كنت أرتعد .. كل كياني يرتجف .. مضت فترة طويلة قبل أن تهاجمنا موجات باردة بتلك القسوة.. كنت قد نسيتها ..اقتربت من المدفأة لأتأكد للمرة العاشرة من أنها تعمل.. ولكنى لا أشعر بها .. لا تمنحني الدفء .. وكأن آلاف السياط الباردة تجلدني في عنف .. ذرعت حجرتي بخطواتي المرتعشة وأنا أضم وشاحي الصوفي على كتفي بشدة .. وأحاول التفكير في شيء آخر ..
تذكرت الصيف الماضي .. كنت أذرع الحجرة ذاتها في ضيق وأرقب في غيظ جهاز التكييف المعطل .. والذي يرقد كجثة هامدة في زاوية الحجرة .. كانت النافذة متنفسي الوحيد.. كنت أرجو بعض نسمات باردة تخفف من وطأة هذا الحر..ابتسمت لنفسي وأنا أردد حسنا .. فلتستمتعي بالنسمات الباردة كما أردتِ.. صرفت عنى أفكاري بعض ارتجا فتي .. اقتربت من النافذة وأزحت الستائر الثقيلة عن زجاجها .. كان عصف الرياح يصم الآذان .. وتسللت بعضها واخترقت صدري بقوة ودفعتني للتراجع عن النافذة ..
هممت بإعادة الستائر مرة أخرى قبل أن تتعلق عيناي به .. تجمدت يدي واتسعت عيناي وأنا أراقبه وقد تكوم فوق الأرض الباردة ينتفض جسده النحيل بشدة ولا يغطيه سوى جلباب بال ممزق لا يقي من البرد .. لا أدرى كم بقيت مكاني أراقبه في دهشة ..كيف يحتمل البرد خارجا هكذا في الوقت الذي ترتعد فيه فرائصي وأنا داخل غرفتي الدافئة .. اقتربت من النافذة أكثر وحاولت أن أتبين ملامحه دون جدوى وأنا أفكر من هذا الرجل ياترى؟ وما الذي أتى به هنا؟ وما هي قصته؟ .. شردت بأفكاري قبل أن أنتفض مجددا.. يالقسوتى .. أرى ما أراه ولا تشغلني سوى الأفكار التافهة ..لا بد من مساعدة هذا الرجل .. ودون تفكير هرعت إلى فراشي وجذبت بعض الأغطية الثقيلة .. وأسرعت بالخروج من الحجرة وتوجهت مباشرة نحو باب الخروج قبل أن يوقفني صوت أمي وهى تهتف باسمي في جزع .. التفت إليها واصطدمت بنظرة استنكار ودهشة وهى تقول .. أين كنتِ ستذهبين؟ ولماذا تحملين الأغطية معكِ؟ ..
صمت للحظات .. كنت أفكر بماذا سأجيبها .. هل كنت أندفع نحو الشارع في تلك الساعة وهذا البرد القارص لأمنح هذا الرجل الذي يرتجف بردا بعض الأغطية.. في الحقيقة حاولت أن أنقل لأمي ما كنت أريد فعله.. ولكنها لم تجبني بل تجمدت نظرة الاستنكار في عينيها وازدادت عمقا وهى تشير بيدها نحو حجرتي في صمت متوعد ..
حاولت أن أقول شيء لأدافع به عن رغبتي في مساعدة هذا الرجل .. ولكن جمود عيني أمي أسكتني .. وباستسلام تقدمت نحو حجرتي وما أن دخلتها حتى ألقيت بالأغطية أرضا ودستها بقدمي في غضب.. وهرعت نحو النافذة ألقيت نظرة أسف على المسكين الذي لم يشعر بمعاناته سوى شخصي الضعيف العاجز ..
ماذا جرى لقلوبكم أيها النائمون في فرشكم الوثيرة تنعمون بالدفء والأمان .. من لهذا المسكين الضعيف .. ألا يستحق هو الآخر بعض الدفء .. وبعض الأمان .. بكيت بشدة حتى خنقتني الدموع ..
ولمعت في رأسي فكرة .. أسرعت إلى المدفئة وأطفأتها .. ونزعت وشاحي الصوفي من فوق كتفي وألقيت به بعيدا..
وأزحت الستائر وفتحت النافذة .. صدمتني بشدة الرياح الباردة وهى تنخر عظامي تمسكت بالنافذة بشدة وأنا أرقب الكيان المرتجف المتكوم على الأرض الباردة وابتسمت وأنا أشاركه ارتجافته ..