قصة قصيرة
( فاطمة الأولى )
فى هذا اليوم تحديدا يا سيدى 0 كنت أقف فى منتصف الحزن 0 فى أول الماء و النار
أعرف أن المسألة تتعدى حدود عقلى , و تتشنج فوق لسانى
و تعصرنى غما 0
- نعم
شكرا يا سيدى 0 شكرا لك 0 أجلس 0 سوف أجلس ,0000 سوف أقول لك كل شئ 0
سأشرح يا سيدى 0
نعم 00
كانت المقاعد مرصوصة أمامنا – كانت لنا أنا و فاطمة تلك التى ظلت تتساند على و أتساند عليها فى الحارات و الازقة 0
و وعدتنى أن تنجب لى أبطالا , وعدتنى يا سيدى أن تنجب لى رجالا يعملون و يقفون بدلا منى على عربة الكشرى 0
اسمعني يا سيدى 00 لا تلوح بيدك 0 سوف أقول لك كل شئ 00 لا أعرف متى بدأ العراك كانت الراقصة ترقص 0 و الناس تهيج و تقعد و تزيط 0 و ذرت الريح و تناثر التراب و عل و دار و لف 0 و حط 0 آه و لكن أحدا من هذه المقاعد المرصوصة طار فى الهواء و استقر فوق رأسى تماما 0 لا أعرف من بدأ 0 و من هو الذى فعل 0 و لا متى بدأ أنا لا أتهم أحدا و لا أستطيع التخمين 00 فنحن كنا فى منتصف الليل و الولد الأعرج قال لى : " هتحصل شكلة " قبلها بدقيقة و لم أهتم 0 و رجحت وقتها أن الموضوع بسيط أكثر مما أتوقع 0 لم أكن أعرف أن فاطمة 00
لا لا تكتب اسمها يا سعادة البيه 0 فاطمة هذه دنياى و نعيمى و هنائى نعم هى 0, ستنتظرنى هناك , لا تقول لأحد 0 أنها ستنتظرنى يا سيدى 0
- أي شك , و أى فعل يعوضني الآن ؟
إنها فاطمة يا سيدى 0 ألا تعرفها لو سألت الطير و الشجر و السواقي و فدادين الذرة , و النجوع و القرى و كل أهل البلد 00 يعرفونها 0 سيقولون لك عنها 0 سيحكون لك ,
أنا لا أخفى شيئا لا أبدا 0 و هذا الرجل النتن الذى تتحدث عنه 0
لا أعرفه و لكنى سمعت عنه من فاطمة كانت تذكر اسمه بتقزز 0 فأشعر برائحته العفنة و كم 0لعنته أمامي 00 و لعنت الزمان الذى نعيش فيه 0 و لعنت كل أهل القرية كانت وحيدة يا سعادة البيه , لا تعرف من حياتها غير بيع الجرجير و الكسبرة الخضرة 0 بعدما 000
فاطمة بنت الشيخ إسماعيل عبده ربه 0 أمها زينب بنت عيد بائع الابائيب و أمشاط الشعر المصنوعة من العظم 0
و قريتى المظلمة كانت دافئة رغم لسعة الشتاء البارد لما هجعت العيال و تفرقت ثم تجمعوا عند الجامع الكبير , فوق شط الترعة الراكدة المياه وقفوا 0
خلعوا الغاب و شذبوه 0 حملوا الصفيح الملقى من الخرائب 0 و مضوا يخبطون 0 " يا سيدنا يا بلال فك شنقة الهلال " هكذا يا سيدي على دكة الشافعى شيخ الناحية ظلوا صامتين و عيونهم تتعلق بالسماء يطرحون الأمر و يقلبون الحكايات القديمة و القمر محطوط فى المدار عند الساقية المهجورة جلس على أبو محمود مع زوجته الحامل فى الأشهر الأولى منتظرا أن تأتيه بالولد 0 والسماء كانت غائمة كأنها ستمطر 0 " يا سيدنا يا عمر فك شنقة القمر "
وقفت الكلاب على أقدامها الخلفية و هاجت القرية بالبسملة و التراتيل و الدعاء و معرفة الله 0 زامت البيوت و تكدرت البهائم فى الأجران و ناحت , أطلت الضفادع من شقوق الماء فى المصارف و الترع و سكنت 0 زحفت الثعابين و التفت فى دائرة جماعية كبيرة و بينهم الأقرع الكبير 0 خرجت النسوة لأسطح الدور لحلب النجوم 0 و نمنا عاريات على بطونهن
فى المسجد الكبير تجمع أهل العلم و الخبرة 0 لفهم الأمر 0
الراديو فى قهوة خليل يذيع الإنباء , الأذان متعلقة و لاهثة 0 مر رجال ملثمون لا أحد يعرف هويتهم يحملون البنادق 0 ازداد اختناق القمر و اسودت الدنيا و وقفت العيال فوق الصفائح مشدودين 0 توقف صوت الشيخ عيسى فى منتصف الأذان أطلت عيون من خلف دهاليز 0 و عيون من أمام مواخير الجاز 0 مصمصت شفاه و انداحت دموع 0
و تحجرت مآقي ميكرفون البلد الكبير يأمر الناس بالتزام الهدوء و الصمت و الدخول الى بيوتهم و غلق الأبواب على النسوة و الأطفال الصغار 0
لم يعد أحد يعرف ماذا سيحدث بعد لحظة 0
كانت فاطمة تضحك , و كانت يا سيدى المقاعد مرصوصة فى انتظار أهل قريتى يهنئوني أنا و فاطمة التى ظلت تتساند على
و أتساند عليها فى الازقة و الحارات و وعدتني أن تنجب لى رجالا 0 أبطالا يا سعادة البيه , لكن أحدا من هذه المقاعد لف و دار
و استقر فوق رأسى تماما 0
و كلوبات الجاز ترنحت و سقطت , الضوء كان خافتا و لم أر و عل صراخ و عويل , الدنيا كانت برد , و طين ،مددت يدى أتحسس فاطمة التى كانت فى جوارى . لكن أهل القرية ظلوا صامتين 0 و أنا تصلبت فى حوش الدار أبحث عن فاطمة 0 ألف قنديل أبحث به عنها ...هى يا سعادة البيه كانت تنام , رائحتها عفية ، وجهها مالح و شعرها متهدل , و فخذها عارى , و أحمر 0 و شهى 0 سوف أقول لك كل شئ 0
نعم سوف اقول كل شىء
و ليلة شجية ممطوطة كضحكة صفراء , هبت الريح بعنف و تعكرت بالتراب 0 مالت الأشجار و زأرت 0 تذمر الذليل و ابن السبيل و السبع و الأرعن و الخائف و الضعيف 0 همدت النار فى المواقد و الأفران و من فوق المعسل القص طارت 0 و نكشت شعور الرجال
0 عند أول الماء وقفت أنادى فاطمة , أظافر مخبريك الأغراء لهفتنى , و فاطمة فى الماء تضحك , أيدى رجالك سحبتنى 0 و توقف العرق قليلا عن التهام جسدى اليقظان ,
البوظة طبقة كثيفة من هواء رطب 0
و الجواميس تحلب لبنا رائبا 0 الابقار تبقر بطون بعضها ، تنطح أولادها 0 و البلد تتحاكى و تحكى 0
فى هذا اليوم تحديدا يا سيدى هجم الدود على لوز القطن و على ساق الرجل , و على صدر المرأة 00غير أنه تزوج فاطمة غصبا 0
كانت ليلة مليئة بالشجن و السعال و صياح الديوك فى غير موعدها استعجالا للنهار 0
و جسدى مكدود أغيب فى غياهب جروحي 0 يدكني الذعر و أنادى 00 فاطمة فاطمة 000
كنت أعود يائسا بشكل محزن
أحصر الجماجم , و يصطف الرجال
و النساء و العاطلون و الشحاتون و الاطفال و العيال و الغرباء على فم الترعة الراكدة المياه 0 أيدى رجالك تسحبنى
و ميكرفون الجامع الكبير يعلن
وفاة فاطمة يا سعادة البيه
و لا عزاء للسيدات