قال صلَّى الله عليه وسلَّم:
" ((‏الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ ‏ ‏السَّفَرَةِ ‏ ‏الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ، وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ ‏وَيَتَتَعْتَعُ ‏‏فِيهِ وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ لَهُ أَجْرَانِ)) وفي الرِّواية الأُخرى: ((وَهُوَ ‏ ‏يَشْتَدُّ ‏ ‏عَلَيْهِ لَهُ أَجْرَانِ)) ".




(السَّفَرَة): " جمع سَافِر كَكَاتِبٍ وَكَتَبَة, وَالسَّافِر: الرَّسُول, وَالسَّفَرَة : الرُّسُل؛ لأنَّهُمْ يُسْفِرُونَ إِلَى النَّاس بِرِسَالاتِ اللَّهِ, وَقِيلَ: السَّفَرَة: الْكَتَبَة.


(الْبَرَرَة): الْمُطِيعُونَ, مِن الْبِرِّ وَهُوَ الطَّاعَة.


(الْمَاهِر): الْحَاذِق الْكَامِلُ الْحِفْظِ، الَّذِي لا يَتَوَقَّف وَلَا يَشُقُّ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ؛ بِجَوْدَةِ حِفْظه وَإِتْقَانه.


قَالَ الْقَاضِي: يَحْتَمِل أَنْ يَكُونَ مَعْنَى كَوْنه مَعَ الْمَلائِكَة:


1- أَنَّ لَهُ فِي الآخِرَةِ مَنَازِلَ يَكُون فِيهَا رَفِيقًا لِلْمَلائِكَةِ السَّفَرَةِ؛ لاتِّصَافِهِ بِصِفَتِهِمْ مِنْ حَمْلِ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى.


2-وَيحْتَمِل أَنْ يُرَادَ أَنَّهُ عَامِلٌ بِعَمَلِهِمْ، وَسَالِكٌ مَسْلَكَهُمْ.




(يَتَتَعْتَعُ فِيهِ): هُوَ الَّذِي يَتَرَدَّدُ فِي تِلاوَتِهِ لِضَعْفِ حِفْظِهِ.


(لَهُ أَجْرَانِ): أَجْرٌ بِالْقِرَاءَةِ, وَأَجْرٌ بِتَتَعْتُعِهِ فِي تِلاوَتِهِ وَمَشَقَّتِهِ.


قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ: وَلَيْسَ مَعْنَاهُ الَّذِي يَتَتَعْتَعُ عَلَيْهِ لَهُ مِنْ الأجْر أَكْثَر مِنْ الْمَاهِرِ بِهِ, بَلْ الْمَاهِرُ أَفْضَلُ وَأَكْثَرُ أَجْرًا; لأنَّهُ مَعَ السَّفَرَة وَلَهُ أُجُورٌ كَثِيرَةٌ, وَلَمْ يَذْكُرْ هَذِهِ الْمَنْزِلَةَ لِغَيْرِهِ, وَكَيْف يَلْحَقُ بِهِ مَنْ لَمْ يَعْتَنِ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَحِفْظِهِ وَإِتْقَانِهِ وَكَثْرَةِ تِلاوَتِهِ وَرِوَايَتِهِ كَاعْتِنَائِهِ حَتَّى مَهَرَ فِيهِ؟!



وقال الإمام القُرطبيُّ -رحمه الله-:
" التَّتَعْتُعُ: التَّرَدُّدُ فِي الكَلامِ عيًّا وَصُعُوبَةً، وَإِنَّمَا كَانَ لَهُ أَجْرَانِ مِنْ حَيْثُ التِّلاوَةُ وَمِنْ حَيْثُ الْمَشَقَّةُ، وَدَرَجَاتُ الْمَاهِرِ فَوْقَ ذَلِكَ كُلِّهِ؛ لأنَّهُ قَدْ كَانَ الْقُرْآنُ مُتَتَعْتعًا عَلَيْهِ، ثُمَّ تَرَقَّى عَنْ ذَلِكَ إلَى أَنْ شُبِّهَ بِالْمَلائِكَةِ.

وجاء في " فتح الباري " في شرح باب: قول النبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((‏الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ ‏ ‏سََفَرَةِ ‏ ‏الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ)):"


وَالْمُرَادُ بِالْمَهَارَةِ بِالْقُرْآنِ: جَوْدَةُ الْحِفْظِ وَجَوْدَةُ التِّلاوَةِ مِنْ غَيْرِ تَرَدُّدٍ فِيهِ؛ لِكَوْنِهِ يَسَّرَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ كَمَا يَسَّرَهُ عَلَى الْمَلائِكَةِ؛ فَكَانَ مِثْلَهَا فِي المكانة


كما جاء فيه:
" وَالْمَهَارِةُ فِي الْقُرْآنِ: جَوْدَةُ التِّلاوَةِ بِجَوْدَةِ الْحِفْظِ؛ فَلا يَتَلَعْثَمُ وَلا يَتَشَكَّكُ، وَتَكُونُ قِرَاءَتُهُ سَهْلَةً بِتَيْسِيرِ اللهِ تَعَالَى، كَمَا يَسَّرَهُ عَلَى ‏الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ ".


وقال الخطيبُ التَّبريزيُّ في معنى ((الْماهِر)):
" أي: الْحَاذِق مِنَ الْمَهَارَةِ، وَهِيَ الْحِذْقُ، جَازَ أنْ يُرِيدَ بِهِ: جَوْدَةَ الْحِفْظِ، أَوْ جَوْدَةَ اللَّفْظِ، وَأنْ يُرِيدَ بِهِ كِلَيْهِمَا، وَأنْ يُرِيدَ بِهِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْهُمَا "