أرجوكم لا تسخروا مني
بقلم جودي بلانكو..
الناشر : الدار العربية للعلوم
مهما كبر الإنسان ونجح فإن مراحل الطفولة والمراهقة تترك أثرها الغائر فيه بشكل واضح بإجماع الكل..
ذكرياتها لا تنسى، تشكل مراحل حياته القادمة. ربما تكون كالمارد الذي سيخرج من القمقم لينقض في أية لحظة لتحطيم كل شيء، أو حتى عادية جدا..فإما يدفعه أساها للنجاح هربا أو الفشل استسلاما، تبعا لمدى لقوة الشخص وسماحه لها باحتلاله!..
لكن أيضا هناك من يساعد على تذكيتها سلبا أو إيجابا..
هذا ببساطة ما تنطوي عليه رواية "أرجوكم لاتسخروا مني " للكاتبة جودي بلانكو.
جودي امرأة ناجحة، تمتلك شركة للعلاقات العامة، عملت مع أشخاص مشهورين وناجحين، تجلس في سيارة مستأجرة في موقف سيارات فندق حيث اجتماع لطلاب المدرسة الثانوية بما يسمى ( لم الشمل )، عادة درجت عليها المدارس الأمريكية حين يجتمع طلاب أي مدرسة بعد حوالي عشرين سنة من التخرج..
إلا أن جودي الناجحة أعلاه، هي ذاتها الخائفة المتعرقة والتي تعض على شفتها حد النزف!
" أعرف أن داخل صالة فندق الهيلتون أشباح من ماضيّ مازالت تطاردني..__..لقد دمروا ثقتي بنفسي لدرجة أنه تتطلب عشرون عاما للكف عن بغض ذاتي"
بهذا تختصر جودي مشكلتها التي تنتظرها في الفندق، حيث يقبع أولئك الذين حولوا حياتها لجحيم لا يطاق، منتظرين – ربما كما تتخيل - لحظة ولوجها لقذفها بالبصاق والسخرية والضرب...
فتبدأ بعد ذلك رحلة العودة للوراء لتسرد حكاية الفتاة التي تعرضت للمضايقات في مراحل دراستها المختلفة على يد من درجت تسميتهم بـالمتنمرين أو (Bully/Bullies) وتعرض بذلك مشكلة سائدة بشكل ملحوظ ويتعرض لها الكثير من الطلبة في المدارس الأمريكية، مستعرضة معها ردة فعل الأهل عموما والمعلمين وغفلتهم عن حجم المشكلة الحقيقية وأبعادها، فيكرروا برتابة وبلادة المخدر بـ " تجاهليهم"، متطرقة أيضا لتجربتها بعض الحلول المقدمة وفشلها، هازئة في ذات الوقت بمغالاة الوالدين في التعامل مع المسألة بالهروع بأبنائهم للأطباء النفسيين، فطبيبها المنتقى بعناية كان يصر على أن المشكلة فيها والمسألة كما تقول في معرض اتهامها لوالديها كنموذج يشمل بقية الأسر..
" لم ينتهي أمر الأولاد الذين يتعرضون للمضايقة من قبل المتنمرين في المدرسة في مكاتب الأطباء النفسيين؟ لم لا يؤخذ المتنمرون إلى أطباء نفسيين؟ لم لا يكف الأطباء عن إخبار أهالي الضحايا بأن أولادهم من يحتاج إلى المساعدة؟ وماذا عن أهالي المتنمرين؟ ما خطب البالغين كلهم؟ يبدو أنه في حال كان الطالب قاسيا أو بغيضا مع طالب آخر فهو أمر "لا بأس به" لأنها مجرد مرحلة طبيعية من النمو. فإن كنت الطرف المتلقي وتعرضت للمضايقة، تكون من يحتاج إلى المساعدة. ما هذا المنطق؟"
لكنها تعود لتنكر على المجتمع بقولها " بالنسبة للمجتمع سيبقى الأولاد دائما أولاد "..وأن تلك أشياء تحدث..
الرواية أيضا في طياتها تقدم شهادة أخرى لما يحصل للمراهقين عموما في المدارس، وما يجري خلف دهاليزها، من علاقات وجنس في عمر الثانية والرابعة عشرة، ومشاكل ومضايقات، وماهم ( مجبرون ) على القيام به، كإهمال الدراسة حتى لا يدرجون ضمن قائمة الأذكياء المنبوذين!
أو الانضمام لكتيبة الساخرين ولو لم يعجبهم ذلك...وتجربة أشياء لا يحبونها ليضمنوا الوصول لمن يعرف بـ " الأكثر شعبية" .. تلك الزمرة التي في لغتهم توفر لهم القوة والسلطة والشهرة طبعا..
الرواية درجت ضمن نقد السائد، المخدر، ولن نقول كشف المستور فقد اعتاد الأمريكيون على تعرية مجتمعهم بكافة أشكال التعرية خصوصا في الأفلام التي طرحت القضية ذاتها إما بصورة كوميدية تعلن أن الأولاد يبقون دائما أولاد، أو دراميا ومأساويا في أحاين كثيرة قارعة ناقوس الخطر..
هي في مجملها خفيفة، بسيطة، تُقرأ بسرعة، مرحة على الرغم مما فيها من حقائق قد تصدمنا نحن، ونتساءل كيف من المستحيل أن يحصل هذا في مدارسنا والتي لها مشاكلها الخفية، لكنها ليست قاتمة فهي تقدم أيضا الحلول المناسبة في أنه من الأفضل التركيز على الجوانب الإبداعية لكل طفل وتنميتها بما يرفع معنوياته ويدفع الثقة في نفسه، ففي النهاية وجدت جودي حريتها وراحتها فيما تحبه وتجيده أكثر..ولو أنها حاولت الإنتحار في مرحلة حين بلغ الأمر مداه طبقا لها، أو أنها التجأت لعالم الأحلام، وأحلام اليقظة، في محاولة للهروب من واقعها الأليم حيث شعرت بأن الكل ضدها، المتنمرون بمعية من أحبوها ولو دون قصد!
وكما مكتوب على الغلاف فهذه هي القصة الملهمة والمؤثرة لحياة امرأة....(!)
الرواية من أربعة عشر فصلا، وتقع في أقل من ثلاثمائة صفحة، وهي غير معقدة تماما..بسيطة وسهلة...
وموجودة لدى مكتبة جرير في المملكة العربية السعودية...
دمتم :rolleyes: