في الليالي الباردة ترتعد أجسادنا ... تهرب الدماء من وجوهنا ...قد تؤلمنا أطرفنا
نتقوقع في منازلنا ...نتكوم بجوار المدفأة ... نرتدي القفازات والجوارب السميكة .
دائما ما يسرق المطر أنظاري ... أراقبه من زجاج الشرفة وهو ينهمر ... ويملأ أسماعي صوت ارتطامه بالأشياء ... قد يصاحبه البرق والرعد ليكونا معه مناخا أسطوريا كفيل بنشر الخوف؛ ليسود القلب رهبة عارمة.
أعتدت أن أراقب أيام عمري بين قطراته المنهمرة ؛ أراني طفلة ألهو وهو يداعبني .... وصبيه أتمرد فأسابق سحبه ظنا أني قد أسبقها، خطواتي الواثقة أضرب بقدمي بحيرات المطر لأعلن أن عنفوان الشباب لا يعوقه المطر.
يمر المطر سريعا ..كأيام عمرنا، وتتوالي الذكريات ... الأهل ... الأصدقاء ... الأماكن ...الأحداث ...الأشياء ...وعيني معلقه بالشرفة ، فأبتسم تارة .... وتنقبض ملامح وجهي تارة أخري ...وسرعان ما أطرد هذه الهواجس؛ متخذه من الفراش الدافئ وسيلة للخلاص .
لكن هذه الليلة لم يكن إغراء الفراش الدافئ قادراً علي طرد الأفكار.
فقد رأيت نفسي بين قطراته كهلا تمضي وثيقة رحيلها وتخيلت رحلتي وسط سيوله ووجدتني بين يدي باعثه.
فإذا بها تنحدر علي خدي رغم مقاومة الجفون .... لتعلن عن ضعفي وإن حاولت الصمود، فإذا كانت أيام الشتاء تجبرنا علي مواجهه أنفسنا .... فنحن أحوج إلي أن نخلي سبيلها.
لأننا في الليالي الباردة ... نحتاج إلي الدمعة الدافئة .