[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم
من نعم الله - تعالى - على هذه الأمة ـ أمة الإسلام ـ أن دينها الخاتم للأديان والرسالات؛ احتوى على خيري الدنيا والآخرة، في تناسق عجيب وتكامل بديع، فالله - تعالى - بيّن للأمة ما تفعل وما تدع حتى في حالات اللهو والاسترواح، ومنها الأعياد والمناسبات السعيدة ـ كالزوج مثلا ـ فلم تُترك لعبث الجاهلية، أو لتكون مدخلا للشيطان وأعوانه من الإنس والجن، فكل شيء مضبوط ومحسوب في هذا الدين.وهذا كله فيما أقره الشرع ابتداءً وأباحه، أما ما احتوى على مخالفات شرعية في أصله أو في صورته من المناسبات والأعياد، فلا يجوز لمسلم ارتكابه ومقارفته، دعك من اعتياده والإعداد له.
وأعياد الميلاد أو ما يُسمى بالكرسماس؛ إحدى المناسبات والأعياد التي تورط فيها كثير من المسلمين بسبب التغريب والغزو الحضاري، فأصبحوا يحتفلون بها دون النظر في أصلها، واستُزرعت كإحدى المناسبات الاجتماعية؛ التي ينتظر بعض العابثين قدومها ليستقبلوها بالموسيقى والرقص. غير أن موضوع الاحتفال بالكرسماس ـ وتهنئة النصارى بذلك ـ ينطوي على جانب عقدي خطير يجدر بالمسلم أن ينتبه له، فالنصارى يعتقدون أن المسيح إله، وأن الله - تعالى - ثالث ثلاثة، ويتصل بهذا مسألة صلب المسيح، وقيامته بعد صلبه، مما يُسمى عند الكنائس الشرقية بعيد القيامة، وهو غير بعيد زمانا ومدلولا عن الكرسماس، وكل هذه المعتقدات كفر صريح، وتهنئة النصارى بالكرسماس يتضمن إقرارهم على معتقداتهم، مما يؤدي بالمهنِئ إلى الكفر أيضا، وهذه مسألة أصبحت في زماننا هذا يجهلها كثير من المسلمين، فتوردهم المهالك. وقبل أن نمضي في الموضوع قليلا؛ نود أن نبين أن هناك فرقا كبيرا بين عدم النهي عن بر النصارى وإحسان معاملتهم والعدل معهم الواردة في الآية: " لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين "؛ وبين التهنئة بأعيادهم الدينية، لأن التهنئة ـ كما أسلفنا ـ تتضمن الإقرار بالباطل وهذا ليس داخلا في البر والقسط.
إلا أن صورة الاحتفال نفسها والتي درج عليها الناس في زماننا هذا ـ حتى في بلاد المسلمين ـ تلتبس بكثير من المعاصي، وتنطوي على جملة من المفاسد، فصورة الاحتفال أخذت طابع الحفلات الغنائية الليلية، وهذه تجر معها الموسيقى والتبرج والاختلاط، وقد تجر الخمور والمعاصي الأخرى المرتبطة بسعار الشهوات الهائج في مثل هذه التجمعات الشيطانية، كما أن نفث الشيطان في هذه المناسبات جعل روادها يبتكرون أساليب جديدة موغلة في العبثية والسخف، مثل التقافز في الشوارع من الجنسين، ورش الماء على المارة، والصياح المجنون بلا معنى... وغيرها من الصور المهووسة.
والخلاصة أن مثل هذه المظاهر التي ابتليت بها الأمة الإسلامية مؤخرا، لا يقرها الشرع الحنيف ولا يرتضيها الدين القيم، وحريّ بأمة الخير أن تستهدي بقيمها السماوية التي يحتويها دينها الخاتم، بدلا من اتباع سنن اليهود والنصارى التي ستنتهي بنا إلى جحر ضب خرب. ونسأل الله - تعالى -أن يمر علينا العام القادم وقد اختفت هذه المنكرات، وعلى كلٍ نحن أحق بالمسيح - عليه السلام - من نصارى اليوم، وهو نفسه - عليه السلام - سيتبرأ من النصارى ويكسر الصليب في آخر الزمان ويصلي خلف أحد أبناء هذه الأمة، وفي هذا دلالة على خيرية هذه الأمة وخيرية أبنائها الصالحين، وكفى بشهادة المسيح - عليه السلام - شهادةً.
[bdr][/bdr]
حكم التهنئة بالكريسماس وأعياد الكفار
[bdr][/bdr]
قال الشيخ محمد العثيمين رحمه الله:
تهنئة الكفار بعيد ( الكريسميس ) أو غيره من أعيادهم الدينية حرام بالاتفاق، كما نقل ذلك ابن القيّم - رحمه الله – في كتابه أحكام أهل الذمة، حيث قال: وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق، مثل أن يُهنئهم بأعيادهم وصومهم، فيقول: عيد مبارك عليك، أو تهنأ بهذا العيد ونحوه فهذا إن سلِمَ قائله من الكفر فهو من المحرّمات، وهو بمنزلة أن تُهنئه بسجوده للصليب بل ذلك أعظم إثماً عند الله، وأشدّ مَـقتاً من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس وارتكاب الفرج الحرام ونحوه. وكثير ممن لا قدر للدِّين عنده يقع في ذلك، ولا يدري قبح ما فعل، فمن هنّـأ عبد بمعصية أو بدعة أو كـُـفْرٍ فقد تعرّض لِمقت الله وسخطه. انتهى كلامه - رحمه الله - .
وإنما كانت تهنئة الكفار بأعيادهم الدينية حراماً وبهذه المثابة التي ذكرها ابن القيم لأن فيها إقراراً لما هم عليه من شعائر الكفر، ورِضىً به لهم، وإن كان هو لا يرضى بهذا الكفر لنفسه، لكن يَحرم على المسلم أن يَرضى بشعائر الكفر أو يُهنئ بها غيره؛ لأن الله تعالى لا يرضى بذلك، كما قال تعالى: ( إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ). وقال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ) وتهنئتهم بذلك حرام سواء كانوا مشاركين للشخص في العمل أم لا.
وإذا هنئونا بأعيادهم فإننا لا نُجيبهم على ذلك، لأنها ليست بأعياد لنا، ولأنها أعياد لا يرضاها الله تعالى، لأنها أعياد مبتدعة في دينهم، وإما مشروعة لكن نُسِخت بدين الإسلام الذي بَعَث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم إلى جميع الخلق، وقال فيه: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ).
وإجابة المسلم دعوتهم بهذه المناسبة حرام، لأن هذا أعظم من تهنئتهم بها لما في ذلك من مشاركتهم فيها.
وكذلك يَحرم على المسلمين التّشبّه بالكفار بإقامة الحفلات بهذه المناسبة، أو تبادل الهدايا، أو توزيع الحلوى، أو أطباق الطعام، أو تعطيل الأعمال ونحو ذلك، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنْ تشبّه بقوم فهو منهم". قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه " اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم ": مُشابهتهم في بعض أعيادهم تُوجب سرور قلوبهم بما هم عليه من الباطل، وربما أطمعهم ذلك في انتهاز الفرص واستذلال الضعفاء. انتهى كلامه - رحمه الله - .
ومَنْ فَعَل شيئا من ذلك فهو آثم سواء فَعَلَه مُجاملة أو تَودّداً أو حياءً أو لغير ذلك من الأسباب؛ لأنه من المُداهنة في دين الله، ومن أسباب تقوية نفوس الكفار وفخرهم بِدينهم.
والله المسؤول أن يُعزّ المسلمين بِدِينهم، ويرزقهم الثبات عليه، وينصرهم على أعدائهم. إنه قويٌّ عزيز.[/align]