مؤمن :- ابن عمي الذي أمضيت معه أيام طفولتي ... تفاجأت بنبأ وفاته وأنا خارج الأردن وكان الخبر شديداً علينا كلنا ... لا أطيل ودعونا نترك القلم لوالده (المفجوع) ليحكي لنا قصته ..... فلنسمع....
عدت إلى منزلي في التاسعة مساءاً . كانت الكهرباء مقطوعة .. وكانت الحارة تتشح بالسواد ..كأنها تنذر بشيء ؟!
سألت عن الشباب .. هل من أحد منهم هنا.. ؟ ... أين مؤمن .. إنه في عمان مع صاحبه .
كان قد أتم الفصل الصيفي .. مرهقاً من دراسته .. فذهب مع صاحبه ليودع زميلاً له ..
هاتفته أطمئن عليه .. فأجابني .. وأوصيته أن لا يتأخر .. في الحادية عشرة تفقدته فلم أجده .
تناولت كتاباً عند رأسي وأخذت أقرأ .. ونمت .
صليت الفجر .. واستلقيت .. فإذا طرقة بالباب .. إدخل 000 فإذا هو أحمد ( شقيق مؤمن ) .. طرح تحية الصباح .. وجلس على فراشي .. بادرني : ( مؤمن صار معه حادث ) .. فجلست .. وضربت كفاً بكف ..وقال: إصابته بسيطة !!
مضى على الحادث أربع ساعات .. وهو يرقد في المستشفى في إغماءة لم يفق منها .. وذهبت به إلى مثواه الأخير ..!!
في السابعة صباحاً ذهبت إلى المستشفى . لم أستطع أن انظر إليه ! فخرجت من الغرفة وجلست على كرسي الانتظار في الخارج !
لم أصدق عيناي .. أذاك هو مؤمن !؟
كانت يداه مقيدتان إلى السرير ..
وبقدميه ثقالات تمنع حركته ..
وأنفه وفمه .. تملأهما الأنابيب ..
وعينه اليمنى زرقاء محتقنة ..
وأفاد الأطباء أن حالته حرجة جداً ..!!
وانفجر بركان البكاء في أعماقي...
وفقدت السيطرة على نفسي .. وأخذت أنتحب ..
كانت أخر صورة له في ذهني : نزل من غرفته عصراً .. ألقى علي التحية كان قد حلق لتوه ذقنه .. وأبقى له شعيرات قليلة.. لفتت نظري .. فأعجبت بها .. فقلت له : هذه الذقن تليق بك ... فضحك وانثنى إلى داخل المنزل !!
ولما رأيته ممدداً على السرير , فاقداً وعيه , وقد صار إلى ما صار إليه وقارنته بصورة الأمس , .. لم أستطع أن أنظر إليه !!
مؤمن طالب في كلية الهندسة في الجامعة الأردنية , في سنته الأخيرة ! ودخل الهندسة مجسرا , عندما نجح في الشامل وكان الأول على تخصصه .. فأهله ذلك إلى مقعده في الجامعة .. وكان ينجح يتفوق لافت للنظر .. في فصوله الست التي أتمها في الجامعة .. !!
في 2/9/2007 م , توفي مؤمن إثر حادث مروري مروع . شهد حاضروه أنه كان يقف وزميله ( سائق السيارة ) على الإشارة الحمراء ..
وعندما أضاءت خضراء .. تحركوا .. فداهمتهم سيارة بسرعة جنونية .. نجا زميله .. وفي 16/9/2007 م عاد إلى جامعته .. وأودع مؤمن المقبرة في جوار ربه الكريم !!
تقاطر الناس يعزونني في مؤمن .. فقد هزهم الحدث المروع هزاً من أعماقهم . وجاء زملاؤه وأصدقائه ومحبيه . وقد كان بعضهم يأتون كل يوم لزيارته بالمستشفى .. لم يتخلفوا ولا زيارة واحده , واصطحب بعضهم أمه.. وبكينه بكاء مراً .. لفت أنظار الزائرين .. ولحقه بعض محبيه إلى المستشفى الأخر ... وحضروا غسله الأخير , وصلوا عليه في المسجد .. وحضروا دفنه .. حين لم أستطع ( أنا والده ) ذلك ؟
وحضروا أيام العزاء كلها .!
وكان بعضهم يسلم علي ويعرفني بأنه صاحب مؤمن .. وزميله في الجامعة فأقبلهم .. وأعيد تقبيلهم .. وأقول : إني أشم فيكم رائحة مؤمن !!
وبكيت مؤمن .. حتى خشيت على نفسي .. ومن قلبي الضعيف .!
ولا زال لساني رطباً بذكر الله .. مردداً (( ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين . الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا : إنا لله وإنا إليه راجعون ))
وطلب بعض أصحابه .. بعض مقتنيات مؤمن ..
هذا طلب بلوزته الزرقاء ..
وذاك قميصه الملون المخطط ..
وأخر .. صورته .. يحتفظون بلحظات جمعتهم مع مؤمن ...!!
وأبناؤنا نربيهم صغاراً .. وتقتلهم السيارات .. والسواقون المستهترون كباراً !
ونحرم أنفسنا من فطور الصباح لنعلمهم .. ويحصدهم الطيش .. فيفجعنا بهم .. ويحرق قلوبنا عليهم !!
وإلى كل مسؤول في الدولة مع الإحترام والتقدير .. : أما آن الأوان .. لنظام سير يردع هؤلاء ... وأولئك ؟؟
ومن يطفئ النار التي أشعلها موت مؤمن .. في صدري ظلماً واستهتارا .. ؟؟
ولاحول ولا قوة إلا بالله..