تاريخ التسجيل :
Mar 2002
رقم العضوية : 14
الاقامة : Lonely Soul
المشاركات : 3,579
هواياتى : poetry_music_deep meditation
MMS :
إم إم إس
الحالة
غير متصل
معدل تقييم المستوى : 64
Array
القصة القصيرة في نظرية السرد
بقـــلم الكاتب العراقي عواد علي
لم تأخذ القصة القصيرة مكاناً لائقاً في نظريات السرد، والتاريخ الأدبي،
مقارنة بالرواية، علي الرغم من كونها نوعاً سردياً متميزاً، وتمتلك تقاليد
خاصة، وبنية شديدة الإحكام. ومن بين النقاد القلائل الذين نظروا لهذا
الشكل الأدبي الناقد شارلز ماي، في دراسته (التحفيز الاستعاري في
القصة القصيرة) المنشورة ضمن كتاب (نظرية القصة القصيرة في مفترق
طرق).
يتفق ماي مع إيخنباوم ــ أحد اقطاب الشكلانية ــ في أن القصة القصيرة
شكل أساسي أولي، بل إنه يشير الي أنها شكل له صلة وثيقة بالسرد
البدائي، الذي يجسد التصور الأسطوري ويلخصه، والذي يكون من سماته
التكثيف لا التوسع، والتركيز لا التشتت. وهي أيضاً شكل يكون أسلوب
التقديم فيه أقرب الي أن يكون تقديماً عبرانياً لا هوميرياً. وبدلاً من تقديم
التفاصيل بشكل خارجي تماماً، وبطريقة ثابتة في الزمان والمكان، فإن
القصة لا تستغل إلاّ تلك التفاصيل الضرورية والنافعة لها، ويبدو التقدم فيها
وكأنه متجه الي هدف وحيد. وفي شكلها الفني يصبح التوتر بين المتطلبات
الجمالية، ومتطلبات مشابهة الحقيقة أكثر حسماً منه في الرواية؛ ذلك أن
قصر القصة القصيرة يتطلب شكلاً جمالياً أكثر مما يتطلب شكلاً طبيعياً أو
أساسياً. كما أن القصة القصيرة تظل ــ أكثر من الرواية ــ أقرب الي أسلافها
في بناء القصة الأسطورية. وإضافة الي ذلك فهي أكثر ارتباطاً بصيغة
الرومانس منها بالصيغة الواقعية، ومن ثم فإن الشخصيات فيها أقرب الي أن
تكون ــ كما يشير نورثروب فراي ــ شخوصاً مؤسلبة أكثر منها أناساً
حقيقيين، فهي تبدو وكأنها تفعل وفقاً لتقاليد مشابهة الحقيقة والمعقولية،
ولكن لأن قصر الشكل يمنع من التقديم الواقعي للشخصية عن طريق
التفاصيل الكنائية الشاملة، وحيث أن تاريخ القصة القصيرة هو التاريخ الذي
تلتقي فيه الشخصية بحادثة حاسمة أو أزمة أكثر مما تتطور عبر الزمن، فإن
الشكل والتراث الخاصين بالقصة القصيرة يعملان بقوة ضد التقاليد المحورية
في الواقعية. كما يذهب ماي الي أن الشخصيات هي في الوقت نفسه
أقنعة اجتماعية في قص واقعي، وتجليات رمزية في قص رومانسي، وتتحول
في عملية السرد الي مجاز، أي أنها تصبح واقعة في خطاب من صنع
مجازها وهاجسها الخاص. وهذه هي العملية التي يحول بها التحفيز
الواقعي والعرض الرومانتيكي قصة الرومانس القديمة الي خطاب قصصي
جديد.
إن القصة القصيرة، في رأي ماي، هي الجوهر البنائي لكل قص، وذلك في
أخذها عن الحكاية الشعبية والأسطورة، بل إنها، علي الرغم من استمدادها
مباشرة من هذه الحكاية، وذلك التراث الجمالي للرومانس، فإن ظهورها في
بداية القرن التاسع عشر كان محكوماً بالضرورة بفرضيتين حول علاقة الفن
بالواقع ــ الفرضية الواقعية، والفرضية الرومانتيكية ــ وقد ائتلفتا في القصة
القصيرة بطريقة خاصة لتخلقا قيمة نظرية في التمييز بين الميل الي ما
يسميه فراي (التمثيلي) و(المزاح) من ناحية، والميل الي الوحدات
الأسطورية والمجازية المحفوظة من ناحية أخري (بين الحقيقة والخيال). كما
أن لها قيمة تاريخية في التذكير بأن القصة القصيرة في القرن التاسع عشر،
علي الرغم من أنها تُستمد من الأسطورة البدائية، ورومانس القرون
الوسطي، كان لابد أن تدخل في علاقة مع الواقعية في رواية القرن الثامن
عشر، والخيال اليقظ في شعر القرن التاسع عشر.
ويؤكد ماي، علي غرار تأكيد جوناثان كلر، أنه، علي الرغم من التفكير
السائد في القصة عادةً وكأنها وجود سابق علي الخطاب، فإن ثمة حالات
تكون فيها القصص نفسها تشكك في هذه الأسبقية أو تدمرها من خلال
تقديم الأحداث، لا بوصفها أحداثاً معروفة، بل نتاج لقوة الخطاب أو متطلباته.
وعلي الرغم من أن كلر يقول بأن هذين المنطقين لا يمكن أن يجتمعا لأن
كلاً منهما يعمل علي تدمير الآخر، فإن ماي يتفق مع بيتر بروكس علي أن
ما يصفه كلر هنا هو المزج بين الاستعاري والكنائي، ذلك المزج الذي يشكل
الطبيعة الخاصة للسرد. ونظراً لمحاولته المتعمدة للجمع بين البنية
الاستعارية للرومانس القديمة، والبنية الكنائية في الواقعية الجديدة، فإن هذا
المنطق (المزدوج) يصبح حاسماً علي وجه الخصوص في تطور القصة
القصيرة.