مر إقليم حضرموت عبر عصره بالكثير من الحروب وعاش فترات طويلة من أزمنة الاحتلالات العدة التي كان اشهرها الاحتلال السبأي والاحتلال البريطاني أما أكثرها قسوة فهو ماعقب ثورة الاباضية الحضارمة واعتداءاهم على عدد من الأراضي المجاورة مما دعى بني أمية لتسيير حملة سحق وابادة بشرية بقيادة معن بن زائدة فقتل المذنب والبريئ فسالت أخاديد أودية حضرموت بالدماء جراء القتل والنهب والدهس تحت حوافر مراكيب ذلك الجيش البربري .
إلا أن التاريخ والوثائق والمستندات تدلنا على احتلال من نوع آخر كان سيكون هو الأكثر قسوة على حضرموت عبر عصورها فيما لو تحقق له الظهور على سطح الوجود ولكن الله دبر ولطف.
تبدأ القصة يا سادة باسم احد علماء النباتات والذي يدعى (إيزاك بلفور) البريطاني الجنسية والذي زار بلاد حضرموت وجزيرتها النائية ( سقطرى ) إبان فترة الاستعماراو الاحتلال البريطاني , لغرض استكشاف ثرواتها النباتية وفي مجال مهمته فقد أحصى (إيزاك بلفور) حوالي 500 نوع نباتي من بينها 200 نوع لم تكن معروفة في أي مكان آخر في العالم من طيبات ونباتات حضرموت وجزيرتها الغنية بالأنواع النباتية النادرة .
إلا ان الاهم ان ذلك العالم النباتي قد سجل في مخيلته اكتشافا من نوع آخر وكّون صورة عن ارض واسعة ذات سهول منخفضة وسهول مرتفعة وسواحل طويلة ومواقع استراتيجية لا يسكنها إلا القلة من أهلها فيما لجأ القسم الأكبر منهم إلى الهجرة.
من الاسم يتضح أو تتكون لك الصورة عزيزي القارئ عن القربى بين كل من (إيزاك بلفور) وسيئ الذكر (آرثر بلفور) رجل السياسة البريطانية القوي وصاحب الوعد الشهير (وعد بلفور) الذي شرع وهيئ لليهود سلبهم للأراضي العربية الفلسطينية الحبيبة.
لقد كان لما تصور في مخيلة (إيزاك بلفور) تأثيرا على العقلية الظالمة والمجحفة لحقوق الأنسان لـ(آرثر بلفور) بعدما صور له قريبة ما رأه في تلك البلاد من اراض وخصوبة وهجرة جماعية من قبل سكانها فقد كان للوعد الشهير (بوعد بلفور) صلة مباشرة ببلاد حضرموت وجزيرتها (سقطرى) فقد كانتا هاتين أحدى المواقع التي طاولها البحث عن وطن قومي لليهود بعدما أثار وعد آرثر بلفور الشهير ما أثاره من احتجاج ومقاومة كبديلا عن ارض فلسطين .
ففي العام 1939 راودت الخارجية البريطانية فكرة توطين اليهود في حضرموت , كان ذلك زمن (الورقة البيضاء) التي تعهدت فيها الحكومة البريطانية الحد من الهجرة اليهودية إلى فلسطين تحت ضغط الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936 م وقد اندرج مشروع الاستيطان اليهودي بالاقليم الحضرمي في إطار مشاريع ايواء وتوطين اللآجئين اليهود الفارين من نازية هتلر .... في المستعمرات البريطانية . وقد جرت المشاورة والبحث آنذاك في توطينهم في (غويانا) البريطانية و (روديسيا) وغيرهما من الأراضي التابعة للتاج البريطاني .
وما يهمنا من تلك المؤامرات هو ما حيك من شأن اسكان احفاد القرد والخنازير في حضرموت وجزيرتها سقطرى فقد كاننت الفكرة موضع تبادل للرسائل بين الخارجية البريطانية وتحديدا (مكتب المستعمرات) مع مكتب الهند من جهة والمسئولين البريطانيين في الجنوب العربي من جهة أخرى –وكل هذه المراسلات محفوظة في مكتبة السجلات العامة في لندن في الملف رقم R 20 – C – 633 – والاطلاع عليها صدفتا في بداية صيف هذا العام هو ما دعاني لطرح هذا الموضوع على أساس انه إحدى المؤامرات التي حيكت على بلادنا , ففي رسالة إلى السير "رايلي" (المقيم العام في عدن) بتاريخ 23 مارس 1939 م صادرة عن (شوكربرغ) الموظف الكبير في الخارجية البريطانية يبلغة هذا الاخير بأن وزارة المستعمرات تدرس إمكانية توطين اليهود في حضرموت وسقطرى ويقول شوكربيرغ ان الفكرة خطرت في بال كبار موظفي الوزارة بعد قرائتهم دراسة للسيد (آرنيست بينت) عضو مجلس العموم تم الايعاز له بتنفيذها من قبل السيد (آرثر بلفور) , يقترح فيها فكرة توطين يهودي مكثف في حضرموت وجزيرة سقطرى . واستباقا لردود مراسله , يفصح (شوكربرغ) عن شكوكه في جدوى المشروع . فمناخ الجزيرة العربية لن يلائم أناسا قادمين من أوربا والمنطقة محرومة من الموارد الطبيعية, والاهم من ذلك أن (شوكربرغ) يعرب عن خشيته من ردود فعل عربية عنيفة سوف تتهم بريطانيا بتسليم بلد عربي آخر إلى الصهاينة. ومع ذلك يطلب (شوكربرغ) من المقيم العام في عدن ان يدرس إمكانية إيواء عدد محدود من اليهود الألمان والأوربيين في جزيرة (سقطرى) كخطوة أولى على سبيل التجربة والقياس ويطلب منه أيضا اقتراح العدد الأقصى الذي يعتقد أن الجزيرة ستتسع له وتحديد المهن التي يمكن ان يزاولها الوافدون الجدد ورؤوس الأموال الضرورية لتمويل المشروع البريطاني .
فيحيل "رايلي" الرسالة على ( إنجرامس) المستشار البريطاني المقيم في المكلا عاصمة حضرموت التي بدورها تتبع لها جزيرة سقطرى . وفي رده المؤرخ في نيسان من العام 1938 يؤكد ( إنجرامس) ان المشروع سوف يستجلب من المتاعب والأضرار أكثر من الفوائد. فصحيح أن السلاطين سيوافقون على استقبال اللاجئين مقابل زيادة مخصصاتهم المالية إلا أن السكان سوف يعارضون المشروع ويقاومونه دون أدنى شك وتوقع انجرامس أيضا حرب قبلية عنيفة من قبل قبائل حضرموت على السكان اليهود ومن أتى بهم اضافة الى استغلال ايطاليا الفاشية معارضة أهالي سقطرى للشروع الاستيطاني لأغراض حملتها التحريضية ضد السياسة البريطانية في المستعمرات. ويدعم انجرامس تحذيراته من عواقب المشروع الاستيطاني بالقول إن شائعة قوية تنتشر في عدن وسائر أرجاء الجنوب العربي مصدرها الصحافة المصرية . وتقول تلك الشائعة ان الحكومة البريطانية تفكر في عملية توطين واسعة النطاق لليهود في (حضرموت). ويختم المستشار المقيم في حضرموت تقريره داعيا إلى صرف النظر نهائيا عن مشروع توطين اليهود الأراضي التي يشرف عليها هو كي لا تكرر حكومته في تلك المنطقة تنفيذ سياسة (تسببت حتى الآن بجدل وصراع مرير في فلسطين ).
وبفضل انجرا مس الذي يكن له الكثير من الحضارمة مقدارا كبيرا من الكره طويت صفحة توطين اليهود في حضرموت وجزيرة سقطرى ورحمنا الله من انتفاضة الحجارة والأسرى ومفاوضات السلام وياسر عرفات وأبو مازن .
ونسأل الله ان يحرس بلادنا ويخلصها من آثار كل احتلال كان أو سيكون ......
وفي الختام أهدي السلام
بقلم msm ..من شبكه حضرموت
[/align]
