السيدة الفاضلة أم المؤمنين جويرية بنت الحارث بن ضرار بن حبيب الخزاعية ثم المصطلقية من بني المصطلق، وأبوها سيد قومها والمطاع فيهم .

زواج النبي صلى الله عليه وسلم بها كما يوضحه الدكتور مجدي الشهاوي الأستاذ بجامعة الأزهر: -
تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم وكانت قبله تحت مسافع بن صفوان المصطلقي، فكاتبها على أن تدفع مبلغا من المال لتكون حرة فعجزت فتحمل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وتزوجها، تقول عائشة - رضي الله عنها - : فجاءت تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتابتها، فلما قامت على الباب ورأيتها كرهت مكانها، وعرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيرى منها مثل الذي رأيت، فقالت: يارسول الله: أنا جويرية بنت الحارث، وكان من أمري مالايخفي عليك، ووقعت في سهم ثابت بن قيس بن شماس، وإني كاتبت على نفسي، وجئت أسألك في كتابتي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهل أدلك إلى ماهو خير؟ قالت: وما هو يارسول الله؟ قال: أؤدي عنك كتابتك وأتزوجك . قالت: قد فعلت: قالت فتسامع الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تزوج جويرية، فأرسلوا ما في أيديهم من السبي فأعتقوهم، وقالوا: أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فما رأينا امرأة أعظم بركة على قومها منها، أعتق من سبيها مائة من أهل بيت بني المصطلق .

وهكذا تجلت رحمة النبي صلى الله عليه وسلم ورغبته في إسلام بني المصطلق في زواجه بجويرية - رضي الله عنها - وأسفر الزواج عن ثمرة عظيمة لها ولقومها في الدنيا والآخرة، ومن كمال رحمته ورأفته صلى الله عليه وسلم بها أن خيرها بينه وبين أبيها فاختارت النبي صلى الله عليه وسلم على أبيها، قال أبو قلابة: أتى والد جويرية فقال: إن بنتي لايسبى مثلها، فأنا أكرم من ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أرأيت إن خيرناها، فأتاها أبوها فقال: إن هذا الرجل قد خيرك فلاتفضحينا، فقالت: إني قد اخترته، قال: قد والله فضحتنا .

لقد غاب عن سيد بني المصطلق أن كلا من عاشر النبي صلى الله عليه وسلم أو صاحبه لم يكن يفضل عليه أحدا من العالمين . وكان اسم جويرية برة، فغيره النبي صلى الله عليه وسلم إلى جويرية، وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم كان يكره الأسماء التي يشم منها رائحة الغضب والإنكار، كأن يقف واقف عند الباب فيقول: أثمر برة ؟ فيقال: لا فيفهم منه أنه ليس في البيت بر .

امرأة من العابدات الصائمات الذاكرات:
والناظر في حياة جويرية - رضي الله عنها - يرى أنوار العبادة تتلألأ من بين ثناياها، وتبصر في وجهها، فعنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوم جمعة، وهي صائمة، فقال لها: أصمت أمس؟ قالت: لا، قال: أتريدين أن تصومي غدا؟ قالت: لا قال: فأفطري .

ويحدثنا الدكتور مصطفى مراد استاذ التاريخ الاسلامي بجامعة الأزهر عنها فيقول:
كانت السيدة جويرية - رضي الله عنها - كثيرة الذكر لله تعالى - تقول جويرية - رضي الله عنها -: أتى على رسول الله صلى الله عليه وسلم غدوة، وأنا أسبح، ثم انطلق لحاجته، ثم رجع قريبا من نصف النهار، فقال: أمازلت قاعدة؟ قلت: نعم، قال: ألا أعلمك كلمات لوعدلن بهن عدلتهن، أو وزن بهن وزنتهن أي جميع ماسبحت من أول النهار: سبحان الله عدد خلقه، ثلاث مرات، وسبحان الله زنة عرشه، ثلاث مرات، وسبحان الله رضا نفسه ثلاث مرات، وسبحان الله مداد كلماته، ثلاث مرات .

والنبي صلى الله عليه وسلم أراد من وراء ذلك أن يعلمها أذكارا جامعة وكلمات نافعة، وأدعية مأثورة حتى تقولها مع وردها اليومي . وكانت جويرية - رضي الله عنها - مع كل ما سبق محدثة تروي الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقبل طي صفحة حياة أم المؤمنين جويرية - رضي الله عنها - نشير إلى بعض الفوائد التي ينبغي أن تحرص المسلمة عليها وتقتدي بها من جوانب حياة أم المؤمنين، فهي قدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابيها واسرتها وقبيلتها والدنيا بأسرها، والمؤمنة ينبغي ألا تقدم كلام أحد أو أمره على أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي التي قطعت نهارها في الذكر والصيام .

روايتهـا للحـديث
كانت رضي الله عنها من فضليات النساء أدبا وفصاحة.. روت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة أحاديث منها عن البخاري حديث وعن مسلم حديث وروى عنها: عبد الله بن شداد بن الهاد، وعبد الله بن عباس، وعبيد بن السابق، وكريب مولى ابن عباس، وكلثوم بن المصطلق، وماهد بن جبر المكي، وأبو أيوب المراغي الأزدي.

وفــاتهــا
توفيت في شهر ربيع الأول سنة ست وخمسين في خلافة معاوية بن أبي سفيان وصلى عليها مروان بن الحكم وهو يومئذ والي المدينة.. وقيل توفيت سنة خمسين وهي يومئذ إبنة خمس وستين سنة وصلى عليها مروان بن الحكم.

فرضي الله عن ام المؤمنين جويرية التي اختارت رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهلها فاختارها الله أماً للمؤمنين، وكفى بها منزلة والجزاء من جنس العمل.

المصدر صحيفة الرياض
ينشر بترتيب مع وكالة الأهرام للصحافة

وللجميع خالص تحياتي