ شرّنا وابن شرّنا، ووقعوا فيه‏.‏ وفي لفظ‏:‏ فقال‏:‏ يا معشر اليهود، اتقوا الله، فوالله الذي لا إله إلا هو، إنكم لتعلمون أنه رسول الله، وأنه جاء بحق‏.‏ فقالوا‏:‏ كذبت‏.‏

    وهذه أول تجربة تلقاها رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليهود في أول يوم دخل فيه المدينة‏.‏

    وقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمعالجة كل القضايا أحسن قيام، بتوفيق من الله وتأييده، فعامل كل قوم بما كانوا يستحقونه من الرأفة والرحمة أو الشدة والنكال،وذلك بجانب قيامه بتزكية النفوس وتعليم الكتاب والحكمة، ولا شك أن جانب التزكية والتعليم والرأفة والرحمة كان غالبًا على جانب الشدة والعنت ـ حتى عاد الأمر إلى الإسلام وأهله في بضع سنوات‏.

    بناء المسجد النبوي
    وأول خطوة خطاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك هو بناء المسجد النبوي، واختار له المكان الذي بركت فيه ناقته صلى الله عليه وسلم، فاشتراه من غلامين يتيمين كانا يملكانه، وأسهم في بنائه بنفسه، فكان ينقل اللبِن والحجارة ويقول‏:‏

    [poem=font="Simplified Arabic,4,deeppink,normal,norma l" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
    ‏اللهم لا عَيْشَ إلا عَيْشُ الآخرة=فاغْفِرْ للأنصار والمُهَاجِرَة‏‏[/poem]

    وكان يقول‏:‏
    [poem=font="Simplified Arabic,4,deeppink,normal,norma l" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
    ‏‏هذا الحِمَالُ لا حِمَال خَيْبَر=هــذا أبـَــرُّ رَبَّنَا وأطْـهَر‏‏[/poem]
    وكان ذلك مما يزيد نشاط الصحابة في العمل، حتى إن أحدهم ليقول‏:‏

    وكانت في ذلك المكان قبور للمشركين، وكان فيه خرب ونخل وشجرة من غَرْقَد، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبور المشركين فنبشت، وبالخَرِب فسويت، وبالنخل والشجرة فقطعت، وصفت في قبلة المسجد، وكانت القبلة إلى بيت المقدس، وجعلت عضادتاه من حجارة، وأقيمت حيطانه من اللبن والطين، وجعل سقفه من جريد النخل، وعُمُده الجذوع، وفرشت أرضه بالرمال والحصباء، وجعلت له ثلاثة أبواب، وطوله مما يلى القبلة إلى مؤخره مائة ذراع، والجانبان مثل ذلك أو دونه، وكان أساسه قريبًا من ثلاثة أذرع‏.‏

    وبني بجانبه بيوتًا بالحجر واللبن، وسقفها بالجريد والجذوع، وهي حجرات أزواجه صلى الله عليه وسلم، وبعد تكامل الحجرات انتقل إليها ‏.‏

    ولم يكن المسجد موضعًا لأداء الصلوات فحسب، بل كان جامعة يتلقى فيها المسلمون تعاليم الإسلام وتوجيهاته، ومنتدى تلتقى وتتآلف فيه العناصر القبلية المختلفة التي طالما نافرت بينها النزعات الجاهلية وحروبها، وقاعدة لإدارة جميع الشئون وبث الانطلاقات، وبرلمان لعقد المجالس الاستشارية والتنفيذية‏.‏

    وفي أوائل الهجرة شرع الأذان، تلك النغمة العلوية التي تدوى في الآفاق، وتهز أرجاء الوجود، تعلن كل يوم خمس مرات بأن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وتنفي كل كبرياء في الكون وكل دين في الوجود، إلا كبرياء الله، والدين الذي جاء به عبده محمد رسول الله‏.‏ وقد تشرف برؤيته في المنام أحد الصحابة الأخيار عبد الله بن زيد بن عبد ربه رضي الله عنه فأقره النبي صلى الله عليه وسلم وقد وافقت رؤياه رؤيا عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأقره النبي صلى الله عليه وسلم، والقصة بكاملها مروية في كتب السنة والسيرة‏.‏

    المؤاخاة بين المسلمين
    ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم بجانب قيامه ببناء المسجد‏:‏ مركز التجمع والتآلف، قام بعمل آخر من أروع ما يأثره التاريخ، وهو عمل المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، قال ابن القيم‏:‏ ثم أخي رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار في دار أنس بن مالك، وكانوا تسعين رجلًا، نصفهم من المهاجرين، ونصفهم من الأنصار، أخي بينهم على المواساة، ويتوارثون بعد الموت دون ذوى الأرحام إلى حين وقعة بدر، فلما أنزل الله عز وجل‏:‏ ‏{‏وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏ 75‏]‏ رد التوارث إلى الرحم دون عقد الأخوة‏.‏

    ومعنى هذا الإخاء أن تذوب عصبيات الجاهلية، وتسقط فوارق النسب واللون والوطن، فلا يكون أساس الولاء والبراء إلا الإسلام‏.‏

    روى البخاري‏:‏ أنهم لما قدموا المدينة أخي رسول الله صلى الله عليه وسلم بين عبد الرحمن وسعد ابن الربيع، فقال لعبد الرحمن‏:‏ إني أكثر الأنصار مالًا، فاقسم مالى نصفين، ولى امرأتان، فانظر أعجبهما إليك فسمها لي، أطلقها، فإذا انقضت عدتها فتزوجها، قال‏:‏ بارك الله لك في أهلك ومالك، وأين سوقكم‏؟‏ فدلوه على سوق بني قينقاع، فما انقلب إلا ومعه فضل من أقِطٍ وسَمْنٍ، ثم تابع الغدو، ثم جاء يومًا وبه أثر صُفْرَة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏مَهْيَمْ‏؟‏‏]‏ قال‏:‏ تزوجت‏.‏ قال‏:‏ ‏[‏كم سقت إليها‏؟‏‏]‏ قال‏:‏ نواة من ذهب‏.

    ميثاق التحالف الإسلامي

    وكما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بعقد هذه المؤاخاة بين المؤمنين، قام بعقد معاهدة أزاح بها ما كان بينهم من حزازات في الجاهلية، وما كانوا عليه من نزعات قبلية جائرة، واستطاع بفضلها إيجاد وحدة إسلامية شاملة‏.‏ وفيما يلى بنودها ملخصًا‏:‏

    هذا كتاب من محمد النبي صلى الله عليه وسلم بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب، ومن تبعهم فلحق بهم، وجاهد معهم‏:‏

    1ـ إنهم أمة واحدة من دون الناس‏.‏
    2ـ المهاجرون من قريش على رِبْعَتِهم يتعاقلون بينهم، وهم يَفْدُون عَانِيهم بالمعروف والقسط بين المؤمنين، وكل قبيلة من الأنصار على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة منهم تفدى عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين‏.‏
    3ـ وإن المؤمنين لا يتركون مُفْرَحًا بينهم أن يعطوه بالمعروف في فداء أو عقل‏.‏
    4ـ وإن المؤمنين المتقين على من بغى منهم، أو ابتغى دَسِيعة ظلم أو إثم أو عدوان أو فساد بين المؤمنين‏.‏
    5ـ وإن أيديهم عليه جميعًا، ولو كان ولد أحدهم‏.‏
    6ـ ولا يقتل مؤمن مؤمنا في كافر‏.‏
    7ـ ولا ينصر كافرًا على مؤمن‏.‏
    8 ـ وإن ذمة الله واحدة يجير عليهم أدناهم‏.‏
    9ـ وإن من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة، غير مظلومين ولا متناصرين عليهم‏.‏
    10ـ وإن سلم المؤمنين واحدة؛ لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله إلا على سواء وعدل بينهم‏.‏
    11 ـ وإن المؤمنين يبيء بعضهم على بعض بما نال دماءهم في سبيل الله‏.‏
    12 ـ وإنه لا يجير مشرك مالًا لقريش ولا نفسًا، ولا يحول دونه على مؤمن‏.‏
    13 ـ وإنه من اعتبط مؤمنًا قتلًا عن بينة فإنه قود به إلا أن يرضى ولي المقتول‏.‏
    14 ـ وإن المؤمنين عليه كافة، ولا يحل لهم إلا قيام عليه‏.‏
    15 ـ وإنه لا يحل لمؤمن أن ينصر محدثًا ولا يؤويه، وأنه من نصره أو آواه فإن عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة، ولا يؤخذ منه صَرْف ولا عَدْل‏.‏
    16 ـ وإنكم مهما اختلفـتم فيه من شيء، فإن مرده إلى الله ـ عز وجل ـ وإلى محمـد صلى الله عليه وسلم‏.‏


    أثر المعنويات في المجتمع
    بهذه الحكمة وبهذا التدبير أرسى رسول الله صلى الله عليه وسلم قواعد مجتمع جديد، كانت صورته الظاهرة بيانا وآثارًا للمعاني التي كان يتمتع بها أولئك الأمجاد بفضل صحبة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتعهدهم بالتعليم والتربية، وتزكية النفوس، والحث على مكارم الأخلاق، ويؤدبهم بآداب الود والإخاء والمجد والشرف والعبادة والطاعة‏.‏

    سأله رجل‏:‏ أي الإسلام خير‏؟‏ قال‏:‏ ‏[‏تطعم الطعام، وتقرئ السلام على من عرفت ومن لم تعرف‏]‏‏.‏

    قال عبد الله بن سلام‏:‏ لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة جئت، فلما تبينت وجهه، عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، فكان أول ما قال‏:‏ ‏[‏يا أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام‏]‏
    وكان يقول‏:‏ ‏[‏لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه‏]
    ويقول‏:‏ ‏[‏المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده‏]
    ويقول‏:‏ ‏[‏لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه‏]
    ويقول‏:‏ ‏[‏المؤمنون كرجل واحد، إن اشتكى عينه اشتكى كله، وإن اشتكى رأسه اشتكى كله‏]‏‏.‏
    ويقول: [لا تباغضوا، ولا تحاسدون، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخواناً، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام].

    كان يجعل إماطة الأذى عن الطريق صدقة، ويعدها شعبة من شعب الإيمان .
    يقول عبد الله بن مسعود رضى الله عنه: من كان مستنا فليستن بمن قد مات، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة، أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، كانوا أفضل هذه الأمة؛ وأبرها قلوباً، وأعمقها علما، وأقلها تكلفاً، اختارهم الله لصحبة نبيه، ولإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم، وابتعوهم على أثرهم، وتمسكوا بما استطعتم من أخلاقهم وسيرهم، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم.

    وبمثل هذه المعنويات الشامخة تكاملت عناصر المجتمع الجديد الذي واجه كل تيارات الزمان حتى صرف وجهتها، وحول مجرى التاريخ والأيام.

    معاهدة مع اليهود
    كان أقرب من يجاور المدينة من غير المسلمين هم اليهود وهم وإن كانوا يبطنون العداوة للمسلمين، لكن لم يكونوا أظهروا أية مقاومة أو خصومة بعد، فعقد معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم معاهدة قرر لهم فيها النصح والخير، وترك لهم فيها مطلق الحرية في الدين والمال، ولم يتجه إلى سياسة الإبعاد أو المصادرة والخصام‏.‏
    وفيما يلى أهم بنود هذه المعاهدة‏:‏

    1- إن يهود بنى عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم مواليهم وأنفسهم، وكذلك لغير بنى عوف من اليهود‏.‏
    2-وإن على اليهود نفقتهم، وعلى المسلمين نفقتهم‏.‏
    3- وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة‏.‏
    4- وإن بينهم النصح والنصحية، والبر دون الإثم‏.‏
    5- وإنه لم يأثم امرؤ بحليفه‏.‏
    6- وإن النصر للمظلوم‏.‏
    7- وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين‏.‏
    8-وإن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة‏.‏
    9- وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده فإن مرده إلى الله عز وجل، وإلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏
    10- وإنه لا تجار قريش ولا من نصرها‏.‏
    11- وإن بينهم النصر على من دَهَم يثرب‏.‏‏.‏ على كل أناس حصتهم من جابنهم الذي قبلهم‏.‏
    12- وإنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم أو آثم‏.‏


    وبإبرام هذه المعاهدة صارت المدينة وضواحيها دولة وفاقية، عاصمتها المدينة، ورئيسها رسول الله صلى الله عليه وسلم، والكلمة النافذة والسلطان الغالب فيها للمسلمين‏.‏
    ولتوسيع منطقة الأمن والسلام عاهد النبي صلى الله عليه وسلم قبائل أخرى في المستقبل بمثل هذه المعاهدة، حسب ما اقتضته الظروف، وسيأتي ذكر شيء عنها‏.‏

    الكفاح الدامي

    استفزازات قريش واتصالهم بعبد الله بن أبي

    تقدم ما أدلى به كفار مكة من التنكيلات والويلات على المسلمين في مكة، ثم ما أتوا به من الجرائم التي استحقوا لأجلها المصادرة والقتال، عند الهجرة، ثم إنهم لم يفيقوا من غيهم ولا امتنعوا عن عدوانهم بعدها، بل زادهم غيظاً أن فاتهم المسلمون ووجدوا مأمناً ومقراً بالمدنية، فكتبوا إلى عبد الله بن أبي سلول- وكان إذ ذاك مشركاً - بصفته رئيس الأنصار قبل الهجرة - فمعلوا أنهم كانوا قد اتفقوا عليه، وكادوا يجعلونه ملكاً على أنفسهم لولا أن هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم، وآمنوا به - كتبوا إليه وإلى أصحابه المشركين، يقولون لهم في كلمات باتة‏:‏

    إنكم آويتم صاحبنا، وإنا نقسم بالله لتقاتلنه أو لتخرجنه، أو لنسيرن إليكم بأجمعنا حتى نقتل مقاتلتكم، ونستبيح نساءكم‏.‏

    وبمجرد بلوغ هذا الكتاب قام عبد الله بن أبي ليمتثل أوامر إخوانه المشركين من أهل مكة - وقد كان يحقد على النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ لما يراه أنه استبله ملكه- يقول عبد الرحمن بن كعب‏:‏ فلما بلغ ذلك عبد الله بن أبي ومن كان معه من عبدة الأوثان اجتمعوا لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم لقيهم، فقال‏:‏ ‏‏(‏لقد بلغ وعيد قريش منكم المبالغ، ما كانت تكيدكم بأكثر ما تريدون أن تكيدوا به أنفسكم، تريدون أن تقالوا أبناءكم وإخوانكم‏)‏، فلما سمعوا ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم تفرقوا‏.‏

    الإذان بالقتال
    في هذه الظروف الخطيرة التي كانت تهدد كيان المسلمين بالمدينة، وتنبئ عن قريش أنهم لا يفيقون عن غيهم ولا يمتنعون عن تمردهم بحال، أنزل الله تعالى الإذن بالقتال للمسلمين ولم يفرضه عليهم، قال تعالى‏:‏ ‏{‏أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ‏}‏ ‏[‏الحج‏:‏ 39‏]‏‏.‏

    وأنزل معه آيات بين لهم فيها أن هذا الإذن إنما هو لإزاحة الباطل وإقامة شعائر الله، قال تعالى‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ‏}‏ ‏[‏الحج‏:‏ 41‏]‏‏.‏

    وكان الإذن مقتصراً على قتال قريش، ثم تطور فيما بعد مع تغير الظروف حتى وصل إلى مرحلة الوجوب، وجاوز قريشاً إلى غيرهم
    لما نزل الإذن بالقتال رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبسط سيطرته على الطريق الرئيس الذي تسلكه قريش من مكة إلى الشام في تجاراتهم، واختار لذلك خطتين‏:‏

    الأولى‏:‏ عقد معاهدات الحلف أو عدم الاعتداء مع القبائل التي كانت مجاورة لهذا الطريق، أو كانت تقطن ما بين هذا الطريق وما بين المدينة، وقد عقد صلى الله عليه وسلم معاهدة مع جهينة قبل الأخذ في النشاط العسكري، وكانت مساكنهم على ثلاث مراحل من المدينة، كما عقد معاهدات أخرى أثناء دورياته العسكرية، وسيأتي ذكرها‏.‏

    الثانية‏:‏ إرسال البعوث واحدة تلو الأخرى إلى هذا الطريق‏.‏

    الغزوات والسرايا قبل بدر

    قبل أن نخوض في عباب بحر السرايا والغزوات رأيت أن أبين الفرق بين السرية والغزوة
    فالغزوة هو كل جيش يجهز ويكون على رأسه أو قيادته الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، أما السريّة فكان كل جيش يجهز ويكون على رأسه أو في قياتدته رجل من أصحابه صلى الله عليه وسلم.

    فيما يلى أحوال هذه السرايا بالإيجاز‏:‏

    1- سرية سيف البحر
    في رمضان سنة 1 هـ، الموافق مارس سنة 623م، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذه السرية حمزة بن عبد المطلب، وبعثه في ثلاثين رجلاً من المهاجرين يعترضون عيراً لقريش جاءت من الشام، وفيها أبو جهل بن هشام في ثلاثمائة رجل، فلبغوا سيف البحر من ناحية العيص، فالتقوا واصطفوا للقتال، فمشى مجدي بن عمرو الجني ـ وكان حليفاً للفريقين جميعاً ـ بين هؤلاء وهؤلاء حتى جحز بينهم فلم يقتتلوا‏.‏

    وكان لواء حمزة أول لواء عقده رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أبيض، وحمله أبو مرثد كَناز بن حصين الغَنَوي‏.‏

    2-سرية رابغ‏:‏
    في شوال سنة 1 من الهجرة، الموافق أبريل سنة 632م، بعث لها رسول الله صلى الله عليه وسلم عبيدة بن الحارث بن المطلب في ستين رجلاً من المهاجرين، فلقى أبا سفيان - وهو في مائتين - على بطن رابغ، وقد ترامي الفريقان بالنبل، ولم يقع قتال‏.‏

    وفي هذه السرية انضم رجلان من جيش مكة إلى المسلمين، وهما المقداد بن عمرو البهراني، وعتبه بن غزوان المارني، وكانا مسلمين خرجا مع الكفار ليكون ذلك وسيلة للوصول إلى المسلمين، وكان لواء عبيدة أبيض، وحامله مسطح بن أثاثة بن المطلب بن عبد مناف‏.‏

    3- سرية الخرار
    في ذي العقدة سنة 1 هـ، الموافق مايو سنة 623م، بعث لها رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن أبي وقاص في عشرين رجلا يعترضون عيراً لقريش، وعهد إليه إلا يجاوز الخرار، فخرجوا مشاة يكمنون بالنهار، ويسيرون بالليل، حتى بلغوا الخرار صبيحة خمس، فوجدوا العير قد مرت بالأمس‏.‏

    كان لواء سعد رضى الله عنه أبيض، وحمله المقداد بن عمرو‏.‏

    4-غزوة الأبواء أو ودان‏:
    في صفر سنة 2 هـ، الموافق أغسطس سنة 623م، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها بنفسه في سبعين رجلاً من المهاجرين خاصة يعترض عيراً لقريش، حتى بلغ ودان، فلم يلق كيداً، واستخلف فيها على المدينة سعد بن عبادة رضى الله عنه‏.‏

    وفي هذه الغزوة عقد معاهدة حلف مع عمرو بن مخشى الضمري، وكان سيد بنى ضمرة في زمانه، وهذا نص المعاهدة‏:‏ ‏‏(‏هذا كتاب من محمد رسول الله لبني ضمره، فإنهم آمنون على أموالهم وأنفسهم، وإن لهم النصر على من رامهم إلا أن يحاربوا دين الله ن ما بل بحر صوفة وأن النبي إذا دعاهم لنصره أجابوه‏)‏‏.‏

    وهذه أول غزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت غيبته خمس عشرة ليلة، وكان اللواء أبيض وحامله حمزة بن عبد المطلب‏.‏

    5- غزوة بواط‏:‏
    في شهر ربيع الأول سنة 2 هـ الموافق سبتمبر سنة 623م، خرج فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم في مائتين من أصحابه، يعترض عيراً لقريش فيها أمية بن خلف الجمحي ومائة رجل من قريش، وألفان وخمسمئة بعير، فبلغ بواطا من ناحية رضوى ولم يلق كيدا‏.‏
    واستخلف في هذه الغزوة على المدينة سعد بن معاذ، واللواء كان أبيض، وحامله سعد بن أبي وقاص رضى الله عنه‏.‏

    6-غزوة سفوان
    في شهر ربيع الول سنة 2 هـ، الموافق سبتمبر سنة 623م، أغار كرز بن جابر الفهري في قوات خفيفة من المشركين على مراعي المدينة، ونهب بعض المواشي فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبعين رجلاً من أصحابه لمطارته، حتى بلغ وادياً يقال له‏:‏ سفوان من ناحية بدر، ولكنه لم يدرك كرزاً وأصحابه، فرجع من دون حرب، وهذه الغزوة تسمى بغزوة بدر الأولى‏.‏
    واستخلف في هذه الغزوة على المدينة زيد بن حارثة، وكان اللواء أبيض، وحامله علي بن أبي طالب‏.‏

    7- غزوة ذي العشيرة‏:‏
    في جمادى الأولى، وجمادى الآخرة سنة 2 هـ، الموافق نوفمبر وديسمبر سنة 623هـ، خرج فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم في خمسين ومائة ويقال‏:‏ في مائتين، من المهاجرين، ولم يكره أحداً على الخروج، وخرجوا على ثلاثين بعيراً يعتقبونها، يعترضون عيراً لقريش، ذاهبة إلى الشام، وقد جاء الخبر بفصولها من مكة، فيها أموال لقريش فبلغ ذا العشيرة، فوجد العير قد فاتته بأيام، وهذه هي العير التي خرج في طلبها حين رجعت من الشام، فصارت سبباً لغزوة بدر الكبرى‏.‏

    وكان خروجه صلى الله عليه وسلم في أواخر جمادى الأولى، ورجوعه في أوائل جمادى الآخرة، على ما قاله ابن إسحاق، ولعل هذه هو سبب اختلاف أهل السير في تعيين شهر هذه الغزوة‏.‏

    وفي هذه الغزوة عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم معاهدة عدم اعتداء مع بنى مدلج وحلفائهم من بنى ضمرة‏.‏

    واستخلف على المدينة في هذه الغزوة أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي، وكان اللواء أبيض، وحامله حمزة بن عبد الملطب رضي الله عنه‏.‏

    8- سرية نخلة‏:
    في رجب سنة 2 هـ، الموافق يناير سنة 624م، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب له كتاباً، وأمره ألا ينظر فيه حتى يسير يومين، ثم ينظر فيه‏.‏ فسار عبد الله ثم قرأ الكتاب بعد يومين، فإذا فيه‏:‏ ‏‏(‏إذا نظرت في كتابي هذا فامض حتى تنزل نخلة بين مكلة والطائف، فترصد بها عير قريش وتعلم لنا من أخبارهم‏)‏‏.‏ فقال‏:‏ سمعاً وطاعة، وأخبر أصحابه بذلك، وأنه لا يستكرههم، فمن أحب الشهادة فلينهض، ومن كره الموت فليرجع، وأما أنا فناهض، فنهضوا كلهم، غير أنه لما كان في أثناء الطريق أضل سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان بعيراً لهما كانا يعتقبانه، فتخلفا في طلبه‏.‏

    وسار عبد الله بن جحش حتى نزل بنخلة، فمرت عير لقريش تحمل زبيباً وأدماً وتجارة، وفيها عمرو بن الخضرمي، وعثمان ونوفل ابنا عبد الله بن المغيرة، والحكم ابن كيسان مولى بني المغيرة‏.‏ فتشاور المسلمون وقالوا‏:‏ نحن في آخر يوم من رجب الشهر الحرام، فإن قاتلناهم انتهكنا الشهر الحرام، وإن تركناهم الليلة دخلوا الحرم، ثم اجتمعوا على اللقاء، فرمى أحدهم عمرو بن الحضرمي فقتله، وأسروا عثمان والحكم وأفلت نوفل، ثم قدموا بالعير والأسيرين إلى المدينة، وقد عزلوا من ذلك الخمس، وهو أو خمس كان في الإسلام، وأول قتيل في الإسلام، وأول أسيرين في الإسلام‏.‏

    وأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ما فعلوه، وقال‏:‏ ‏‏(‏ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام‏)‏ وتوقف عن التصرف في العير والأسيرين‏.‏

    ووجد المشركون فيما حدث فرصة لاتهام المسلمين بأنهم قد أحلوا ما حرم الله، وكثر في ذلك القيل والقال، حتى نزل الوحي حاسماً هذه الأقاويل وأن ما عليه المشروكون أكبر وأعظم مما ارتكبه المسلمون‏:‏ ‏{‏يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 217‏]‏‏.‏

    فقد صرح هذا الوحي بأن الضجة التي افتعلها المشركون لإثارة الريبة في سيرة المقاتلين المسلمين لا مساغ لها، فإن الحرمات المقدسة قد انتهكت كلها في محاربة الإسلام، واضطهاد أهله، ألم يكن المسلمون مقيمين بالبلد الحرام حين تقرر سلب أموالهم وقتل نبيهم‏؟‏ فما الذي أعاد لهذه الحرمات قداستها فجأة، فأصبح انتهاكها معرة وشناعة‏؟‏ لا جرم أن الدعاية التي أخذ ينشرها المشركون دعاية تبتني على وقاحة ودعارة‏.‏

    تلكم السرايا والغزوات قبل بدر، لم يجر في احد منها سلب الأموال وقتل الرجال إلا بعد ما ارتكبه المشركون في قيادة كرز بن جابر الفهري، فالبداية إنما هي من المشركين مع ما كانوا قد أتوه قبل ذلك من الأفاعيل‏.‏

    وبعد وقوع ما وقع في سرية عبد الله بن جحش تحقق خوف المشركين وتجسد أمامهم الخطر الحقيقي، ووقعوا فيما كانوا يخشون الوقوع فيه، وعلموا أن المدينة في غاية من التيقظ والتربص، تترقب كل حركة من حركاتهم التجارية، وأن المسلمين يستطيعون أن يزحفوا إلى ثلاثمائة ميل تقريباً، ثم يقلتوا ويأسروا رجالهم، ويأخذوا أموالهم، ويرجعوا سالمين غانمين، وشعر هؤلاء المشركون بأن تجارتهم إلى الشام أمام خطر دائم، لكنهم بدل أن يفيقوا عن غيهم، ويأخذوا طريق الصلاح والموادعة - كما فعلت جهينة وبنو ضمرة ازدادوا حقداً وعيظاً، وصمم صناديدهم وكبراؤهم على ما كانوا يوعدون ويهددون به من قبل‏:‏ من إبادة المسلمين في عقر دارهم، وهذا هو الطيش الذي جاء بهم إلى بدر‏.‏

    أما المسلمون فقد فرض الله عليهم القتال بعد وقعة سرية عبد الله بن جحش في شهر شعبان سنة 2 هـ، وأنزل في ذلك آيات بينات‏:‏ ‏{‏وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏190‏:‏ 193‏]‏‏.‏

    ثم لم يلبث أن أنزل الله تعالى عليهم آيات من نوع آخر، يعلمهم فيها طريقة القتال، ويحثهم عليه، ويبين لهم بعض أحكامه‏:‏ ‏{‏فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاء اللهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ‏}‏ ‏[‏محمد‏:‏ 4‏:‏ 7‏]‏‏.‏

    ثم ذم الله الذين طفقت أفئدتهم ترجف وتخفق حين سمعوا الأمر بالقتال‏:‏ ‏{‏فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ‏}‏ ‏[‏محمد‏:‏ 20‏]‏‏.‏

    وإيجاب القتال والحض عليه، والأمر بالاستعداد له هو عين ما كانت تقتضيه الأحوال، ولو كان هناك قائد يسبر أغوار الظروف لأمر جنده بالاستعداد لجميع الطورائ، فكيف بالرب العليم المتعال، فالظروف كانت تقتضى عراكاً دامياً بين الحق والباطل، وكانت وقعة سرية عبد الله بن جحش ضربة قاسية على غيرة المشركين وحميتهم، آلمتهم وتركتهم يتقلبون على مثل الجمر‏.‏

    وآيات الأمر بالقتال تدل بفحواها على قرب العراك الدامي، وأن النصر والغلبة فيه للمسلمين نهائيا، انظر كيف يأمر الله المسلمين بإخراج المشركين من حيث أخرجوهم، وكيف يعلمهم أحكام الجند المتغلب في الأساري والإثخان في الأرض حتى تضع الحرب أوزارها، هذه كلها إشارة إلى غلبة المسلمين نهائياً‏.‏ ولكن ترك كل ذلك مستوراً حتى يأتي كل رجل بما فيه من التحمس في سبيل الله‏.‏

    وفي هذه الأيام - في شعبان سنة 2 هـ / فبراير 624م - أمر الله تعالى بتحويل القبلة من بيت المقدس إلى المسجد الحرام، وأفاد ذلك أن الضعفاء والمنافقين من اليهود الذين كانوا قد خلوا صفوف المسلمين لإثارة البلبلة، انكشفوا عن المسلمين ورجعوا إلى ما كانوا عليه، وهكذا تطهرت صفوف المسلمين عن كثير من أهل الغدر والخيانة‏.‏

    ولعل في تحويل القبلة إشارة لطيفة إلى بداية دور جديد لا ينتهي إلى بعد احتلال المسلمين هذه القبلة، أو ليس من العجب أن تكون قبلة قوم بيد أعدائهم، وإن كانت بأيديهم فعلا فلابد من تخليصها يوما ما إن كانوا على الحق‏.‏

    وبهده الأوامر والإشارات زاد نشاط المسلمين، واشتد شوقهم إلى الجهاد في سبيل الله، ولقاء العدو في معركة فاصلة لإعلاء كلمة الله‏.‏


    إلى هنا وتنتهي حلقتنا لهذا اليوم .. على أن ألقاكم غداً إنشاء الله ..
    في حلقة جديدة من حلقات السيرة النبوية ...

    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،[/frame]
    [align=center][/align]

  2. #2
    الصورة الرمزية عمر باعقيل
    تاريخ التسجيل : Sep 2004
    رقم العضوية : 2302
    الاقامة : جــــدة
    المشاركات : 11,830
    هواياتى : الانترنت - الرسم
    My SMS : تدري وش معنى كرامه .. ؟ يعني انسان يترك انسان من اجل حبه واحترامه..!! تدري وش ذل الكرامه ...؟ انك تخ
    MMS :
    الحالة غير متصل
    معدل تقييم المستوى : 552
    Array



    بارك الله فيك أخي الأصيل ..
    وجزاك كل الخير ..
    ألف ألف شكر لجهودك..
    دمت في حفظ الله ورعيته

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. عظماء في الإسلام 1
    بواسطة shadow hearts في المنتدى الــدرة الإسـلاميـة
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: 21-02-2004, 12:41 AM
  2. كيف نتأثر ونحفظ القرآن عقليا وجسديا
    بواسطة أعــز النــاس في المنتدى الــدرة الإسـلاميـة
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 19-01-2004, 09:16 PM
  3. ~*~ العباده الربانيّــــه والعباده الرمضانيه ~*~
    بواسطة رمز في المنتدى الــدرة الإسـلاميـة
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 10-12-2003, 11:39 AM
  4. وقفة في فن الدعوة....!!!
    بواسطة ابو دعاء في المنتدى الــدرة الإسـلاميـة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 22-11-2003, 05:19 PM
  5. منافق..منافقة..منافقون..منافقات..!!!!!!!
    بواسطة الطبيبةالداعية في المنتدى الــدرة الإسـلاميـة
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 12-04-2002, 11:12 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة واحة الدرر 1432هـ - 2011م
كل ما يكتب في هذا المنتدى يمثل وجهة نظر كاتبها الشخصية فقط