بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله وبعد
فأن الإنسان بحاجة لتهيئة قبل مجيء رمضان، وشعبان بمثابة فرصة عظيمة للتدريب على الصلاة والصيام وتلاوة القرآن والدعوة إلى الله. وباصطلاح الرياضيين فلابد من التسخين قبل دخول المباراة حتى لا يحدث للإنسان شد عضلي، ورغم أنف امرئ أدرك رمضان ولم يُغفر له.
وقد كان سلفنا الصالح يدعون ربهم ستة أشهر أن يبلغهم رمضان ثم يدعونه ستة أشهر أخرى أن يتقبله منهم، وذلك لعظم يقظتهم وإدراكهم لحرمة الزمان والمكان، وحرصهم على كل يثقل الميزان ويرضي الرحمن.
إن أيام شعبان فرصة عظيمة لنفض غبار الغفلة عن النفوس والقلوب، والاجتهاد في طاعة علام الغيوب. فرصة للدعوة ولتذكير الناس بالأشهر العربية التي ارتبطت بها الأحكام الشرعية، قال -تعالى-: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ)
هذه الأحكام لم ترتبط بمارس وإبريل، بل ارتبطت بشعبان ورمضان، ونحن لم نتعلم من الأشهر الإفرنجية إلا عيد الميلاد، وعيد الأم، وكذبة إبريل، ونسينا ما ارتبط بشعبان مثلاً من أنه شهر تُرفع فيه الأعمال لله، ويكثر فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- من الصيام.
فهذه فرصة عظيمة لتذكير الأمة بحرمة الأيام المباركات، وخصوصاً مع هذه اليقظة وهذه العودة المحمودة لدين الله.
هذا الشهر فرصة لتربية إيمانية ودعوة لغرس معاني المراقبة لا نحتاج معها لمناهج تربوية فلسفية ولمنظرين كبار في معاني السلوك، فمن كانت حرمة الأيام منه على بال، وجد خير ذلك في أقواله وأفعاله.
فالعبد إذا استشعر أن الأعمال ترفع فيه لرب العالمين، فهل يقبل أن يبارز الله بالحرب وتصعد له الكفريات والضلالات؟!
ولقد هل علينا شهر شعبان، ونسأل الله -تعالى- أن يهله علينا وعليكم بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام.
وإذا كان الإنسان يستعد لحر الصيف وبرد الشتاء، فأولى به أن يستعد لمواسم الفضل، وخصوصاً مع سرعة مرور وانقضاء الأيام حتى بتنا نستشعر القرب من أن تكون السنة كالشهر والشهر كالأسبوع والأسبوع كاليوم، واليوم كاحتراق السعفة، على نحو ما ورد في الأخبار.
وهذا يتطلب منا الاجتهاد في العلم والعمل، واغتنام فرصة الزمن الشريف في كل ما يقرب من رضوان الله (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ . إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)
فشهر شعبان شهر بين رجب ورمضان يغفل عنه الناس، وفيه ترفع الأعمال لرب العالمين، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يكثر من صيامه، ويقول: (فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ)
وإذا كان رجب هو شهر الزرع فشعبان هو شهر السقيا، ورمضان هو شهر الحصاد، ولا يحصد الإنسان إلا ما زرع، فمن زرع خيرا حصد خيراً، قال -تعالى-: (وَقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ) (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ)
يا الله! ما أشد غفلتنا عما يراد بنا!! يا ترى ماذا صعد في هذا العام من أعمالنا؟!
كيف هي مكانتنا عند الله من خلال هذه الأيام؟
ترى من المقرب السعيد، ومن المبعد التعيس؟
من ذا الذي تقرب إلى الله في هذا العام بالفرائض فأحسنها وأتقنها، وأتبعها بما أمكنه من النوافل؟
من غض فيها بصره عن المحارم؟ من صان سمعه عن الغيبة والنميمة؟ من حفظ يده أن تمتد إلى حرام.. ورجله أن تمشي إلى حرام؟
هل من أكلة استجلب بها عبد غضب ربه عليه طوال هذه الثلاثمائة؟
هل من كلمة استوجب بها عبد الهوي في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب خلال هذه الثلاثمائة يوم؟
هل من خلوة سها فيها عبد وغفل عن نظر الله إليه، واطلاعه عليه فأفسح لنفسه في المعاصي فعصى ربه وهو ينظر إليه ومطلع عليه؟
يقول الشاعر:
مـضى رجب وما أحـسنـت فـيه وهـذا شـهـر شـعـبـان المبارك
فـيا مـن ضـيع الأوقـات جـهـلاً بحـرمتها أفـق واحــذر بـوارك
فـسوف تـفـارق اللـذات قـسـرًا ويخلي الموت كرهًا منك دارك
تدارك ما استطعت من الخطايا بـتـوبة مـخـلص واجعل مدارك
على طـلب السلامة مـن جحـيم فخير ذوي الجـرائم من تـدارك