السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أهنئكم أولاً بدخول شهر المغفرة والرحمة ..
وشهر الخير والبركة ..
قــال تعــالى
[
" شهــر رمضـان الـذي انـزل فيه القـرآن هدى للنــاس وبينات من الهدى والفرقان "
يكفي رمضان شرفاً وتكريماً أن اختصه الله تعالى بنزول القرآن الكريم دون سائر الشهور ..
والقرآن كتاب الله تعالى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من عزيز حميد.
ومن جوامع الكلم في القرآن قوله -صلى الله عليه وسلم-:
"أتاني جبريل فقال: يا محمد. إن الأمة مفتونةٌ بعدك. فقلت له: فما المخرجُ يا جبريل؟ فقال: كتاب الله
فيه نبأ ما قبلكم، وخبرُ ما بعدكم، وحُكم ما بينكم، وهو حبلُ الله المتين، وهو الصراطُ المستقيم
وهو قولٌ فصلٌ، ليس بالهزل، إن هذا القرآن لا يليه من جبارٍ ويعملُ بغيره، إلا قصمه الله ولا يبتغي
علماً سواه إلا أضله الله، ولا يخلق عند رده، وهو الذي لا تُفنى عجائبه، من يقل به يصدق
ومن يحكم به يعدل، ومن يعمل به يؤجر، ومن يقسم به يقسط" رواه أحمد في مسنده.
وقوله صلى الله عليه وسلم:
"إن هذا القرآن مأدبة الله، فاقبلوا من مأدبته ما استطعتم. إن هذا القرآن حبل الله، والنور المبين
والشفاء النافع، عصبة لمن تمسك به، ونجاة لمن اتبعه، لا يزيغ فيستعتب، ولا يعوج فيقوم
ولا تنقضي عجائبه، ولا يخلق من كثرة الرد. اتلوه فإن الله يأجركم على تلاوته، كل حرف
عشر حسنات. أما إني لا أقول (الم) حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف"
رواه الحاكم.
ولا يوجد شهر آخر يماثل شهر رمضان، فهو خير شهر يقف فيه الإنسان مع نفسه متدبرا متأملا
ففيه تتضاعف الحسنات، وتمحى السيئات كما روي عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم
وفي هذا الشهر فرصة كبرى للحصول على مغفرة اللَّه
فـ"إن الشقي من حرم غفران اللَّه في هذا الشهر العظيم"
كما في الحديث النبوي وقد يغفل البعض عن أن حصول تلك النتائج بحاجة إلى توجه وسعي.
وقراءة القرآن الكريم التي ورد الحث عليها في هذا الشهر المبارك، فهو شهر القرآن يقول تعالى:
{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ}
وفي الحديث الشريف:
"لكل شيء ربيع وربيع القرآن شهر رمضان".
وهذه القراءة إنما تخدم توجه الإنسان للانفتاح على ذاته، ومكاشفتها وتلمس ثغراتها وأخطائها
لكن ذلك مشروط بالتدبر في تلاوة القرآن، والاهتمام بفهم معانيه، والنظر في مدى الالتزام بأوامر القرآن ونواهيه.
وإن بعضاً من الناس تعودوا قراءة ختمات من القرآن في شهر رمضان، وهي عادة جيدة، لكن ينبغي ألا يكون
الهدف منها هو طي الصفحات دون استفادة أو تمعن.
وإذا ما قرأ الإنسان آية من الذكر الحكيم، فينبغي أن يقف متسائلا عن موقعه مما تقوله تلك الآية
ليفسح لها المجال للتأثير في قلبه، وللتغيير في سلوكه، ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"إن هذه القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد، قيل: يا رسول اللَّه فما جلاؤها؟ قال: تلاوة القرآن وذكر الموت".
وبذلك يعالج الإنسان أمراض نفسه وثغرات شخصيته فالقرآن
{شِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ}.
والحقيقة أن عبادة الصوم تجر إلى سائر العبادات لأنك إذا عرفت أنك في عبادة
حملك ذلك على أن تأتي بعبادة ثانيةوثالثة و رابعة و هلم جراً فتستكثر من العبادات و تقول:
لماذا لا أرغب في العبادات؟
كيف أقتصر على عبادة واحدة ، و العبادات كلها مرغوبة و محببة؟
فتجد الصائم صحيح الصيام يحافظ على الصلوات في الجماعة، لأنه يعرف أن الذي كلفه بالصوم
كلّفه بالصلوات، و أمره بها، فأكد على هذه كما أكد على تلك، فتجده محافظاً عليها، و تجده في حال صلاته
خاشعاً فيها غاية الخشوع، قائماً بجميع أركانها و شرائطها و مكملاتها و متمماتها و سُننها
لأنه يحاسب نفسه و يقول: كيف أكمل عبادة و أنقص عبادة؟ هذا لا يليق بي.
لا بد أن أحسن في كل عبادة أقوم بها، فتجده محافظاً على صلاته غاية المحافظة
و هكذا يدفعه الصوم إلى نوافل العبادات، لأنه عرف أن ربه يحب منه أن يدخل في العبادات كلها
فرضها و نفلها، فإذا حافظ على الفرائض حمله ذلك على الإتيان بالنوافل فتجده يتسابق إلى المساجد
و تجده يصلي الرواتب قبل الصلوات و بعدها ، و تجده يذكر الله، فيأتي بالأوراد التي قبل الصلاة و بعدها، و يسبح،
و يستغفر، و يهلل، و تجده يتلو كتاب ربه و يتدبره لا سيما في هذا الشهر -شهر رمضان- فإنه يعرف أنه
موسم من مواسم قراءة القرآن و تدبره، و تجده مع تدبره يحرص على تطبيقه و العمل به
لأنه يعرف أن هذا القرآن ما أنزل إلا ليطبق و يكون منهاجاً للحياة و دستوراً للبشرية كلها.
و هكذا فإن الصيام يحمل صاحبه على أن يستكثر من العبادات، للفوز بجزيل الثواب و النجاة من أليم العقاب
و هكذا أيضاً يحرص الصائم على عبادات مؤقتة في مثل هذا الشهر فمثلاً من سنن هذا الشهر صلاة الليل
التي هي التهجد و التراويح و هي مأمور بها و يستحب للمسلمين فعلها في المساجد جماعة.
و كما جعل الله سبحانه و تعالى النهار محلاً للصيام، فإنه جعل الليل محلاً للقيام و الاستكثار من الصلوات ..
واخيراً أرجو من الله أن يغفر لنا ويرحمنا
وأن يعتق رقابنا جميعا من النيران في شهر المغفرة والرحمة
والعتق من النيران..
مع تحياتي