[ALIGN=CENTER][/ALIGN]
دمتم بخير أحبتي الدرر،،،
موضوعنا اليوم هو الآية ( اهدنا الصراط المستقيم ) وأول مسألة تواجهنا هنا هي مسألة التعدية بالنسبة للفعل (هدى).وقبل أن ندخل في التفاصيل لا بد من تعريف معنى الهداية.
الهداية : هي الإرشاد والدلالة والتبيين والإلهام.(البحر المحيط).
[ALIGN=CENTER] ~~~~~ مسألة التعدية بالنسبة للفعل ( هدى).~~~~~ [/ALIGN]
من خلال آي القرآن الكريم تبين أن فعل الهداية ( هدى) :
:star: قد يُعدى بنفسه كما في قوله تعالى : ( إنّا هديناه السبيل إمّا شاكراً وإمّا كفوراً )/ الإنسان. وقوله : (ويهديك صراطاً مستقيماً)/الفتح.
:star: وقد يُعدى بحرف الجر (إلى) كقوله تعالى: ( وإنّك لتهدي إلى صراطٍ مستقيم )/الشورى.وقوله أيضاً : ( وأهديك إلى ربك فتخشى )النازعات.
:star: وقد يُعدى بحرف الجر ( اللام) كقوله تعالى : ( الحمد لله الذي هدانا لهذا )/الأعراف.
السؤال: ما الفرق بين التعدية بالحرف والتعدية من دون حرف بالنسبة للفعل (هدى)؟؟
الجواب :
:star: أن التعدية بالحرف تقال إذا لم يكن فيه ذلك فيَصِل بالهداية إليه ، فتقول : (هديته إلى الطريق )و(هديته للطريق) لمن لا يكون في الطريق فتوصله إليه .
:star: وأن التعدية من دون حرف تقال لمن يكون فيه ولمن لا يكون فيه. فتقول : ( هديته الطريقَ) لمن كان فيه فتُبَصِّره به وتُبيِّنه له ، وتقوله أيضاً لمن لا يكون فيه فتوصله إليه.
قال تعالى على لسان إبراهيم – عليه السلام- ، قائلاً لأبيه: ( فاتبعني أهديك صراطاً مستقيماً)/مريم ، وأبوه ليس في الصراط ، بل هو بعيد عنه. وقال تعالى في المنافقين : ( ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيراً لهم وأشد تثبيتاً () وإذاً لأتيناهم من لدنا أجراً عظيماً () ولهديناهم صراطاً مستقيماً)/النساء ، والمنافقون ليسوا على الصراط.
وقال على لسان رسل الله : ( وما لنا ألاّ نتوكل على الله وقد هدانا سُبُلَنا )/إبراهيم. وهم في الصراط .وقال مخاطبا رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم : ( ويتم نعمته عليك ويهديك صراطاً مستقيماً)/الفتح ، وهو سالك للصراط.
جاء في تفسير (ابن كثير) : " وقد تُعدّى الهداية بنفسها كما هنا ( اهدنا الصراط المستقيم ) فتضمن معنى ألهمنا أو وفِّقنا أو ارزقنا أو أعطنا ( وهديناه النجدين ) أي : بيّنا له الخير والشر".
قال ابن بري : يُقال هديته إلىالطريق بمعنى عرّفته فيعدى إلى مفعولين ، ويقال : هديته إلى الطريق ، وللطريق على معنى لأرشدته إليها ، فيعدى بحرف الجر كأرشدت قال : ويقال : هديت له الطريق على معنى بيّنت له الطريق".(لسان العرب).
للهداية مراتب:
:star: ويبدو ان الهداية على مراتب ، فالبعيد الضال عن الطريق ، يحتاج إلى هادٍ يدله على الطريق ، ويوصله إليه ، فهنا نستعمل ( يهدي إلى ) أي : يوصل إلى ويُرشد إلى .
:star: والذي يصل إلى الطريق يحتاج إلى هادٍ يعرّفه بأحوال الطريق ومراحلها ، وما فيها من مخاوف وأماكن الهلكة والأمن ويعرّفه بما يحتاجه السالك في هذا الطريق ، وهنا نستعمل ( هداه الطريق ).
:star: أما اللام فإنها تستعمل في اللغة للتعليل ، أي: لبيان الغاية من الحدث ، وقد تستعمل لانتهاء الغاية أيضاً كأن تقول : ( جئت لطلب العلم ) ، أي إنّ طلب العلم غاية المجيء وعلته ، و(جئت للدار) بمعنى : جئت إليها .
وقد تستعمل اللام مع الهداية لبيان الغاية من الحدث ، فسالك السبيل يريد الوصول إلى غاية وليس الطريق غاية في نفسه ، فيُؤتى باللام عند هذه الغاية فيقال : ( هداه لكذا ) أي : أبلغه لها ، فكانت غاية سلوكه وسيره .
والإنسان محتاج إلى هذه الهدايات كلها ، فإن ضل احتاج من يهديه إلى الطريق ، وإن وصل احتاج من يُعرّفه بالطريق ، وإن سلك احتاج الوصول إلى الهدف ،وألاّ ينقطع في الطريق ، وإن قطع الطريق ، احتاج إلى من يبلغه غايته ، وأن ينيله مرامه ويهديه له .
وعند ذاك يقول كما قال أصحاب الجنة ، بعد أن قطعوا الطريق وبلغوا مرادهم ( الحمد لله الذي هدانا لهذا )/الأعراف. أي : وفقنا لهذا في خاتمة المطاف ، وهي خاتمة الهدايات .
ولذا لم نجد نجد استعمال ( هدى) معدى باللام في القرآن الكريم مع السبيل أو الصراط فلا تجد مثل (هداه لصراط مستقيم) أو ( هداه لسبيل مستبين ) لأن الصراط ليس هو الغاية ، بل هو طريق يوصل إلى الغاية فهو مطلوب لغيره فيقال : هداه إلى الصراط. قال تعالى : ( بل الله يمن عليكم أن هداكم للأيمان )/الحجرات. فجعل الإيمان غاية ، ذلك أن الإيمان من الأمن ، وهو استقرار النفس وطمأنينتها ، وأكثر ما يرهق الإنسان فَقْدُ أمنه النفسي فبلوغه غاية من أعظم الغايات.
وقال تعالى : ( قل الله يهدي للحق )/يونس ، وقال : ( إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم )/الإسراء . قال : ( الحمدلله الذي هدانا لهذا )/الأعراف. وقال : ( يهدي الله لنوره من يشاء )/النور. ولم يرد ذكر للسبيل أو نحوه مع اللام كما ترى بل هذه كلها غايات ، فالإيمان والحق والتي هي أقوم والنور والجنة ، كلها غايات مُراده مطلوبة ، وقد استعملت اللام معها .
والملاحظ أيضا أن هذه الهداية ، وهي الهداية للغاية والانتهاء إليها اختصها الله لنفسه أو لقرآنه ، فلم يستعمل ( هدى كذا ) إلاّ له سبحانه أو لكتابه فهو المبلغ للغايات بخلاف هداه كذا أوهداه إلى كذا ، فقد استعمله له ولغيره ، كما هو واضح في قوله تعالى: ( وإنك لتهدي إلى صراطٍ مستقيم )/الشورى. وقوله : ( فاتبعني أهدك صراطاً سوياً)/مريم.
أتوقف هنا لنكمل الأية في المرة القادمة -بإذن الله تعالى -
وافر احترامي وتقديري
الأمــــــــ ـــــــــل