و مرّت سنون ..
و لا نزالُ نبذل قصارى جهدنا ، للبحثِ عن حياةٍ أفضل ..
لا نزال .. نتوارى خلف أكاذيبٍ بيضاء - كما سُمّيت - لنخفي كذبةٍ سوداء ، و ما الكذب إلا افتراء .. سواء كانت الكذبة بيضاء - كما أسماها المحللون لهم و المحرمون على غيرهم - أم سوداء ... !
لم أشأ التفكير فيما أسلفتُ ذكره .. لكن هذا هو قلمي ، كما عهدته .. يتسللُ بهدوء تام من فكري ؛ ليكتب ما يُمليهِ عليه ذلك القلبُ الضعيف ..
لا علينا .. فليكتــب ما يشاء .. !
قررتُ في يومي هذا ، أن أستجمعَ ما تبقى من قواي .. و أُسخرها لاسترجاع بعض الذكريات ، التي جفوْتها بقسوةٍ شديدة ...
في عادتي .. كنتُ أوزّعُ أفكاري على الحروف دون تنظيم ، أنثرها كما جاءت .. كي أُبيّن حالة الشتات التي يعيشها قلبي .. و فكري المنزوي في زقاق الإستبداد .. !
أما اليوم .. فقد رسمتُ خطاً .. أسترجعُ فيهِ ذكرياتي ، مُذ أن أنشئتْ - تلك الذاكرة الصغيرة - في العقل ...
فلنمضي في قطار العمر .. و لنقف في كل محطةٍ منه .. لنستذكر أجمل أيام حياتنا .. و نستنكر .. أسوأها إطلاقاً .. !!
[c]المحطة الأولى [/c]
محطة البراءة (( الطفولة كما تُسمّى )) ، لا أحب أن أطلق عليها إلا البراءة .. لأنها حقاً .. تحتوي معنى هذه الكلمة .. التي اختفت آثارها في عصرنا المتبجح ..
سألتُ أمي يوماً : (( أماه .. وش كنت أسوي يوم كنت صغير ..؟! ))
أجابتني بإبتسامة ، إنرسمَ عليها نوع من الحزن .. يفتقدُ تلك الأيام البيضاء :
أخبرتني .. بأني كنتُ كثير البكاء ، بقدر ما كنتُ كثير الأسئلة ،، حتى إني أحرجتها عدة مرّات في حضور الأهل .. و بعض الأصدقاء ...
قالتْ - و الدمعُ يُكلّلُ مُقلتيْها - : لم تكُنْ تحّب الذهابَ إلى المدرسة ، أجدتَ إدعّاء المرض ، و أحياناً .. تجرحُ نفسكَ بأدواتٍ حادة ، فقط كيْ تتخلفَ عن يومٍ دراسي .. !! (( عرفتُ الجنون من صغري )) ...
سألتها : (( و ليش ما كنت أحب أروح .. ؟! ))
أجابتني بإبتسامةٍ تملأها النشوة .. : سألتُكَ يوماً : لمَ لا تُحّب الذهاب إلى المدرسة ؟
فأجبتَ و الدمعُ يقطُرُ من عيْنيْك : (( مدرّساتي كراه .. يخوْفون )) ...
تقاسمنا الضحكة هُنا ...
حقاً .. كانت أيام براءة ..
لازلتُ أذكر ذلك العجوز ، الذي كلما خرجتُ من البيتِ أقصدهُ جارياً .. لأشتري منه الحلوى ...
كان يُناديني (( سيدو صغير )) .. و يقصُّ عليّ قصص والدي .. أيام طفولته .. !!
كم بكيْت .. عندما أخبروني بأن هذا العجوز الحكيم قد هاجر .. بيْنما كان قد انتقل إلى الرفيق الأعلى .. !!
(( رحمك الله يا عم .. ))
كنتُ دائماً أتساءل .. ما مقدار الفرق بين بُكائي الآن .. و يوم أن كنتُ طفلاً .. ؟!
استنتجت من أمي .. بأن مقدار الدموع مُتســــاوي .. لكنني أيقنت ، بأنني أدركتُ أثر البُكاءِ على القلب .. عندما استرشفتُ المُرَّ من كأس الخيانة .. !!
إلى اللقاء في المحطة القادمة ...
[waver]http://alwan.virtualave.net/music/madi/english/frozen-maddona.mid[/waver]