صوت صفير البلبل و صحة نسبتها الى الاصمعي

--------------------------------------------------------------------------------

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :-
لا أظن أحدا لايعرف القصيدة المشهورة
صوت صفير البلبل




والمنسوبة للأصمعي في قصة دارت بينه وبين الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور ، ومن رواياتها

إقتباس:
يحكى بأن الأصمعي سمع بأن الشعراء قد ضيق عليهم بفعل الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور فهو يحفظ كل قصيدة يقولونها ويدعي بأنه سمعها من قبل فبعد أن ينتهي الشاعر من قول القصيدة يقوم الأمير بسرد القصيدة إليه ويقول له لا بل حتى الجاريه
عندي يحفظها فيأتي الجاري فيسرد القصيدة مرة أخرى ويقول الأمير ليس الأمر كذلك فحسب بل إن عندي جارية هي تحفظها أيضاً حي أن الغلام كان يحفظ الشعر بعد تكراره القصيدة مرتين ، والجارية تحفظه بعد المرة الثالثة . ويفعل هذا مع كل الشعراء.
فأصيب الشعراء بالخيبة والإحباط ، حيث أنه كان يتوجب على الأمير دفع مبلغ من المال لكل قصيدة لم يسمعها ويكون مقابل ما كتبت عليه ذهباً. فسمع الأصمعي بذلك فقال إن بالأمر مكر. فأعد قصيدة منوعة الكلمات وغريبة المعاني . فلبس لبس الأعراب وتنكر حيث أنه كان معروفاً لدى الأمير. فدخل على الأمير وقال إن لدي قصيدة أود أن ألقيها عليك ولا أعتقد أنك سمعتها من قبل. فقال له الأمير هات ما عندك ، فقال القصيدة التي أعجزت الأمير

صوت صفير البلبل ـ ـ ـ ـ ـ هيّج قلب الثمل
الماء و الزهر معاً ـ ـ ـ ـ ـ مع زهر لحظ المقل
وأنت ياسيد لي ـ ـ ـ ـ ـ وسيدي وموللي
فكم ،فكم تيمّلِ ـ ـ ـ ـ ـ غُزيّلٌ عقيقلِ
قطفته من وجنةٍ ـ ـ ـ ـ ـ من لثم ورد الخجل
فقال :لالا..لالالا ـ ـ ـ ـ ـ وقد غدا مهرول.
والخود مالت طرباً ـ ـ ـ ـ ـ من فعل هذا الرجل
فولولت و ولولت ـ ـ ـ ـ ـ ولي ولي ياويللي
فقلت لا تولولي ـ ـ ـ ـ ـ وبيني اللؤلؤ لي
قالت له حين كذا ـ ـ ـ ـ ـانهض وجُد بالنُقَلِ
و فتيةٍ سقونني ـ ـ ـ ـ ـ قهوة كالعســلــلِ
شممتها بأنَفَي ـ ـ ـ ـ ـ أزكى من القرنفــلِ
في وسط بستانٍ حُلي ـ ـ ـ ـ ـ بالزهر والسرورِلي
والعود دندن دن لي ـ ـ ـ ـ ـ والطبل طبطب طب لي
طبطب طب طبطب طبـ ـ ـ ـ ـ طبطب طب طبطب لي
والسقف سقسقسقلي ـ ـ ـ ـ ـ والرقص قد طاب لي
شوا شوا وشاهِشو ـ ـ ـ ـ ـ على ورق سفرجـلِ
و غرد القمريُّ يصيـــح ـ ـ ـ ـ ـ مللٌ فـــي مللِ
ولو تراني راكــباً ـ ـ ـ ـ ـ على حمارٍ أهـــزلِ
يمشي على ثلاثـــةٍ ـ ـ ـ ـ ـ كمشية ِ العرنجـلِ
والناس ترجم جملي ـ ـ ـ ـ ـ في السوق بالقلقـلـلِ
والكــل كعكع كعيكع ـ ـ ـ ـ ـ خلفي و من حويللي
لكن مشيت هارباً ـ ـ ـ ـ ـمن خشية العقنقــلِ
إلى لقاء ملـكٍ ـ ـ ـ ـ ـ معظّـــمٍ مبجّلِ
يأمرُ لي بخلـــعةٍ ـ ـ ـ ـ ـ حمـــراء كالدَمْدَمَلِ
أجرُّ فيـها ماشـياً ـ ـ ـ ـ ـ مبـغـدداً للذّيَـــل
أنــا الأديـب الألمعي ـ ـ ـ ـ ـ من حي أرض الموصـلِ
نظمـت قـطعاً زُخرفت ـ ـ ـ ـ ـ يعجز عنها الأدبلِ
أقــول في مطـلعها ـ ـ ـ ـ ـ صوت صفير البلبل
حينها اسقط في يد الأمير فقال يا غلام يا جارية. قالوا لم نسمع بها من قبل يا مولاي. فقال الأمير احضر ما كتبتها عليه فنزنه ونعطيك وزنه ذهباً. قال ورثت عمود رخام من أبي وقد كتبتهاعليه، لا يحمله إلا عشرة من الجند. فأحضروه فوزن الصندوق كله. فقال الوزير يا أمير المؤمنين ما أضنه إلا الأصمعي فقال الأمير أمط لثامك يا أعرابي. فأزال الأعرابي لثامه فإذا به الأصمعي. فقال الأمير أتفعل ذلك بأمير المؤمنين يا أصمعي؟ قال يا أمير المؤمنين قد قطعت رزق الشعراء بفعلك هذا. قال الأمير أعد المال يا أصمعي قال لا أعيده. قال الأمير أعده قال الأصمعي بشرط. قال الأمير فما هو؟ قال أن تعطي الشعراء على نقلهم ومقولهم. قال الأمير لك ما تريد.

ولئن كان الشيخ أحمد القطان قد ذكرها متندرا في بعض المناسبات
ولئن انتشرت في بعض الأشرطة وتم تمثيلها في المسرحيات
إلا أن هذا لايجيز القصيدة ويجعل قبولها مسلما به .
بل أراها تتضمن أكاذيب وترهات ينبغي التوقف عندها. ومن ذلك :
1- نسبتها للأصمعي رحمه الله ، وهو من هو في علمه وصلاحه وتقواه ، مترفع عن قول أبيات الشعر التي تتضمن الغناء الماجن والغزل الفاحش .
2- الخليفة العباسي أبو جعفر كان محبا للعمل مقربا للعلماء ؛ فضلا عما عرف عنه من فصاحة وبيان وطلبه للعل قبل أن تقوم الدولة العباسية . ولا يليق به مثل هذه الاهتمامات أو التلويح بتبذير أموال الدولة بهذه الصورة .
3- الأصمعي كانت صلته بالخليفة العباسي هارون الرشيد وليس أبا جعفر المنصور ؛ حيث أنه لم ينبغ ويذيع صيته إلا في عهده ، لذلك تجد البعض يعدل في القصة عند روايتها ليجعل هارون الرشيد بدلا من أبي جعفر .
4- إذا تأملنا الأبيات نجد بأن قائلها يحكي عن نفسه بأنه
* ( ثمل ) أي مخمور .
* يتشبب برجل يناديه فيقول (وأنت ياسيد لي )
* راق له ضرب الآلة الموسيقية العود ( والعود دندن دللي ) والطبل (والطبل طبطب طب لي)
* قام بالرقص طربا (والرقص قد طاب لي)
وهذه أمور ينبغي على المسلم إنكارها ؛ ولا مجال لتأويلها بأن الشعر يسوغ فيه قول الحرام والدعوة إليه .
5- ورد في القصيدة لفظة القهوة وأن القائل شربها كما العسل (قهوة كالعســلــلِ) والثابت أن القهوة (شجرة البن) لم يزرعها العرب إلا عام 1110 ميلادية وكانت تؤكل ، ثم كان إعداداها للشرب بعد ذلك ؛ في حين توقي الأصمعي عام 831 ميلادية
أي قبل قرابة ثلاثمائة عام من شرب العرب للقهوة!!
6- لم تورد أي من كتب الأدب المعتبرة قديما وحديثا هذه القصة والقصيدة ، مما يدل على اختلاقها من قبل المحسوبين على الشعر والشعراء .
7- ركاكة الأبيات وضحالة معانيها ومبانيها . حتى قال عنها الأديب عمر فرّوخ رحمه الله :" إن مثل هذا الهذر السقيم لا يجوز أن يُروى ، ومن العقوق للأدب وللعلم وللفضيلة أن تؤلف الكتب لتذكر أمثال هذا النظم " .

هذا ماتيسر إيراده حول (صوت صفير البلبل) ... والله تعالى أعلم .
طبعاً ........منقول