فلقد أجمع أهل العلم على أنه لم تأت لبلد من البلدان فضائل في الأحاديث النبوية، ولا في كتاب الله -عز وجل-، فضائل أعظم مما ورد في الشام، بعدما وردت في مكة والمدينة؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: "اللهم بارك لنا في شامنا، وبارك لنا في يمننا" رواه الترمذي، وقال -عليه الصلاة والسلام-: "يا طوبى للشام! يا طوبى للشام! يا طوبى للشام!" قيل: لم يا رسول الله؟ فقال -عليه الصلاة والسلام-: "تلك ملائكة الرحمن باسطة أجنحتها على الشام".
وفي الصحيحين، قال -عليه الصلاة والسلام-: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم مَن خذَلَهُم ولا من خالفهم، أو قصَّرَ في نصرتهم أو الوقوف معهم، حتى تقوم الساعة" قيل: أين هم يا رسول الله؟ فقال -عليه الصلاة والسلام-: "هم في الشام". هذه فضائل عظيمة، والشام هي أرض المنشر، وهي أرض المحشر يوم القيامة، فإن النار التي تخرج من قرع عدن تسوق الناس إلى محشرهم -كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم- "إنما تسوقهم إلى أرض الشام".
وهي الأرض المباركة التي باركها الله -تعالى- في القرآن، كما قال -عَزَّ وَجَلَّ-: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا) [الإسراء:1]، فجعلها الله -تعالى- مباركة في دينها، مباركة في صلاح أهلها، مباركة في خيراتها، ثم يتولى عليها من يتولى من طواغيت -عياذاً بالله- يُذهبون هذه البركة بسوء تعاملهم مع أهليها،، حتى يجعل الله -تعالى- من ذلك فرجا ومخرجا: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) [الحج:39]؛ ومهما طال الظلام عليهم، فإن النصر قادم إليهم.
مَنْ لَمْ يَكُنْ بالحادثاتِ بَصِيرَا *** فلسوفَ يَلقى الوَيلَ والتَتْبِيرا
تتَكلمُ الأحداثُ وهْيَ فَصِيحةٌ *** ونَرَى المُكابر يُخْطِئُ التَّقْدِيرَا
كَمْ نَامَ عَن جيشِ الحوادثِ ظَالـمٌ *** فَأَتَى يُعفِّرُ وجهَهُ تَعفيرَا
للظُّلمِ مَهْمَا طالَ عاقبةٌ بِهَا *** يغدُو جليلُ الظَّالمينَ حَـقِيرَا
اِسأَلْ عَنِ الأَحداثِ تُونسَ إِنَّها *** خَلَعتْ رَئِيساً جَاثِماً وَوَزِيرَا
مرَّتْ بهِ السَّنواتُ لَمْ يفهمْ كمَا *** مَرَّت بِسَائِمَةٍ تَلُوكُ شَعِيرَا
حتَّى إِذَا فاتَ الأوانُ وأقبَلَتْ *** ريحُ الحوادثِ جمرةً وسعيرَا
فَهِمَ الحِكايةَ كُلَّهَا لـكـنَّهُ *** فَهمُ الغَريقِ بِمَوجِهَا مغمورا
واسْألْ بِلادَ النِّيلِ مِصْرَ فِإِنَّـهَا *** صَنَعتْ لَنَا حَدَثَاً هُناكَ مُثِيرَا
حَفرَ المُكَابِرُ حفرةً مَـشؤُومَـةً *** فَرمَتْهُ في أعماقِها مَطمُورَا
وانْظُرْ إِلَى الشَّعبِ الجَريح مُجاهداً *** فِي لِيْبِيَا يَلقى البُغاةَ صَبورَا
وَتأمَّلِ الذِّئبَ الَّذِي لمَ يَنْتَبِهْ *** إِلا عَلى مَـأسَـاتِـهِ مَـبْهُورَا
مُتخفياً إلا علـى شَاشاتِه *** يَهذي ويشـتُم تَائها مَذعُـورا
ما بين ( زنقتِه ) و ( زنقةِ ) جندِه *** تجري دماءُ الأبرياءِ بحورا
طوبى لمن قَرأ الحوادثَ واعياً *** وَجَـثَا على بابِ الإله كَسيرا