الثأر نوع من أنواع الانتقام، أو (رد الصاع صاعين)، غير انه من الممكن أن ينفذ لا بالجاني نفسه أن لم يوجد، ولكن بشخص آخر بريء لم يرتكبه، ومن سوء حظه العاثر انه مجرد قريب لذلك الجاني، أما أن يكون ابنه أو أخوه أو ابن عمه.. بل إن الثأر في بعض البلاد العربية قد يمتد ويتواصل إلى أحفاد الأحفاد، فقد يأخذ الابن بثأر أبيه من القاتل، ثم يطارده أبناء القاتل ويقتلونه، ثم يهب الأحفاد ليقتل بعضهم بعضا بالتتابع من اجل (الثأر) ولا شيء غيره.
إن الثأر ما هو إلا عدالة جاهلة همجية.. يحتمل أنها بدأت تخف بعد أن أحكمت قوى الأمن في البلاد العربية قبضتها على زمام الأمور، وبدأت تعاقب اشد العقاب على من يرتكبون تلك الجرائم.
وقد أفهم أنا شخصياً أن يأخذ احد بثأر أبيه مثلاً ـ رغم أنني لا أؤمن بذلك أبداً، وأنني من الآن أوصي ابني على رؤوس الأشهاد، لو أن هناك أحداً قتلني يوماً، فأرجوه ثم ارجوه، ألا يأخذ بثأري، وليصفح عنه، بل وليصادقه ويشكره على انه أراح أباه من عناء هذه الدنيا وتهتكها، فما أجمل أن يموت الإنسان مقتولا لا قاتلاً.
أعود وأقول: إنني شخصياً قد افهم أن يأخذ احد جاهل بثأر أبيه، ولكنني لا افهم ذلك الثأر الذي حصل بين قريتين في اليمن الشقيق.
والحادثة مضى عليها أكثر من عقدين من الزمن، فقد نشب خلاف بينهما تطور إلى تراشق بالأسلحة أسفر عن جرحى بين الطرفين، وكان هناك مدرس مصري يدرس أبناء القرية، وكان بعيداً جداً عن ساحة المعركة، حيث انه (لا ناقة له فيها ولا جمل)، ولكن من سوء حظ المسكين أن رصاصة طائشة أصابته في مقتل ومات على الفور.. وتدخل الحكماء والعقلاء بين الطرفين واخمدوا نار الفتنة وتوقفت المعركة، غير أن أهل القرية التي قُتل مدرس أبنائها أصروا على عدم الصلح إلا بأخذ الثأر من المدرس المصري الآخر الذي يدرس أبناء خصومهم ولا بد أن يقتل، ولسان حالهم يقول: كيف يظل أبناؤنا بدون مدرس، وأبناء القرية الأخرى مدرسهم (يسرح ويمرح).. حاول الحكماء جهدهم في إقناع الخصوم أن المدرس الآخر لا ذنب له في كل ما جرى ووقع، ولكن دون جدوى، وفعلاً وفي رابع يوم تسللت مجموعة من الخصوم وداهموا منزل المدرس المسكين وقتلوه (ثأرا) لمدرسهم، ونقل المدرسان جوا فيما بعد في تابوتين محكمي الإغلاق.
وتصالحت القريتان وأقيمت الولائم والأهازيج، و(يا دار ما دخلك شر).. واعتقد أن الحكومة اليمنية قد ألقت القبض على الجانيين فيما بعد، ويقال أنها عاقبتهما عقاباً عسيراً.
إيه (!!)، هذه هي حال الدنيا: ومن لم يمت بالسيف مات بغيره/ تعددت الأسباب والموت واحد.. ولو كان لي أن اختار موتي لتمنيت أن أموت على صدر (سلحفاة).
منقوووووووول