(9)
دخلت أمى لحجرتى ولم أشعر بها كنت غارقة فى أحلامى الخاصة وقد ارتسمت ابتسامة على وجهى ، ذلك المشهد الغير مألوف لأمى أبدا
لابد وأنها وقفت مندهشة عدة دقائق قبل أن تنادينى لأصحو من أحلام اليقظة تلك
- هيام
- امممم
- هياااام
- نعم يا أمى
- ماذا بكِ يا ابنتى؟
- لا شىء أنا بخير يا أمى
- حقا
- نعم
- ولم أنتِ شاردة هكذا؟
- كنت أحلم
- ماذا؟!
انتبهت مجددا وابتسمت لها وأنا أجذبها لتجلس بجوارى .. جلست تمسحنى بعينيها الجميلتين .. كم أنتِ جميلة يا أمى .. لم لم تهبنى بعض جمالها لتريحنى مما أنا فيه؟ جرى السؤال على لسانى دون أن أدرى وانتبهت على تنهيدة صغيرة منها وعينيها تسافر بعيدا وتقول
- تشبهين والدكِ كثيرا .. لكم أحببته
- لم يكن والدى جميلا
- لكنه كان نبيلا
- نبيلا؟!
- نعم كان يحمل أنقى قلب فى الكون وكان يحبنى بشدة وكذلك أنا
- حقا
- نعم
- ولم تكترثى لملامحه الخشنة ولونه الداكن وشعره المجعد و ...
- لقد أحببت كل شىء فيه كما هو
- ونقلتيه لى بالكامل
- نعم
- هذا ليس عدلا
انسابت ضحكتها الرقيقة وهى تحيط وجهى بكفيها
- لقد أحببته جدا حتى تمنيت أن أرزق بطفل يشبهه
- لكنكِ رزقت بطفلة مسكينة هى أنا .. لم لم توفرى بعض هذا الحماس لخالد وخلود ؟!
- تلك مشيئة الله يا ابنتى .. نحن لا نختار ملامحنا
- نعم يا أمى معكِ حق ولكن ... أعنى أننى ....
أطرقت برأسى أغالب دموع تجاهد للقفز من عينى .. احتضنتنى أمى برقة وهى تربت على رأسى بحنان وتقول
- يا ابنتى كلا منا يأخذ نصيبه فى الحياة كما قدره الله له .. والله لا يظلم أحدا .. ثقى بذلك .. يوما ما ستقابلى من يرى جمالكِ الحقيقى وروحكِ الجميلة الطيبة
- ومن يعنيه الروح الجميلة التى يحويها كيان قبيح
-لا تقولى هذا .. هناك من يقدر الجمال الحقيقى .. ربما لم تقابليه بعد
- ربما لن أقابله أبدا
- استغفرى الله يا ابنتى .. ولا تعترضى على مشيئته .. هيا لقد تأخر الوقت .. نامى الآن ولا تفكرى بشىء .. تصبحين على خير
- وأنتِ بخير
أسلمت رأسى للوسادة واستغفرت الله كثيرا حتى غفوت
وجدتنى هناك
فوق سحب وردية عجيبة الشكل
يتوسطها قصر يحبس الأنفاس من فرط جماله
وهناك على باب القصر كان الأمير النبيل يقف مبتسما ويمد لى يده
لم أصدق نفسى وهرعت إليه أرفل فى فستان حريرى واسع جميل لابد أنه يخص إحدى أميرات الأساطير قبل أن اصطدم به .. ما هو؟ .. لا أدرى .. يبدو كما لو كان حاجزا عملاقا غير مرئى يفصلنى عن الأمير .. هويت بقبضتى عليه مرارا دون جدوى .. كان يزداد صلابة فى كل مرة .. نظرت للأمير وقد بدا عليه الحزن وقد أيقنت أن العبور إليه هو المستحيل ذاته .. انطلقت الدموع تغسل وجهى وأنا أناديه حين رنت ضحكة عالية ساخرة شريرة هزت المكان من حولى .. التفت وجدتها .. هى نفسها سيدة العواصف .. وقد وقفت فوق غيمة سوداء كبيرة ينطلق البرق منها ليضرب السحب الوردية الصغيرة فتذوب وتمتصها الغيمة فى جشع لتكبر أكثر .. بينما تعوى الرياح فتبعثر شعرها الأشقر الطويل كانت ما زالت تضحك فبدت كإحدى الساحرات الشريرة ومدت كفها باتجاهى فإذا بالصواعق تنطلق نحوى .. عدوت بعيدا وأنا أصرخ وهى تطاردنى وتضحك فى جنون .. كلما فررت إلى سحابة وردية أذابتها الصواعق والتهمتها الغيمة التى لم يعد يفصلنى عنها شىء .. سقطت وفجأة وجدتها أمامى مباشرة ترمقنى بعينين فى برودة الثلج وهى تقول " لا أحد يتحدانى أبدا .. ولا أحد يسلبنى ما أملك .. وإن فعل فمصيره الموت"
كنت أصرخ وأحمى وجهى بيدى بينما الشرر ينبعث من كفها وقد علمت أنها النهاية .. لاحت منى نظرة أخيرة للأمير الذى كان خلف الحاجز يدقه بقبضتيه فى جزع ويقول شىء ما قبل أن أغيب فى الظلام