الدعوة قبل عهد الملك عبد العزيز

إعداد الدكتور/ أحمد بن عبد العزيز البسام
عضو هيئة التدريس في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - فرع القصيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . . . . وبعد
فقد كان القائمون بالدعوة إلى الله هم العلماء وطلبة العلم الذين كانوا يقومون بمهام متعددة من التعليم والتوجيه والنصح والإرشاد ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والقضاء بين الناس حسب الشريعة الإسلامية . والحديث عن الدعوة قبل عهد الملك عبد العزيز - رحمه الله - يمكن تقسيمه إلى ثلاثة أقسام .
القسم الأول
يتضمن الحديث عن الدعوة قبل الدعوة الإصلاحية وقيام الدولة السعودية الأولى : وكانت المنطقة تعاني من عدم وجود حكومة مركزية بعد سقوط الدولة الأخيضرية منذ القرن الخامس الهجري ، وكان من الآثار الطبيعية والمتوقعة لذلك هو انتشار الفوضى السياسية ، وانعدام الأمن ، وتدهور الأوضاع الاقتصادية ، وتأثير ذلك كله سلبا على الحركة التعليمية . لذلك كان التعليم مقصورا على أبناء الأسر الميسورة التي تستطيع تحمل تكلفة دراسة أبنائهم بهدف رفع الجهل عنهم ، وانتظار إكمالهم دراستهم لمساعدة آبائهم في تجارتهم ، وتطلع بعض الأولياء إلى تأهل أبنائهم لتولي منصب الإمامة في أحد المساجد لأن قسما من المساجد في بلدان نجد لها أوقاف تشجع الكثير من الناس على تولي إمامتها ، ومن ذلك الأوقاف الخاصة بثلاثة مساجد في بلدة أشيقر وهي المسجد العتيق ، ومسجد الفيلقيه ، والمسجد الشمالي . وإذا كانت الأوضاع الاقتصادية مانعة لانتشار التعليم الأولي وهو تعليم الكتاتيب فكان من الطبيعي أن تكون المعوقات أكبر بالنسبة للتعليم المتقدم الذي لم يتوفر إلا لقسم أقل من أبناء المجتمع ، وهم الذين تهيأت لهم الظروف المادية والرغبة في مواصلة التعليم .
وكان هناك عدد من المراكز العلمية التي خرجت الكثيرين من العلماء الذين تولوا مناصب التعليم والقضاء في بلدانهم وغيرها ، كما أن هناك عددا من البلدان التي تصدى فيها بعض العلماء للتدريس والإفتاء والتأليف ونسخ الكتب وكتابة وثائق المعاملات بين الناس ، وتخرج على أيديهم مجموعة من العلماء وطلبة العلم ، ومن هذه المراكز والبلدان :
- أشيقر
وتعد أكبر المراكز العلمية في نجد قبل الدعوة الإصلاحية ، ومن علماء هذا المركز الشيخ محمد بن أحمد بن بسام الذي عينه شريف مكة قاضيا في عالية نجد في القرن العاشر الهجري ، والشيخ محمد بن أحمد بن إسماعيل الذي درس على يديه عدد من كبار علماء نجد في القرن الحادي عشر أمثال : الشيخ عبد الله بن ذهلان وغيره ، ومن الوثائق التي كتبها رحمه الله وثيقة وقف آل سكران ، والشيخ حسن أبا حسين ، ومن كتاباته العلمية نسخة لكتاب الرد على النصارى لشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - وجاء في آخر النسخة قول الشيخ حسن رحمه الله - : " وكتبه لنفسه فقير عفو ربه الراجي رحمة ربه أرحم الراحمين حسن بن عبد الله بن حسن بن علي بن حمد أبا حسين حامدا الله ومصليا على نبيه ومسلما ، وكان الفراغ رابع شهر رمضان سنة 1102 هـ سنتين بعد المائة والألف وصلى الله على نبينا محمد عدد ما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون " .
- العيينة
وتقع في شمال غرب الرياض وتعتبر المركز الثاني من المراكز العلمية في نجد قبل الدعوة الإصلاحية بعد مركز أشيقر ، وكانت هذه البلدة منذ نشأتها في منتصف القرن التاسع الهجري موطنا للعلماء ، ومنهم الشيخ أحمد بن عطوه الذي ولد في هذه البلدة في النصف الثاني من القرن التاسع ، وبعد دراسته على العلماء النجديين رغب في التزود من العلم فرحل إلى الشام وأخذ عن علمائها الحنابلة ثم عاد إلى نجد وأصبح مرجع علمائها في التعليم والفتوى إلى وفاته - رحمه الله - في الجبيلة عام 948 هـ .
ومن مؤلفاته رحمه الله رسالة تدعى " طرف الطرف في مسألة الصوت والحرف " ، وتضمنت الدفاع عن أصحاب الإمام أحمد وأهل الحديث والرد على تسميتهم بالحشوية .
وأشار في مقدمة هذه الرسالة إلى سبب كتابتها فقال : (وكان السبب الموجب لهذا الكلام وقوع أمر غريب يحار منه اللبيب ويتعجب منه الأريب ، وهو الطعن على أصحاب الإمام أحمد وأهل الحديث وتسميتهم " حشوية " وما يصدر هذا القول إلا عن حقد خبيث ، وأنهم بإثبات الحرف والصوت في كلام الله تعالى من الكفار المستوجبين لذلك دخول النار ، وهذا قول شنيع جعل الله لقائله جزاه ونسأل الله العافية مما ابتلاه فإنهم لم يزالوا بالسنة ظاهرين وبعروتها الوثقى
متمسكين
ومن كتاباته - رحمه الله - منسك بعنوان " بغية الوافد وغنية القاصد " وجاء في مقدمته قوله : " الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وبعد فهذا كتاب وضعته في مناسك الحج واف بمقاصده وأحكامه حاو لقواده وضوابطه وأقسامه ، وسميته " بغية الوافد وغنية القاصد " ورتبته على مقدمة وعشرة أبواب وخاتمة .
ومن علمائها الشيخ سليمان بن علي بن مشرف جد الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، وقد انتهت إليه الرئاسة في العلم ، وتخرج على يديه عدد من طلبة العلم ، وله عدد كبير من الفتاوى منها رسالة تحدث فيها عن موضوع الضمان في الشريعة الإسلامية .
- الرياض
ومن علماء هذا المركز في القرن العاشر الهجري الشيخ إسماعيل بن رميح ، ومن كتاباته : كتاب " تحفة القلب في المسائل الغرائب " . . ومما جاء في مقدمته قوله : " أما بعد فهذه مسائل غرائب مما تدعو إليها الحاجة نقلتها من كتاب الإقناع وغيره ، أمنح بها مستفيدا وأنفع كل مستزيد أرجو بذلك من الله الثواب والمسامحة يوم الحساب وله كتاب " الدر المنظور في غرائب العلوم " .
وكانت شهرة الرياض كمركز علمي في القرن الحادي عشر بعد أن انتقل إليها الشيخ عبد الله بن محمد بن ذهلان الموصوف بعلامة الديار النجدية من العيينة ، وتولى فيها القضاء والتعليم ، وتخرج على يديه العديد من علماء نجد ، ومن أعماله العلمية فتاويه واجتهاداته التي حفظها تلميذه الشيخ أحمد المنقور في كتابه المعروف بالفواكه العديدة في المسائل المفيدة ، حيث جاء في مقدمته قوله : " وبعد فهذه مسائل مفيدة وقواعد عديدة وأقوال جمة وأحكام مهمة لخصتها من كلام العلماء ومن كتب السادات القدماء وأجوبة الجهابذة الفقهاء وغالبها بعد الإشارة من شيخنا وقدوتنا الشيخ عبد الله بن محمد بن ذهلان " ، ومن كتاباته رحمه الله للوثائق الخاصة بمعاملات الناس : كتابة وثيقة تتعلق مبايعة بين محمد بن علي بن فرهود وأحمد بن عبد الله البكري جاء في آخرها قوله : " وكتبه وأثبته الفقير إلى الله سبحانه عبد الله بن محمد بن ذهلان الحنبلي عفي عنه وصلى الله على سيد . . " وآخرها غير واضح .
- عنيزة
ويعتر الشيخ عبد الله بن عضيب مؤسس الحركة التعليمية في هذه البلدة وكانت ولادته في سدير في حدود عام 1070 هـ وأخذ العلم عن علماء بلده ثم ارتحل إلى أشيقر ودرس على علمائها ، ثم انتقل إلى المذنب ومنها إلى عنيزة حيث تولى القضاء والتعليم فيها ، وتخرج على يديه عدد من العلماء الذين صار لهم أثر كبير على مسيرة التعليم في عنيزة ومن أبرزهم الشيخ حميدان بن تركي الذي حصل من شيخه علي إجازة جاء في مقدمتها قوله : " بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد فإن علم الفقه طود شامخ صعب مرتقاه وبعيد منتهاه " وبعد إكمال المقدمة قال : " وكان ممن اشتغل في نيله وطلبه حسب الإمكان حميدان بن تركي بن حميدان ، وقد قرأ علي المنتهى . . إلى آخره قراءة بحث وإتقان على مذهب الإمام أحمد بن محمد بن حنبل رحمه الله تعالى ، فلما رأيت فهمه الثاقب أجزت يفتي بالصحيح بعد مراجعة المنقول من وربما روى عني من روايتي عن شيخي أحمد بن محمد القصير عن شيخه محمد بن أحمد بن إسماعيل من روايته عن شيخه أحمد بن محمد بن مشرف من روايته عن شيخه أحمد بن يحيى بن عطوة من روايته عن شيخه العسكري رحمهم الله " وجاء في آخر الإجازة : " قال ذلك عجلا عبد الله بن أحمد بن محمد بن عضيب وذلك بحضرة جماعة منهم محمد بن إبراهيم بن عبد الله أبا الخيل وصالح بن محمد بن عبد الله الصائغ وغيرهم جرى ذلك في شوال سنة 1140هـ .
ومن الطلبة الآخرين الذين درسوا على الشيخ ابن عضيب الشيخ صالح الصائغ والشيخ منصور بن تركي ، والشيخ محمد أبا الخيل ، والشيخ سليمان بن زامل ، والشيخ محمد بن زامل ، والشيخ عبد الله بن إسماعيل وغيرهم ، ومن طلابهم الشيخ محمد بن عبد العزيز الربدي ، ومن أعماله العلمية نسخة لرسالة الشيخ ابن عطوه في موضوع الصوت والحرف .
ومن الأعمال العلمية للشيخ ابن عضيب نقله لفتاوى بعض العلماء ، ومن ذلك نقله إجابات للشيخ سليمان بن علي على مسائل وردت عليه من تلميذه أحمد القصير وجاء في آخرها : " قال ذلك سليمان بن علي مجيبا لمريده أحمد بن محمد القصير غفر الله لهما ونقل ذلك من خطهما بعد معرفته عبد الله بن أحمد بن عضيب " .
وللشيخ ابن عضيب نظم في الظاءات الواردة في القرآن ، ومما جاء في آخره قوله :
فهـذه أربـع يـا صـاح قـد حـصرت ما في القرآن من الظاءات فامتحن
لكــن ســبعة ظـاآت قـد أشـتبهت بالضـاد بالذكر فاسمع قول مؤتمن - المجمعة
ومن أبرز علمائها الشيخ أحمد بن شبانه الوهبي الذي أخذ مبادئ الكتابة والقراءة في بلده ، ثم رحل إلى أشيقر وأخذ عن علمائها ومنهم الشيخ أحمد القصير ، وبعد عودته إلى بلده قام بالتعليم والإرشاد إلى وفاته - رحمه الله - في نهاية النصف الأول من القرن الثاني عشر تقريبا .
ومن كتاباته العلمية إجابته عن رسالة من ابن أخيه الشيخ عثمان بن شبانه التي جاء فيها : " ما يقول عمنا وشيخنا - غفر الله تعالى لنا وله . . . . . الله تعالى وآتاه من الفضل دنيا وأخرى - في حكم مسائل ثلاث : الأولى رجل باع ثمرة نخل له على آخر وأبرءه المشتري من ضمانها ، ثم تعيبت تلك الثمرة فجاءه المشتري يطلبه ما دفع إليه من ثمن ويقول أنا فاسخ بتلك العيب فقال البائع أبرأتني مما عليها . الثانية : إذا كان البائع لتلك الثمرة عاملا لتلك النخل ، هل حكمه حكم تلك المتقدم أملا الثالثة : إذا باع إنسان على آخر مبيعا مما يحتاج إلى توفية من كيل أو وزن ونحو ذلك فطالب البائع المشتري بقبض بتلك المبيع فقال المشتري له : خله عندك وأنت بري من ضمانه فهلك تلك المبيع أو تعيب فقال المشتري ما قبضت ذلك المبيع فدفع إلي الثمن . وقال البائع أبرأتني من ضمانه فلا حق لك علي . فما الحكم في ذلك ؟ وصلى الله على نبينا محمد وصحبه وسلم" .
وجاء في جواب الشيخ أحمد قوله
" الحمد لله الجواب والله سبحانه الهادي للصواب الجايحة أمر النبي صلى الله عليه وسلم بوضع . . . . وقوله عليه السلام إن بعت من أخيك ثمرا فاصا . . . . فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئا بم تأخذ مال أخيك . . . مسلم ، فإذا علمت ذلك فالجائحة وضعها الشرع في ملك المشتري ومعنا براءة المشترى أنه إن أصاب الثمرة جائحة فأنت بريء فهذه براءة على شرط مستقل وهي باطلة . وسواء كان بايع الثمرة العامل أو مالك الأصل ما لم تبع مع أصلها أو تبع على مالك الأصل أو يؤخرها عن وقت أخذها المعتاد فإن أخر أخذها عن وقت أخذها المعتاد فالتألف من ضمان المشتري . الثالثة المبيع بكيل أو وزن . . . وجاء في آخر الإجابة قول الشيخ ابن شبانة : " قال ذلك كاتبه أحمد بن شبانة عفا الله عنهما وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم "
وأجاب رحمه الله عن ثلاث مسائل تتعلق الأولى بخلاف بين شركاء في بير وتتعلق الثانية والثالثة بحكم الأضاحي .
ومن علماء المجمعة أيضا في هذه الفترة الشيخ عبد الله بن أحمد بن سحيم الذي تولى القضاء والتعليم في بلده ، وقد كتب رسالة إلى الشيخ عبد الوهاب بن سليمان بن علي يستنكر فيها ما يفعله بعض المشعوذين ، وجاء في أول رسالته قوله : " من عبد الله بن أحمد بن سحيم إلى جناب الأخ في الله الشيخ المكرم عبد الوهاب بن الشيخ سليمان بن علي ، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وبعد فالمرجو من إحسانكم تكتبون لنا جوابا عن أحوال هؤلاء الفقراء المنكرة من أخذهم النار وضربهم أنفسهم بالحديد ونطوطهم من السطوح ولعبهم بذكر الله " وأطال الشيخ عبد الوهاب في الحديث عن هؤلاء وأعمالهم وحكم الشرع فيهم وقال في آخر رسالته : " فالله الله في إنكار ذلك يا إخواني والتحذير عنهم وإنكار هذه المنكرات باليد واللسان ولولا ضيق الورقة لذكرنا كثيرا من كلام العلماء وإنكارهم لذلك والله سبحانه وتعالى أعلم " .
- حوطة سدير
وتقع شمال الرياض بأكثر من مائة كيلو مترا ، ومن أبرز علمائها الشيخ أحمد بن محمد المنقور ، وكانت ولادته في عام 1067 هـ ، واجتهد في طلب العلم ورحل إلى الرياض عدة مرات للأخذ عن عالمها المشهور الشيخ عبد الله بن ذهلان ، وكان أكثر زملائه تسجيلا لفتاوى واجتهادات شيخه حيث جمعها في كتابه المسمى بالفواكه العديدة في المسائل المفيدة ، وزاد عليها كثيرا من أقوال العلماء النجديين وغيرهم مما يدل على سعة اطلاعه رحمه الله .
ومن كتاباته أيضا كتاب في السفر وآدابه وفي الحج والعمرة وأحكامها ، وله كتاب في التاريخ يعرف باسمه وتبدأ أخباره منذ منتصف القرن العاشر إلى وفاته - رحمه الله - عام 1125 هـ .
- روضة سدير
وتقع في شمال حوطة سدير ، ومن علمائها الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله أبا بطين المتوفى عام 1121 هـ ، ومن أعماله العلمية كتابه المسمى بالمجموع فيما هو كثير الوقوع ، وذكر في مقدمته أنه اختصره من كتاب الإقناع للشيخ موسى الحجاوي مع إضافات من شرح الإقناع والمنتهى ، وقد تصدى الشيخ عبد الرحمن للتدريس وتخرج على يديه بعض الطلاب ومنهم الشيخ عجلان بن منيع حيث جاء في هامش الورقة 61 من الكتاب قول الشيخ إبراهيم بن عيسى : " وجملة الهوامش والتصحيحات بخط المصنف المذكور ومنها شيء بخط تلميذه عجلان بن منيع " .
- ثادق
وتقع شمال غرب الرياض بحدود مائة وأربعين كيلو متر ، ومن علمائها الشيخ منيع بن محمد العوسجي الذي أخذ العلم عن عدد من العلماء النجديين ومنهم الشيخ عبد الله بن ذهلان في الرياض ، والشيخ سليمان بن علي في العيينة ، ثم رحل إلى الأحساء ودرس على بعض علمائها وأشهرهم الشيخ عبد الرحمن بن عفالق ، وبعد عودته إلى نجد تصدى للتدريس والإفتاء .
ومن أعماله العلمية رسالة في العقيدة بعنوان : " النقل المختار من كلام الأخيار" جاء فيها بعد المقدمة : " إن الباعث لإنشاء هذه الرسالة أني حضرت مجلسا لبعض الشافعية يقال له محمد بن صالح بن دوغان يقرر في الفقه وقرر أن مذهب الشافعي أنه يلزم الرضى ويجب بكل مقضي مبغض أو محبوب " ، ثم تحدث الشيخ منيع في رسالته عن رأي الحنابلة الذي يرى صوابه وهو أنه لا يلزم الرضا بكل مقضي فلا يلزم الرضا بالمرض والفقر والعاهة إلا أنه ينبغي الصبر عليه .
ومن علماء هذه البلدة أيضا - في تلك الفترة - الشيخ محمد بن ربيعة العوسجي أحد تلاميذ الشيخ منيع وقد كتب الشيخ محمد رسالة إلى شيخه الشيخ منيع ابتدأها بوصف شيخه بالقدوة والبركة ، والاعتراف بفضله ، ثم لفت انتباه شيخه إلى استيائه من تكرار تخطئته له علنا ، ثم دخل بعد ذلك في تفاصيل المسألة المختلف فيها والمتعلقة بالحجر على المريض مرضا مخوفا .
وقد كتب الشيخ منيع رسالة إلى الشيخ إبراهيم بن سليمان بن علي بن مشرف يناقشه فيها عن وقف معين ، وعن وثيقة يقول إن الشيخ ابن ربيعة يقول إنه أرسلها إلى الشيخ المنقور .
وقد بدأ الشيخ منيع رسالته في الثناء - نظما - على رسالة سابقة من الشيخ إبراهيم إليه فقال :
ورد الكتـاب مهذبا مستودعا كل الفصاحة والبلاغة أجمعا
فقـــر إذا ألفيـــت فـــي ألفاظهـا در الكـلام مرصعا
فقـر تقاصر دون أدنى حسنها قس وســحبان أبـى وتتعتعـا
وجاء في آخر نظمه قوله :
فـالعلم أوسـع أن يحـيط بكله إلا الذي أوحى الكتاب وأسمعا
واسـلم وناظمهـا عليـك مسـلم وعلـى الجماعة أقرهم هذا معا
ومسـلم بعـد الصلاة على الذي يدعى لفصل قضى الحساب ليشفعا

ثم بدأ بالسلام ومدح الشيخ المرسل إليه ووالده نثرا بكلمات رقيقه جاء فيها : - " ثم إن من أحسن ما وشيت به الرقاع وألذ ما وعته منافذ الأسماع وأشرح ما ركنت إليه الطباع سلام بعطر البقاع ويملأ الوهاد والبقاع دايم الاتصال بعد الانقطاع إلى حضرة الاجتماع والمتفق علي فضيلته بالتواتر والإجماع ، من ظهرت شمسه فغابت كواكب الزيف ، وصعد منبر الولاية فصدع بالحق " وبعد نحو ستة أسطر من هذا الكلام الرقيق المسجوع قال : " وبعد فقد وصل مشرفك الذي أنارت المجلس وانبثقت . . . . فحييته قبل فض الختام وأنزلته من ساعته محل اللثام " ، ثم قال بعد عدة أسطر : " ثم اعلم يا أخي أني عجمت أعواد أهل الزمان فألفيتها مرة " ، ثم أطال في الحديث عن الدنيا وتغير أصحابها وحال الإنسان فيها ، ثم دخل في مشكلة وقف يستفيد منه بعض أقاربه وهو عبارة عن نخلتين لامرأة تدعى " سعادة " ، ويبدو أن الناظر على الوقفة يدعي العمل بحكم حكم به الشيخ ابن ربيعه ولم يصدقه الشيخ منيع في ذلك ، وجاء في الربع الأخير من الرسالة قول الشيخ منيع : " فعاتبته على فعله واستشهدت به عليه من جهة نخلتي سعادة ، فقال لي : شكا لي ابن ناصر أن عليه خلاف من الداخل منهما فسبحان الله . . . . لم آخذ الفؤاد بالمشقة على ابن ناصر ثم هو لا واقف ولا موقف عليه يقطع حظ المساكين فيها لحظ التوسعة على ابن ناصر ، وقد سمعته حال ولاية ابن بسام يقول : ما يفهم ابن بسام مسألة واحدة ، وسمعت منه يمينا ما يتولى القضاء أفضل من ابنه ، وإذا كانت الجماعة التي ذكرتم موافقين لكم فهو الشاهد لكم بالإنصاف والصواب عند الاختلاف فإن الحق مع الجماعة ولا حكم للشذاذ ولن تجتمع الأمة على الضلال وبالله المعاذ إذا اجتمع الناس في . . . . وخالفهم في الرضا واحد فقد دل إجماعهم دونه على عقله أنه فاسد ، أنا أحبه ولا أحب أنه فعل فعلة يزري عليه بها ، وأنا عرفت من سليمان بن موسى ما ترك النقلة إلا من باب المداراة وأظن الأمر يؤول إليه إن كانت نفس همتك مجت الرجوع عليه ولا ينبغي لك أن تمكنت من إلية الكبش أن ترضى عنها بالمصران والكرش ، والوثيقة يقول ابن ربيعه إنه أرسلها إلى المنقور ولا تقطعوا عنا المراسلة وعمو بالسلام الجزيل من يعز عليكم خصوصا الشيخ محمد بن علي ودمتم سالمين ومحروسين والسلام . محبكم الفقير منيع بن محمد بن منيع " .
- حرمة
وهي بلدة مجاورة للمجمعة ، ومن علمائها الشيخ عبد الله بن عيسى المويسي الذي أخذ عن العلماء النجديين ثم رحل إلى الشام ودرس على علمائها ومنهم الشيخ محمد السفاريني الذي أوصى تلميذه المويسي بقوله : " أوصيك بوصية الله لعباده وهي التقوى من تمسك بها فقد تمسك من الشريعة بالجانب الأقوى طالع كثيرا واقرأ قليلا تكن عالما جليلا ، من قرأ كل يوم مسألة صار عالما في سنة ومن قرأ مسألتين صار عالما في سنتين " يشير إلى كثرة التكرار .
ومن فتاويه - رحمه الله وعفا عنا وعنه - إجابته عن مسألتين تتعلق إحداهما بتأخير إقامة الصلاة والأخرى تتعلق بالنكاح ، وجاء في جوابه عن المسألة الأولى قوله : " بسم الله الرحمن الرحيم ، الجواب ومن الله أستمد الصواب نعم تأخير الصلاة حينئذ أفضل لأن الصلاة في أول الوقت فضيلة ومن تأهب أوله أدركها فهو والمصلي في الفضل سواء ويزداد المؤخر . . . أنه لم يزل في صلاة حيث انتظر الصلاة ، ومنها أن كثرة الجمع أفضل ، ومنها إسقاط الواجب عن . . . ومنها لبثه في المسجد وكان هذا خلقه عليه الصلاة والسلام ، إن كثر الناس بادر أول الوقت وإن تأخروا انتظر" وبقية كلامه عن هذه المسألة وجوابه عن المسألة الثانية غير واضح وجاء في آخر كلامه قوله : " والله أعلم قال ذلك كاتبه الفقير عبد الله المويسي وهو يقرئ السلام جميع آل راشد والجماعة لا سيما . . . بن أحمد وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه " .
ومن هنا يتبين أن المنطقة كان فيهما العديد من العلماء وطلبة العلم الذين قاموا بمهام التعليم والقضاء والتوجيه والإفتاء والوعظ ، إلا أنها كانت بحاجة ماسة إلى رفع مستوى هذه المهام وتيسيرها لأغلب أبناء المجتمع ، وتنقية الشعائر الدينية مما اختلط بها من البدع والخرافات في بعض الأماكن ، كما أنها بحاجة أيضا إلى توحيد شتاتها وتحويل إمارتها الصغيرة وقبائلها المتصارعة إلى دولة واحدة تستطيع فرض الأمن وتوفير الاستقرار لرعاياها .
وقد حدث ذلك - والحمد لله - باتفاق الإمام محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمهما الله - وقيام الدولة السعودية الأولى . القسم الثاني
يشتمل على الحديث عن الدعوة في عهد الدولة السعودية الأولى :
مرت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - بثلاث مراحل :
المرحلة الأولى في حريملاء ، وقد اقتصرت على الدعوة إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة ، والمرحلة الثانية كانت بانتقاله - رحمه الله - إلى العيينة حيث تمكن من تنفيذ بعض الأحكام الشرعية ، إلا أن المرحلة الثالثة كانت هي أساس قيام الدولة السعودية الأولى وهي انتقال الشيخ إلى الدرعية وعقده الاتفاقية المشهورة باتفاقية الدرعية عام 1157هـ مع أميرها الإمام محمد بن سعود - رحمه الله - الذي رحب بالشيخ محمد وأبدى كامل استعداده لمؤازرته ونصرة مبادئ دعوته .
وقد اهتمت الدعوة الإصلاحية بتنقية شعائر العقيدة الإسلامية مما خالطها من البدع والمظاهر المخالفة للشرع ، كما اعترضت الدعوة على الجمود الفكري المسيطر على عقول بعض علماء الأمة الإسلامية والذي يمنع الاجتهاد ويلزم المتعلمين بتقليد من سبقهم دون محاولة النظر في النصوص من الكتاب والسنة واستخراج الأحكام الشرعية منها فكان لهذه الدعوة المباركة أثرها الكبير في أساليب التوجيه والإرشاد والتعليم النصوص الدالة على فضيلته ، وينصح المعلمين بالتدرج في تعليم طلابهم ومراعاة الفروق الفردية بينهم ، ويستخدم أسلوب ضرب الأمثلة لمساعدة الطلاب في فهم ما يلقى عليهم ، وأسلوب كتابة الرسائل الخاصة لبعض العلماء وطلبة العلم ، وفتح باب المناقشة والمناظرة ، وينصح الطلاب بعدم التسرع في إصدار الأحكام الشرعية والفتيا ، أو المجادلة بغير علم .
كما كان للدعوة أثرها الواضح في المسار الفكري للتعليم حيث أصبح القائمون على التعليم من أصحاب الأفكار السليمة البعيدة عن التأثر بأفكار الفرق المبتدعة أو الأفكار التي ألفها بعض العوام والقليل من المنتسبين إلى العلم ، كما أن غالبية الكتب التي تدرس في مجال العقيدة هي كتب الشيخ محمد بن عبد الوهاب وعلماء الدعوة أو العلماء الموثوق بعقيدتهم كشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم .
وبفضل الله ثم بفضل هذه الجهود انتقلت الدراسة من المرحلة النظرية إلى مرحلة التطبيق لما يدرس ، فقد كان العلماء الملتزمون قبل الدعوة يدرسون طلابهم علم العقيدة ويبينون لهم ما حدث من مخالفات للدين إلا أنهم لم يكونوا قادرين على تغيير هذه المخالفات بالقوة ، أما بعد ظهور الدعوة وقيام الدولة السعودية فقد أصبح العلم الذي يدرس في المساجد وغيرها تطبق أحكامه داخل المجتمع ويلزم الناس بها .
وكما كان للدعوة أثرها في مجال الدراسات المتصلة بالعقيدة فقد كان لها أثرها في الدراسات الفقهية حيث كان النجديون قبل الدعوة يبدون اهتماما كبيرا بعلم الفقه والاقتصار فيه على كتب المذهب دون اهتمام الكثير منهم بمعرفة الدليل من الكتاب والسنة ، ومع أنه كان من الطبيعي أن يعتنق الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - المذهب الحنبلي المنتشر بين علماء مجتمعه ومنهم والده وجده اللذان يعدان من علماء الحنابلة إلا إنه لم يكن من العلماء الحنابلة المتمسكين بحرفية مذهبهم بل أضاف - رحمه الله - إلى حنبليته ما اكتسبه من دراسة لكتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم المنتمين إلى المذهب الحنبلي دون التعصب له ، وقد أمدته هذه الدراسة بخصائص فكرية وفقهية ظهرت آثارها على مواقف كثيرة من القضايا المتصلة بالدراسات الفقهية ، ومن هذه الآثار دعوته - رحمه الله - إلى الرجوع إلى الكتاب والسنة والتنفير من التقليد المذموم الذي أخذ به كثير من علماء المسلمين الذين انصرفوا عن النظر في النصوص الشرعية مكتفين بتقليد فقهاء مذهبهم ، ومن هؤلاء أغلبية العلماء النجديين الذين كانوا يركزون في تعلمهم وتعليمهم على فقه المذهب الحنبلي ويحصرون بحثهم وتحقيقهم في كتب الحنابلة .
وقد تكلم الشيخ حمد بن معمر - رحمه الله - في موضوع التقليد والفتيا به وأورد آراء عدد من علماء المسلمين منهم أئمة المذاهب الأربعة ، وشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ثم خلص بعد ذلك إلى تقسيم حكم التقليد والفتيا به إلى ثلاثة أقسام .
1 - محرم : وهو أن يكون التقليد بعد قيام الحجة وظهور الدليل على خلاف قول المقلد ، ونقل اتفاق السلف على تحريمه وأورد قول الشافعي - رحمه الله - " أجمع المسلمون على أنه من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد من الناس " .
2 - مذموم : وهو تقليد طالب العلم مع قدرته على الاستدلال والبحث عن الدليل في الكتاب والسنة لأن فاعله قد أفتى بغير علم مع قدرته على معرفة الدليل ، وأورد قوله تعالى : فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وقوله صلى الله عليه وسلم : إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم وحث طالب العلم على بذل جهده في معرفة الحق .
3 - جائز : وهو تقليد أهل العلم عند العجز عن معرفة الدليل ، وقسم الشيخ حمد أتباع هذا القسم إلى قسمين : أحدهما العوام الذين لا معرفة لهم بالفقه والحديث وأصولهما ، والقسم الثاني يخص طالب العلم الذي حصل بعض العلوم ولكنه قاصر النظر عن معرفة الدليل والراجح من كلام العلماء فهذا يجوز له التقليد لقوله تعالى : لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا
وقد قام أئمة الدولة السعودية الأولى - رحمهم الله - بدور كبير في مجال الدعوة ومن ذلك :
- كتاباتهم للرسائل التوجيهية كما فعل الإمام عبد العزيز بن محمد الذي بعث برسالة عامة إلى أهل بلدان العجم والروم بين فيها حقيقة مبادئ الدعوة الإصلاحية ، ونفى ما افتراه المبطلون والمعارضون لها ، ودعا الناس إلى عبادة الله وحده لا شريك له وترك كل ما ينافي الإخلاص في العبادة . وفعل الشيء نفسه - رحمه الله - في رسالة إلى أهل الخلاف السليماني والشيخ أحمد بن علي القاسمي وتابعه في ذلك خليفته وابنه الإمام سعود بن عبد العزيز - رحمهما الله - .
- بعثهم العلماء إلى كافة المناطق للقيام بمهمة الدعوة والتوجيه والإرشاد ، ومن الأمثلة على ذلك بعث الشيخ عبد العزيز الحصين إلى مكة لمقابلة الشريف أحمد بن سعيد ومناظرة علماء مكة لمناقشة بعض الأمور المتصلة بالعقيدة ، كما تم بعث الشيخ حمد بن معمر للمهمة نفسها في مكة المكرمة حيث قابل العلماء واستطاع إقناع الكثير منهم في صحة ما تدعو إليه الدعوة الإصلاحية .
- حضور الأئمة للحلقات والدروس العلمية التي يقوم بالتدريس فيها كبار علماء الدعوة من أبناء الشيخ محمد وغيرهم ، ومشاركة بعض الأئمة - رحمهم الله - بالتدريس في هذه الحلقات .
- حرص الأئمة - رحمهم الله - على توفير واستمرار المكافآت المادية للمعلمين ، والمتعلمين ، والأئمة ، والمؤذنين ، وكان لهذه الدعوة المباركة وقيام السلطة السياسية التي ثبتت الأمن والاستقرار أثرها الكبير في رفع مستوى التعليم وتقدمه من عدة وجوه منها :
1 - الزيادة في عدد طلاب العلم وتعدد مجالات التعليم :
بعد قدوم الشيخ محمد إلى الدرعية وعقده الاتفاق مع إمامها وعزمه على الاستقرار فيها بدأ طلابه في حريملاء والعيينة وغيرها يتوافدون عليه لتلقي العلم عنه ، وشجعهم على ذلك المساعدات المادية التي كان الشيخ يقدمها لطلبته المحتاجين واضطر - رحمه الله - إلى الاستدانة حيث يذكر أنه كان في ذمته عند دخول الرياض عام 1187 هـ مبلغ أربعين ألف محمدية .
وقام الشيخ - رحمه الله - بدعوة العلماء وطلبة العلم القادرين إلى القدوم إلى الدرعية لتلقي العلم والبحث في بعض المسائل التي قد تكون محل خلاف ومناقشة في بعض مسائل العقيدة وغيرها من العلوم الشرعية . ومن ذلك قوله - رحمه الله - في رسالته إلى محمد بن سلطان : " وننتظر قدومك إلينا عسى الله أن يهدينا وإياك الصراط المستقيم " ، وكان الشيخ يؤكد أن كل قادم إلى الدرعية سيكون محل التقدير والاحترام حتى ولو كان هناك خلاف معه في بعض المسائل حيث قال في رسالته إلى أحمد بن إبراهيم صاحب مرات : " والخاص والعام يفرحون بجيتك مثل ما فرحوا بجية ابن غنام والمنقور وابن عضيب مع أن ابن عضيب أكثر الناس سبا لهذا الدين إلى الآن وراحوا موقرين محشومين .
وكما كان للدعوة أثرها في زيادة أعداد العلماء والمتعلمين ، كان لها أثرها أيضا في تعدد المواد والتخصصات التي يدرسها هؤلاء المتعلمون ، فتجاوزوا مرحلة الاقتصار على علم الفقه إلى دراسة المواد الأخرى كالحديث والأصول والنحو ، وقدوتهم في ذلك إمام الدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب الذي اهتم بهذه العلوم .
ومن الأمثلة على اهتمام علماء الدعوة بالحديث ومصطلحه جواب الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد عن سؤالين وردا عليه ، وكان السؤال الأول عن المسند والمرسل وأيهما أقوى ، حيث أجاب الشيخ إجابة مفصلة تتضمن الأمثلة وأقوال أهل العلم فقال : " المسند أقوى من المرسل وذلك أن المسند ما اتصل سنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا كان السند كلهم ثقات وليس فيهم شذوذ فأجمع العلماء على الاحتجاج به إذا لم يعارضه مثله أو أقوى منه ، وأما المرسل فهو ما رواه التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم كقول الحسن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا ، وقول محمد بن شهاب الزهري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقول عطاء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فسقط رجل بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكثير من أهل العلم لا يحتج بالمرسل إلا إذا أتصل وأسند من وجه صحيح ، فإذا كان كذلك تبين لك أن المسند أقوى وأصح من المرسل بكثير" .
وأما السؤال الثاني فكان عن الحكم فيما إذا جاء خبران عن النبي صلى الله عليه وسلم يدل أحدهما على الأمر والآخر يدل على النهي وأيهما أرجح فقال الشيخ في جوابه :" الراجح ما صح سنده عن النبي صلى الله عليه وسلم بنقل العدول الثقات الضابطين ، فإن قدر اتحادهما في الصحة فإن أمكن معرفة الآخر منهما أخذ بالآخر لأنه هو الناسخ وإنما يؤخذ بالآخر فالآخر من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم أو قوله ، فإن لم يمكن معرفة ذلك أخذ بالأحوط والذي عليه الأكثرون من العلماء والفقهاء " .
ومن الأمثلة على اهتمام العلماء بأصول الفقه جواب الشيخ حمد بن معمر عن سؤال ورد عليه عن صفة الواجب والمسنون والمكروه والحرام فأجاب - رحمه الله - بقوله :
" الحمد لله رب العالمين ، الواجب في الشرع ما ذم تاركه إذا تركه قصدا وأثيب فاعله ، وهو يرادف الفرض عند الحنابلة والشافعية وأكثر الفقهاء وعند أحمد رواية أن الفرض آكد من الواجب وهو قول أبي حنيفة ، وأما المسنون فهو ما أثيب فاعله ولم يذم تاركه ، والسنة في اللغة الطريقة والسيرة وإذا أطلقت في الشرع فإنما يراد بها ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم وندب إليه قولا وفعلا ما لم ينطق به الكتاب العزيز ، وأما المكروه فهو ضد المندوب وهو لغة ضد المحبوب ، وشرعا ما مدح تاركه ولم يعاقب فاعله ، ومنه ما نهى عنه الشارع لرجحان تركه على فعله كالصوم في السفر إذا وجدت المشقة في الصوم ونحو ذلك ، وأما المكروه فهو في عرف المتأخرين ما نهي عنه نهي تنزيه ويطلق على الحرام أيضا وهو كثير في كلام المتقدمين كقول الإمام أحمد أكره المتعة والصلاة في المقابر ، وهما محرمان ، وقد ورد المكروه بمعنى الحرام في قوله تعالى : كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا
والحرام فهو ضد الحلال وهو ما حرمه الله تعالى في كتابه أو علي لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من ترك الواجبات وفعل المحرمات ، وأصل التحريم في اللغة المنع ومنه قوله تعالى : وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ وحده شرعا ما ذم فاعله ولو قولا كالغيبة والنميمة ونحوهما مما يحرم التلفظ به أو عمل القلب كالنفاق والحقد ونحوهما
2 - أعمال العلماء العلمية
ومن أهم هذه الأعمال الكتابة في بعض الموضوعات التي يرى علماء الدعوة حاجة الناس إليها وأهمها الموضوعات المتصلة بالعقيدة . ومن كتابات الشيخ محمد - رحمه الله - في هذا المجال كتاب التوحيد ، وكشف الشبهات ، وثلاثة الأصول ، وأصول الإيمان ، والقواعد الأربع ، ومفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد ، وغيرها ، ومن كتاباته - رحمه الله - في موضوعات الفقه كتابه أحكام الصلاة والزكاة والصيام ، وكان يدعم الأحكام الواردة فيه بالأدلة الشرعية من الكتاب والسنة ، وكتب - رحمه الله - في مجال القرآن وتفسيره ، كتاب فضائل الأعمال الذي تحدث فيه عن فضل تلاوته وتعلمه وتعليمه ، وكتب الشيخ محمد - رحمه الله - في الحديث كتابا رقبه على أبواب الفقه ، وجمع أحاديث تتعلق بالفقه والحوادث التي أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بوقوعها .
وقد رأى الشيخ محمد - رحمه الله - اختصار بعض الكتب المهمة ومن ذلك اختصاره لكتاب الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للشيخ علي المرداوي ، والشرح الكبير للشيخ عبد الرحمن بن قدامة ، وكتاب زاد المعاد لابن القيم ، وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم لابن هشام .
ومن كتابات علماء الدعوة الآخرين كتاب الشيخ عبد الله بن الشيخ بعنوان " الكلمات النافعة في المكفرات الواقعة ، وشرح أصول الدين للشيخ حسين بن غنام ، كما كتب الشيخ محمد وعلماء الدعوة - رحمهم الله - العديد من الرسائل الشخصية الخاصة ، والرسائل الصغيرة ، والكتب في الرد على المعارضين للدعوة في داخل نجد وخارجها .
وقد امتدت حدود الدولة السعودية الأولى لتشمل العديد من المناطق خارج نجد ومنها منطقة الأحساء ، وتعتبر الأحساء من المراكز العلمية المهمة في الجزيرة العربية بعد مكة والمدينة ، ومن أبرز علمائها الشيخ محمد بن عبد الرحمن عفالق وكانت ولادته في الأحساء عام 1100 هـ ودرس على علمائها ثم قام برحلات علمية إلى الحرمين والعراق والشام وأخذ عن علماء تلك الأقطار ، ومن أشهرهم الشيخ عبد القادر التغلبي في الشام والشيخ جمعة الهلالي النجدي في العراق ، ومن مؤلفاته " سلم العروج إلى المنازل والبروج " ، وشرح غاية المنتهى " وصل فيه إلى الصلح ، ومجموعة في الحديث رتبها على أبواب الفقه ، و" تهكم المقلدين في مدعي تجديد الدين " رد به على الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، وله رسالة مطولة أرسلها إلى الأمير عثمان بن معمر في العيينة يعترض فيها على دعوة الشيخ محمد ، وجاء في مقدمتها قول ابن عفالق : " الحمد لله رب العالمين وبه نستعين وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم وبعد فقد ورد مشرفك وفهمنا ما ذكرت أما قولك : إن الكلام أوله وآخره في كلمة التوحيد والاختلاف عندها . فكلمة التوحيد ليس فيها اختلاف عند جميع الأمة وجميع الملل الإسلامية لا يختلفون فيها برهم وفاجرهم ، ونخبرك بها على سبيل الاختصار .
ومن علماء الأحساء الشيخ عبد الله بن محمد بن فيروز وكانت ولادته عام 1105 هـ ودرس على عدد من العلماء والتقى به ابن خالة الشيخ محمد بن عبد الوهاب أثناء رحلته العلمية التي زار خلالها الأحساء والعراق ، وقد تصدر للتعليم وتخرج على يديه عدد من الطلاب منهم ابنه الشيخ محمد بن عبد الله بن فيروز الذي أخذ العلم عن والده وغيره من علماء الأحساء ومنهم الشيخ محمد بن عفالق كما أخذ عن علماء المدينة المنورة ومنهم الشيخ محمد سعيد سفر المدني ، ومما يؤخذ على الشيخ ابن فيروز - عفا الله عنا وعنه - أنه لم يوافق الشيخ محمد في دعوته وعارضه فيها ، واشتد في معارضته لبعض المسائل المتصلة بالدعوة كالتكفير والقتال .ومن علماء الأحساء الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد اللطيف ويبدو أن معارضته للدعوة كانت أخف من معارضة الشيخين ابن عفالق وابن فيروز ، ويمكن استيضاح مواقفه من الدعوة من رسالة الشيخ محمد إليه حيث يذكر أنه قابله في الأحساء أثناء رحلته في طلب العلم وتذاكر معه في التفسير والحديث ، وأعجب بكلامه الدال على سلامة عقيدته وعلي ما من الله به عليه من حسن الفهم ومحبة الله والدار الآخرة .
ولهذه الصفات الحسنة فقد أبدى الشيخ محمد في رسالته استغرابه قيام الشيخ ابن عبد اللطيف بالكتابة مع من كتبوا من علماء الأحساء في الإنكار والتغليظ على الشيخ وأكد الشيخ في رسالته أنه لا يدعو إلى مذهب أو إمام معين ، وإنما يدعو إلي عبادة الله وحده لا شريك له وإلى الرجوع إلى سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وترك البدع والمحدثات في الدين . وقد استخدم الشيخ محمد معه أسلوب اللين أملا في هدايته وتأييده للدعوة ووقوفه ضد معارضيها ومن ذلك قوله : " أنت من سبب ما أظن فيك من طاعة الله لا أبعد أن يهديك الله إلى الصراط المستقيم ويشرح قلبك للإسلام " وقوله أيضا " وما أحسنك تكون في آخر هذا الزمان فاروقا لدين الله كعمر رضي الله عنه في أوله فإنك لو تكون معنا لانتصفنا ممن أغلظ علينا " .
ويعد أن شرح الشيخ محمد شيئا من أصول الدين طلب من الشيخ ابن عبد اللطيف إحضار قلبه لفهمها ودعا له أن يؤمن بها حيث قال رحمه الله : " وأحضر قلبك هذه الأصول وما يشابهها في ذهنك واعرضها على قلبك فإنه إن شاء الله ، يؤمن بها " .
وقد واجهت الدعوة في عهد الدولة السعودية الأولى معارضة من بعض العلماء النجديين ، ومن أبرزهم سليمان بن سحيم عالم الرياض الذي كتب إلى علماء الأحساء والحرمين وغيرهم يدعوهم إلى الوقوف ضد الدعوة والرد عليها ، وعبد الله المويسي في حرمة الذي رفض تأييد الدعوة وكتب في الرد عليها ، وعبد العزيز الرزيني في أثيثية الذي هاجم الدعوة وإمامها ، وكتب رسالة يرد بها على الشيخ محمد بن عبد الوهاب في موضوع الأوقاف ، إلا أن هذه المعارضة لم يقدر لها النجاح لمجانبتها الصواب ، وقيام علماء الدعوة - وعلى رأسهم الشيخ محمد بن الوهاب - رحمه الله - بالرد على المعارضين وتفنيد شبهاتهم ودحض حججهم .
واستمرت الدعوة في تقدمها وازدهارها في عهد الدولة السعودية الأولى حتى تمكنت قوات محمد علي من القضاء على هذه الدولة ونشر الفوضى في المنطقة وهو ما كانت له آثاره السلبية في إيقاف نمو الدعوة واتساعها إلا أن ذلك لم يدم إلا سنوات قليلة عاد بعدها قادة الدولة السعودية ، وعلماء الدعوة إلى مواصلة أداء مهامهم في المجالات المتعددة للدعوة ، وذلك بقيام الدولة السعودية الثانية على يد الإمام تركي بن عبد الله - رحمه الله - .
القسم الثالث
الدعوة في عهد الدولة السعودية الثانية :
وكانت أوضاع الدعوة في عهد الدولة السعودية الثانية امتدادا لأوضاعها في عهد الدولة السعودية الأولى : فأئمتها حريصون على تنفيذ أحكام الشريعة الإسلامية في أمور حكمهم والسير بالعدل في معاملة رعاياهم ، ومن الأمثلة على ذلك خطاب مؤسس هذه الدولة الإمام تركي بن عبد الله - رحمه الله - أمام أمرائه ورجاله في طريق رجوعه من الأحساء عام 1248 هـ حيث ذكر الجميع بنعمة الله عليهم بالاجتماع بعد الفرقة والأخوة بعد العداوة والغنى بعد العيلة ، ونصح الأمراء بالعدل بين الناس وهدد المخالفين لذلك بالعقوبة ، وكان رحمه الله حريصا على تنفيذ ما حكم به الأئمة والعلماء في عهد الدولة السعودية الأولى ومن ذلك رسالتاه الخاصتان بقصور أهل مرات وثرمدا ، ومما جاء في الأولى قوله بعد المقدمة : " وبعد ، دعوى هالقصور عيت تنقطع فيكون لديكم معلوم ما كان أنتم عليه فيها على حياة عبد العزيز وسعود رحمهما الله فأنتم عليه ولا فيه مراجع " .
وكان رحمه الله يكتب الرسائل العامة للناس ، ومن ذلك رسالة كتبها إلى من يراه من المسلمين حثهم فيها على شكر نعمة الله باتباع أوامره واجتناب نواهيه ، وإقامة الصلاة مع الجماعة وعدم التخلف عنها ، وأورد الأدلة الدالة على وجوب صلاة الجماعة ، وحثهم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ودفع الزكاة ، والحذر من المعاملة بالربا ، وشرب الدخان ، وحث المنتسبين إلى العلم على تنظيم الدروس العلمية للناس .
وقد سار على ذلك خليفته وابنه الإمام فيصل بن تركي رحمه الله فبعد توليه الحكم بعث إلى قضاته يطلب منهم القدوم إلى الرياض حيث أقاموا قربه شهرا سمعوا من الإمام التوجيه والنصح وتحري العدل في أحكامهم ، كما وجه رحمه الله رسالة عامة إلى الناس يوصيهم فيها بتقوى الله عز وجل والتعاون على البر والتقوى ، وتعلم الأحكام الشرعية ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
وكان رحمه الله حريصا على تنفيذ أحكام العلماء السابقين ، ومن ذلك رسالته إلى منيع وعبد الله أبا الغنيم واعتراضهم على أم الحصا التابعة لأوقاف الصوام في مسجد أشيقر ، وطلبه منهم تثبيت وقفيتها كما أفتى بذلك الشيخ عبد العزيز الحصين والشيخ علي بن مساعد .
وقد سلك العلماء وطلبة العلم رحمهم الله هذا المنهج بإرشاد الناس وتوجيههم بالدروس والكتابات العلمية خاصة المتصلة منها بالعقيدة ، والتعاون فيما بينهم ، واستفسار بعضهم من بعض فيما يشكل عليهم ، ومن الأمثلة على هذه النقاط :
- رسالة من الشيخ عثمان بن عبد الجبار إلى الشيخ محمد الفاخري يجيبه عن قول الفقهاء بعدم جواز بيع الجنسين اللذين يجمعهما الكيل والوزن بعضهما ببعض نسيئة ، وجواز ذلك إذا كان متفاضلا ، وسؤال الشيخ الفاخري عن بيع الناس الذبيحة بعيش بر إلى الصيف .
- رسالة من الشيخ حمد بن عبد العزيز إلى الشيخ عثمان بن بشر تتعلق بوقف امرأة يظهر أنها تحاول الرجوع في وقفها ، وجواب الشيخ حمد بأن المفهوم من كلام الفقهاء أن الوقف إذا كان على جهة بر وهو منجز فلا يجوز الرجوع فيه .
- رسالة من الشيخ عبد العزيز بن عثمان بن عبد الجبار إلى عثمان بن بشر إجابة لطلب الشيخ عثمان اطلاع الشيخ عبد العزيز على ورقة تخص مسألة خلاف بين ابن عمير وابن فوزان .
- رسالة من الشيخ عبد العزيز بن عبد الجبار إلى أهل سدير في شأن رجل يزعم أن لديه قدرة خارقة ، وإفادته رحمه الله بأن هذه الأعمال المذكورة نوع من السحر المحرم في الشريعة .
- كتابة الشيخ صعب التويجري - رحمه الله - نبذة في العقيدة ، وهناك كتابات كثيرة لعلماء الدعوة في هذه الفترة يضمها كتابا الدرر السنية والرسائل والمسائل النجدية .
- يرتبط العلماء وطلبة العلم بعلاقات حميمة ، وإن عتب أو أشتد أحدهما على الآخر قابله الطرف الثاني بالصلة والود ، ومن ذلك رسالة من الشيخ أحمد بن مشرف في الأحساء إلى الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن في الرياض يجيبه على معاتبته له بقصيدة جاء في مطلعها :
الـود أصـدق والتـوهم أكذب
فعلام تلحقنا الملام وتعتب
- اهتم العلماء ببعض العلوم الأخرى غير العلوم الشرعية والعربية ، ومنها علم الفلك كما يتبين ذلك من رسالة جوابية إلى الشيخ عثمان بن بشر والتي تضمنت الحديث عن كوكب الزهرة وغيرها ، كما كانوا رحمهم الله يهتمون بمعرفة الأوقات خاصة المتعلقة منها بأوقات الصلوات ، ومن ذلك رسالة كتبها الشيخ محمد بن سلوم إلى الشيخ عبد الله الفايز عن كيفية وضع الشخص لمعرفة وقتي صلاتي الظهر والعصر .
وقد واجهت الدعوة في هذه الفترة معارضة من بعض العلماء النجديين إلا أنها كانت بشكل أخف مما كانت عليه في عهد الدولة السعودية الأولى ، ومن أشهر العلماء المعارضين في هذه الفترة الشيخ عثمان بن منصور الذي أخذ عن علماء نجد ثم رحل إلى العراق وقرأ على بعض علمائها المعارضين للدعوة ومنهم داود بن جرجيس ، وقد أجاز رحمه الله وعفا عنا وعنه في فترة من حياته التوسل بالصالحين من الأموات والاستعانة بهم ، ومما يدل على أن معارضته للدعوة ليست ثابتة طوال حياته نقله عن أحد رجال البصرة صلاح أبناء الشيخ محمد المجموعي شيخ الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - وأن ذلك - والله أعلم - كان ببركة اجتماع جدهم بالشيخ محمد ، ورثاؤه للإمام تركي بن عبد الله بقصيدة جيدة ، وشرحه لكتاب التوحيد ، والشيخ محمد بن عبد الله بن حميد الذي رحل إلى مكة والعراق ومصر والشام واليمن ، ودرس على بعض المعارضين للدعوة مما كان سببا في اختلافه مع بعض علمائها في بعض المسائل العقدية ، وكانت هذه المعارضة محدودة ولم تكن لها آثار سلبية على الدعوة .
وهذا المستوى المتقدم للدعوة في مجالاتها المختلفة كان في عهد الإمامين - الإمام تركي بن عبد الله والإمام فيصل بن تركي - . إذ بعدهما حصل الاختلاف بين أبناء الإمام فيصل وكان من الطبيعي أن يكون له آثاره السلبية على الدعوة ، إلا أن ذلك لم يكن بالصورة القاتمة التي يمكن أن تفهم من شدة الخلاف والحروب التي حصلت بين أبناء الإمام وأتباعهم من المنتمين إلى الدولة السعودية والدعوة الإصلاحية ، فالحروب من الممكن أن تسقط دولا وتقيم أخرى في أيام محددة معروفة إلا أنه من الصعب انتزاع العلم والقيم والمبادئ من أفكار الناس وصدورهم .
ولهذا فقد عاشت المنطقة فترة خلاف بين أبناء الإمام فيصل منذ وفاته - رحمه الله - في عام 1282 هـ إلى سقوط الدولة السعودية الثانية عام 1309 هـ ، ثم تلتها فترة الفوضى التي استثمرت إلى دخول الملك عبد العزيز - رحمه الله - الرياض عام 1319 هـ . ويمكن الإشارة إلى الجوانب المضيئة للدعوة في هذه الفترة على ضوء النقاط التالية :
- سير الإمام عبد الله بن فيصل - رحمه الله - على طريقة آبائه في كتابة الرسائل إلى أمراء البلدان وتوجيههم وإرشادهم إلى ما يجب عليهم ، ومن ذلك رسالته إلى مجاهد بن عبد الله يحثه على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ويشير في رسالته إلى بعض المنكرات التي تحصل في البلد والتي يجب على الأمير إزالتها ، ووجهه إلى تنظيم هيئة تقوم بتلك المهمة ، ويكون كل عضو منها مسؤولا عن طرف من أطراف البلدة ، وختم رسالته بتهديد المتعرضين للآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر بأقصى العقوبة .
- المحاولات التي قام بها العلماء - وعلى رأسهم الشيخان الشيخ عبد الرحمن بن حسن وابنه الشيخ عبد اللطيف - لإصلاح ذات البين بين الإمام عبد الله بن فيصل وأخويه سعود وعبد الرحمن ، وبذل مساعيهم لجمع الناس على الإمام الشرعي وهو الإمام عبد الله الذي بويع له بولاية العهد في حياة أبيه ، ثم حدثت أمور أضعفت الإمام عبد الله وأبرزت أخاه سعودا ، فحثوا الناس على مبايعة سعود وعدم إراقة دماء المسلمين في الحروب مع أن وصوله إلى الحكم والإمامة كان عن طريق القوة والغلبة ، فبينوا أن ذلك غير مناف للقواعد الشرعية لعدم صلاح أمر المسلمين بدون إمام ، ولأن ذلك قد حدث بعد عهد الخلفاء الراشدين ، وأعطي الإمام المتغلب حكم الإمام ، ولم ينازعه الموجودون من الصحابة ، ومنهم ابن عمر وغيره مع أن الإمامة أخذت عن طريق القهر والغلبة ، وكتب الشيخ عبد اللطيف رسالة إلى والي جدة خورشيد باشا في عام 1288 هـ يطلب منه تثبيت حكم الإمام سعود ومنع والي بغداد من التدخل في شؤون الجزيرة العربية ، ويذكر الوالي بالعلاقة الطيبة التي كانت تربط الإمام فيصل بن تركي بالدولة العثمانية ، وأن ابنه سعودا هو القائم مقامه الآن ، ورغبة الإمام سعود ورعيته استمرار العلاقة الطيبة مع الدولة العثمانية .
وبعد وفاة الإمام سعود وتولي أخيه الإمام عبد الرحمن فترة من الزمن تدخل العلماء لإقناعه بالتنازل عن الحكم لأخيه الأكبر الإمام عبد الله ، ونجحوا في تحقيق مسعاهم .
- معالجة بعض المشكلات الناتجة عن هذه الفتنة ، واختلاف العلماء في مواقفهم تجاه بعض الإجراءات التي قام بها المتنازعون ، ومن ذلك موقف العلماء من استعانة الإمام عبد الله بن فيصل بوالي بغداد ضد أخيه سعود في الأحساء ، حيث قال الشيخ محمد بن عجلان بجواز ذلك ، واشتد الشيخ حمد بن عتيق - رحمه الله - وقال بردة من أفتى بجواز ذلك ، وتدخل الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن - رحمه الله - وحكم بخطأ الطرفين كليهما حيث خطأ الشيخ ابن عجلان بإباحته الاستعانة بوالي الدولة العثمانية على الرغم مما هم فيه من البعد عن تنفيذ أحكام الشريعة الإسلامية وأثنى على الشيخ حمد بن عتيق وعلى تحمسه في البعد عن موالاة غير المؤمنين إلا أنه لم يوافقه في تكفير من أجاز الاستعانة بولاة الدولة ، وأورد رأي علماء المسلمين في موضوع الاستعانة بغير المسلمين وأنه محل خلاف وأن الراجح منع الاستعانة بهم .
- قيام العلماء وطلبة العلم بدورهم في الدفاع عن العقيدة الصحيحة ومبادئ الدعوة الإصلاحية ، وكشف شبهات المبطلين ، ومن الأمثلة على ذلك :
رد الشيخ إبراهيم بن صالح بن عيسى - رحمه الله - على قصيدة ليوسف النبهاني ضل فيها عن طريق الحق ، حيث جاء في مطلعها :
لـك الحمد يا من يعلم السروالجهرا لك الحمد في السراء مني في الضرا
وجاء في رده على قول النبهاني :
أولئـــك وهابيـــة ضـــل ســعيهم فظنوا الردى خيرا وظنوا الهدى شرا
قوله :
كـذبت وكـان الكذب فيك سجية وأنت بما قد قلته فيهم أحرا - كان الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن قد رد على كتابات لأحد علماء بغداد وهو داود بن جرجيس لتضمنها ما يخالف العقيدة الصحيحة ، فقام أمين بن حنش البغدادي بكتابة قصيدة يثني فيها على ابن جرجيس ويعترض على علماء الدعوة الإصلاحية ، ومما جاء فيها قوله :
الحق لا شك ما أفتى الإمام به أعنـي به الشيخ داود بن سلمان
وقد انبرى للرد عليه عدد من العلماء منهم الشيخ إسحق بن عبد الرحمن بن حسن ، وجاء في مقدمة رده قوله : " الحمد لله وكفى ، وسلام على عباده الذين اصطفى ، يقول الفقير إلى الله إسحق بن عبد الرحمن بن حسن هذا جوابي على قصيدة العراقي الملحد المسمى أمين بن حنش التي مدح فيها طواغيت المشركين ، وأباح دعاء الصالحين ، وهجا علماء المسلمين أحببت أن أدخل به في سلك من نصر الدين بالنصر الواضح المبين ، وما توفيقي إلا بالله .
كما رد عليه الشيخ سليمان بن سحمان بقصيدة جاء في مطلعها :
الحـق شمس لأهل الدين قد بانا ولا يراه امرؤ بالكفر قد دانا
ورد عليه أيضا الشيخ إبراهيم بن عبد اللطيف بقصيدة جاء في مطلعها :
الحـمد للـه حمدا أستزيد به فضل الإله وأرجو منه رضوانا
كما رد عليه أيضا أحد العلماء النجديين المقيمين في بغداد وهو الشيخ علي بن سليمان بن يوسف الوهبي التميمي بنظم سماه الشهب السماوية على من تنقص السلفية جاء في مطلعها :
الحـمد للـه صبح الحق قد بانا وغيهب الجهل والإشراك قد بانا
- إجابة الشيخ عيسى بن عكاس على رسالة الشيخ قاسم بن ثاني التي طلب فيها النظر في كتابة لمحمد بن عبد الله الفارسي تضمنت الحديث عن ثلاث مسائل تتعلق بصفات الله عز وجل ، وحياة الأنبياء بعد موتهم ، والاستغاثة بالأنبياء والأولياء ، وقد قام الشيخ ابن عكاس بالرد على ما فيها من أمور مخالفة للعقيدة الصحيحة .
- كتابة الشيخ فهد بن سلطان إلى بعض العلماء ينكر فيها ما قام به علي بن عرفج من كلام يتضمن جواز موالاة المشركين ، وجاء في مقدمة رسالته قوله : " من فهد بن سلطان إلى المشايخ الكرام محمد بن عمر ومحمد بن عبد الله وإبراهيم بن عجلان زادهم الله من الإيمان ووفقهم للدعوة إليه على بصيرة وبرهان آمين ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أما بعد فإن علي بن عرفج تكلم بكلام متضمن لجواز موالاة المشركين والمداهنة في دين رب العالمين " ، وطلب في رسالته من العلماء المذكورين بيان الحق والرد على كلام ابن عرفج .
- أداء العلماء لمهامهم في التأليف والكتابة في الموضوعات التي يحتاج الناس إلى معرفة حكم الشرع فيها ، كما قام العلماء أيضا بنسخ كتب أهل العلم لتعم فائدتها ، ومن الأمثلة على ذلك :
- كتابة الشيخ أحمد بن إبراهيم بن عيسى رسالة في حكم قصر الصلاة في السفر وقال فيها - رحمه الله - بأن القول الراجح هو استمرار الإنسان في قصر الصلاة ما لم يعزم على الإقامة .
- كتاب الشيخ عبد العزيز بن عامر رسالة في حكم المسكر والمفتر .
- كتابة الشيخ حمد بن عتيق ، رسالة في حكم الاستعانة بغير المسلمين وموالاتهم وذلك بعد قدوم والي بغداد إلى الأحساء ، وكانت الرسالة بعنوان " سبيل النجاة والفكاك من موالاة المرتدين والأتراك .
- قيام الشيخ عبد العزيز بن عامر بنسخ العديد من كتب أهل العلم ورسائلهم ومن الأمثلة على ذلك :
منظومة الآداب لابن عبد القوي .
عدة مسائل في العقيدة .
نظم في أحوال " كلا " في القرآن من ناحية الوقوف وعدمه .
نقولات من كلام الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - .
- حرص العلماء على تثبيت الصلة والمودة فيما بينهم عن طريق المراسلات ، والاستفادة منها في مناقشة بعض المسائل العلمية ومن ذلك :
رسالة من الشيخ إبراهيم بن صالح بن عيسى إلى الشيخ عبد العزيز بن زامل السليم ، ومما جاء في مقدمتها : " بسم الله الحمد لله الذي جعل الأرواح جنودا مجندة فما تعارف منها ائتلف ، وما تناكر منها اختلف ، والصلاة والسلام على نبينا محمد أشرف من وصل قطع حبل المودة والوداد وأفضل من قطع وصل حبل البعاد .
- حرص العلماء - رحمهم الله - على التخلق بالأخلاق الفاضلة وتحمل بعضهم ما قد يصدر من هفوة من أخيه في حقه ، ومحاولتهم الوصول إلى الحق دون التعصب لرأيهم ، ومن الأمثلة على ذلك رسالتان :
الأولى من الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن إلى الشيخ حمد بن عتيق يجيب فيها الشيخ عبد اللطيف على رسالة وردته من الشيخ حمد ، وكانت بعض عباراتها لا تخلو من الغلظة ، ومما جاء في مقدمة جواب الشيخ عبد اللطيف على خطاب الشيخ حمد قوله : " وكنت حال وصوله قد قرأته بمرأى من أهل الأدب ومسمع ، فمن قائل عند سماعه هذا الرجل طبعه الغلظة والجمود وآخر يقول كأنه لا يحسن الدعوة إلى ربنا المعبود فقلت : كلا إنه ابن جلا وله السبق في مضمار الديانة والعلا ، لكن من عادته أنه يتجاسر على أحبائه ويزدري رتب إخوانه وأقرانه والمحب له الدلال " .
الثانية رسالة من الشيخ عبد العزيز بن محمد بن مانع يعاتب فيها الشيخ عبد الله بن محمد بن دخيل على انتقاده كلاما للشيخ ابن مانع في بعض مسائل الفقه ، بأسلوب لا يخلو من القسوة ، ومما جاء في رسالة الشيخ ابن مانع قوله بعد المقدمة : " وبعد فقد بلغنا تشنيعك على أخيك وهذا أخي ليس من الدين ولا من سنة عباد الله الصالحين ، لا سيما الإخوان المتناصحين ، فلقد كان منهم من يقول أفرح إذا أصاب خصمي ، وأحزن إذا أخطأ إذ لم يكن لهم قصد إلا ظهور الحق ، ولم يبالوا مع من كان " ، ثم أخذ بعد ذلك في بيان رأيه في المسائل الفقهية المعترض عليها من قبل الشيخ ابن دخيل .
وكان العلماء يبعثون برسائل النصح والتوجيه والإرشاد إلى خارج نجد ، ومن هذه الرسائل ما يكون خاصا بعالم معين ، ومن ذلك رسالة الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف - رحمه الله - إلى الشيخ نعمان الألوسي في العراق ، ومما جاء فيها بعد المقدمة : " فالموجب للكتاب إبلاغ حضرة السيد المبجل السلام الأعم والثناء الأتم والفحص عن أحواله السنية " ، ومن هذه الرسائل ما يكون عاما للمسلمين في الجهة أو الجهات المرسل إليها ، ومن ذلك رسالة الشيخ اسحق بن عبد الرحمن بن حسن : " إلى من يراه من الإخوان وكافة الرؤوساء في ساحل عمان ومن يليهم " .
وكان العلماء - رحمهم الله - يقومون بدورهم في توجيه الناس وحثهم على البعد عن إيذاء المسلمين وغيبتهم ، ومن ذلك رسالة من الشيخ صالح البنيان إلى أحمد بن عبيد في الرياض عندما بلغه انه يتعرض لأحد الدعاة إلى الله ، وهو عبد الرحمن بن سليمان بن بطي ، فبعث إليه بنظم جاء في مطلعه :
تـراكيب نظـم هيجـت لي ما حصل من النصح إحسانا لخل عن الخلل
وجاء فيها :
لقـد جاءنـا ما ساءنا من صنيعكم من الوقع في عرض امرئ جد وانتحل - مشاركة العلماء وطلبة العلم والموسرين في إيقاف كتب أهل العلم على طلبة العلم تشجيعا ومساعدة لهم في الاستفادة منها ، ومن الأمثلة على ذلك :
- كتاب الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان لشيخ الإسلام ابن تيمية ، وقد أوقفه الشيخ عبد الله أبا بطين - رحمه الله - .
- سبيل النجاة والفكاك من موالاة المرتدين والأتراك للثسيخ حمد بن عتيق ، وقد أوقفه محمد بن إبراهيم الصبي - رحمه الله - .
- منسك للشيخ عبد الله أبا بطين ، وقد أوقفه عبد الرحمن بن فوزان بن عيسى - رحمه الله - .
- الفيوضات الإلهية لشرح الألفية الوردية للشيخ عبد الرءوف المناوي ، وقد أوقفها سليمان المحمد البسام - رحمه الله - .
- غاية المنتهى للشيخ مرعي المقدسي .
- صحيح أبي داود .
- الجامع الصغير للسيوطي .
والواقفون حمد السليمان البسام وحمد وسليمان المحمد البسام - رحمهم الله - .
- مختصر رونق المجالس للشيخ عثمان بن يحيى المبري ، وقد أوقفه عبد العزيز بن محمد إبراهيم البسام - رحمه الله - .
- تمسك الناس بتعاليم الدعوة ومودتهم لأئمة الدولة السعودية وعلماء الدعوة الإصلاحية ، ومما يدل علي صدق هذه المودة والرغبة وجودها في وقت ضعفت فيه الدولة السعودية الثانية ، واقتربت من النهاية ، ومن الأمثلة الدالة على ذلك :
- كتب الشيخ أحمد بن عيسى التي تضمنت نثرا وشعرا يتأسف فيه على ما حدث للدولة من ضعف ، ويحث أئمة الدولة وعلماء الدعوة والناس جميعا على تجاوز هذه المحنة ، وجاء في مقدمة النثر قوله : " آه من فرقة لعب بها إبليس وأصلها وزين لها التفرق " ، وجاء في مطلع النظم قوله :
متى ينجلي هذا الدجا والدساكر متـى ينتهـض للحـق منكم عساكر
ولم يكن الأمر مقتصرا على العلماء بل شاركهم في ذلك طلبة العلم والعوام حتى أنهم أشركوا مؤسس الدولة السعودية الإمام محمد بن سعود رحمه الله وأبناءه وإمام الدعوة الإصلاحية الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - وأبناءه مع أنفسهم وأهاليهم في أضحياتهم ، ومن ذلك وصية عبد الرزاق بن محمد الجويعي الذي أوصى بعدد من الأضحيات منها واحدة للشيخ محمد بن عبد الوهاب وأبنائه ، وأخرى للإمام محمد بن سعود وأبنائه .
وفي ختام هذا البحث يمكن استخلاص النقاط التالية :
- أداء العلماء وطلبة العلم النجديين قبل الدعوة وقيام الدولة السعودية الأولى لمهامهم في التعليم والإفتاء , والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع محدودية التعليم ، واقتصاره على عدد قليل من البلدان التي وجد فيها من قام بالتعليم ، وتخرج على أيديهم عدد من طلبة العلم ، وعدد أقل من البلدان التي احتضنت مشاهير العلماء النجديين الذين رحل إليهم العديد من طلبة العلم واستفادوا منهم ، ومع اقتصار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على المرتبتين الثانية والثالثة وهما التغيير باللسان والقلب ، فكانت المنطقة بحاجة إلى دعوة إصلاحية تعمم التعليم ، وتدعو إلى الله بأسلوب الحكمة والموعظة الحسنة ، وأسلوب القوة مع المعاندين ومنكري الحق حفاظا على مصالحهم الخاصة .
- تغير أوضاع الدعوة إلى الله تعالى في المنطقة بعد قيام الدولة السعودية الأولى حيث انتفت السلبيات التي سبق الإشارة إليها في النقطة السابقة ، فانتشر التعليم في كافة المناطق ، واهتم العلماء بتنقية شعائر العقيدة الإسلامية مما خالطها من البدع ، واستخدموا العديد من الأساليب والطرق في التعليم والتوجيه والإرشاد ، والرد على المعارضين للدعوة ، وكشف شبهاتهم ، وتمكنت الدولة السعودية الأولى من التصدي لهجمات أعدائها ، وإعلان الجهاد لنشر مبادئ الدعوة الإصلاحية .
- استمرار الدولة السعودية الأولى بتوجيه من أئمتها وعلماء الدعوة فيها بالقيام بمهامها إلى نهايتها على يد قوات محمد علي باشا عام 1233 هـ حيث كان لذلك آثاره السلبية على الدعوة لسنوات قليلة انتهت بقيام الدولة السعودية الثانية على يد مؤسسها الإمام تركي بن عبد الله - رحمه الله - ، ثم خليفته وابنه الإمام فيصل بن تركي - رحمه الله - اللذين سارا على طريقة آبائهما في نصرة الدعوة ومؤازرة العلماء الذين قاموا بمهامهم بالدعوة إلى الله بكافة الوسائل .
- حدوث الخلاف بين أبناء الإمام فيصل بن تركي - رحمه الله - بعد وفاته في عام 1282 هـ ، والدور البارز للعلماء الدعاة في إطفاء نار الفتنة حسب استطاعتهم واستمرار العلماء وطلبة العلم بالقيام بواجباتهم رغم الظروف الصعبة التي تعيشها المنطقة ، وتمسك العلماء وطلبة العلم والعوام بالدولة التي قامت على أساس هذه الدعوة وكتابة العلماء في حث أبناء الإمام فيصل على الاجتماع وتجاوز المحنة ، ومودة الناس لهذه الدولة وعلماء الدعوة فيها ، وإشراك بعضهم لأئمتها وعلمائها مع والديهم وأهاليهم في أضحياتهم .
جزى الله العلماء العاملين قبل الدعوة خير الجزاء ، ورحم الله أئمة الدولة السعودية وعلماء الدعوة
الإصلاحية والمدافعين عنها وجزاهم عنا أحسن الجزاء إنه سميع مجيب .
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين
.

المرجع

http://www.al-islam.com/arb/NawaInfo...oos_n00002.Htm