- الإهدائات >> BackShadow الي ابو فهد : وحشتنا يا عمدة ابوفهد الي : كل عام وانتم الي الله اقرب وعن النار ابعد شهركم مبارك تقبل الله منا ومنكم الصيام والقيام وصالح الأعمال والله لكم وحشه ومن القلب دعوة صادقة أن يحفظكم ويسعدكم اينما كنتم ابوفهد الي : ابشركم انه سيتم الإبقاء على الدرر مفتوحة ولن تغلق إن شاء الله اتمنى تواجد من يستطيع التواجد وطرح مواضيع ولو للقرأة دون مشاركات مثل خواطر او معلومات عامة او تحقيقات وتقارير إعلامية الجوري الي I miss you all : اتمنى من الله ان يكون جميع في افضل حال وفي إتم صحه وعافية ابوفهد الي الجوري : تم ارسال كلمة السر اليك ابوفهد الي نبض العلم : تم ارسال كلمة السر لك ابوفهد الي : تم ارسال كلمات سر جديدة لكما امل ان اراكم هنا ابوفهد الي الأحبة : *نجـ سهيل ـم*, ألنشمي, ملك العالم, أحمد السعيد, BackShadow, الأصيـــــــــل, الدعم الفني*, الوفيه, القلب الدافىء, الكونكورد, ايفا مون, حياتي ألم, جنان نور .... ربي يسعدكم بالدارين كما اسعدتمني بتواجدكم واملى بالله أن يحضر البقية ابوفهد الي : من يريد التواصل معى شخصيا يرسل رسالة على ايميل الدرر سوف تصلني ابوفهد الي : اهلا بكم من جديد في واحتكم الغالية اتمنى زيارة الجميع للواحة ومن يريد شياء منها يحمله لديه لانها ستغلق بعد عام كما هو في الإعلان اتمنى ان الجميع بخير
إضافه إهداء  

آخـــر الــمــواضــيــع

صفحة 3 من 5 الأولىالأولى 12345 الأخيرةالأخيرة
النتائج 31 إلى 45 من 66

الموضوع: لمسات بيانية في نصوص من التنزيل

  1. #31
    الصورة الرمزية الأمــل
    تاريخ التسجيل : Nov 2002
    رقم العضوية : 1360
    الاقامة : الإمارات
    المشاركات : 3,754
    MMS :
    الحالة غير متصل
    معدل تقييم المستوى : 157
    Array

    (12) سورة الفاتحة .....( اهدنا الصراط المستقيم ) (1).




    [ALIGN=CENTER][/ALIGN]

    دمتم بخير أحبتي الدرر،،،

    موضوعنا اليوم هو الآية ( اهدنا الصراط المستقيم ) وأول مسألة تواجهنا هنا هي مسألة التعدية بالنسبة للفعل (هدى).وقبل أن ندخل في التفاصيل لا بد من تعريف معنى الهداية.

    الهداية : هي الإرشاد والدلالة والتبيين والإلهام.(البحر المحيط).

    [ALIGN=CENTER] ~~~~~ مسألة التعدية بالنسبة للفعل ( هدى).~~~~~ [/ALIGN]


    من خلال آي القرآن الكريم تبين أن فعل الهداية ( هدى) :

    :star: قد يُعدى بنفسه كما في قوله تعالى : ( إنّا هديناه السبيل إمّا شاكراً وإمّا كفوراً )/ الإنسان. وقوله : (ويهديك صراطاً مستقيماً)/الفتح.

    :star: وقد يُعدى بحرف الجر (إلى) كقوله تعالى: ( وإنّك لتهدي إلى صراطٍ مستقيم )/الشورى.وقوله أيضاً : ( وأهديك إلى ربك فتخشى )النازعات.

    :star: وقد يُعدى بحرف الجر ( اللام) كقوله تعالى : ( الحمد لله الذي هدانا لهذا )/الأعراف.


    السؤال: ما الفرق بين التعدية بالحرف والتعدية من دون حرف بالنسبة للفعل (هدى)؟؟


    الجواب :

    :star: أن التعدية بالحرف تقال إذا لم يكن فيه ذلك فيَصِل بالهداية إليه ، فتقول : (هديته إلى الطريق )و(هديته للطريق) لمن لا يكون في الطريق فتوصله إليه .

    :star: وأن التعدية من دون حرف تقال لمن يكون فيه ولمن لا يكون فيه. فتقول : ( هديته الطريقَ) لمن كان فيه فتُبَصِّره به وتُبيِّنه له ، وتقوله أيضاً لمن لا يكون فيه فتوصله إليه.

    قال تعالى على لسان إبراهيم – عليه السلام- ، قائلاً لأبيه: ( فاتبعني أهديك صراطاً مستقيماً)/مريم ، وأبوه ليس في الصراط ، بل هو بعيد عنه. وقال تعالى في المنافقين : ( ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيراً لهم وأشد تثبيتاً () وإذاً لأتيناهم من لدنا أجراً عظيماً () ولهديناهم صراطاً مستقيماً)/النساء ، والمنافقون ليسوا على الصراط.

    وقال على لسان رسل الله : ( وما لنا ألاّ نتوكل على الله وقد هدانا سُبُلَنا )/إبراهيم. وهم في الصراط .وقال مخاطبا رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم : ( ويتم نعمته عليك ويهديك صراطاً مستقيماً)/الفتح ، وهو سالك للصراط.

    جاء في تفسير (ابن كثير) : " وقد تُعدّى الهداية بنفسها كما هنا ( اهدنا الصراط المستقيم ) فتضمن معنى ألهمنا أو وفِّقنا أو ارزقنا أو أعطنا ( وهديناه النجدين ) أي : بيّنا له الخير والشر".

    قال ابن بري : يُقال هديته إلىالطريق بمعنى عرّفته فيعدى إلى مفعولين ، ويقال : هديته إلى الطريق ، وللطريق على معنى لأرشدته إليها ، فيعدى بحرف الجر كأرشدت قال : ويقال : هديت له الطريق على معنى بيّنت له الطريق".(لسان العرب).

    للهداية مراتب:

    :star: ويبدو ان الهداية على مراتب ، فالبعيد الضال عن الطريق ، يحتاج إلى هادٍ يدله على الطريق ، ويوصله إليه ، فهنا نستعمل ( يهدي إلى ) أي : يوصل إلى ويُرشد إلى .

    :star: والذي يصل إلى الطريق يحتاج إلى هادٍ يعرّفه بأحوال الطريق ومراحلها ، وما فيها من مخاوف وأماكن الهلكة والأمن ويعرّفه بما يحتاجه السالك في هذا الطريق ، وهنا نستعمل ( هداه الطريق ).

    :star: أما اللام فإنها تستعمل في اللغة للتعليل ، أي: لبيان الغاية من الحدث ، وقد تستعمل لانتهاء الغاية أيضاً كأن تقول : ( جئت لطلب العلم ) ، أي إنّ طلب العلم غاية المجيء وعلته ، و(جئت للدار) بمعنى : جئت إليها .

    وقد تستعمل اللام مع الهداية لبيان الغاية من الحدث ، فسالك السبيل يريد الوصول إلى غاية وليس الطريق غاية في نفسه ، فيُؤتى باللام عند هذه الغاية فيقال : ( هداه لكذا ) أي : أبلغه لها ، فكانت غاية سلوكه وسيره .

    والإنسان محتاج إلى هذه الهدايات كلها ، فإن ضل احتاج من يهديه إلى الطريق ، وإن وصل احتاج من يُعرّفه بالطريق ، وإن سلك احتاج الوصول إلى الهدف ،وألاّ ينقطع في الطريق ، وإن قطع الطريق ، احتاج إلى من يبلغه غايته ، وأن ينيله مرامه ويهديه له .

    وعند ذاك يقول كما قال أصحاب الجنة ، بعد أن قطعوا الطريق وبلغوا مرادهم ( الحمد لله الذي هدانا لهذا )/الأعراف. أي : وفقنا لهذا في خاتمة المطاف ، وهي خاتمة الهدايات .

    ولذا لم نجد نجد استعمال ( هدى) معدى باللام في القرآن الكريم مع السبيل أو الصراط فلا تجد مثل (هداه لصراط مستقيم) أو ( هداه لسبيل مستبين ) لأن الصراط ليس هو الغاية ، بل هو طريق يوصل إلى الغاية فهو مطلوب لغيره فيقال : هداه إلى الصراط. قال تعالى : ( بل الله يمن عليكم أن هداكم للأيمان )/الحجرات. فجعل الإيمان غاية ، ذلك أن الإيمان من الأمن ، وهو استقرار النفس وطمأنينتها ، وأكثر ما يرهق الإنسان فَقْدُ أمنه النفسي فبلوغه غاية من أعظم الغايات.

    وقال تعالى : ( قل الله يهدي للحق )/يونس ، وقال : ( إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم )/الإسراء . قال : ( الحمدلله الذي هدانا لهذا )/الأعراف. وقال : ( يهدي الله لنوره من يشاء )/النور. ولم يرد ذكر للسبيل أو نحوه مع اللام كما ترى بل هذه كلها غايات ، فالإيمان والحق والتي هي أقوم والنور والجنة ، كلها غايات مُراده مطلوبة ، وقد استعملت اللام معها .

    والملاحظ أيضا أن هذه الهداية ، وهي الهداية للغاية والانتهاء إليها اختصها الله لنفسه أو لقرآنه ، فلم يستعمل ( هدى كذا ) إلاّ له سبحانه أو لكتابه فهو المبلغ للغايات بخلاف هداه كذا أوهداه إلى كذا ، فقد استعمله له ولغيره ، كما هو واضح في قوله تعالى: ( وإنك لتهدي إلى صراطٍ مستقيم )/الشورى. وقوله : ( فاتبعني أهدك صراطاً سوياً)/مريم.

    أتوقف هنا لنكمل الأية في المرة القادمة -بإذن الله تعالى -


    وافر احترامي وتقديري

    الأمــــــــ ـــــــــل
    ***
    **
    *

    إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَٰكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (44)يونس.

    *
    **
    ***


    [align=center][/align]

  2. #32
    الصورة الرمزية الأمــل
    تاريخ التسجيل : Nov 2002
    رقم العضوية : 1360
    الاقامة : الإمارات
    المشاركات : 3,754
    MMS :
    الحالة غير متصل
    معدل تقييم المستوى : 157
    Array

    (13) سورة الفاتحة .....( اهدنا الصراط المستقيم ) (2).




    [ALIGN=CENTER][/ALIGN]


    دمتم بخير أحبتي الدرر،،،،

    موضوعنا اليوم تكملة للآية الكريمة ( اهدنا الصراط المستقيم ) حيث تناولنا سابقاً مسألة تعدية الفعل (هدى) وعرفنا أنه هنا في هذه الآية قد عُدِّي بنفسه ،ولم يُعدّى بالحرف وذلك ليجمع عدة معانٍ في آن واحد ، ذلك أن التعدية من دون حرف تقال لمن يكون فيه ولمن لا يكون فيه.

    ولمّا كان هؤلاء من الموحدين الحامدين لله كان المعنى علاوةً على ما مر من طلب استمرار الهداية على الطريق المستقيم ، والتثبيت على الهدى والزيادة فيه كما قال تعالى : ( والذين اهتدوا زادهم هدىً)/محمد. " فإن العبد مفتقر في كل ساعة وحالة إلى الله تعالى في تثبيته على الهدى ورسوخه فيها ، وتبصره وازدياده منها واستمراره عليها".

    فيكون معنى ( اهدنا الصراط المستقيم) عرِّفنا الطريق الحق وردّنا إليه ردا جميلاً إذا ما ضللنا أو انحرفنا ، وثبّتنا على الهدى وزدنا هدى.
    وجاء في ( روح المعاني ) : "وللمحققين في معنى ( اهدنا) وجوه:...

    أحدها: أن معناه ثبّتنا على الدين كيلا تزلزلنا الشُّبه وفي القرآن ( ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذا هديتنا)/آل عمران. وفي الحديث : "اللهم يا مقلب القلوب ثبّت قلوبنا على دينك".

    ثانيها: أعطنا زيادة الهدى ، كما قال تعالى : ( والذين اهتدوا زادهم هدىً )/محمد.

    ثالثها: أن الهداية الثواب ، كقوله تعالى : ( يهديهم ربهم بإيمانهم ) /يونس.

    ورابعها: أن المراد دُلَّنا ع لى الحق في مستقبل عمرنا ، كما دَلَلْتنا عليه في ماضيه".

    سؤال: لِمَ لم يُقّدم الله تعالى المفعول مع الهداية كما فعل مع العبادة والاستعانة؟ أي لم يقُل (إيّانا اهدِ ) كما قال : (إيّاك نعبد وإيّاك نستعين ).

    الجواب:


    :star: أنه لا يصح التقديم لأنه لا يصلح طلب التخصيص بالهداية دون سائر الناس فلا يصح أن تقول : ( اللهم اهدني ولا تهدِ أحداً سواي) ، أو : ( اللهم ارحمني ولا ترحم أحداً غيري) بل لك أن تسأل الهداية لنفسك ولا تقصرها عليك ، فلو قلت : ( إيانا اهدِ ) لكان المعنى : اهدنا ولا تهدِ أحداً سوانا ، وهذا لا يصح.

    سؤال : لماذا قال الله تعالى ( اهدنا ) ولم يقل ( اهدني ) ؟

    الجواب :

    :star: أنه مناسبٌ للجمع في قوله تعالى : ( إيّاك نعبد وإيّاك نستعين ) ، " لأنه لما أخبر المتكلم أنه هو ومن معه يعبدون الله ويستعينونه سأل له ولهم الهداية إلى الطريق الواضح ، لأنهم بالهداية غليه تصح منهم العبادة. ألا ترى أن من لم يهتد إلى السبيل الموصلة لمقصوده لا يصح له بلوغ مقصوده" (البحر المحيط).

    وجاء في( تفسير الرازي ) :
    كأن العبد يقول : سمعت رسولك يقول : ( الجماعة رحمة والفرقة عذاب ) فلما أردت تحميدك ذكرت حمد الجميع فقلت : ( الحمدلله )

    ولما ذكرت العبادة ذكرت عبادة الجميع فقلت : ( إيّاك نعبد).

    ولما ذكرت الاستعانة ذكرت استعانة الجميع فقلت : ( وإيّاك نستعين ) .

    فلا جرم لما طلبت الهداية طلبتها للجميع فقلت : ( اهدنا الصراط المستقيم ) .

    ولما طلبت الاقتداء بالصالحين طلبت الاقتداء بالجميع فقلت : ( صراط الذين انعنت عليهم ) .

    ولما طلبت الفرار من المردودين فررت من الكل فقلت : ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) .

    :star: أن الدعاء كلما كان أعم كان إلى الإجابة أقرب.

    :star: أن فيه أن تحب للآخرين ما تحب لنفسك فيغسل ما في النفس من دون الثرة ونوازع الانفراد بالخير ، ويشيع عند المسلم حب التعاون.

    :star: إشاعة الروح الجماعية بين الأفراد.

    :star: أن الاجتماع على الهدى ، تثبيت وقوة ، وأن كثرة السائرين على الطريق تورث الأُنْس وتُهوّن مشقة السير بخلاف الانفراد في السير فإنه يورث الوحشة وسيتجلب الملل.

    سؤال : لما اختار الله تعالى كلمة ( صراط ) ولم يختر كلمة ( طريق )أو ( سبيل ) ؟

    الجواب:
    ذلك أن ( صراط )على وزن (فِعال ) من (صراط) وهو من الأوزان الدالة على الاشتمال كالرباط والشِّداد، فيشتمل على كل السالكين ، ولا يضيق بهم فهو واسع رحب بخلاف كلمة (طريق) فإنها (فعيل ) بمعنى (مفعول) من (طرق) بمعنى مطروق ، وهذا لا يدل في صيغة على الاشتمال ، فقد يضيق بالسالكين ولا يستوعبهم.

    وكذلك كلمة ( السبيل ) فهي كأنها (فعيل ) بمعنى (مفعول) من أسبلَتِ الطريق إذا كثرت سابِلَتُها كالحكيم بمعنى المُحكم. والسابلة من الطرق المسلوكة يقال : سبيل سابلة ، أي مسلوكة .

    سؤال: لماذا جاء ( الصراط ) معرفاً بتعريفين ( بالالف واللام والإضافة ، إلى جانب وصفه بالاستقامة؟

    الجواب :

    وذلك ليدل على أنه صراط واحد ، وليس ثمة صراط غيره ، فإنه ليس بين النقتطين أكثر من مستقيم واحد فالصراط المستقيم هو طريق الغسلام وهو دين الله ، ووصفه بالاستقامة ليدل على أنه اقصر الطرق وأقربها إلى المطلوب فلا يشق على السالك ، وما عداه من الطرق معوج ، ولا يوصل إلى المقصود فإنه لا يوصل أكثر من مستقيم واحد بين نقطتين.

    إن المراد من السلوك على الصراط ، هو الوصول إلى الله تعالى كما قال تعلى : ( إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلاً)/الإنسان. وربنا على صراط مستقيم والذي يوصل إليه صراط مستقيم أيضاً كما قال تعالى : ( إنّ ربّي على صراطٍ مستقيم)/الحجر. فتعين السلوك على هذا الصراط للوصول إليه . والوصول إليه معناه الوصول إلى رضاه ، وإلا فكلنا مردودون إليه وملاقوه.

    جاء في ( تفسير الرازي ) : " اعلم أن أهل الهندسة قالوا : الخط المستقيم هو أقصر خط يصل بين نقطتين . فالحاصل أن الخط المستقيم أقصر من جميع الخطوط المعوجّة ، فكان العبد يقول : ( اهدنا الصراط المستقيم ) لوجوه:

    الأول: أنه أقرب الخطوط وأقصرها ، وأنا عاجز فلا يليق بضعفي إلا الطريق المستقيم.

    الثاني : أن المستقيم واحد وما عداه معوجة ، وبعضها يشبه بعضاً في الاعوجاج فَيَشْتَبِه الطريق عليّ . أما المستقيم فلا يشابهه غيره ، فكان أبعد عن الخوف والآفات وأقرب إلى الأمان.

    الثالث : الطريق المستقيم يوصل إلى المقصود ، والمعوج لا يصل إليه .

    الرابع : المستقيم لا يتغير ، والمعوج يتغير "


    والملاحظ أن القرآن لم يأتِ بكلمة الصراط ، إلا مفرده فلم يستعملها مجموعة بخلاف السبيل فإنه يفردها ويجمعها ، ذلك أن الصراط أوسع السبل ، وهو الذي تُفضي إليه السبل ، قال تعالى : ( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله )/الأنعام. فجعله صراطاً واحداً وهو صراطٌ مستقيم ثم قال : ( ولا تتبعوا السبل ) .
    وقال : ( يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام )/المائدة. فذكر السبل بالجمع ، وهي طرق الخير المتعددة في الإسلام.


    وهنا أنتهى الحديث عن الآية ( اهدنا الصراط المستقيم ) وسيكون موضوعنا في المرة القادمة – بإذن الله - الآية ( صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) .


    نفعنا الله وإياكم بالقرآن الكريم .


    وافر احترامي وتقديري
    الأمــــــ ـــــل

  3. #33
    تاريخ التسجيل : Jul 2002
    رقم العضوية : 854
    الاقامة : داخل ( . ) النقطة !
    المشاركات : 462
    MMS :
    الحالة غير متصل
    معدل تقييم المستوى : 23
    Array



    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...

    خطيييييييييير خطييييييييييير ...

    صدقا الكتاب خطيييير .. بإذن الله تعالى سأقتني منه نسخة في اقرب وقت ... إلى ذلك الحين نسخت ما نقلت أناملك أختي الأمل .. فجزاك الله خير ...


    [flash=http://jiad11.jeeran.com/222.swf]WIDTH=400 HEIGHT=350[/flash]

    [ALIGN=CENTER]**

    لولا المشقة .. ساد الناس كلهُـــمُ
    الجود يُفقر..
    والإقدامُ قتّــــالُ !

    **[/ALIGN]

  4. #34
    الصورة الرمزية الأمــل
    تاريخ التسجيل : Nov 2002
    رقم العضوية : 1360
    الاقامة : الإمارات
    المشاركات : 3,754
    MMS :
    الحالة غير متصل
    معدل تقييم المستوى : 157
    Array



    [ALIGN=CENTER]أخي الفاضل جياد >> بارك الله فيك ونفعك بما نسخت .

    خالص احترامي وتقديري.
    [/ALIGN]

  5. #35
    الصورة الرمزية الأمــل
    تاريخ التسجيل : Nov 2002
    رقم العضوية : 1360
    الاقامة : الإمارات
    المشاركات : 3,754
    MMS :
    الحالة غير متصل
    معدل تقييم المستوى : 157
    Array

    (14) سورة الفاتحة ..... ( صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) (1).




    [ALIGN=CENTER][/ALIGN]


    دمتم بخير أحبتي الدرر ،،،

    تحدثنا في المرة السابقة عن الآية ( اهدنا الصراط المستقيم ) واليوم عن الآية ( صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ). وهنا زيادة في توضيح هذا الصراط فذكر أنه صراط الذين أنعمت عليهم ، وسلموا من الغضب والضلال . وقد جمع الله أصناف المكلفين في هذه الآية وانتظمهم كلهم.

    :star: فهم إما أهل سعادة ، وهم الذين أنعم الله عليهم .

    :star: وإما أهل الشقاوة وهم صنفان:

    *** صنف عرف الحق ، وخالفه فلم يعمل بمقتضاه وهم المغضوب عليهم.

    *** وصنف لم يعرف الحق ، وهم الضالون ، لأن من لم يعلم الحق ضال، قال تعالى : ( قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا () الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً)/الكهف.

    جاء في تفسير الرازي : " دلت هذه الآية على أن المكلفين ثلاث فرق :

    أهل الطاعة وإليهم الإشارة بقوله ( أنعمت عليهم ) .

    وأهل المعصية وإليهم الإشارة بقوله ( غير المغضوب ) .

    وأهل الجهل في دين الله والكفر وإليهم الإشارة بقول : ( ولا الضالين ).


    سؤال: ما الحكمة في أنه تعالى جعل المقبولين طائفة واحدة ، وهم الذين أنعم الله عليهم ، والمردودين فريقين : المغضوب عليهم والضالين ؟

    الجواب :

    أن الذين كملت نعم الله عليهم ، هم الذين جمعوا بين معرفة الحق لذاته والخير لأجل العمل به ، فهؤلاء هم المرادون بقول: ( أنعمت عليهم ) ،فإن اختل قيد العمل فهم الفسقة ، وهم المغضوب عليهم كما قال تعالى : ( ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه)/النساء .وإن اختل قيد العلم ، فهم الضالون لقوله تعالى : ( فماذا بعد الحق إلا الضلال )/يونس.

    وجاء في (تفسير القيم): " من ذكر المنعم عليهم وتمييزهم عن طائفتي الغضب والضلال ، فانقسم الناس بحسب معرفة الحق والعمل به إلى هذه الأقسام الثلاثة . لأن العبد إما أن يكون عالماً بالحق أو جاهلاً به ، والعالم بالحق إما أن يكون عاملا بموجبه أو مخالفاً له. فهذه أقسام المكلفين لا يخرجون عنها البتة . فالعالم بالحق العامل به هم المنعم عليه...والعالم به المتبع هواه هو المغضوب عليه .والجاهل بالحق هو الضال ، والمغضوب عليه ضال مغضوب عليه ، ولكن تارك العمل بالحق بعد معرفته به أولى بوصف الغضب وأحق به".

    وجاء فيه أيضاً : " فإن مدار اعتلال القلوب وأسقامها على أصلين : فساد العلم ، وفساد القصد ، ويترتب عليها داءان قاتلان وهما الضلال والغضب".

    فالضلال نتيجة فساد العلم ، والغضب نتيجة فساد القصد. وهذان المرضان هما ملاك أمراض القلوب جميعها ، فهداية الصراط المستقيم يتضمن الشفاء من مرض الضلال...

    والتحقق بـ ( إيّاك نعبد وإياك نستعين ) علماً ومعرفة وعملاً وحالاً يتضمن الشفاء من مرض فساد القلب والقصد...

    ثم إن القلب يعرض له مرضان عظيمان ، إن لم يتداركهما تراميا به إلى التلف ولابد ، وهما : الرياء والكبر . فدواء الرياء بـ ( إيّاك نعبد ) ودواء الكبر بـ ( وإيّاك نستعين ) ...

    فإذا عوفي من مرض الرياء بـ ( إيّاك نعبد ) ومن مرض الكبر بـ ( وإيّاك نستعين ) ومن مرض الجهل بـ ( اهدنا الصراط المستقيم ) عوفي من أمراضه وأسقامه ورفل في أثواب العافية ، وتمت عليه النعمة ، وكان من المنعم عليهم غير المغضوب عليهم ، وهم أهل فساد القصد الذين عرفوا الحق وعدلوا عنه ، والضالين ، وهم أهل فساد العلم الذين جهلوا الحق ولم يعرفوه".


    سؤال : في الآية ( صراط الذين أنعمت عليهم ) عبّر عن المنعم عليهم بالفعل الماضي( أنعمت) ، وفي الآية ( غير المغضوب عليهم ) عبّر عن المغضوب عليهم بالصورة الإسمية ، لماذا؟

    الجواب :

    :star: جعل الله تعالى فعل الإنعام ماضيا ليتعيّن زمانه ، وليبين أن المقصود صراط الذين ثبت إنعام الله عليهم وتحقق وهم الأنبياء والصديقون والشهداء والصالحون كما قال تعالى : ( أولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً)/ النساء.

    ولو قال : ( صراط الذين تنعم عليهم ) لأغفل كل من مضى من رسل الله والصالحين ، لأن الفعل المضارع أكثر ما يدل على الحال . بل لم يدل على أنه أنعم على أحدٍ فيما مضى ونحو ذلك أن تقول : ( اعطني ما أعطيت أمثالي ) أو تقول : ( اعطني ما تعطي أمثالي ) فإن العبارة الأولى تفيد أنه أعطى قبله من أعطى ، أما الثانية ، فلا تفيد أنه أعطى أحداً من قبل ، بل قد يكون ذلك العطاء ابتداء ، ولا يحتمل أن يكون صراط الأولين غير صراط الآخرين ، ولم يفد التواصل بين زمر المؤمنين من لدن آدم عليه السلام ، إلى قيام الساعة ، ولم يفهم أن هذا الطريق ، إنما هو طريقٌ مسلوكٌ سلكه من قبلنا الرسل وأتباعهم ، ولكان صراط الذين ينعم عليهم ، أقل شأناً من صراط الذين أنعم عليهم ، لأن الذين أنعم عليهم ، فيهم أولو العزم من الرسل ، وفيهم الأنبياء وأتباعهم ، وأما من ينعم عليهم بعد ذلك ، فليس فيهم نبيٌ ولا رسول .

    :star: ثم إن الإتيان بالفعل الماضي ، يدل على أنه كلما مر الزمن كثر عدد الذين أنعم الله عليهم ، لأن الحاضر يلتحق بالماضي ، وهكذا تتسع دائرة المنعم عليهم بمرور الزمن بخلاف قولنا : ( صراط الذين ينعم عليهم ) ، فقد يخص الوقت الذي طلب فيه الداعي الهداية ، ولربما كان عدد المهديين آنذلك قليلاً.


    سؤال : أما قوله : ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) بالاسم ، فليشمل سائر الأزمنة . وقد تقول : لِمَ لم يقل تعالى ( صراط المنعم عليهم ) ليشمل سائر الأزمنة أيضاً؟.

    الجواب :

    :star: أن كل تعبير في مكانه أمثل وأحسن . فلو قال : ( المنعم عليهم ) لم يبين المنعم الذي أنعم عليهم ، والنعمة إنما تقدر بقدر المنعِم ، فإن كان المنعِم صديقاً يختلف عما إذا كان أميراً أو سلطاناً ، وذلك من حيث مقدار النعمة ، ومن حيث التكريم لمن نالها .فإن كان المنعِم عظيماً عظمت نعمته ، وإن كان أدنى من ذلك كانت على قدر صاحبها ، وكذلك من حيث التكريم ، فالذي ينعم عليه السلطان غير الذي ينعم عليه أحد افراد الرعية ، فإن قولك : ( فلان أنعم عليه الخليفة ) فيه من التعظيم والتكريم ما ليس في قولك: فلان أنعم عليه رئيس البلدية أو المحافظ. ففي قوله : ( أنعمت عليهم ) من التكريم وعظم النعمة ما ليس في ( المنعم عليهم ).

    :star: ومن ناحية أخرى إن الله سبحانه وتعالى ينسب الخير والفضل إلى نفسه ، ولا ينسب إلى نفسه الشر والسوء ، قال تعالى : ( وأنّا لا ندري أشرٌ أُريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا)/الجن.فبنى الشر للمجهول ونسب الخير إلى ذاته الكريمة.

    وقال : ( وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشر كان يئوساً)/الإسراء. فنسب النعمة إلى نفسه ولم ينسب إلى نفسه الشر ، فلم يقل : ( وإذا مسسناه بالشر ) كما قال صلى الله عليه وسلم : " والخير كله في يديك ، والشر ليس إليك ".

    والنعمة تفضّل وخير ، فهو ينسبها إلى نفسه وليس أحدٌ مولي نعمةً على الحقيقة إلا الله كما قال : ( وما بكم من نعمة فمن الله )/النحل.

    ولذلك يبنسب النعم كلها إلى نفسه ، ولم يَرِد فِعل النعمة مسنداً إلى غير الله في القرآن الكريم قال : ( قد أنعم الله عليّ إذ لك أكن معهم شهيداً )/النساء . وقال : ( قال رب بما أنعمت عليّ فلن أكون ظهيراً للمجرمين )/القصص. وقال : ( إن هو عبدٌ أنعمنا عليه )/الزخرف.

    ولم يسند فعل النعمة إلى غير الله ، إلا في قوله تعالى : ( وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك)/الأحزاب. فقد أسنده إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بعدد أن أسنده إلى الله أولاً ، وهي نعمةٌ خاصة أنعم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم على زيد بن حارثة الذي ربّاه ، وجعله بمنزلة ابنه.

    فنسبة النعمة والفضل إلى الله أمثل وأكمل.

    أتوقف هنا ولنكمل الآية في المرة القادمة - بإذن الله -.


    خالص احترامي

    الأمـــــــ ـــــــل

  6. #36
    تاريخ التسجيل : Nov 2002
    رقم العضوية : 1347



    جزاك الله بكل خير اختي الكريمة وبارك فيك ونفع بك

  7. #37
    الصورة الرمزية الأمــل
    تاريخ التسجيل : Nov 2002
    رقم العضوية : 1360
    الاقامة : الإمارات
    المشاركات : 3,754
    MMS :
    الحالة غير متصل
    معدل تقييم المستوى : 157
    Array



    بارك الله فيك أخي المتجدد ونفعك بما تقرأ.

  8. #38
    الصورة الرمزية الأمــل
    تاريخ التسجيل : Nov 2002
    رقم العضوية : 1360
    الاقامة : الإمارات
    المشاركات : 3,754
    MMS :
    الحالة غير متصل
    معدل تقييم المستوى : 157
    Array

    (15) سورة الفاتحة ..... (صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم) (2).




    [ALIGN=CENTER][/ALIGN]

    دمتم بخير أحبتي الدرر،،،

    لنكمل موضوعنا اليوم عن ( غير المغضوب عليهم ) فنجد هنا أن الله تعالى قد بنى ( المغضوب ) للمفعول وذلك لـِ :

    :star: ليعم الغضب عليهم : غضب الله ، وغضب الغاضبين لله ولا يختصص بغاضب معين ، فهم مغضوب عليهم من كل الجهات . بل إن هؤلاء سيغضب عليهم أخلص أصدقائهم وأقرب المقربين إليهم ، يوم ينقطع حبل كل مودة في الآخرة غر حبل المودة في الله ، وتنقطع كل العلائق غير العلائق في الله ، كما قال تعالى: ( ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضاً)/العنكبوت. فيغضب بعضهم على بعض ويتبرأ بعضهم من بعض حتى يتبرأ الإنسان من جلده وجوارحه التي تشهد عليه ، فهم مغضوب عليهم من كل شيء ومن كل أحد.

    :star: وقيل : " إنما بناه للمفعول لأن من طُلب منه الهداية ونُسب الإنعام إليه لا يناسبه نسبة الغضب إليه ، لأنه مقام تلطف وترفّق وتذلل لطلب الإحسان ، فلا يناسب مواجهته بوصف الانتقام وليكون المغضوب عليهم توطئة لختم السورة بالضالين لعطف موصول على موصول مثله لتوافق آخر الآي"(البحر المحيط).


    سؤال: لماذا أضاف الله النعمة إليه وحذف فاعل الغضب ؟

    الجواب:

    وذلك لعدة أسباب منها:

    :star: أن النعمة هي الخير ، والغضب من باب الانتقام ، والعدل والرحمة تغلب الغضب ، فأضاف إلى نفسه أكمل الأمرين وأسبقهما وأقواهما . وهذه طريقة القرآن في إسناد الخيرات والنعم إليه ، وحذف الفاعل في مقابلتهما كقول مؤمني الجن : ( وأنّا لا ندري أشرٌ أُريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشداً)/الجن.

    :star: أن الله تعالى هو المتفرد به ، وإن أضيف بالنعم : ( وما بكم من نعمة فمن الله )/النحل . فأضيف إليه ما هو متفرد به ، وإن أضيف إلى غيره فلكونه طريقاً ومجرى للنعمة. وأما الغضب على أعدائه فلا يختص به تعالى ، بل ملائكته وأنبياؤه ورسله وأولياؤه ، يغضبون لغضبه . فكان في لفظه ( المغضوب عليهم) بموافقة أولياؤه له من الدلالة على تفردٍ بالإنعام وأن النعمة المطلقة منه وحده ، هو المتفرد بها ما ليس في لفظه ( المنعم عليهم ) .

    :star: إن في حذف فاعل الغضب من الإشعار بإهانة المغضوب عليه ، وتحقيره وتصغير شأنه ما ليس في ذكر فاعل النعمة من إكرام المنعم عليه والإشادة بذكره ، ورفع قدره ما ليس في حذفه فإذا رأيت من قد أكرمه ملك وشرفه ورفع قدره فقلت : هذا الذي أكرمه السلطان ، وخلع عليه وأعطاه ما تمناه كل ابلغ في الثناء والتعظيم من قولك : هذا الذي أُكرم وخُلع عليه وشُرّف وأُعطي.

    سؤال : لماذا جعل كلاً من ( المغضوب عليهم ) و ( الضالين ) اسماً؟

    الجواب :

    للدلالة على الثبوت ، فيكون الغضب عليهم دائماً ثابتاً لا يزول ، واتصافهم بالضلال على وجه الثبوت أيضاً ، فلا يُرجى لهم خيرٌ ولا هدى ، فلم يقل( صراط الذين غضب عليهم وضلوا ) فيجعل الغضب أو الضلال في زمن دون زمن ، بل إن هذا الوصف لازم لهم إلى يوم القيامة ثابت لا يزول فهم مغضوب عليهم في الدنيا والآخرة ، وضالون في الدنيا والآخرة كما قال تعالى : ( ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى واضل سبيلاً)/الإسراء.


    سؤال : لِمَ ذكر الله تعالى ( لا ) بين غير المغضوب عليهم والضالين ، ولم يقل ( غير المغضوب عليهم والضالين )؟


    الجواب :

    :star: لئلا يفهم أن المباينة لمن جمع الغضب والضلال دون من لم يجمعها ، فإنه لو قال تعالى : ( غير المغضوب عليهم والضالين ) لتوهم أن المباينة لمن جمع الغضب والضلال .

    فلما ذكر ( لا ) جعل المباينة لكل صنف منهما . ونظير ذلك تقول : ( أنا لا أحب من تكبر وبخل ) أو ( أنا لا أحب من تكبر ولا من بخل ) فإن الجملة الأولى تحتمل أنه لا يحب هذين الصنفين ، وتحتمل أنهلا يحب من جمع هذين الوصفين دون من لم يجمعهما ، فمن تكبر ولم يبخل أو بخل ولم يتكبر ، لم يكن داخلاً في الحكم بخلاف قولك : ( أنا لا أحب من تكبر ولامن بخل ) فإنك نصصت فيه على أنك لا تحب من اتصف بأي صفة منهما.


    سؤال : لِمَ قدّم الغضب على الضلال ، فقال : ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) ولِمَ لم يقدم الضالين على المغضوب عليهم ؟


    والجواب :

    إن المقام يقتضي تقديم المغضوب عليهم من أوجه:

    :star: أن المغضوب عليه أشد ضلالاَ وجرماً وعقوبة لأنه علم وجحد ، وليس من علم كمن لا يعلم ، ولذا قيل في العقائد :

    وعالم بعلمه لم يَعْمَلَنْ معذّب من قبْل عُبّاد الوثن

    فهو أولى بالسؤال بالمباعدة عنه ، فإن الضال إذا علم الحق ، فربما اتبعه وربما خالفه فيكون من المغضوب عليهم .

    :star: أنه جاء في الحديث الحديث الصحيح أن المغضوب عليهم اليهود والضالين النصارى . واليهود أسبق من النصارى فناسب أن يبدأ بهم.

    :star: أن صفة المغضوب عليهم هي أول معصية ظهرت في الوجود وأقدمها على الإطلاق ، وهي معصية إبليس ، ذلك أنه كان عالماً بالحق عارفاً له ، فعصى ربه وخالف أمره ، فغضب الله عليه ولعنه ، ثم قطع إبليس عهداً على نفسه أن يُضل بني آدم فقال : ( ولأضلنهم ولأمنيهم)/النساء. فناسب أن يبدأ بذكر أُولى المعاصي على الإطلاق وأن يتبعها بما قطع إبليس على نفسه أن يفعله وهو الإضلال.

    :star: أن هذه الصفة ( المغضوب عليهم ) هي أول معصية ظهرت على الأرض ، وهي قتل ابن آدم أخاه ، بعد أن قرّبا قرباناً ، فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر ، فقتله متعمداً ظالماً له .

    وبذا تبين أن صفة المغضوب عليهم ، هي أقدم صفة من صفات المعاصي ، ظهرت في الوجود في الملأ الأعلى ، وبعدها على الأرض ، فناسب أن يبدأ بها .

    :star: أن المغضوب عليه ، يقابل المُنعم عليه ، ولا يقابل الضال ، فإنك تقول : ( فلان أنعم عليه الخليفة ، وفلان غضب عليه ) ولا تقول : ( فلان أنعم عليه الخليفة وفلان ضل ) . فناسب أن يضع بجنب الذين أنعم الله عليهم ، المغضوب عليهم.

    :star: أن تقديم المغضوب عليهم ، هو المناسب لمُفْتتح السورة وما بعده ، ذلك أن الحامد لله العارف بصفاته الخاص إيّاه بالعبادة والاستعانة إذا زاغ كان من المغضوب عليهم ، لأنه علم وخالف ، فكان من المناسب أن يسأل الله المباعدة عن ذلك أولاً بخلاف من لا يعلم ، وكان ضالاً ، أما سؤال الهداية بعد ذلك وهو قوله : ( اهدنا الصراط المستقيم ) فهو المناسب للسؤال بالمباعدة عن الضلال.
    فلما قدم الحمد وما إليه ناسب السؤال بالمباعدة عن الغضب ، ولما طلب بعد ذلك الهداية ، ناسب أن يذكر بعد ذلك المباعدة عن الضلال .

    :star: أن ذلك هو المناسب لخواتيم الآي أيضاً.

    ثم انظر كيف تناسب قوله: ( غير المغضوب عليهم ) وقوله: ( الحمد لله رب العالمين ) فإن الحمد مطلق غير مقيد بزمن ولا بفاعل معين ، وهو دائم ثابت ، وهؤلاء مغضوب عليهم وضالون على جهة الثبوت والدوام.

    هذا من ناحية ومن ناحية أخرى :

    أن من لم يحمد الله ، فهو مغضوب عليه وضال.

    ومن لم يقر بأن الله رب العالمين ، فهو مغضوب عليه وضال.

    ومن لم تدركه رحمة الله الرحمن الرحيم ، ، فهو مغضوب عليه وضال.

    ومن لم يؤمن بيوم الدين ، وأن الله مالك ذلك اليوم ، فهو مغضوب عليه

    وضال.

    ومن لم يخص الله بالعبادة والاستعانة ، فهو مغضوب عليه وضال.

    ومن لم يهتدِ إلى الصراط المستقيم ، صراط الذين أنعم عليهم ، فهو

    مغضوب عليه وضال.


    فما أجلّ هذا الارتباط!!!

    (F)

    (F)

    (F)


    [ALIGN=CENTER]:star: إن هذه السورة جمعت أصول العقيدة الإسلامية : :star:[/ALIGN]

    :sleep: الإقرار بوجود الله ، وأن له صفات الكمال وهو المستحق للحمد ، ذاتاً وصفاتاً ، منها الإقرار بالتوحيد وهو قوله: ( رب العالمين ) فإن كونه رب العالمين جميعاً ، يعني : أنه لا رب سواه ، وأن تخصيصه بالعبادة والاستعانة معناه : أنه لا إله سواه ، فقد شملت توحيد الألوهية والربوبية .

    :sleep: وقوله ( مالك يوم الدين ) يعني : الإقرار باليوم الآخر والجزاء.

    :sleep: وقوله ( إيّاك نستعين) يعني : الإقرار بقدرته التي لا تُحد.

    :sleep: وقوله ( اهدنا الصراط المستقيم () صراط الذين أنعمت عليهم ) يعني الإقرار بالرسل ، وما أنزل إليهم من كتب . فإن الصراط المستقيم الذي يريده الله إنما يُعرف من طريق الأنبياء والرسل.

    والعبادة التي يرتضيها الله لا تُؤخذ إلا عن طريق الرسل ، فإنه ليس للإنسان أن يعبد الله كما يشتهي ، بل كما يريد الله ويحب.

    فتضمنت السورة أصول العقيدة وأمهاتها ، وتضمنت دين الإسلام بركنيه ، الإيمان والعمل الصالح ، أما الإيمان فقد ذكرت أركانه ، من إيمان بالله ورسله واليوم الآخر ، وأما العمل الصالح فقد دخل في قوله : ( إيّاك نعبد وإيّاك نستعين ) إلى آخر السورة.

    ومن هنا نقول إنها ( سورة الفاتحة) هي أم الكتاب حقاً.


    والآن أحبتي قد انتهى الحديث عن سورة الفاتحة ، بعد أن كشفنا ما فيها من الأسرار والبلاغات والتفسيرات التي كانت غائبة عنّا ... وستبقى الأسرار فيها إلى قيام الساعة ... لأنه كتاب الله الخالد الذي لا تنتهي أسراره ومعجزاته... وكل جيل يأتِ بما يفتح الله عليه ليكشف ما غاب عن الجيل الذي سبقه.

    أما موضوعنا للمرة القادمة سيكون بإذن الله آيات من (سورة المائدة) .

    نفعنا الله بالقرآن الكريم ، وبارك لكم حضوركم.

    وافر احترامي وتقديري
    الأمـــــل

  9. #39
    الصورة الرمزية الأمــل
    تاريخ التسجيل : Nov 2002
    رقم العضوية : 1360
    الاقامة : الإمارات
    المشاركات : 3,754
    MMS :
    الحالة غير متصل
    معدل تقييم المستوى : 157
    Array

    (16) من سورة المائدة...




    [ALIGN=CENTER][/ALIGN]


    دمتم بخير أحبتي الدرر ،،،

    انتهينا في المرة السابقة من سورة الفاتحة بعد أن وجدنا فيها الشيء الكثير مما كنا نجهله ، ولله الحمد والمنّة ، وفي السطور القادمة تناول المؤلف - حفظه الله - الآية 118 من سورة المائدة ، ولنر جميعاً المسألة التي تناولها ، وهي :

    سأل سائل عن قوله تعالى :

    ( إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم )/المائدة (118).

    لِمً ختم الآية بقوله : ( فإنك أنت العزيز الحكيم ) وكان المناسب لقوله : ( وإن تغفر لهم ) أن يقول : فإنك أنت الغفور الرحيم ؟ ولِمَ لم يقل سيدنا عيسى كما قال سيدنا إبراهيم ، عليهما السلام : ( فمن تبعني فإنه منّي ومن عصاني فإنك غفورٌ رحيم )/إبراهيم (36)؟

    الجواب:

    إن الشق الأول من السؤال قديم : " قال أبو بكر بن الأنباري ، وقد طعن على القرآن مَن قال : إن قوله : (فإنك أنت العزيز الحكيم ) لا يناسب قوله : ( وإن تغفر لهم ) لأن المناسب ، فإنك أنت الغفور الرحيم "(البحر المحيط وأجاب عنه.

    وجاء في ( الإتقان ) : " من مشكلات الفواصل ، قوله تعالى : ( إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ) فإن قوله : ( وإن تغفر لهم ) يقتضي أن تكون الفاصلة ( الغفور الرحيم ).

    والحقيقة : أنه لا يصح اقتطاع جزء من آية أو جزء من السياق ، وبناء الحكم عليه ، بل الذي ينبغي هو أن ينظر في السياق كله ، ثم ينظر في ملاءمة الكلام بعضه لبعض . ولو نظر السائل أو المعترض في السياق لما أثار هذا السؤال اصلاً ، فإنه لا يصح ختم الآية بالمغفرة والرحمة ههنا :

    :star: لأن السياق لا يمكن أن يقتضيها ، ولو فعل ذلك لكان نظير ما روى من أن : " بعض الأعراب سمع قارئاً يقرا : والسارق والسارقة ..، وختمها بقوله : ( والله غفور رحيم ) فقال : ما هذا كلام فصيح . فقيل له : ليس التلاوة كذلك ، وغنما هي : ( والله عزيز حكيم ) فقال : بخٍ بخ عزَّ فحكمَ فقطعَ"(البحر المحيط).

    :star: إنه ليس كل موطن تذكر فيه المغفرة والرحمة ، ينبغي أن تختم الآية بهما، وإنما يعود ذلك إلى الموطن والسياق.

    ومن المعلوم أنه وردت في القرآن مواطن ذكرت فيها المغفرة والرحمة، ولم تختم الآيات بهما لأن الموطن لا يقتضي ذلك، بل يقتضي أمراً آخر يدل عليه السياق، وذلك نحو قوله تعالى : ( ربنا لا تجعلنا فتنةً للذين كفروا واغفر لنا ربنا إنك أنت العزيز الحكيم )/الممتحنة(5). فإنه تعالى لم يختم بالمغفرة مع أنه ورد طلب المغفرة، ذلك لأن مدار الطلب في الآية هو أن لا يجعلهم فتنة للذين كفروا، وهو محط الاهتمام كما هو واضح من السياق، وذلك يقتضي الختم بالعزة والحكمة، كما هو ظاهر فختم بهما".


    :star: إن الآية ذكرت في سياق التبرؤ من قولٍ عظيم قالته طائفةٌ من النصارى ونسبته إلى عيسى عليه السلام، حكاه الله تعالى بقوله : المائدة ( 116-118)

    ( وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الغيوب () مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)

    فنسب إلى عيسى أنه طلب من الناس أن يتخذوه وأمه إلهين من دون الله، وأظن ( المؤلف) أن هذا المقام يمنع عيسى من طلب المغفرة، أو ترجيها لهؤلاء الذين جعلوا الله دون منزلة عيسى وأمه.

    :star: لقد رد علماؤنا الأوائل على مَن ظن أن المناسب ختم الآية بالمغفرة والرحمة بردود عدة منها :

    (1) أنه لو ختم الآية بالمغفرة والرحمة لضعف المعنى ، لأن هذا ينفرد بالشرط الثاني، ولا يكون له تعلّق بالشرط الأول، في حين أن ختمه بالعزة والحكمة متعلق بالشرطين، فإن تعذيبه ومغفرته منوطان بعزته وحمته "فكان العزيز الحكيم أليق بهذا المكان، لعمومه وأنه يجمع الشرطين، ولم يصلح ( الغفور الرحيم ) أن يحتمله ما احتمله العزيز الحكيم"(البحر المحيط).

    وجاء في ( روح المعاني ) : " وادعى بعضهم أنهما متعلقان بالشرطين لا بالثاني فقط، وحينئذ وجه مناسبتهما لا سترة عليه، فإن مَن له الفعل والترك عزيز حكيم"

    ومعنى ذلك، أن اختيار العزيز الحكيم متعلق بالثواب والعقاب جميعاً، وليس بحال واحدة.

    جاء في الكشاف : " وإن تغفر لهم، فإنك أنت العزيز، القوي، القادر على الثواب والعقاب، الحكيم الذي لا يُثيب ولا يعاقب إلا عن حكمةٍ وصواب.

    فإن قلت : المغفرة لا تكون للكفار، فكيف قال: ( وإن تغفر لهم ) ؟

    قلت : ما قال إنك تغفر لهم ، ولكنه بنى الكلام على إنْ غفرت لهم فقال : " إن عذبتهم عدلت، لأنهم أحقاء بالعذاب، وإن غفرت لهم مع كفرهم، لم تعدم في المغفرة وجه حكمة، لأن المغفرة حسنة لكل مجرم في العقول، بل متى كان المجرم أعظم جرماً كان العفو عنه أحسن)
    (2)
    إن الآية مبنية على التسليم لله سبحانه، وتفويض الأمر إليه وليس على التعريض بطلب المغفرة.

    جاء في ( ملاك التأويل ) : " أما آية المائدة فمبنية على التسليم لله سبحانه وأنه المالك للكل، يفعل فيهم ما شاء، فلو ورد هنا عقب أية المائدة :" وإن تغفر لهم فإنك أنت الغفور الرحيم " لكان تعريضاً بطلب المغفرة، ولم يقصد ذلك في الآية، وإنما قيل ذلك على لسان عيسى، عليه السلام، تبرّياً وتسليماً لله سبحانه، وليس موضع طلب مغفرة لهم، وإنما هو تنصّل من حالهم، وتسليم لله فيهم. قال الغرنوي –رحمه اله- : لم يقل : ( الغفور الرحيم) لأن مخرجه على التسليم، ولأن في ذكر
    العفو تعريضاً للسائل، والكلام لتسليم الأمرين، والحكمة تقتضيهما وكأنه قال: المغفرة لا تنقص من عزك، ولا تخرج عم حكمتك"( ملاك التأويل)

    وجاء في ( البرهان ): " وقيل: ليس هو على مسألة الغفران، وإنما هو على معنى تسليم الأمر إلى مَن هو أملك لهم، ولو قيل : فإنك أنت الغفور الرحيم ، لأوهم الدعاء بالمغفرة، ولا يسوغ الدعاء بالمغفرة لمن مات على شِركه لا لنبي ولا لغيره".

    وجاء في ( تفسير ابن كثير ) : " هذا الكلام يتضمن رد المشيئة إلى الله، عز وجل، فإنه الفعال لما يشاء".


    (3) وقيل إن ذكر العزيز الحكيم من باب الاحتراس، وذلك أنه " لا يغفر لمن استحق العذاب إلا مَن ليس فوقه أحد يرد عليه حكمه، فهو العزيز، أي: الغالب، والحكيم : هو الذي يضع الشيء في محله.

    وقد يخفى وجه الحكمة على بعض الضعفاء في بعض الأفعال، فيتوهم أنه خارج عنها، وليس كذلك، فكان في الوصف بالحكيم احتراسٌ حسن، أي: وإن تغفر لهم مع استحقاقهم العذاب فلا معترض عليك لأحدٍ في ذلك والحكمة فيما فعلته"( الإتقان).

    وجاء في ( روح المعاني ) : " وقيل: إن ذكرهما من باب الاحتراس، لأن ترك عقاب الجاني قد يكون لعجز في القدرة، أو لإهمال ينافي الحكمة، فدفع توهم ذلك بذكرهما".

    وجاء في ( تفسير البيضاوي ) : " ( وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ) فلا عجزَ ولا استقباح، فإنك القادر القوي على الثواب والعقاب، الذي لا يثيب ولا يعاقب إلا عن حكمة وصواب".


    وخلاصة الاحتراس، أن العفو عن المستحق للعذاب العظيم، قد يكون عن عجز وضعف، لا عن استطاعةٍ وقدرة، أو قد يكون عن سوء تدبير وتقدير، أو عن كليهما، فلو قال: فإنك أنت الغفور الرحيم، لما دفع هذين الوصفين عنه، فإن الغافر الراحم قد يكون إنما يفعل ذلك لضعفه، أو لسوء تدبيره. فقال: ( فإنك أنت العزيز الحكيم ) ليدفع ذلك عنه، وليقول انه إن عفا وغفر فعن كمال العزة والقدرة، وعن غاية الحكمة والتدبير، فكان الختم بهما، أولى مما ذكر المعترض.

    (4) وقيل : إن المقام مقام تبرؤٍ مما نُسب إليه، وليس مقام طلب عفو ومغفرة فلا يصح في هذا المقام الصفح والمغفرة.


    جاء في ( البرهان ) : " وقيل لأنه مقام تبرٍّ، فلم يذكر الصفة المقتضية استمطار العفو لهم، وذكر صفة العدل في ذلك، بأنه العزيز الغالب، وقوله: ( الحكيم)الذي يضع الأشياء في مواضعها فلا يعترض عليه، إن عفا عمن يستحق العقوبة "

    (5) وقيل: إنه لا يجوز سؤال المغفرة والرحمة، أو التعريض بهما لهؤلاء لأن هؤلاء مقطوع لهم بالعذاب، وعدم المغفرة، لأنهم مشركون قال: ( إن الله لا يغفر إن يشرك به ويغفر ما دون ذلك)/النساء ( 48).

    وكما قال الله : إنه لا يغفر للمشركين، قال: إنه لا يصح سؤال المغفرة للمشركين، لا من نبي ولا من غيره، قال تعالى : ( ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربي)/التوبة(113).

    فلا يجوز التعريض بالمغفرة، بل الذي يصح هو تفويض الأمر إليه، وتركه إلى حكمته سبحانه، بل إن ما دان به هؤلاء أكبر من الشرك وأعظم، فإن الشرك أن تجعل لله نداً، وكان المشركون في الجاهلية يجعلون مع الله آلهة أخرى يعبدونهم، ليقربوهم إليه زلفى. وأما هؤلاء فقد عبدوا المسيح وأمه من دون الله، فإنهم جعلوه اقل من الشريك، فهم أولى بعدم المغفرة ورجائها لهم.


    (6) ولا يَحْسن طلب المغفرة لهم، أو التعريض بها من السيد المسيح من جانب آخر، ذلك أن الأمر يتعلق به هو( عيسى عليه السلام) فإنه مسؤول مستنطق عما ادُّعي عليه أنه قاله وهو أنه طلب من الناس أن يعبدوه وأمه، وأن يتركوا عبادة. وقد ذكر السيد المسيح أن هذا افتراء عليه، فكيف يصح أدباً أن يطلب المغفرة أو يعرض بها لهؤلاء المفترين الذين أعلوه وأمه على الله سبحانه؟

    إنه لو كان الأمر يتعلق بغيره، لكان من السماحة الشفاعة لهم، لأن ما فعلوه أعظم من الشرك، فكيف والأمر يتعلق به هو؟ إن طلب المغفرة لهم يعني التغاضي أو التهوين من شناعة هذا الأمر ويوهم الرضا به والارتياح له. ألا ترى أنه لو اتهم مسؤول الشرطة مثلاً بأنه اصدر أمراً للإطاحة بالملك، ليكون هو مكانه، ثم قبض على المسؤول واستجوب، فنفى أن يكون له علم بذلك، أكان يصح أن يطلب من الملك العفو عن هؤلاء الذين خلعوا سلطانه، وأعلنوا العصيان عليه، وادعوا أن هذا بأمر مسؤول الشرطة نفسه؟ إنه الآن في مقام دفع التهمة عن نفسه، وإثبات براءته، فكيف يصح أن يطلب العفو عن هؤلاء الجناة المفترين؟ إنه الآن في موقفٍ يحتاج إلى الشفاعة لا أن يشفع هو.


    فتبين من هذا أن ختم الآية بما ختم من العزة والحكمة هو الأولى.

    ونشير إلى جانب لطيف آخر في الآية وهو قوله: ( إن تعذبهم فإنهم عبادك)، فإنه لم يقل: ( إن تعذبهم فإنهم أحقاء بذلك ) أو( فذلك عدل)، ذلك أن كونهم عباده، معناه أنه المستحق للعباده دون غيره، وانه الإله الحق. فمستحق العبادة من كان الخلق عباده دون مَن ليس له عباد.فإنه لو قال: ( فإنهم أحقاء بذلك ) أو قال: ( فذلك عدل ) لم يعنِ ذاك أنهم عباده. فالناس ليسوا عباداً لمن يعدل، كما أنهم إذا كانوا أحقاء بالعذاب، فليس معناه أنهم عباد لمن عذَب. فالذي يعذّب شخصاً أو جماعة لا يعني أن المعذبين عباده . فاختيار لفظ العبودية أنسب شيء في هذا المقام.

    وفيه معنى آخر، وهو أنهم لما كانوا عباده، فليس هناك من معترض على ما يفعل بهم من تعذيب أو مغفرة، فالأمر كله إليه، ومتروك لمشيئته، ومناط بعزته وحكمته وحكمه، فإنه هو العزيز الحكيم.

    وكذلك فعل سيدنا عيسى، عليه السلام، فقد أناط الأمر بعزته وحكمته وحكمه وفوّضه إليه.

    وانظر من ناحية أخرى إلى الضمير ( أنت ) وتعريف ( العزيز الحكيم ) للدلالة على توكيد الحكم، وقصر العزة والحكمة عليه والكمال فيما وصف به، فإنه في الحقيقة لاعزيزَ، ولا حكيم ولا حاكم سواه. فإنه لم يقل: ( فإنك عزيز حكيم ) ذلك أن هذا التعبير لا يفيد قصر الصفتين عليه –سبحانه- ولا كمالهما فيه. فإنك إذا قلت لأحد: ( إنك كريم سمح) فلا يفيد ذلك قصر الصفتين عليه، بل يفيد غثبات الوصفين له بخلاف ما إذا قلت ( إنك أنت الكريم السمح)، فإن ذلك يفيد القصر أو الكمال فيما وصفت. فقوله: ( فإنك أنت العزيز الحكيم يفيد قصر هذين الوصفين عليه، وكمالهما فيه دون غيره بمعنى: إنه لا عزيز ولا حكيم على وجه الكمال والحقيقة سواك.

    وهذا التعبير أولى في هذا الموطن، لأنه في موطن نفي الألوهية عن غير الله وإثباتها له، فهو المتفرد بذاته وصفاته لا يشاركه ولا يشابهه فيهما أحد.

    فهو الإله حصراً ، وهو العزيز الحكيم حصراً.


    :star::star::star::star:


    وأما الشق الثاني من السؤال وهو ، لماذا لم يقل سيدنا عيسى كما قال سيدنا إبراهيم عليهما السلام: ( فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم )/إبراهيم( 36). فإنه سأل المغفرة والرحمة أو عرّض بهما لمن عصاه، فهذا يجاب عنه من أوجه:

    :star: أن إبراهيم، عليه السلام، لم يقل : ( ومن عصاك فإنك غفور رحيم )، بل قال: ( ومن عصاني) ومعصية العبد دون معصية الله .

    :star: أن إبراهيم، عليه السلام، ذكر المعصية، ولم يذكر الشرك، فقد قال: ( ومن عصاني) ولم يقل ومن أشرك بك ) والمعصية درجات، أما الشرك فهو أكبر الكبائر، فغن الله قد يغفر للعاصي غير المشرك، أما المشرك فغن الله لن يغفر له، وقد قال تعالى عن سيدنا آدم، عليه السلام، : ( وعصى آدم ربه فغوى)/ (طه(121) ثم قال : ( ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى)/ طه( 122).

    سؤال: هل يظن أحد أن سيدنا إبراهيم، عليه السلام، كان يمكن أن يقول: ومَن اتخذني إلهاً من دونك، فإنك غفور رحيم؟

    فهذا ما قالته الفرقة المفترية على عيسى.

    إن إبراهيم، عليه السلام، وإنْ كان أوّاهاً حليماً، كما وصفه الله تعالى، تبرأ من أبيه لما تبين انه عدوٌ لله، كما قال تعالى: ( وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له انه عدوٌ لله تبرأ منه)/ التوبة( 114).

    فاتضح الفرق بين المقامين.



    هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، إن الأنبياء ليسوا على طبيعة واحدة، ولا ضير في ذلك ما دام كل منهم تدفعه طبيعته إلى ابتغاء رضوان الله.

    فطبيعة نوح وسجيته غير طبيعة إبراهيم وسجيته، وقد شبه الرسول صلى الله عليه وسلم أبا بكر بإبراهيم، وعمر بنوح، وفي كل ذلك خير. ولم أجد في القرآن الكريم أنه وصف موسى بما وصف إبراهيم، ولا عيب في ذلك ولا قصور، فصفاتهم كلها صفات الكمال، ولنا في رسول الله، وفيهم أُسوة حسنة، فلا ضير أن تتنوع الاستجابات وتتعدد المواقف ما دام كل ذلك في سبيل الله وفيما يرضي الله.

    -

    - الحديث في المرة القادمة سيكون – بإذن الله- عن قصة سيدنا إبراهيم في سورتي الحجر والذاريات والفرق بينهما بالرغم من التشابه الكبير بينها في المحتوى والتعبير….



    وافر احترامي وتقديري

    الأمــل

  10. #40
    الصورة الرمزية الأمــل
    تاريخ التسجيل : Nov 2002
    رقم العضوية : 1360
    الاقامة : الإمارات
    المشاركات : 3,754
    MMS :
    الحالة غير متصل
    معدل تقييم المستوى : 157
    Array

    (17) قصة سيدنا إبراهيم في سورتي الحجر والذاريات.




    [ALIGN=CENTER][/ALIGN]
    دمتم بخي أحبتي الدرر ،،،

    حديثنا اليوم عن قصة سيدنا إبراهيم، عليه السلام، في سورتي الحجر والذاريات والفرق في التعبير بينهما حسب ما يقتضيه كل مقام ولنرَ جميعاً ما كان من فروق:


    قال تعالى في سورة الحجر:


    وَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِ بْراَهِيمَ {51}‏ إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلاماً قَالَ إِنَّا مِنكُمْ وَجِلُونَ {52} قَالُواْ لاَ تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ {53} قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَن مَّسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ {54} قَالُواْ بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُن مِّنَ الْقَانِطِينَ {55} قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ {56}

    قال تعالى في سورة الذاريات:

    هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ {24} إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَاماً قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ {25} فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاء بِعِجْلٍ سَمِينٍ {26} فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ {27} فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ {28} فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ {29} قَالُوا كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ {30}


    من الواضح البيّن أن ثمة تشابهاً ظاهراً في محتوى القصتين، وتقارباً في التعبير بينهما إلى درجة كبيرة، غير أن هناك جملة اختلافات بينهما أبرزها:

    أنه وصف الضيف في سورة ( الذاريات ) بأنهم (مكرمون) فقال : ( هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين ) ولم يصفهم بذاك في سورة ( الحجر )بل قال : ( ونبئهم عن ضيف إبراهيم ) وقد أدى هذا إلى الاختلاف بين السياقين في أمور عدة منها:

    ((1)) إنه ذكر في سورة الذاريات، أن إبراهيم، عليه السلام، ردّ التحية عليهم حين حيّوه فقال: ( فقالوا سلاما قال سلام)، ولم يذكر ذلك في الحجر. وإنما ذكر أنهم حيوه ولم يذكر أنه رد التحية عليهم. ولا شك أن رد التحية هو الذي يقتضيه الإكرام. فلما وصفهم بأنهم مكرمون ناسب ذلك ذكر رد التحية، فإنه من إكرامهم.

    ((2)) إنه ردّ التحية عليهم بخيرٍ من تحيتهم، فإنهم حيوه بالنصب ( سلاماً) وحياهم بالرفع ( سلامٌ). فهم حيّوه بالجملة الفعلية الدالة على الحدوث والتجدد، أي: نسلم سلاماً، وهو قد حياهم بالجملة الاسمية الدالة على الثبوت. والاسم أقوى وأثبت من الفعل، كما هو معلوم في اللغة، وكما مر توضيحه في سورة الفاتحة، وذلك نحو يطّلع ومطّلع، ويتعلم ومتعلم.

    فهو حياهم بالسلام الشامل الثابت الدائم فيكون قد حياهم بخير من تحيتهم.

    جاء في (تفسير الكبير) : " إن إبراهيم، عليه السلام، أراد أن يرد عليهم بالأحسن فأتى بالجملة الاسمية، فإنها أدل على الدوام والاستمرار".

    ((3)) ذكر في سورة الذاريات، أنه جاءهم بعجل ووصف هذا العجل بأنه سمين وقرّبه إليهم ليأكلوه. وهذا مما يدل على تكريم ضيفه واحتفائه بهم، ولم يقل مثل ذلك في ( الحجر). وكلٌ من الحالين المذكورين هو المناسب لموطنه وسياقه.

    ((4)) ذكر في آيات ( الذاريات) أنه أوجس منهم خيفة، ولم يواجه ضيفه بما أحس في نفسه. في حين انه واجههم بذاك في سورة الحجر، فقال مخاطباً إياهم: ( إنا منكم وجلون).
    وواضح أن ما جاء في آيات الذرايات هو المناسب لمقام الإكرام، فليس مناسباً لجو التكريم أن يعلن لضيفه، أنه غير مطمئن إليهم، وأنه منهم وجل.
    وهكذا ترى أن كل تعبير هو المناسب للسياق الذي ورد فيه.

    ((5)) أظهر التعبير أن حالة الخوف والوجل في آيات الحجر، أكبر مما هي في آيات الذاريات.

    فإنه واجه ضيفه بالخوف منهم، في سورة ( الحجر) بالجملة الاسمية المؤكدة بـ ( إن )، وجاء مع ذلك بالصفة المشبهة ( وجِلون ) الدالة على شدة الخوف، ثم أخرجه مخرج العموم والشمول لأهل البيت أجمعين، فذكره بصورة الجمع: ( إنا منكم وجلون). في حين ذكر ذلك في ( الذاريات) بالجملة الفعلية غير المؤكدة، فقال: ( فأوجس منهم خيفة) وذكره بصورة الإفراد.

    ولا شك أن الحالة النفسية لسيدنا إبراهيم، عليه السلام، وما صرّح به من شدة الفزع، جعلت المقام لا يتناسب هو وذكر التكريم فإن التكريم يحتاج على انشراح نفسي وانفتاح، وهو غير موجود في آيات ( الحجر، بل إن كل تعبير فيها يدل على القلق وعدم الارتياح.
    فناسب كل تعبير موطنه.

    ((6)) ولما واجههم بالخوف منهم، والوجل في سورة (الحجر) واجهوه بالبشرى، فإنه لما قال لهم : ( إنا منكم وجلون) قالوا له : ( إنا نبشرك بغلام عليم ). ولما لم يواجههم بذلك في سورة الذاريات، بل ذكره بصيغة الغيبة : ( فأوجس منهم خيفة لم يواجهوه بالبشرى بل وردت بصيغة الغيبة أيضاً ( وبشروه) فكان التعبير في الموطنين على النحو الآتي:

    الحجر: إنا منكم وجلون إنا نبشرك بغلام عليم.
    الذاريات: فأوجس منهم خيفة وبشروه بغلام عليم.

    فناسب كل تعبير موطنه وسياقه.

    (( 7)) لما ذكر الوجل منهم بالصيغة الاسمية في سورة الحجر : ( إنا منكم وجلون ) بشروه بالجملة الاسمية أيضا ( إنا نبشرك ) .
    ولما ذكر الخوف منهم بالصيغة الفعلية في سورة الذاريات : ( فأوجس منهم خيفة ) بشروه بالصيغة الفعلية أيضا : ( وبشروه).

    ((8)) قال في ىيات الذاريات : ( فأوجس منهم خيفة ) بتقديم ( منهم ) على ( خيفة ). وهذا التقديم، يفيد الاختصاص والحصر، أي ك أن الخوف كان منهم لا من غيرهم. ولو قال : ( فأوجس خيفة منهم ) لكان أخبر أنه خاف منهم لا من غيرهم. ولم يخبر أنه لم يخف من غيرهم، وبل ربما كان ثمة خوف آخر من غيرهم؟. فإن التعبير الوارد في الآية جعل الضيف وحدهم سبب الخوف وقصر ذلك عليهم. وأما التعبير الآخر( فأوجس خيفة منهم ) فلا يقصر الخوف عليهم، بل ربما كان هناك سبب آخر معهم وهذا نظير قولك : ( بك وثقت ) و ( وثقت بك) فغن الجملة الأولى أخبرت بها أنك قصرت الثقة على المخاطب، ولم تثق بأحدٍ آخر.
    أما الجملة الثانية، فإنها تفيد أنك وثقت به ولم تفد أنك قصرت الثقة عليه، بل قد تكون وثقت بغيره ايضاً. ومما يوضح ذلك قوله تعالى : ( قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا )/الملك(29)، فقد أخر الجار والمجرور ( به ) عن الفعل ( آمنا) وقدم الجار والمجرور ( عليه ) على الفعل (توكلنا).

    ذلك أن " الإيمان لما لم يكن منحصراً في الإيمان بالله، بل لا بد معه من رسله وملائكته وكتبه واليوم الآخر وغيره مما يتوقف صحة الإيمان عليه، بخلاف التوكل فإنه لا يكون إلا على الله وحده لتفرده بالقدرة والعلم القديمين الباقيين قدم الجار والمجرور فيه ليؤذن باختصاص التوكل من العبد على الله دون غيره، لأن غيره لا يملك ضراً ولا نفعاً فيتوكل عليه".( البرهان ) ( التفسير الكبير).

    وكذلك ذكر في سورة ( الحجر) فقد قال: ( إنا منكم وجلون ) بتقديم ( منكم ) على ( وجلون ) مما يفيد أنهم هم سبب الخوف. وهذا التقديم يفيد القصر كما في ىية الذاريات. فكلتا الآيتين أفادت الدلالة على أن الخوف كان من الضيف وحدهم، لا من غيرهم بدلالة تقديم الجار والمجرور على متعلقه. غير أنه أخرج ذلك على سبيل المواجهة المؤكدة في آيات الحجر، وعلى سبيل الغيبة غير المؤكدة في آيات الذاريات. فكانت نهاية الآية في الحجر متناسقة مع الموسيقى، ومع المعنى في آن واحد.

    ((9)) اعترض في سورة الحجر على تبشيرهم له بالغلام واستنكر ذلك قائلاً: ( أبشرتموني على أن مسني الكبر فبم تبشرون ) فكأنه غير مستوثقٍ من أنهم رسل ربه. ويبدو أن الذي أدخلته عليه هيئتهم من الوجل والخوف زرع الشك فيهم، وعدم الثقة بأقوالهم وأفعالهم. وكما أظهر لهم عدم ارتياحه من دخولهم بيته، أظهر الاستخفاف بالبشرى والاستنكار لأقوالهم.

    ولم يعترض أو يستنكر في سورة الذاريات، لأن المقام الإكرام غير مناسب للاعراض والاستنكار والاستخفاف بما يقولون. وكل تعبير مناسب للسياق الذي ورد فيه كما هو ظاهر.

    ((10)) ذكر في آيات الذاريات، أن امرأة سيدنا إبراهيم عندما سمعت بالبشرى، أقبلت في جَلَبةٍ وصكّت وجهها متعجبة مما أخبروه به.

    ولم يذكر ذلك في الحجر ذلك أن الخوف الذي ذكر في الحجر، كان عاماً شاملاً لأهل البيت أجمعين : ( إنا منكم وجلون ) وفي مثل هذا الموقف، قعدت العجوز المسنة خائفةً وجلة من هؤلاء الغرباء الذين أدخلوا الخوف على البيت كله. فناسب ذلك عدم ذكر خروجها لهم ومواجهتهم.

    أما في آيات الذاريات، فليس فيها هذا الشمول، فلم يمنع ذلك من خروجها، فناسب كل موقف موطنه.

    يتبين لنا مما مر كله أن كل تعبير مناسب للسياق الذي ورد فيه مناسبة تامة.

    انتهينا الآن من سرد الاختلافات بين السورتين بالنسبة لقصة سيدنا إبراهيم، عليه السلام، كما جاءت في هذا الكتاب ( لمسات بيانية في نصوص من التنزيل) ولنكمل حديثنا المرة القادمة -بإذن الله- عن قصة سيدنا موسى، عليه السلام، في سورتي النمل والقصص.

    نفعني الله وإيّاكم بالقرآن الكريم.

    أختكم الأمــل

  11. #41
    الصورة الرمزية الأمــل
    تاريخ التسجيل : Nov 2002
    رقم العضوية : 1360
    الاقامة : الإمارات
    المشاركات : 3,754
    MMS :
    الحالة غير متصل
    معدل تقييم المستوى : 157
    Array

    (18) قصة سيدنا موسى في سورتي النمل والقصص ... (1).




    [ALIGN=CENTER][/ALIGN]


    أحبتي الدرر،،،

    موضوعنا اليوم عن قصة سيدنا موسى في سورتي النمل والقصص ، والفرق في التعبير بينهما بما يقتضيه المقام والمقال.. ولكثرة تشعب هذه القصة وكثرة تكرارها في القرآن سيكون لهذا الموضوع أكثر من جزء والآن.....لنر جميعاً ما كان في كتابنا ( لمسات بيانية ) :


    من سورة النمل :

    إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَاراً سَآتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُم بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ {7} فَلَمَّا جَاءهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ {8} يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ {9} وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ {10} إِلَّا مَن ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ {11} وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ {12} فَلَمَّا جَاءتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ {13}‏ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ {14}


    (F)(F)(F)(F)

    من سورة القصص:

    فَلَمَّا قَضَى مُوسَىالْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَاراً قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ {29} فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ {30} وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ {31} اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ {32} قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ {33}

    (F)(F)

    من هذين النصين تتبين طائفة من الاختلافات في التعبير ندّون أظهرها:

    النمل القصص

    ( إِنِّي آنَسْتُ نَاراً ) ( آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَاراً )

    ------ ( امْكُثُوا )

    (سَآتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ ) ( لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ )

    ( أَوْ آتِيكُم بِشِهَابٍ قَبَسٍ ) (جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ )

    (فَلَمَّا جَاءهَا ) ( فَلَمَّا أَتَاهَا )

    (نُودِيَ أَن بُورِكَ ) (نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ )

    (وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) ---------

    (يَا مُوسَى ) ( أَن يَا مُوسَى)

    ( إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) (إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ )

    (وَأَلْقِ عَصَاكَ ) (وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ )

    (يَا مُوسَى لَا تَخَفْ ) (يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ )

    (إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ ) (إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ )

    (إِلَّا مَن ظَلَمَ ) ---------

    (وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ ) (اسْلُكْ يَدَكَ )

    (فِي تِسْعِ آيَاتٍ ) (فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ )

    --------- ( وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ )

    (إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ ) (إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ )



    إن الذي وُرد هنا من سورة النمل، هو كل ما ورد من قصة موسى في السورة. وأما ما ذُكر من سورة القصص، فهو جزء يسير من القصة، فقد وُردت القصة مفصّلة ابتداء من قبل أن يأتي موسى إلى الدنيا إلى ولادته، وإلقائه في اليم والتقاطه من آل فرعون، وإرضاعه ونشأته وقتله المصري وهربه من مصر إلى مدين، وزواجه وعودته بعد عشر سنين وإبلاغه بالرسالة من الله رب العالمين، وتأييده بالآيات، ودعوته فرعون إلى عبادة الله إلى غرق فرعون في اليم، وذلك من الآية الثانية إلى الآية الثالثة والأربعين.

    فالقصة في سورة القصص، إذن مفصلة مطولة، وفي سورة النمل موجزة مجملة. وهذا الأمر ظاهر في صياغة القصتين، واختيار التعبير لكل منهما.

    هذا أمر، والأمر الثاني أن المقام في سورة النمل، مقام تكريم لموسى أوضح مما هو في القصص، ذلك أنه في سورة القصص، كان جو القصة مطبوعاً بطابع الخوف الذي يسيطر على موسى، عليه السلام، بل إن جو الخوف كان مقترناً بولادة موسى، عليه السلام، فقد خافت أمه فرعون عليه، فقد قال تعالى : ( وأوحينا إلى أم موسى أن ارضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني) . ويستبد بها الخوف أكثر حتى يصفها رب العزة بقوله: ( واصبح فؤاد أن موسى فارغاً إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها). ثم ينتقل الخوف إلى موسى عليه السلام، ويساوره وذلك بعد قتله المصري: ( فأصبح في المدينة خائفاً يترقب). فنصحه أحد الناصحين بالهرب من مصر لأنه مهدد بالقتل : ( فخرج منها خائفاً يترقب) وطلب ممن ربه أن ينجيه من بطش الظالمين : ( قال رب نجني من القوم الظالمين ). فهرب إلى مدين وهناك اتصل برجل صالح فيها، وقص عليه القصص فطمأنه قائلاً: ( لا تخف نجوت من القوم الظالمين ) .

    وهذا الطابع ( الخوف) يبقى ملازماً للقصة إلى أواخرها، بل حتى إنه لما كلفه ربه بالذهاب إلى فرعون راجعه وقال له: إنه خائف على نفسه من القتل: ( قال رب إني قتلت منهم نفساً فأخاف أن يقتلون) وطلب أخاه ظهيراً له يعينه ويصدقه لأنه يخاف أن يكذّبوه : ( وأخي هارون هو افصح مني لساناً فأرسله معي ردءًا يصدقني إني أخاف أن يكذبون) في حين ليس الأمر كذلك في قصة النمل، فإنها ليس فيها ذكر للخوف إلا في مقام إلقاء العصا.


    فاقتضى أن يكون التعبير مناسباً للمقام الذي ورد فيه. وإليكم إيضاح ذلك:


    ((1)) قال تعالى في سورة النمل : ( إني آنست ناراً ) وقال في سورة القصص : ( آنس من جانب الطور ناراً )، فزاد ( من جانب الطور) وذلك لمقام التفصيل الذي بنيت عليه القصة في سورة القصص.

    ((2)) قال في سورة النمل : (إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَاراً) وقال في سورة القصص: (قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً) بزيادة ( امكثوا). وهذه الزيادة نظيرة ما ذكرناه آنفاً أي مناسبة لمقام التفصيل الذي بنيت عليه القصة بخلاف في النمل المبنية على الإيجاز.


    ((3)) قال في سورة النمل: (سَآتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ ). وقال في القصص: (لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ). فبنى الكلام في النمل على القطع (سَآتِيكُم) وفي القصص على الترجي (لَّعَلِّي آتِيكُم ). وذلك أن مقام الخوف في القصص لم يدعه يقطع بالأمر فإن الخائف لا يستطيع القطع بما سيفعل بخلاف الآمن. ولما لم يذكر الخوف في سورة النمل بناء على الوثوق والقطع بالأمر.

    هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى إن ما ذكره في النمل هو المناسب لمقام التكريم لموسى بخلاف ما في القصص.

    ومن ناحية ثالثة، إن كل تعبير مناسب لجو السورة الذي وردت فيه القصة، ذلك أن الترجي من سمات سورة القصص والقطع من سمات سورة النمل. فقد جاء في سورة القصص قوله تعالى : ( عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا) وهو ترجٍ. وقال : (لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ)، وقال ( لعلكم تصطلون )، وقال: ( لعلي أطلع إلى إله موسى )، وقال: ( لعلهم يتذكرون) ، ثلاث مرات في الآيات 43 ، 46 ، 51 ، وقال : ( فعسى أن يكون من المفلحين )، وقال: ( ولعلكم تشكرون )، وهذا كله ترجٍ. وذلك في عشرة مواطن في حين لم يرد الترجي في سورة النمل، إلا في موطنين وهما قوله: ( لعلكم تصطلون)، وقوله: ( لعلكم ترحمون) .

    وقد تردد القطع واليقين في سورة النمل، من ذلك قوله تعالى على لسان الهدد: ( أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين )، ,قوله على لسن العفريت لسيدنا سليمان: ( أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين). وقوله على لسان الذي عنده علم من الكتاب: ( أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك) .

    فانظر كيف ناسب الترجي ما ورد في القصص، ومناسبا القطع واليقين ما ورد في النمل.

    ثم انظر بعد ذلك قوله تعالى في القصة : ( سآتيكم منها بخبر) ومناسبته لقوله تعالى في آخر السورة: ( الحمدلله سيريكم آيته فتعرفونها)، وانظر مناسبة ( سآتيكم) لت ( سيريكم) .

    وبعد كل ذلك انظر كيف تم وضع كل تعبير في موطنه اللائق به.


    أكتفي بهذا القدر اليوم ، ونكمل البقية في المرة القادمة _ إن شاء الله _ .



    أجمل تحية من أختكم الأمــل

  12. #42
    الصورة الرمزية الأمــل
    تاريخ التسجيل : Nov 2002
    رقم العضوية : 1360
    الاقامة : الإمارات
    المشاركات : 3,754
    MMS :
    الحالة غير متصل
    معدل تقييم المستوى : 157
    Array



    [ALIGN=CENTER][/ALIGN]

    أحبتي الدرر ،،،

    أسعد الله أوقاتكم بالخيرات والمسرات ، ونكمل هنا ما توقفنا عنده المرة السابقة ، في إيضاح الفرق بين التعبيرين في السورتين ودواعي ذلك:


    4) كرر فعل الاتيان في النمل، فقال: ( سآتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب )، ولم يكرره في القصص، بل قال : ( لعلي آتيكم منه ابخير أو جذوة ) فأكد الإتيان في سورة النمل لقوة يقينه، وثقته بنفسه، والتوكيد يدل على القوة، في حين لم يكرر فعل الإتيان في القصص، مناسبة جو الخوف.

    هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى إن فعل الإتيان تكرر في النمل اثنتي عشرة مرة. وتكرر في القصص ست مرات فناسب تكرار ( آتيكم ) في النمل من كل وجه.


    5) وقال في سورة النمل : ( أو آتيكم بشهاب قبس لعلكم تصطلون ).وقال في القصص : ( لعلي آتيكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلكم تصطلون) .

    فذكر في سورة النمل أنه يأتيهم بشهاب قبس، والشهاب: هو شعلة من النار ساطعة.

    ومعنى( القبس) شعلة نار تقتبس من معظم النار، كالمقباس يقال: قبس يقبس منه ناراً، أي : أخذ منه ناراً وقبس العلم استفاده. وأما( الجذوة) فهي الجمرة أو القبسة من النار وقيل : هي ما يبقى من الحطب بعد الالتهاب، وفي معناه ما قيل: هي عود فيه نار بلا لهب.

    والمجيء بالشهاب أحسن من المجيء بالجمرة، لأن الشهاب يدفيء أكثر من الجمرة لما فيه من اللهب الساطع، كما أنه ينفع في الاستنارة أيضا . فهو أحسن من الجذوة في الاستضاءة والدفء.

    هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، ذكر أنه سيأتي بالشهاب مقبوساً من النار، وليس مختلساً أو محمولاً منها، لأن الشهاب يكون مقبوساً وغير مقبوس، وهذا أدل على القوة والثبات الجنان ، لأن معناه أنه سيذهب إلى النار، ويقبس منها شعلة نار ساطعة.

    أما في القصص فقد ذكر أنه ربما أتى بجمرة من النار ، ولم يقل إنه سيقبسها منها.

    والجذوة قد تكون قبساً وغير قبس. ولا شك أن الحالة الأولى أكمل لما فيها من زيادة نفع الشهاب على الجذوة ، ولما فيها من الدلالة على الثبات وقوة الجنان.

    وقد وضع كل تعبير في موطنه اللائق به ، ففي موطن الخوف ، ذكر الجمرة وفي غير موطن الخوف، ذكر الشهاب القبس.


    6) قال في سورة النمل: ( فلما جاءها نودي ) .

    وقال في سورة القصص : ( فلما آتاها نودي ) ...... فما الفرق بينهما؟

    قال الراغب الاصفهاني مفرقاً بين الإتيان والمجيء : " الاتيان مجيءٌ بسهولة، ومنه قيل للسيل المار على وجهه أتى" . وقال: " المجيء كالإتيان، لكن المجيء أعم، لأن الإتيان مجيء بسهولة".

    ولم يذكر أهل المعجمات ما ذكره الراغب، وإنما هم يفسرون واحداً بالآخر، فيفسرون جاء بأتى، وأتى بجاء، غير أنهم يذكرون في بعض تصريفات ( أتى ) ما يدل على السهولة، فيقولون مثلا في تفسير الطريق الميتاء من ( أتى ) " طريق مسلوك يسلكه كل واحد) وذلك لسهولته ويسره. ويقولون : " كل سيل سهلته الماء ، أتيّ" و " أتّوا جداولها : سهلوا طرق المياه إليها" يقال: ( أتيت الماء ) إذا أصلحت مجراه حتى يجري إلى مقارّه....ويقال : أتّيت للسيل، فأنا أؤتّيه إذا سهلت سبيله من موضع إلى موضع ليخرج إليه.... وأتّيت الماء تأتيةً وتأتّياً، أي : سهّلت سبيله ليخرج إلى موضع".

    ولقد استبان للمؤلف أن القرآن الكريم ، يستعمل المجيء لما فيه صعوبة ومشقة، أو لما هو أصعب واشق مما تستعمل له ( أتى ) فهو يقول مثلاً: ( فإذا جاء أمرنا وفار التنور) المؤمنون. وذلك لأن هذا المجيء فيه مشقة وشدة. وقال : ( وجاءت سكرة الموت بالحق ) ( ق ) . وقال : ( قل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً ) الإسراء. وقال : ( فإذا جاءت الطامة الكبرى ) النازعات.

    وهذا كله مما فيه صعوبة ومشقة.

    وقد تقول: وقد قال أيضاً: ( هل أتاك حديث الغاشية ) الغاشية . والجواب : أن الذي جاء هنا هو الحديث، وليس الغاشية في حين أن الذي جاء هناك هو الطامة والصاخة ونحوهما مما ذكر.

    ويتضح الاختلاف بينهما في الآيات المتشابهة التي يختلف فيها الفعلان، وذلك نحو قوله تعالى: ( أتى أمر الله ) النحل. وقوله : ( فإذا جاء أمر الله) غافر. ونحو قوله : ( لجاءهم العذاب) العنكبوت. و( أتاهم العذاب) النحل.

    فإنه يتضح الفرق في اختيار أحدهما على الآخر، وإليك أيضاح ذلك:

    قال تعالى : ( أتى أمر الله فلا تستعجلوه سبحانه وتعالى عما يشركون) النحل. وقال : ( فإذا جاء أمر الله قضي بالحق وخسر هنالك المبطلون) غافر. فقد قال في النحل: ( أتى أمر الله ) ، وقال في غافر : ( جاء أمر الله ) ، وبأدنى نظر يتضح الفرق بين التعبيرين ، فإن المجيء الثاني ، أشق وأصعب لما فيه من قضاء وخسران، في حين لم يزد في الآية الأولى على الإتيان. فاختار لما هو أصعب وأشق( جاء ) ولما هو أيسر ( أتى ) .

    وقد أورد المؤلف أمثلةً كثيرة من القرآن قارن فيها بين الفعلين ( أتى وجاء ) ، أوردت السابق وأورد الآن السؤال التالي :

    لقد ورد في القرآن الكريم ( أتتكم الساعة ) و( جاءتهم الساعة ) ،

    والساعة واحدة، فما الفرق؟


    الجواب:

    أنه لا يصح اقتطاع جزء من الآية للاستدلال، بل ينبغي النظر في الآية كلها وفي السياق أيضاً ليصح الاستدلال والحكم.

    وإليك الآيتين اللتين فيهما ذُكر الساعة:

    قال تعالى : ( قد خسر الذين كذّبوا بلقاء الله حتى إذا جاءتهم الساعة بغتةً قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا فيها وهو يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون) الأنعام.

    وقال تعالى : ( قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو اتتكم الساعة أغير الله تدعون إن كنتم صادقين، بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون) . فقال في الآية الأولى : ( جاءتهم الساعة ) ، وقال في الثانية : ( أتتكم الساعة ) .

    وبأدنى تأمل يتضح الفرق بين المقامين . فإن الأولى في الآخرة وفي الذين كذبوا باليوم الآخر، وهم نادمون متحسرون على ما فرطوا في الدنيا، وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم. وتوضحه الآية قبلها وهي قوله تعالى : ( ولو ترى إذ وقفوا على ربهم قال أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون، قد خسر الذين كذّبوا...) الأنعام. في حين أن الثانية في الدنيا بدليل قوله تعالى : ( أغير الله تدعون إن كنتم صادقين) وقوله: ( بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون) فذكر أنه يكشف ما يدعون إليه إن شاء، وهذا في الدنيا ، وإلا فإن الله لا يكشف عن المشركين شيئاً في الآخرة ولا يستجيب لهم البتة.

    فالموقف الأول أشق وأشد مما في الثانية، فجاء بالفعل ( جاء ) دون ( أتى ) بخلاف الآية الثانية .

    فاتضح أن القرآن إنما يستعمل ( جاء ) لما هو أصعب وأشق. ويستعمل ( أتى) لما هو أخف وايسر.

    ولعل من أسباب ذلك أنن الفعل ( جاء ) اثقل من ( أتى ) في اللفظ بدليل أنه لم يرد في القرآن فعل مضارع لـ ( جاء ) ولا أمر ولا اسم فاعل ولا اسم مفعول، ولم يرد إلا الماضي وحده بخلاف ( أتى ) الذي وردت كل تصريفاته، فقد ورد منه الماضي والمضارع والأمر واسم الفاعل واسم المفعول. فناسب بين ثقل اللفظ وثقل الموقف في ( جاء ) ، وخفة اللفظ وخفة الموقف في ( أتى ) والله أعلم.

    ونعود إلى ما نحن فيه من قصة موسى – عليه السلام- ، فقد قال في سورة النمل : ( فلما جاءها ) وقال في سورة القصص : ( فلما آتاها ) ذلك أن ما قطعه موسى على نفسه في النمل أصعب مما في القصص، فقط قطع في النمل على نفسه أن يأتيهم بخبرٍ أو شهاب قبس، في حين ترجّى ذلك في القصص. والقطع اشق وأصعب من الترجي. وأنه قطع في النمل ، أن يأتيهم بشهاب قبس، أي : بشعلة من النار ساطعة مقبوسة من النار التي رآها في حين أنه ترجى في القصص أن يأتيهم بجمرة من النار ، والأولى أصعب. ثم إن المهمة التي ستوكل إليه في النمل، أصعب وأشق مما في القصص، فإنه طلب إليهفي سورة النمل ، أن يبلغ فرعون وقومه رسالة ربه، في حين طلب إليه في سورة القصص، أن يبلغ فرعون ملأه .

    وتبليغ القوم أوسع واصعب من تبليغ الملأ، ذلك أن دائرة الملأ ضيقة، وهم المحيطون بفرعون في حين أن دائرة القوم واسعة، لأنهم منتشرون في المدن والقرى، وأن التعامل مع هذه الدائرة الواسعة من الناس صعب وشاق، فإنهم مختلفون في الأمزجة والاستجابة والتصرف، فما في سورة النمل أشق وأصعب ، فجاء بالفعل ( جاء ) دون ( أتى ) الذي هو أخف.

    ويدل على ذلك قوله تعالى في سورة طه: ( فلما آتاها نودي يا موسى ) ذلك لأنه أمره بالذهاب إلى فرعون ولم يذكر معه أحداً آخر: ( اذهب على فرعون إنه طغى ) ( قال رب اشرح لي صدري ، ويسر لي أمري ) .

    وهنا لما أرسله إلى فرعون قال : ( أتاها ) ولما أرسله إلى فرعون وملئه قال ( أتاها ) أيضاً في حين لما أرسله إلى فرعون وقومه قال ( جاءها ) ، فالفرق بين الموطنين ظاهر.


    7) ذكر في القصص جهة النداء فقال: ( فلما أتاها نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة ) ولم يذكر الجهة في سورة النمل ، وذلك لأن موطن القصص موطن تفصيل ، وموطن النمل موطن إيجاز كما ذُكِر.

    8) قال في سورة النمل : ( نودي أن بورك من في النار ومن حولها وسبحان الله رب العالمين ) ولم يذكر مثل ذلك في القصص ، بل ذكر جهة النداء فقط ، وذاك لأن الموقف في النمل موقف تعظيم كما أسلفنا وهذا القول تعظيم لله رب العالمين .

    9) قال في النمل : ( يا موسى ) وقال في القصص : ( أن يا موسى ) فجاء بـ ( أن ) المفسرة في القصص، ولم يأت بها في النمل، وذلك لأكثر من سبب، منها:

    :star: أن المقام في النمل مقام تعظيم لله سبحانه، وتكريم لموسى كما ذكرنا فشّرفه بالنداء المباشر في حين ليس المقام كذلك في القصص، فجاء بما يفسر الكلام، أي: ناديناه بنحو هذا، أو بما هذا معناه، فهناك فرق بين قولك: ( أشرت إليه أن اذهب) و ( قلت له اذهب ) فالأول معناه: أشرت إليه بالذهاب، بأي لفظٍ أو دلالة تدل على هذا المعنى.
    وأما الثاني فقد قلت له هذا القول نصاً، ومثله قوله تعالى : ( ونادينا أن يا إبراهيم ، قد صدّقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين) الصافات. أي : بما هذا تفسيره أو بما هذا معناه بخلاف قوله : ( قال يا نوح إنه ليس من أهلك ) هود.

    :star: أن المقام في سورة القصص، مقام تبسّط وتفصيل فجاء بـ ( أن ) زيادة في التبسط.

    :star: أن ثقل التكليف في سورة النمل يستدعي المباشرة في النداء، ذلك أن الموقف يختلف بحسب المهمة وقوة التكليف كما هو معلوم.


    إلى هنا أكتفي اليوم ، لنكمل الفروق ودواعيها في المرة القادمة - بإذن الله تعالى.

    أجمل تحية

    أختكم الأمل

  13. #43
    الصورة الرمزية الأصيـــــــــل
    تاريخ التسجيل : Mar 2002
    رقم العضوية : 9
    الاقامة : السعودية-جدة
    المشاركات : 3,056
    هواياتى : القراءة-الكتابة-التمثيل-ركوب الخيل
    MMS :
    الحالة غير متصل
    معدل تقييم المستوى : 53
    Array



    الأخت العزيزة الأمـــــل


    بارك الله لك وبك

    ودمتي على الخير وبالخير

    وجزاك الله ألف خير

    تأكدي بأني استمتع جداً بقراءة ما تنثرينه علينا

    وفقك الله عز وجل لما فيه الخير

    وجزاك بكل حرف تقرأه عين ألف حسنة



    خالص التحيّة
    [align=center][/align]

  14. #44
    الصورة الرمزية الأمــل
    تاريخ التسجيل : Nov 2002
    رقم العضوية : 1360
    الاقامة : الإمارات
    المشاركات : 3,754
    MMS :
    الحالة غير متصل
    معدل تقييم المستوى : 157
    Array

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،




    [ALIGN=CENTER]أخي العزيز الأصيل ،،،

    بارك الله فيك ، وعلى مرورك البهي ، سعيدة باستمتاعك بالفائدة هنا ، وجزاك الله خيراً . [/ALIGN]

  15. #45
    الصورة الرمزية الأمــل
    تاريخ التسجيل : Nov 2002
    رقم العضوية : 1360
    الاقامة : الإمارات
    المشاركات : 3,754
    MMS :
    الحالة غير متصل
    معدل تقييم المستوى : 157
    Array

    (20) قصة سيدنا موسى في سورتي النمل والقصص ... (3)




    [ALIGN=CENTER][/ALIGN]

    أحبتي الدرر ،،،

    أسعد الله أوقاتكم بالخيرات والمسرات ، ونكمل هنا ما توقفنا عنده المرة السابقة ، في إيضاح الفرق بين التعبيرين في السورتين ودواعي ذلك:

    10) قال في النمل : ( إنه أنا الله العزيز الحكيم ) ، وقال في سورة القصص : ( إني أنا الله رب العالمين ) .

    فجاء بضمير الشأن الدال على التعظيم في آية النمل: ( إنه أنا ) ولم يأتِ به في القصص ، ثم جاء باسميه الكريمين : ( العزيز الحكيم ) في النمل زيادة في التعظيم.

    ثم انظر إلى اختيار هذين الاسمين وتناسبهما مع مقام ثقل التكليف، فإن فرعون حاكم متجبر يرتدي رداء العزة، ألا ترى كيف أقسم السحرة بعزته قائلين : ( بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون ) الشعراء/44. فاختار من بين أسمائه ( العزيز ) معرفاً بالألف واللام للدلالة على أنه هو العزيز ولا عزيز سواه و ( الحكيم ) للدلالة على أنه لا حاكم ولا ذا حكمة سواه، فهو المتصف بهذين الوصفين على جهة الكمال حصراً. وفي تعريف هذين الاسمين بالألف واللام من الدلالة على الكمال والحصر ما لا يخفى ما لو قال : عزيز حكيم فإنه قد يشاركه فيهما آخرون.

    ثم انظر من ناحية أخرى ، كيف أنه لما قال : ( أنا الله العزيز الحكيم ) ، ولم يذكر أن موسى سأل ربه أن يعززه ويقويه بأخيه. ولما لم يقل ذلك ذكر أنه سأل ربه أن يكون له ردءاً، يصدقه ويقويه وهو أخوه ( هارون ) .

    وقد تقول: ولكنه قال في القصص : ( إني أنا الله رب العالمين ) ، وفي ذلك من التعظيم ما لا يخفى.

    ونقول: وقد قال ذلك أيضاً في النمل، فقد قال : ( وسبحان الله رب العالمين )، وزاد عليه: ( إنه أنا الله العزيز الحكيم ) . فاتضح الفرق بين المقامين.

    سؤال: لِمَ قال في سورة طه : ( إني أنا ربك فاخلع نعليك ) بذكر ربو بيته له خصوصاً، ولم يقل كما قال في سورتي النمل والقصص: ( رب العالمين ) ؟

    الجواب : أنه في سورة طه كان الخطاب والتوجيه لموسى عليه السلام أولا فعلمه وأرشده فقال له : ( إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري (14) إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى ) ، فطلب منه العبادة وإقامة الصلاة.

    وقال بعد ذلك : ( لنريك من آياتنا الكبرى ( 23) ) طه ، ثم ذكر منته عليه مرة أخرى فقال : ( ولقد مننا عليك مرة أخرى (37) إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى ) .

    ويمضي في ذكر منته عليه ولم يرد مثل ذلك في النمل ولا في القصص.

    فإنه لم يذكر توجيهاً له أو إرشاداً لعبادته في النمل ، ولا في القصص فلم يأمره بعبادة أو صلاة أو تكليف خاص بشأنه. ثم إنه في سورة القصص وإن كان قد فصّل في ذكر ولادته ونشأته وما إلى ذلك فقد ذكرها في حالة الغيبة لا في حالة الخطاب : ( وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه) ( إن كادت لتبدي به .... فرددناه إلى أمه....ولما بلغ أشده .....ودخل المدينة ....) في حين كان الكلام في سورة طه بصورة الخطاب. فناسب أن يقول له في ( طه ) ( أنا ربك ) بخلاف ما في النمل والقصص ، والله أعلم.

    11) قال في النمل : ( وألق عصاك ) ، وقال في القصص : ( وأن ألق عصاك ) . فجاء بـ ( أن ) المفسرة أو المصدرية . ونظيره ما مر في قوله : ( يا موسى ) و ( أن يا موسى ) .

    فقوله: ( وألق عصاك ) قول مباشر من رب العزة ، وهو دال على التكريم. وأما قوله : ( وأن ألق عصاك ) فإن معناه : أنه ناداه بما تفسيره هذا أو بما معناه هذا. فأنت إذا قلت : ( ناديته أن أذهب ) كان المعنى ناديته بالذهاب. فقد يكون النداء بهذا اللفظ أو بغيره بخلاف قولك : ( ناديته اذهب ) ، أي : قلت له : اذهب.

    وهو نحو ما ذكرناه في قوله : ( يا موسى ) و (أن يا موسى ) من أسباب ودواعِ فلا داعي لتكرارها.

    12 ) قال في النمل : ( يا موسى لا تخف ) . وقال في القصص : ( يا موسى أقبل ولا تخف ) بزيادة ( اقبل ) على ما في النمل وذلك له أكثر من سبب.

    منها: أن مقام الإيجاز في النمل يستدعي عدم الإطالة ، بخلاف مقام التفصيل في القصص.

    ومنها: أن شيوع جو الخوف في القصص، يدل على إيغال موسى في الهرب، فدعاه إلى الإقبال وعدم الخوف.

    فوضع كل تعبير في مكانه الذي هو أليق به.

    13) قال تعالى في النمل : ( إني لا يخاف لدي المرسلون ) ، وقال في القصص : ( إنك من الأمنين ) ، ذلك أن المقام في سورة القصص مقام الخوف ، والخائف يحتاج إلى الأمن ، فأمنه قائلاً : ( إنك من الأمنين )

    أما في سورة النمل فالمقام مقام التكريم والتشريف، فقال : ( إني لا يخاف لدي المرسلون) ، فألمح بذلك إلى أنه منهم ، وهذا تكريم وتشريف. ثم انظر كيف قال : ( لدي ) مشعرا بالقرب وهو زيادة في التكريم والتشريف.

    ثم انظر من ناحية أخرى كيف أنه لما قال في سورة النمل : ( لدي ) المفيدة للقرب ناداه بما يفيد القرب فقال : ( يا موسى ) ولم يقل : ( أن يا موسى ) كما قال في القصص، ففصل بين المنادي والمنادى بما يفيد البعد.

    وأمره أيضاً بما يفيد القرب بلا فاصل بينهما فقال: ( ألق عصاك) ولم يقل : ( وأن ألق عصاك ) للدلالة على قرب المأمور منه. فناداه من قرب وأمره من قرب ، وذلك لأنه كان منه فريبا، فانظر علو هذا التعبير ورفعته.

    ثم انظر من ناحية أخرى كيف قال ك ( إني لا يخاف لدي المرسلون ) ولم يقل : إني لا يخاف مني المرسلين ، لا يخافون بحضرته ، ولكنهم يخشونه ويخافونه كل الخوف ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( أنا أخشاكم لله) فهو أخوف الناس منه ، أخشاهم له.

    14) قال في النمل : ( إلا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء فإني غفور رحيم ) ولم يقل مثل ذلك في القصص ، لأنه لا يحسن أن يقال : ( إنك من الآمنين إلا من ظلم ، ثم بدل حسناً بعد سوء....) ولو قال هذا لم يكن كلاماً.

    هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى ، ناسب ذلك قول ملكة سبأ ( رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين ( 44) النمل. فإنها ظلمت نفسها بكفرها وسجودها للشمس من دون اللهه ، ثم بدلت حسنا بعد سوء ، فأسلمت لله . فلاءم هذا التعبير موطنه من كل ناحية .

    وقد تقول : لقد ورد مثل هذا التعبير في سورة القصص أيضاً ، وهو قوله تعالى : ( قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم ).

    والحق أن المقامين مختلفان، فإن القول في سورة القصص هو قول موسى عليه السلام، حين قتل المصري، وموسى لم يكن كافراً بالله، بل هو مؤمن بالله تعالى، ألا ترى إلى قوله منيباً إلى ربه بعد ما فعل فعلته: ( قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي ) وقوله حين فر من مصر : (رب نجني من القوم الظالمين ) وقوله : ( قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل ) .

    فغن موسى لم يبدل حسناً بعد سوء، وذلك أنه عليه السلام لم يكن سيئاً بخلاف ملكة سبا لإنها كانت مشركة، وقد بدلت حسناً بعد سوء. فما جاء من قوله : ( إلا من ظلم ثم بدل حسناً بعد سوء.... ) أكثر ملاءمة للموضع الذي ورد فيه من كل ناحية .

    15) قال في النمل : ( وأدخل يدك في جيبك ) . وقال في القصص : ( اسلك يدك في جيبك ) .

    لقد استعمل في سورة القصص أمر الفعل ( سلك ) الذي يستعمل كثيراً في سلوك السبل ، فيقال : سلك الطريق والمكان سلكا ، قال تعالى : ( والله جعل لكم الأرض بساطاً ، لتسلكوا منها سبلا فجاجا (20)نوح . ذلك لأنه تردد سلوك الأمكنة والسبل في قصة موسى في القصص ، بخلاف ما ورد في النمل. فقد ورد فيها ، أي : في سورة القصص سلوك الصندوق بموسى، وهو ملقى في اليم إلى قصر فرعون ، وسلوك أخته وهي تقص اثره. وسلوك موسى الطريق إلى مدين، وسير موسى بأهله وسلوكه الطريق على مصر، حتى إنه لم يذمر في النمل سيره بأهله بعد قضاء الأجل ، بل إنه طوى كل ذكر للسير والسلوك في القصة. فقال مبتدئاً : ( إذ قال موسى لأهله إني آنست ناراً سآتيكم منها بخبر) بخلاف ما ورد في القصص ، فإنه قال: ( فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله آنس من جانب الطور ناراً) . فحسن ذكر السلوك في القصص دون النمل.

    هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى ، إن الفعل ( دخل) ومشتقاته تكرر خمس مرات في النمل، في حين لم يرد هذا الفعل ولاشيء من مشتقاته في القصص، فناسب ذكره في النمل دون القصص.

    ومن ناحية أخرى، إن الإدخال أخص من السّلك أو السلوك اللذين هما مصدر الفعل سلك، لأن السلك أو السلوك، قد يكون إدخالاً وغير إدخال، قد تقول: سلكت الطريق وسلكت المكان، أي: سرتُ فيه، وتقول: سلكت الخيط في المخيط، أي : أدخلته فيه. فالإدخال أخص وأشق من السلك والسلوك.فإن السلك قد يكون سهلا ميسوراً، قال تعالى في النحل: ( فاسلكي سبل ربك ذللاً ) ، فانظر كيف قال : ( ذللاً ) ، ليدلل على سهولته ويسره ، وقال: ( ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض) /الزمر. وهل هناك أيسر من سلوك الماء في الأرض وغوره فيها؟

    فناسب وضع السلوك في موطن السهولة واليسر، ووضع الإدخال في موطن المشقة والتكليف الصعب. لقد ناسب الإدخال أن يوضع مع قوله : ( سآتيكم منها بخير ) وقوله ( فلما جاءها ) ومهمة التبليغ إلى فرعون وقومه.

    وناسب أن يوضع السلوك في مقام الخوف، وأن يوضع الإدخال في مقام الأمن والثقة.

    وناسب أن يوضع الإدخال، وهو أخص من السلوك مع ( الشهاب القبس ) الذي هو أخص من الجذوة، وأن يوضع السلوك، وهو أعم من الإدخال مع الجذوة من النار التي هي أعم من الشهاب القبس.

    فكل لفظة وضعت في مكانها الملائم تماماً.

    16) قال فيا لقصص : ( واضمم إليك جناحك من الرهب ) ولم يذكر مثل ذلك فيالنمل. و(الرهب ) هو الخوف، وهو مناسب لجو الخوف الذي تردد في القصة، ومناسب لجو التفصيل فيها بخلاف ما في النمل.

    17) قال في النمل: ( في تسع آيات ) ، وقال في القصص : ( فذانك برهانان ) .

    فقد أعطاه في النمل تسع آيات إلى فرعون، وذكر في القصص برهانين، وذلك لما كان المقام في النمل مقام ثقة وقوة وسّه المهمة، فجعلها إلى فرعون وقومه، ووسع الآيات فجعلها تسعاً، ولما كان المقام مقام خوف في القصص، ضيّق المهمة، وقلل من ذكر الآيات.

    وكل تعبير وضع في مكانه المناسب.

    ثم استعمال كلمة ( الآيات) في النمل مناسب لما تردد ممن ذكر للآيات، والآية في السورة، فقد تردد ذكرهما فيها عشر مرات، في حين تردد في القصص مرات . فناسب وضع ( الآيات ) في النمل، ووضع ( البرهان ) في القصص الذي تردد فيها مرتين، في حين ورد في النمل مرة واحدة، فناسب كل تعبير مكانه.

    18) قال في النمل: ( إلى فرعون وقومه ) ، وقال في القصص: ( إلى فرعون وملإيه ) .

    فوسّع دائرة التبليغ في النمل كما ذكرنا، وذلك مناسب لجو التكريم في القصة، ومناسب لثقة موسى بنفسه التي اوضحتها القصة.

    ولما وسّع دائرة التبليغ وسّع الآيات التي أعطيها، بخلاف ما ورد في القصص.

    19) قال في النمل : ( فلما جاءتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين ) .

    ومعنى ذلك أن موسى، قبل المهمة ونفذها من دون ذكر لتردد أو مراجعة، وهو المناسب لمقام القوة ونفذها من دون ذكر لتردد أو مراجعة، وهو المناسب لمقام القوة والثقة والتكريم، في حين قال في القصص : ( قال رب إني قتلت منهم نفساً فأخاف أن يقتلون)، فذكر مراجعته لربه وخوفه على نفسه من القتل، وهو المناسب لجو الخوف في السورة ولجو التبسط والتفصيل في الكلام.

    وكل تعبير مناسب لموطنه الذي ورد فيه كما هو ظاهر.

    والله أعلم.

    إلى هنا انتهى الحديث عن قصة سيدنا موسى عليه السلام في سورتي النمل والقصص ، والفرق بينهما ودواعي ذلك .

    موضوعنا القادم سيكون بإذن الله عن لمسات بيانية :

    ( من سورتي المؤمنون والزمر )


    أجمل فائدة أتمناها لكم

    تحياتي الأمل

صفحة 3 من 5 الأولىالأولى 12345 الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة واحة الدرر 1432هـ - 2011م
كل ما يكتب في هذا المنتدى يمثل وجهة نظر كاتبها الشخصية فقط