اخواني واخواتي
هذه خطبة يوم الجمعة الماضيه للشيخ محمد الهبدان ( امام وخطيب
جامع العز بن عبد السلام ـ بحى السلام في مدينة الرياض )

بسم الله الرحمن الرحيم

في مساءِ العاشرِ من شهرِ اللهِ المحرمِ يومَ عاشورا ، وبينما الناسُ على موائدِ الإفطارِ صكت أسماعَهم أنباءُ ذلك الهولِ الأعظم والمصابِ الأطم ، فكدّرتْ على الناسِ فرحتَهم بصومِهم وفطرِهم ، وبقي الكثيرُ من الرجالِ والنساءِ في دهماءَ عمياء ، بين مصدقٍ ومكذبٍ ومرتاب .
ماذا يقالُ حقيقةٌ أم أنني في بحرِ أحلامي أخوضُ وأمخُـرُ
وبات الناسُ يدكون ليلتَهم ، أحقاً قُضي على الرئاسةِ العامةِ لتعليمِ البنات ؟ ! وتبادلوا رسائلَ الحزنِ والعزاءِ : أحسن الله عزائكم وجبر مصابكم في الرئاسة ، توفيت هذه الليلةَ الرئاسةُ العامةُ لتعليمِ البناتِ عن عمرٍ يناهزُ الثانيةَ والأربعين سنة ، إنا لله وإنا إليه راجعون .
بكى الكثير ، وحزنِ الصغيرُ والكبير ،وفزعَ الجمُ الغفير ، وأقسمَ أناسٌ أنهم ما باتوا تلك الليلة ، ولا لذ لهم غمضٌ، وحلفَ آخرون أنهم باتوا طاوين لم يذوقوا على الإفطارِ غيرَ تمراتٍ حتى نهارَهم التالي وحُقَ لهم .
حتى المحاريبُ تبكي وهي جامدةٌ - حتى المنابرُ ترثي وهي عيـدانُ
لمثلِ هـذا يـذوبُ القلبُ من كمدٍ - إن كان في القلبِ إسـلامٌ وإيمانُ
والحقُ أيها المسلمون أن الرئاسةَ ما ماتت عن كبرٍ ولا هرمٍ ولا عجز ، لكنها قُتلت في ريعانِ شبابهِا ، وأوْجِ فتوتِها ، بمؤامرةٍ وسعيٍ بغيضين صامتين دائبين من بني علمان ، لا كثرَ اللهُ لهم جمعاً ، ولا حيا لهم طالعا . بنو علمان : كم جرو على البلاد والعبادِ من الويلاتِ والنكبات ، كم جلبوا من المخازي ، كم دنسوا المحارم ، وارتكبوا الجرائم ، كم كذبوا وافتروا ، وهولوا على الولاة ، هم الأفاكون الخراصون ، الكذبةُ المفترون ، قاتلهم الله أنى يؤكفون .
أما حيثياتُ الحكمِ على هذه الرئاسةِ بالإعدامِ فهي كما يلي :
أولاً : أن هذه الرئاسةَ أنموذجٌ فريدٌ عزيزٌ لا يتكرر ، انفردت به هذه البلادُ من بين دولِ العالمِ قاطبةً وتميزت، وتمكن هذا الجهازُ بتوفيق اللهِ ..ثم ببراعةِ وإخلاصِ منسوبيه ..من تعليمِ الملايين من نساءِ هذا البلدِ ، وتربيتهن في مسيرةٍ رائعةٍ متواكبةٍ مع المحافظةٍ على خُلقِ الفتاةِ وعفافها وشرفهِا .
ثانياً : أن هذه الرئاسةَ ظلت صامدةً في وجه حملاتِ التغريبِ والإفسادِ التي شنتها عليها جهاتٌ عديدةٌ عبرَ حملاتٍ مركزةٍ ومتواصلةٍ تارةً بدعوةٍ إلى الاختلاط ،ولو على الأقلِ في الصفوفِ الأولية، وتارةً بالمطالبةِ بإدخالِ الرياضةِ وطوراً بالسعي إلى إدخالِ الموسيقى والأبريت الغنائي كمادةٍ مقررةٍ تُدَرسُ لبناتِ المسلمين ، إلى أمورٍ أخرى عديدة .
ثالثا: أن هذه الرئاسةَ كانت ومازالت ، ومنذ أن قامت يرأسُها أهلُ العلمِ ، الذين وصفهم أعداؤهم وأعداءُ الدينِ والبلدِ ، من أهلِ العلمنةِ ..بالفشلِ والقصورِ والتخلفِ الإداري والاقتصادي ، وما نقموا منهم إلا الغيرةَ على الأعراضِ والأمانةَ على الحرمات والحرصَ على حمايةِ الفتاةِ مظهراً وتربيةً ، وهذا ما شارطَ أهلُ العلمِ أهلَ الأمرِ عليه منذُ أن قامت هذه الرئاسةُ ، شعوراً منهم بخطرِ المحارم، وأنه لا يصلحُ أن يتولى أمرها إلا الأمناءُ الثقاتُ ، على حدِ قولِ اللهِ تعالى : [ إن خير من استأجرت القوي الأمين] . وكانت هذه الحيثياتُ أو بعضُها ، كافياً للمناداةِ بإسقاطِ هذه الرئاسةِ وإلغاءِ وجودِها ، وهذا ما كان .ولا حول ولا قوة إلا بالله .
أيها المسلمون : إذا كان للناسِ إن يَعرفوا شيئاً من تراثِ فقيدهِم ، ليذكروه بأطيبِ الذكرِ ،فلنا أن نذكرَ شيئاً من تأريخِ هذه الرئاسةِ بلغةِ الأرقامِ ، ومقارنةً مع وزارةِ المعارف ، لئلا يُغالِطَ مغالط ، أو يقولَ قائلٌ ، وحتى يُعرَفَ فضلُ هذه الرئاسةِ المباركة:
أولاً : تمكنت الرئاسةُ العامةُ عبر مسيرتِها من افتتاحِ ما يزيدُ على خمسَ عشرةَ ألفِ مدرسةٍ ، ما بين ابتدائيةٍ ومتوسطةٍ وثانويةٍ وكلياتٍ مطورةٍ ومتوسطةٍ ومعاهدَ لإعدادِ المعلماتِ ، ومدارسَ لتعليمِ الكبيراتِ ، ومحوِ الأميةِ والمعاهدِ المهنيةِ وغيرها .
ثانياً : حصلت الرئاسةُ على العديدِ من الأوسمةِ الغربيةِ والعربيةِ ومنها : جائزةُ محوِ الأميةِ الحضاري ، لعامِ تسعةَ عشرَ و أربعمائةٍ وألفٍ للهجرةِ التي تمنحُها المنظمةُ العربيةُ للتربيةِ والثقافةِ والعلوم ، ومنها ما كتبَه الوفدُ الأوربيُ من هيئةِ اليونسكو أثناءَ اطلاعهِم على تجربةِ تعليمِ البناتِ في المملكةِ حيث جاءَ في التقرير : ( إن تجربةَ تعليمِ البناتِ لديكم نموذجيةٌ وفريدةٌ ولولا الحرجُ في اختلافِ نمطِ الحياةِ الأوربيةِ لقلنا إن هذه الصيغةَ هي الأنسبُ لتعليمِ وتربيةِ الفتاةِ حتى في أوروبا ).
ثالثاً : ينتمي للرئاسةِ في هذه المدارسِ أكثرُ من ثلاثِ ملايينَ طالبةٍ ، عبرَ المراحلِ المختلفةِ ، والمدارسِ المتعددةِ .
رابعاً : بلغَ عددُ شاغلاتِ الوظائفِ التعليميةِ أكثرَ من مئتين وثلاثين ألفا .
وهذه نسبةُ ضخمةُ ، والسوادُ الأعظمُ منهن من بناتِ البلادِ ،وهي إحصائياتٌ تُعدُ بحقٍ مفخرةً لهذه الرئاسةِ ، ومدعاةً للاعتزازِ بها ، ورداً عملياً على دعاةِ فشلها وتخلفِها ، من ذوي التوجهِ المشبوه. هذا ولو عُمِلتْ احصائيةٌ واستفتاءٌ صادقانِ ومحايدانِ لتبين الفرقُ بين تفوقِ الرئاسةِ على وزارةِ المعارفِ وغيرها من الكلياتِ في استيعابِ الأعدادِ المتزايدةِ ، وخاصةً في المرحلةِ الابتدائية ، والتي كثيراً ما يجدُ الشخصُ عناءً بالغاً في توفرِها للأولادِ الذكور .
أما ما يُقالُ من نقص الكفاءاتِ والقدراتِ الإداريةِ لدى الرئاسةِ ، فمع هذا النقصِ المزعوم فإن الإحصائياتِ الدقيقة ، تبينُ بجلاءٍ الهدفَ من وراءِ هذه الحملةِ الشعواء ، فمع الأرقامِ مرةً أخرى ، ويا لغةَ الأرقامِ فلتنطقي :
أولاً : بلغت نسبةُ المدارسِ المملوكةِ للرئاسةِ ستاً وثمانينَ في المائةِ ، مصممةً على أحسنِ طرازٍ وأفضلِ نمط ، في مقابلِ ثلاثٍ وثلاثين في المائةِ لوزارةِ المعارف ، وهذا بونُ شاسع ، وفرقٌ واسع .
ثانياً : المدارسُ المستأجرةُ للرئاسةِ أفضلُ بكثيرٍ من المستأجرةِ للمعارفِ، فكثيراً ما ترى طلابَ المعارفِ في شققٍ ضيقةٍ وكثيراً ما يدرسُ طلابُها في المطابخِ والمواقفِ المغلقةِ للسيارات ،وهذا يشاهده كلُّ ذي عينٍ بصيرة .
ثالثاً : كشفت دراسةُ إحصائيةٌ مقَارَنة ..أن كلياتِ الرئاسةِ بمبانيها المدرسية ، وبنودِها الماليةِ البالغةِ خمسَمائةِ مليونِ ريالٍ فقط ( مستبعِداً منها إعانةَ الطالبات ) ..قَبِلت في العام الماضي ـ حسبَ بيانِ وزيرِ التعليمِ العالي ـ خمسين ألفَ طالبةٍ مستجدة ،!!
في حين أن جامعاتِ المملكةِ كلَّها بمبانيها الضخمةِ، واعتماداتِها الماليةِ أكثرَ من خمسةِ ملياراتٍ ونصفِ المليار لم تقبل إلا ثلاثةً وأربعين ألفَ طالبٍ وطالبة .
رابعاً :تحتلُ كلُ طالبةٍ من الثلاثةِ ملايين ..مقعداً جيداً ومريحاً،ينقلُها من وإلى منزلهِا مجاناً ، ولا ريبَ أن هذا الأسطولَ الضخمَ الذي يقدرُ بعشراتِ الآلافِ من الحافلات تجوبُ شوارعَ المدنِ الكبرى والصغرى ،والهجرِ والقرى ، كلَ يومٍ عبرَ برنامجٍ محكمٍ دقيقٍ ، يعدُ مدعاةً لفخرِ الرئاسةِ ، وهي نسبةٌ تتحدى كلَ جامعةٍ أو معهدٍ أو مدرسةٍ أن توفرها بهذه الدقةٍ وذلك الانضباط ، والذي نعلمُه ويعلمهُ الجميع .. أن وزارةَ المعارف ، لا تتكفلُ بنقلِ طالبٍ واحدٍ صغيرٍ أو كبير . هذا عدا الجهودِ الجبارةِ المباركةِ في تهذيبِ الفتاةِ وحمايتهِا من الأخلاقِ الوافدةِ ، والحرصِ على حفظِها درةً مصونةً محترمةً ، ولو ذهبنا نعدُ لأتعبنا العد .
أيها المسلمون : لم تكفَ أطماعُ الفسدةِ والفسقةِ وتعدياتُهم على الرئاسةِ منذُ قديمِ الزمانِ فمنذُ عشرين سنةً ، وبشهادةِ رئيسِ مجلسِ القضاءِ الأعلى الشيخُ صالحُ اللحيدان أثناءَ حديثهِ للناسِ هذه الأيامِ ، أن مساعي الشرِ تريدُ هذه الرئاسةَ بسوءٍ منذ عشرين سنةً ، وتحاولُ التعدي على صلاحيتهِا غيرَ أن تلك الجهودَ تتحطمُ أمامَ إصرارِ العلماءِِ ، حمايةً للمرأةِ ، وكانت تلك المعارضاتُ من العلماءِ محلَ تقبلٍ من الولاةِ وفاءً بما عاهدوا عليه العلماء َ أولَ أمرِ الرئاسة ، ومبدأَ تعليمِ المرأة ، وما ذلك إلا لما يشاهُده أهلُ العلمِ من وضعِ المرأةِ المزري في العالمِ حولَهم ، الأمرُ الذي أشفقوا على المرأةِ في هذا البلدِ منه، وقد صدرَ بذلك مرسومٌ ملكي هذا نصه : ( الحمد لله وحده وبعد ، فقد صحت عزيمتُنا على تنفيذِ رغبةِ علماءِ الدينِ الحنيفِ في المملكةِ في فتحِ مدارسَ لتعليمِ البناتِ العلومَ الدينيةَ ، من قرآنٍ وعقائدَ وفقهٍ وغيرِ ذلك من العلومِ التي تتمشى مع عقائدِنا الدينية ،كإدارةِ المنـزلِ ، وتربيةِ الأولادِ وتأديبهِم مما لا يُخشى منه في العاجلِ أو الآجلِ أيُّ تأثيرٍ على معتقداتنِا ، وتكونُ هذه المدارسُ في منأى من كلِّ شبهةٍ من المؤثراتِ التي تُؤثرُ على أفكارِ النشءِ في أخلاقهِم وصحةِ عقيدتهِم وتقاليدهِم ، وقد أَمرنا بتشكيلِ هيئةٍ من كبارِ العلماء الذين يتحلون بالغيرةِ على الدينِ والشفقةِ على نشءِ المسلمين ، لتنظيمِ هذه المدارسِ ووضعِ برامجهاِ ، ومراقبةِ حسنِ سيرها فيما أُنشئت له ، وتكونُ هذه الهيئةُ مرتبطةً بوالدهِم حضرةُ السماحةِ المفتي الأكبرُ الشيخُ / محمدُ بنُ إبراهيمَ آلُ الشيخ على أن يَختارَ المدرساتِ من أهلِ المملكةِ أو غيرهِن من اللواتي يتحققُ فيهِن حسنُ العقيدةِ وصدقُ الإيمانِ ، ويُضَمُ في هذه المدارسِ ما قد سبقَ فتحُه من مدارسَ للبناتِ في عمومِ المملكة ،وتكون جميعُها مرتبطةً في التوجيهِ والتنظيمِ إلى هذه اللجنة ، تحتَ إشرافِ سماحتهِ ، مع العلمِ أن هذا التشكيلَ يتطلبُ الوقتَ الكافيْ لتهيئةِ وسائلِ التأسيسِ ،ونأملُ أن يكون ذلك في وقتٍ قريبٍ والله الموفقُ ولا حول ولا قوة إلا بالله ) وهكذا كلَّما هم هامٌ بأمرِ سوءٍ دافعَ أهلُ العلمِ عن هذا الصرحِ الشامخِ مستندين إلى الثقةِ العالية ، وميثاقِ الشرفِ الذي أخذه الولاةُ على أنفسهم ..فمن ذلك ما حصلَ في عهدِ الشيخِ محمدِ بنِ إبراهيم عندما أرادوا ليس دمجَ الوزارتين ؛ كلا ؛ بل فقط اشتراكُ الرجالِ في اختبارِ الطالباتِ ..وكان من كلامه (13/223): ( لذا فإنني أرجو من جلالتكِم إصدارَ أوامركِم المشددةِ بإبقاءِ الأمورِ على ما كانت عليه ، من تولي رئاسةِ مدارسِ البناتِ وحدَّها امتحاناتِ المرحلةِ المتوسطة، دون اشتراكِ وزارةِ المعارفِ معها ، وجلالتكُم ولا شكَ يعرفُ الهدفَ من وراءِ ذلك، ويقدرُ المصلحةَ التي ننشدُها تجاهَه ، وإني لواثقٌ كلَّ الثقةِ إن شاءَ الله أن تَصْدُرَ موافقتُكم الكريمةُ على هذا الطلب ، تحصيلاً للمصلحةِ وحفاظاً عما سواها ، حتى ترفعَ رئاسةُ مدارسِ البناتِ ، وهي تشعرُ بمسئوليتِها الكاملةِ أمامَ جلالتكِم وأمامنا ، رأسها عالياً بحمايتكِم لها وحسنِ ظنِكم بها ، حيث إنها جهةٌ تعليميةٌ رسميةٌ لها اعتبارُها وكيانُها المستقل ، تتولى نوعاً خاصاً من التعليمِ له ظروفُه وخصوصياتُه المتمشيةُ مع تعاليمِ الدينِ الحنيفِ وأوضاعِ البلاد ، وقد اشُتُرِطَ عليها شروطٌ ، ووضعت لها أنظمةٌ دقيقةٌ بحسبِ تلك التعاليمِ وتلك الأوضاعِ ،وأُنيطت بها مسئوليةُ تطبيقِها ) .
أيها المسلمون : وليس الأمرُ حساسيةً زائدة ، فمن حقِ أهلِ العلمِ والغيرةِ أن يتخوفوا على النساء ، ومن حقِ الناسِ جميعاً أن يتوجسوا لما يلي :
أولاً : أن أعظمَ فتنةٍ وأخطرها وأخشاها من رسولِ الهدى على أمتهِ هي النساءُ ففي الحديثِ الصحيحِ يقول :" ما تركتُ بعدي فتنةً أضرَ على الرجالِ من النساءِ " .
ثانياً : أن أعزَ ما على المرءِ بعد دينهِ شرفُه وحرمته ، بل ذلك من دينهِ ، هذا ما حملَ أهلَ الجاهليةِ عبادَ اللاتِ والعزى ومناةِ الثالثةِ الأخرى على وأد النساءِ جوراً ، وقديماً قال قائلهم:
أصونُ عرضي بمالي لا أدنسه لا بارك الله بعد العرضِ بالمالِ
ونحن نقول :
أصونُ عرضي بروحي لا أدنسها لا بارك الله بعد العرضِ بالروحِ
ثالثاً : للناسِ عامةً ولأهلِ العلمِ خاصةً الحقُ كلَ الحقِ في التخوفِ على المرأةِ سيما مع ما يرونه من عمومِ بلوى الاختلاطِ وتحرر المرأةِ في البلدانِ المجاورةِ في صورةٍ شائنةٍ مزرية، سحبت آثارَها المُرةَ على المجتمعاتِ تهتكاً وتحللاً وضياعاً ، وحفظَ الله هذه البلادَ من ذلك البلاءِ عقوداً طويلةً .
رابعاً : ولهم الحقُ كلَ الحقِ وهم يرون صوراً من الاختلاطِ النكدِ في أكثرِ المستشفياتِ والكلياتِ الطبية ، والمرافقِ هنا ، وما جر ذلك من صنوفِ البلايا والرزايا ،وبقيتْ هذه الرئاسةُ قلعةً صامدةً حصينةً بفضلِ الله تعالى ثم بفضلِ جهودِ المخلصين والقائمين عليها والقائمات .
خامساً : ولهم الحقُ كذلك وهم يعرفون ويسمعون عن بعضِ هؤلاء الأشخاصِ الذين أسندَ إليهم أمرُ الرئاسةِ لهم من الآراءِ والتصريحاتِ ما يُلقي عليهم ظِلالاً من الشكِ والريبة والتخوف ، فهم ليسوا من أهلِ العلمِ الشرعي ولا القضاء ،ودراستُهم غربيةٌ غريبة ، وهم أصحابُ الاقتراحاتِ المشهورةِ باختلاطِ الصفوفِ الأولية ، وتدريسِ النساءِ لها ، وإدخالِ مادةِ الرياضةِ للنساء ،وإدخالِ الموسيقى والرقصِ على الطلابِ ، وهذا ما يخشى على النساءِ منه ، فهل بعد هذا يلومُ لائمٌ أو يتساءلُ متساهلٌ ؟!!
أيها المسلمون : لقد تم اغتيالُ الرئاسةِ العامةِ لتعليمِ البناتِ عبرَ مراحلَ وخطواتٍ يرقبُها المراقبُ ويعدها العادّ ، جاءت متلاحقةً ومتسارعةً وإن كانت النتيجةُ غيرَ متوقعةٍ على الأقلِ في هذا الوقتِ ، وقبلَ أن نستعرضَها باختصارٍ نعودُ بكم قليلاً إلى الوراءِ لذكرِ بعضِ التاريخِ المفيد :
ففي عامِ ستةَ عشرَ وأربعمائةِ وألفٍ للهجرة ، شُكِلَ بأمرٍ ملكي فريقٌ يضمُ ستةً وعشرين شخصاً من ذوي الخبرةٍ العالية والكفاءاتِ المميزة ، في مختلفِ التخصصات، ومن مختلفِ الاتجاهات، وذلك لمراجعةِ أوضاعِ التعليمِ العامِ والعالي والمهني وتعتبرُ توصياتُ وقراراتُ هذا الفريقِ نهائيةً وملزمة ، وعبثاً حاولَ أصحابُ التوجهِ المشبوهِ في الفريقِ أن يلتفوا على قراراته ويمرروا توصياتهِ ، بل إن نتيجةَ تلك الاجتماعاتِ والتي استمرت خمس سنواتٍ جاءت صاعقةً للعلمانيين فقد خلُصَ تقريرُ الفريقِ الذي لا يضمُ من ذوي التوجهِ الشرعي إلا نسبةً ضعيفة ، إلى نتائجَ كان من أهمها :
التأكيدُ على فصلِ الجنسين في مراحلِ الدراسة، والإشادةُ بتجربةِ الرئاسةِ ، والدعوةُ إلى إنشاءِ جامعةٍ للبناتِ مستقلةٍ ..تأكيداً للفصلِ التامِ ، وتخليصاً للمرأةِ من ويلاتِ الاختلاطِ الحاصلِ في بعضِ الجامعاتِ والمستشفيات .
ومن توصياته أيضا : الإشادةُ بمدارسِ القرآن وأثرُها في تربيةِ الناشئةِ وإخلاصِهم الوطني ، وبعدهم عن الجنوحِ والشذوذ والدعوةُ إلى تكثيفِ هذه المدارس للطلابِ والطالبات ، والدعوةُ إلى إنشاءِ معاهدَ علميةٍ شرعيةٍ أسوةً لمعاهدِ الذكور ،وغيرِ ذلك وصُودق على هذه التوصياتِ بالأغلبيةِ الساحقة ، وبينما كان المهتمون ينتظرون إقراره بعد رفعه للمقامِ السامي إذا ببعضِ التوجهاتِ يحرفون مساره ، ويحيلونه إلى لجان أخرى ، ويضعون العراقيلَ أمامَه ، ويشوشون بالهاجسِ الاقتصادي وغيرِه وما كان ذلك ليكونَ لو كان التقريرُ يخدمُ أهدافَهم فنسأل الله لمن حالَ دون هذا التقريرِ أن يرى النورَ أن يحولَ بينه وبين الصحةِ والراحةِ والنعيم والسعادةِ حتى يموتَ على شر حالة .
وفي الحادي والعشرين من شهرِ ذي الحجةِ عامَ اثنين وعشرين وأربعمائةٍ وألفٍ للهجرة، أي قبلَ حريقِ المدرسةِ نشرت جريدةُ المدينةِ في عددها الصادرِ ذلك اليوم نبأ تشكيلِ لجنةٍ لدمجِ الرئاسةِ بالوزارة ، نقولُ هذا حتى يعلمَ الناسُ أن ذلك الحريقَ ما كان إلا ذريعةً لإقناعِهم بجدوى القرارِ وضرورتهِ . وإذا أردنا أن نقتربَ من الحقيقةِ أكثرَ فإن كثيراً من المجالسِ بدأت تتحدثُ أن ذلك الحريقَ ربما كان أمراً مدبراً ، وعلى كلِ حالٍ وقعَ الحريقُ ليكون متنفساً لأحقادِ كثيرين ، وليعالجَ بطريقةٍ ماكرة ، فقد تواصى العلمانيون كعادتهمِ على استغلالِه أسوءَ استغلال ، مع أن مثلَه كثيراً ما يقعُ في المستودعاتِ ومدارسِ الأولادِ وفي الملاعبِ والمباريات ومصافي البترول ،وكوارثِ الطيرانِ ، وحوادثِ القطاراتِ ، والكوارثِ العامةِ الأخرى .
وما زال شبحُ حمى الوادي ماثلاً أمامَ الأنظار ، فهل أُلغيت بسببه وزارةٌ أو أُقيل وزيرٌ ، فيا هؤلاء : الظلمُ ظلماتٌ يوم القيامة ، إذا كان هناك من خطأٍ فيُعالَج بما يناسبُه ، ولا تحملٌ نفسٌ جريرةَ غيرها ، يحاسبُ المسؤولُ ولا يعممُ العقابُ لآخرين ، فضلاً أن يلغى الجهازُ بكامله ...عجبٌ عجب ، أو نقولُ كما قالت الحكمة : غيروا الإمامَ ولا تهدموا المسجد.
لقد أسرفَ العلمانيون ومن مشى في ركابهم في التجني في الطرحِ على تداعياتِ الحريقِ وأطلقوا الأعنةَ للأسنةِ ، واللجامَ للأقلامِ عبر سباقٍ محموم بالإفك والبهتانِ على الرئاسةِ العامةِ لتعليمِ البنات ، والرئاسةِ العامةِ لهيئاتِ الأمرِ بالمعروفِ والنهي عن المنكر ، ونالَ هذه الأخيرةَ قدرٌ كبيرٌ من الفريةِ والتجني ، وأصبحوا يرددون كثيراً من العباراتِ التي يخدعون بها الناس ويستدرون بها عواطفَهم ، كعباراتِ الأجسادِ المتفحمةِ ورائحةِ الشواء وكأنهم يرون ذلك بأعينهم ، علماً أن التحقيقاتِ أسفرت عن تكذيبِ أقوالهمِ ، وتفنيدِ مزاعمهمِ ، وأن الرئاسةَ لا علاقةَ لها بأمر الحادث .
واستمرت عاصفتُهم الكلاميةُ أياماً يتكلمون دون وازعٍ ولا رادع ، ولا حسيبٍ ولا رقيب ، وكأنهم يسخنون الساحةَ للاستقبالِ تلك المصيبة ، صاحبَ ذلك حصارٌ محكمٌ من الصحافةِ كافةً في وجه الردودِ المتعقلة والمنصفة ، كلُ ذلك ويزعمون أنهم يمثلون نظرةَ المجتمعِ في نظرةٍ أوحاديةٍ عقيمة ، ولطالما سمعناهم وقرأنا لهم ذمَّ الأُحاديةِ وحجبَ الفكرةِ المضادةِ ، والدعوةَ إلى الرأي والرأي الآخر ، ولما تم لهم ذلك ..قابلوا كلَ نظرةٍ غيرَ نظرتِهم بالسخريةِ والاستهزاءِ ، والركلِ والبصاقِ والحصار ، فأين الإنصافُ وحريةُ الرأي وميثاقُ الشرفِ الصحفي يا هؤلاء ؟!! أم أنها ديموقراطيةِ الغربِ وأذنابهمِ ، وأخيراً فوجئَ الجميعُ بالقرارِ ، وأمامَ هذا الزحامِ من الأقلامِ ، والسيلِ من السهام ، والهجومِ المركز ، لفظتِ الرئاسةُ العامةُ أنفاسَها الأخيرةَ ، وسقطت شهيدةَ الدسائسِ والمؤامراتِ الجبانةِ ، والخياناتِ المكشوفة ، ولسانُ حالِها :
فلو كان سهماً واحداً لاتقيتُه ولكنه سهمٌ وثانٍ وثالثُ
تكاثرتِ الذئابُ على خراشٍ فما يدري خراشُ ما يذود
نعم سقطت الرئاسةُ ، مضرجةً بدماءِ العفة والشرف..سقطت ضحيةَ كثرةِ العدو ،وقلةِ المدافعِ ..سقطت وهي تشكو إلى الله ثم إلى الأمةِ والتاريخ ،جلدَ المنافقِ وعجز الثقة ، وكثافةَ القصفِ ، وقلةَ الناصرِ،وأُحيلت أعمالُها وصلاحياتُها كافةً لأناسٍ لا تبرأ بهم ذمة ، ولا يؤتمنون على عرض ، فلك الله أيتها الرئاسة ..نعم من حقنا أن نقولَ الحقيقة ، إذا كان أتفهُ علمانيٍ يقولُ ما يحلو له ،عبرَ الصحافةِ الطوافةِ في أرجاءِ الدنيا كذباً وباطلاً ، ويصورُ العلمانيون الذين هللوا بسقوطِ الرئاسةِ ، ودفنوا جسدها الطاهرِ دون غسلٍ ولا صلاة ،يصورون للدنيا أن هذا الإلغاء رغبةُ المجتمعِ كلِه ، ومطلبُه الأوحد ، وأن الجميعَ لا تسعهم الفرحةُ جراءَ ذلك ، وكلَّما أراد أحدٌ أن يقولَ شيئاً ليفرغَ به حرقةَ فؤادهِ ، ويرد فريتهم ، قابلوه مرةً أخرى بالحصارِ والسخريةِ والركلِ بالأقدام ، فمتى يعرفُ الناسُ الحقيقة ؟!!
الخطبة الثانية :
أما بعد : وإذا كان لنا في هذه الفاجعةِ من مطالبَ فهي كما يلي :
أولاً : إلغاءُ الإلغاءِ ، وعودةُ الرئاسةِ للرئاسة ، ووضعُ قراراتِ وتوصياتِ الفريقِ المشكلِ بالأمرِ الملكي موضعَ التنفيذِ بفصلِ النساءِ عن الرجالِ في جامعةٍ نسائيةٍ مستقلةٍ ، ومراجعةُ أحوالِ المرأةِ في جامعةِ الملكِ سعود ، وجامعةِ الملكِ عبدالعزيز أولى لمن أراد علاجَ أمراضِ الأمةِ بواقعيةٍ وجد ، ونحن لا نطالبُ بغيرِ ما قررَه ولاةُ الأمرِ وخَلَصَت إليه أعمالُ ذلك الفريقِ ، فلِمَ المماطلةُ والالتفافُ عليه . ونحن لا نطالبُ بغير ما تعاقد عليه ولاةُ الأمرِ مع العلماءِ إبانَ مبدأِ تعليمِ البنات ، فإن كان ذلك حقاً فلِمَ الرجوعُ عنه ؟!! وإن كان باطلاً وخطأً فلِمَ السكوتُ عليه نصفَ قرنٍ من الزمان ؟!!
والتأكيدُ على الفصلِ بين الوزارةِ والرئاسةِ كما تتطلبُه الأخلاقياتُ وبعدُ النظرِ الشرعي الذي لمحه العلماءُ ، كذلك يحتمه المنطقُ الصحيحُ ، فهم أرادوا بالضمِ النهوضَ بمستوى الرئاسةِ زعموا ، وهذه حجةٌ تكذبُ نفسها ، فمتى كان الضمُ والدمجُ طريقاً للتصحيحِ والتركيزِ ؟!! إنّ كلَ عاقلٍ إذا أراد التركيزَ على شيءٍ فصلَهَ وميزه كما فصلت الدولةُ الحجَ عن الأوقاف،مع كونهما من الشؤونِ الإسلامية ، وفصلتِ الزراعةَ عن المياه لما أرادت تخصيصَها بنوعِ اهتمام ، أفنحافظُ على التربةِ والمياه ولا نحافظُ على المهج والأعراض ؟!! خاصةً وقد مرة تجربةُ الدمجِ بين الشرطةِ والمرور تحت مسمى الأمنِ الشاملِ فأثبت فشلَه الذريع ، ومن ثم عادت الأمورُ كما كانت ،فلماذا يكررُ الخطأُ نفسُه يا مسلمون ؟!!
ثانياً : إيقافُ سيلِ الهجومِ الجارفِ ومحاسبةُ الكتابِ عن كلِ ما بدر منهم ،وسماعُ الدعوى ضدَّهم في المحاكمِ ، ولدينا على بعضهمِ مستمسكاتٌ خطيرةٌ فلأهلِ الحسبةِ أن يحاكموا من زعمَ أنهم يأمرون بالموت وينهون عن الحياة ، وهل هذا إلا تلاعبٌ بالقرآنِ واستهتارٌ بالاسمِ الذي وضعه له المؤسسُ الملكُ عبدالعزيز ، ولهم أن يحاكموا من وصفَ أعضاءَها كافةً بأنهم مهوسون ، ومرضى نفسانيون ، ولهم أن يحاكموا كلَ من اتهمهم بالقتل حتى يعلمَ الجميعُ أن أحداً لا يسعُه أن يقولَ ما يشاءُ ويلقي التهمَ جزافاً .
ثالثاً : طمأنةُ المسلمين كافةً على بقيةِ المؤسساتِ الشرعيةِ التي تفرغت لها تلك الأقلامُ الجائرة ، والحملاتُ الضالةُ ، بعد سقوطِ أولى الضحايا ، ولا نكتمُ المسؤولين خبراً إن قلنا إن الجميعَ بات يتوجسُ خيفةً ..ويخشى أن تكون تلك الحملاتُ إعصاراً يسبقُ الطوفان.
رابعاً : السماحُ بنشرِ وجهةِ النظرِ المخالفةِ ، وفكِ هيمنةِ هذه الحفنةِ من الصحفيين على المطبوعاتِ حتى يصلَ صوتُ الحقيقةِ إلى البيوتِ والأطرافِ التي تأثرت بالدعاياتِ الكاذبةِ.
أيها المسلمون : وقفةُ وفاءٍ مع رئاستكم التي قدمت لكم الكثيرَ ، ومناصرةٌ صادقةٌ بالنصيحةِ المتواصلةِ الصادقة للولاةِ عبر البرقياتِ والمكاتباتِ والمقابلاتِ والمهاتفاتِ ، فإن ولاةَ الأمرِ لا يزالون يؤكدون حريةَ الإنسانِ في بلادنا ، وأن أبوابَهم مفتوحةٌ ، وهي كذلك ، وصدورَهم مشروحةٌ ، وألا يحول أحدٌ بين الراعي والرعية ، فمن حقِ هذه الجموعِ المفجوعةِ ، والنفوسِ المروعة ، التي أخرجها هولُ الصدمةِ من بيوتها ، وصارت تركضُ طيلةَ نهارها ، وشطراً من ليلها ، إلى الإفتاءِ والمحاكمِ ومجلس الشورى ، وإلى العلماءِ في بيوتهمِ ، فمن حقهم أن يصلوا إلى ولاةِ أمرهمِ ، ويرفعوا مطالبَهم ، ومن حق ولاةِ الأمرِ عليهم أن يكون ذلك بهدوءٍ وانضباطٍ وحكمةٍ ومحبةٍ للخير ، ولنا في ولاةِ الأمر كبيرُ أملٍ ، وعظيمُ رجاءٍ بعد الله تعالى ، وما أخرج هؤلاءِ الجموعَ من بيوتهمِ وأعمالهمِ إلا الشعورُ بمصادرةِ الرأي والاضطهادِ والحصارِ من الصحافةِ الجائرةِ فمن يبلغُ كلمتَهم لولاةِ أمرهمِ ؟!!
إن الشعورَ بالحصارِ والقمعِ والمصادرةِ يدفعُ إلى إثارةِ الدهماءِ ، وسفكِ الدماء ، وتأليبِ الأعداء ، وأعمالِ الشغبِ والفوضى التي لا يستفيدُ منها إلا أهلُ النفاقِ والفساد فهل هذا ما يريدوه هؤلاءِ الصحفيون ؟!! وأخيراً ..أيها المسلمون ..إن ما يصيبنا من مصائبَ ومحنٍ إنما هي بسبب ما نحن عليه من تقصيرٍ وغفلةٍ ، وتهاونٍ وكسلٍ في جنبٍ الله تعالى ، وتركٍ للأمرِ بالمعروفِ والنهي عن المنكر ، فهل من عودةٍ صادقة ، ورجعةٍ إلى الله تعالى جادة ..
اللهم عليك بأهل العلمنة والفساد ..اللهم اشدد وطأتك عليهم ..اللهم اجعل الذلة والصغار نصيبهم في الدنيا ..والعذاب المهين في دار الأخرى ..اللهم اشغلهم بأنفسهم ..اللهم سلط عليهم الأمراض الموجعة ، اللهم اجعلهم حياتهم ضنكا ..اللهم لا تقم لهم راية ..اللهم انصر من نصر الدين ..اللهم اجعل الولاة يدا حانية على الدعاة ، وسيفاً مصلتاً على أهل العلمنة والفساد ..اللهم قيض لهم يداً من الحق حاصده ..اللهم حفظ عوراتنا ..وأمن روعاتنا ..اللهم يا سامع الصوت ...اللهم من أراد بهذه البلاد سوءا فاشغله بنفسه .. ..

جزاء الله الشيخ كل خير على هذه الخطبة


ومن اراد الاستمتاع بالاستماع لها فاليه الرابط فلا يفوتكم الاستماع

http://antishea3h.com/a7dath.html