منهكٌ فتح الباب وقبل أن يشعل نور الغرفة لمح ضوءً أحمراً متقطعاً من جهاز هاتفه منبهاً على اتصالات مسجلة على جهاز الرد والتسجيل فيه ...
دخل الغرفة وأشعل النور وألقى مفاتيحه على طاولة بجوار الباب عليها مجموعة من التحف وصورة لفتاة غاية في الجمال لها ابتسامةعلى شفتيها الصغيرة الحمراء تكاد تَشع من الصورة وتبعث فيها الحياة ,تنظر بحب وود وسحر وأمل لمن يصورها بعينين عسليتين عذبتين تفيض سحراً وعذوبة ولها شعرٌ أسود كسواد الليل ألقته خلف ظهرها كما ألقت همومها عندما كانت مع حبيبها .......
ثم حمل حقيبة سفره ووضعها على السرير واتجه ناحية ثلاجة كانت في الغرفة وأخرج منها دورقاً فيه عصير وسكب منه في كوب كان أمامه , واتجه ناحية الهاتف فرأى في الكاشف الخاص بالهاتف أكثر من ستين اتصالاً وعندما بحث فيها وجدها كلها من رقم واحد ......إنه رقمها !!
ارتسمت على شفتيه ابتسامة متعبة وضغط على الزر الخاص بالاستماع للاتصالات المسجلة ثم اتجه إلى أريكته وألقى بنفسه عليها
جاء صوت الجهاز مخبراً أياه بأن لديه ثلاثون رسالة مسجلة !!
الاتصال الأول:
السلام عليكم لقد تعبت لكثرة اتصالي عليك دون جدوى ....
لا على البيت ترد وهاتفك المحمول مغلق !!؟؟ أرجو سرعة الاتصال بي فأنا انتظرك ...ضروري ..رنا
الاتصال الثاني(بعد عشر دقائق من الاتصال الأول):
أرجوك أتصل أحتاج أن أتحدث معك ...للضرورة ..رنا
الاتصال الثالث (ومامن كبير فرق في الوقت بينه وبين الأول):
أعلم أنك غاضب مني ولكن أرجوك رد على اتصالاتي ..فأنا مذ أغضبتك والله والله ماأكلتُ ولاشربتُ ولانمتُ وتشاجرتُ حتى مع ظلي ..رنا
الاتصال الرابع (ماذا تتوقعون؟؟):
حبيبي أنا أعلم أنني قد أخطأت وقد ظلمتك وأعلم أنك قد تحملتني كثيراً وتحملت تقلباتي وعصبيتي سامحني( فقط هذه المرة ) ولن أغضبك من بعد ...انتظر اتصالك ....رنا
الاتصال الخامس ( بعد دقائق معدودات):
يالله !!!!!
ألهذا الحد أنت مستاءٌ مني !!؟؟ فلا ترد على اتصالاتي ولا تريد حتى فتح هاتفك المحمول ..أنا أخطأتُ وأعلم أنني أخطأتُ وأعلم أنها ليست المرة الأولى (ابتسم حينها ووضع يده في جيبه وأخرج هاتفه المحمول المتعطل ووضعه على الطاولةأمامه وعاد وألقى برأسه على أريكته وعاود الاستماع)..وعاد صوت رنا يقول على الأقل رد على اتصالاني وسوف أرضيك....انتظرك ...رنا
الاتصال السادس ( على نفس المنوال):
حسناً ..أخبرني كيف أُرضيك؟؟كيف أُكفر عن ذنبي؟؟ مالذي أفعله حتى تسامحني ..أرجوك أفعل بي ماتشاء وبّخني اشتمني أقتلني أذبحني أفعل كيف تشاء ؟؟ ولكن لاتفعل بي ذلك ..أرجوك رد على اتصالاتي أو اتصل بي .. رنا
الاتصال السابع (وهنا ضاع الفرق في التوقيت ):
((تبكي)) أرجوك أنت تعلم ظروفي النفسية وتعلم ماأمر به وتعلم أنني أحياناً أفقد القدرة على السيطرة على انفعالاتي ومشاعري وتعلم أنني أحبك ولم أقصد لاإهانتك ولاجرحك ..وسوف أشرح لك أكثر عندما أحادثك ..اتصل ..رنا
الاتصال الثامن (من هنا ماعاد للوقت ذكر ):
((تبكي بحرارة أشد)) أتفعل بي ذلك لأنك تعلم أنني لاأستطيع الاستغناء عنك؟؟ أم لأنك تعلم أنني لاأثق لا بك؟؟ أم لأنك تعلم أنني من غيرك أضيع ؟؟أو لأنك تعلم أنه من السهل وفي ظل ظروفي النفسية أن أقع في يد شخص فتكون فرصة لك لتخبرني بالفرق بينك وبين غيرك ؟؟؟أم ماذا ؟؟؟اتصل أرجوك ...رنا
الاتصال التاسع :
((منفجرة بكاءً وحرقةً وألم)) على العموم أنا لن أذل نفسي لك أكثر من ذلك ..إن أردت الاتصال فأفعل وإن لم ترد فأنت وذاك... رنا
الاتصال العاشر:
لم تتصل!!!! يااااااااااااااااااااااااااااا ااه إلى هذا الحد أنا رخيصة عندك ..!! أكنت تنتظر حدوث ماحدث لتبتعد؟؟؟ ثم مالذي حدث كل الناس تخطيء !!حتى أنت تُخطيء..
الاتصال الحادي عشر:
أنا لم أقصد شيئاً بقولي حتى أنت تُخطيْ فقد كنت منفعلة ولاأدري ماأقول..
الاتصال الثاني عشر :
أنا أعلم أن مابيننا قد انتهى وما كنت اتمنى حدوث ذلك لكن على الأقل رد على اتصالاتي أو اتصل بي .. إذا سمحت .. رنا
الاتصال الثالث عشر:
لو كان في قلبك ولو على الأقل بقايا حب لي أو على الأقل بقايا ذكريات جميلة ..أرجوك اتصل ..... رنا
الاتصال الرابع عشر:
(تبكي بغضب شديد ) من تظن نفسك ؟؟حتى تتركني هكذا !!؟؟ أتظن أنني لن أستطيع نسيانك ..والله سأنساك وسأوقد ناراً وأنزع قلبي من مكانه وأضعه تحت قدمي ثم ألقيه في تلك النار سأمزق كل مالك عندي وسأرسل لك كل هداياك ورسائلك وكل مايتعلق بك أو يذكرني بك سأمحوك من ذاكرتي ومن حياتي ..ستنتهي ..أعدك بذلك؟؟
الاتصال الخامس عشر:
(وبغضب أشد) أود فقط إخبارك (لأنك في يوم كنت حبيبي) هناك شابٌ يتصل بي منذ فترة وأنا أصده ولدي في الكاشف رقم جواله سأتصل به وسأبدأ معه قصة حب جديدة ..وأنا أعلم ماذا يريد مني ..سأفعل كل مايريد ماعاد يهمني شيء...
الاتصال السادس عشر:
قد تصلك أخبار سيئة عني ...أي أخبار .. حتى لو كانت عن وفاتي في ظروف غامضة فأرجو ألا تلوم نفسك على ذلك ..وألا يعذبك ضميرك..وفي أحسن الظروف حتى أدويتي لن أخذها.... أرجو ألا تهتم بذلك... رنا
وقبل أن تبدأ الرسالة السابعة عشر هب من على أريكته واندفع نحو الهاتف وفتح الخط وضغط الزر الذي كان محفوظاً فيه رقمها وما كاد الهاتف يكمل رنته الأولى إلا وجاءه عبر المكبر صوتها الطفولي البريء العذب المتألم متهدجاً حزيناً أوشك أن يذيبه البكاء ..قائلة :لماذا؟؟؟؟
رفع السماعة وأرسل لها قبلة حارة وقد اغرورقت عيناه بالدموع ..وهمس لها بصوته الحنون الهادئ : أحبك ...
انخرطتْ في بكاء شديد واندفع يهديها ويحاول اسكاتها...
سكتت (وأنى لها ألا تسكت) فقال لها:ماذا بك ؟؟مالذي حدث ؟؟
فطفقت تعتذر له عن ماحدث بينهما...
فقال:
أنا والله ما غضبت منك وماحدث منك ماكان خطأ ..أنت فقط كنت خائفة عليَّ..
وإن كان أسلوبك قاسياً بعض الشيء لكنني أعلم قصدك ونيتك ..فكيف خطر على بالك كل ذلك ..؟
فسألته عن اغلاقه لهاتفه المحمول؟؟
فقال:
هاتفي المحمول قد تعطل ..وأنت تعلمين أن لدي موعد سفر بالأمس وأني سأعود هذا المساء ..وهأنا قد عدت..
سكتت طويلاً..
فقال لها :
لماذا السكوت ؟؟أأنت غاضبة مني ؟؟
قالت :لا والله أنا حتى لاأستطيع ذلك..
ثم أضافت وفي خجل واضح :
ولكنني اتصلت على هانفك ولما لم ترد تركت لك رسائـ .......
لم يتركها تكمل ...وقال:
لسوء الحظ حتى هاتفي عندما أردت الاستماع إلى الرسائل الموجودة فيه ضغطت وبالخطأ على الزر الذي يقوم بمسح كل الرسائل فمسحها كلها ..ولم ولن أتمكن من استعادتها ..فلم استمع إليها
ماذا تركتي فيها ؟؟؟
قالت بإرتياح بالغ :
مجرد تفاهات أنت تعرفني عندما أقلق ...
قال لها :
أنا قد وصلت الآن مرهقاً متعباً جائعاً سأستحم وسأكل شيئاً ثم سأتصل بك فأنا في شوق كبير لك ... وأنت خلال ذلك كلي شيئاً ..ثم سألها وما أخبار العلاج ؟؟
قالت:
سأخذه..إن شاء الله
طبع على الهاتف قبلة حارة وأرسل لها كلمة أحبك يحملها ألف عصفور أخضر
ثم وضع السماعة وعاد وألقى بنفسه على أريكته وقد قاوم البكاء ولكنه فشل في ذلك وتذكر زوجته و حالها وعقلها قبل أن يموت ابنها الوحيد بين يديها ..
وانخرط في البكاء....
كم هي مؤلمة تلك الحياة !!!!
لاراحة
لاأمن
لاأمان
لاكمال
إلا في هاتيك الجنان
تسأل الله أن ندخلها ...
(((علمتني الحياة أن من يفتح لك قلبه على مصرعيه ويخبرك بأدق أسراره ومشاكله فتوقع أنه لايريد أن يراك بعد ذلك!! هكذا علمتني )))
أحبكم
أحمد النجار