" هذه دراسة عن الأجناس الأدبية .. أتمنى أن أوفق في سردها هنا .. "
قد تكون أشد العقبات النظرية التي صادفت من بدأت عملية خلق الأجناس الأدبية على أيديهم .. هي صعوبة العثور على خصوصية دلالية واضحة للنصوص الأدبية .. فالموسيقى و الرسم .. بالرغم من كونهما نشاطات غير لفظية .. إلا أن تصنيف أجناس هذين الفنين كانت أكثر سهولة .. و ذلك لوجود سمات دلالية أشد وضوحاً .. كالنغمة المتبدلة للموسيقى .. و الخط و اللون بالرسم ..
أما الأصناف الأدبية .. فعملية تجنيسها تتعقد إن حاولنا وضعها بمستوى الفنون الأخرى .. و حاولنا البحث عن دلالات بوضوح دلالات تلك الفنون الأخرى .. بالرغم من احتواء الأدب على لغة منطوقة ( بعكس أغلب باقي الفنون ) جعل منه وحدة عضوية تنتظم فيها خصوصيات داخلية كالمنظومة .. ووفق طبيعة هذا الانتظام .. و منشأ هذه الخصوصيات .. خرجت الأجناس الأدبية للوجود .. وكانت صعوبة هذه العملية تكمن في عدم وضوح المنظومة الداخلية للنص الأدبي في عين القارئ العادي .. مما يـخلق عجزاً في ذهن القارئ عن العثور على فروق مظهرية في أغلب الأجناس الأدبية ..
وهنا تكمن جل المشكلة التي عانت منها الأجناس الأدبية منذ ظهورها .. فالقارئ لا يرى في هذه الأجناس سوى تغيرات عشوائية بسيطة تحدث ما بين نصٍ و نص .. ولا ماهية حقيقية فيها .. والطبيعة المعقدة لهذه الأجناس أظهرتها بمظهر التصنيفات العشوائية .. وُجدت لتسهل عمل الناقد في كم أعمال متنوعة لحد الإرهاق .. !!
ومسألة تمييز هذه الأجناس .. وصل غموضها لدرجة لم تنجد القارئ و تنقذه من الغرق مع تيارات الالتباس الأولية .. بمجرد دخوله لأي نصٍ أدبي .. !!
وكذلك صعوبة الاستمرار الزمني لأساسيات أدبية .. ولدت عليها بعض الأجناس .. مما اعجز ذهن القارئ المعاصر عن استيعاب منطقية هذا الجنس الأدبي .. !!
كانت كل النقاط السابقة .. القليل من المشاكل النظرية التي شككت في أحقية وجود الأجناس الأدبية .. و اعتمادها كاعتماد تجنيس بعض الفنون الأخرى .. وربما لا يـُلام على هذا سوى الأدب نفسه .. فتعقيده فاق كل الفنون الأخرى .. فلتمييز رقصة ما عن أخرى .. ودراما تاريخية عن مسرحية شعبية .. وكوميديا عن تراجيديا .. سهولة لم ولا أظن الأجناس الأدبية تبلغها يوماً .
* المرجع: كتاب (ما الجنس الأدبي؟ - جان ماري شيفير .. ترجمة د. غسّان السيّد )