`··._.·الرحـلــــــــة `·.¸¸.·
ذات سكون ليلي خانق وعلى وقع أهازيج بحر ثمل من شدة ما راقص نسائم صيفية لعوب , بـــــتُ أجول بناظري في ردهات حجرتي البيضاوية ..فى كل ما احتضنته من مراحل عمريالبائدة..... فوجدت مقياسي المتري المصلوب بذاك الجدار الزهري وكم كنت أود هزيمتهللابــد باستطالة تفضيه إلي خردة لانفع منها.. . تمركزت أمام شهادات تفوقي...لامست أحرف الفاء.. والراء والألف .. والقاف.... واااه مما اعتراني من آلم وددت تناسيه .....فعقرب بوصلتي المكانية سيصمت عن تحديد اتجاهاتي الاعتيادية... عن حجرتيومنزلي... عن أصدقائي وكورنيش المدينـــة.......فماهي إلا ساعات يمارس الزمن خنقهاواختزال ما تبقى لي بها قبيل ارتحالي إلى عاصمة النور والجمال ...أطلب قبسا من فيضنورانيتها...أطارد شهادة أكبر ولقباَ ما برح يداعب طموحاتي....
تذاكرسفري ملقاة فوق وسادة عانت الأمرين من ثورات أفكار يؤججها لهيب طموحات تزدان إشراقا بمخيلتي كلما ماتت على معصمي ساعة خائبة...., بالقرب من باب الحجرة....حقيبة من الحجم المتوسط....حاولت جهد أيمانها احتواء كل ذكرياتي .....ألا أنها بدت متخمة ..متعبة جراء تسلط أمي بإرغامها على ابتلاع كتل الثياب الشتوية !!!.. جواربمتعددة.... قمصان وأحذية.....درزينة أمواس وأدوات الحلاقة ...صابون وشامبو.... مناشف بل حتى بيوت الوسائد......لم تنسى شيئا.. البتة.......
سنتان هي عمري الافتراضي وأصبح من أصحاب الدال...أربع وعشرون شهرا تفصل بيني وبين تقلد ذاك الوسامالأسطوري... أعود بعدها لموطني وأفرغ حصيلة جعبتي من علم سألعق الوحشة منأجله......يبدو الأمر فى غاية السهولة.. لكنه ليس بالهين....إذ..ماذا عن أمي تلك القابعة وحدها بين جدران هذا القصر .....هل سأقوى بعدا عنها....؟ هل باستطاعتها مكوثا فى ظل غياب أبي وسفره المتكرر.....لم نكد نراه الا نادرا...بات يجوب فيافي الكون ويمعن بالغياب عن منزله..عنــــا............... يمارس آدارة أمبراطوريته منوراء حجب لتمضى أشهر دون أدنى أتصال...مجرد رسالة على الأنسرمشين لتعلن عن زيادة جديدة فى جوف حسابنا الخاص.. ...تتزايد شكوك أمي بهجران متعمد أكدته الأيام بماتنامى لعلمها من زواجه باخرى حاول كل مابوسعه سربلته بغشاء من السرية...... لكن منذا الذي ينجح أمام حدس المرأة .......
حانت ساعةالوداع...وفراق الأحبة ما فتئ يقسم ظهري الصلب ليحيله أشلاء من الوهن ...تفرست في أثاث حجرتي ... سريري... رسوماتي... ورفوف مكتبتي.......لم أرد تخطي عتبة الباب فآنا على يقين بأن أمي وراءه تنحب الدمعات تلو الأخرى......لم أشأ انتزاع قلبها معشهقات تحيل الصخر الأصم فتات......احتضنتها .....بكيت على صدرها وقبلتأرجلهـــــا.......أماه لماذا البقاء....؟؟؟....دعت لي بالتوفيق وبسمة وجلة تعلومحياها.........كل جيدا...ُبني...لاتفوت فرضا.... وحذارِِ من تيارات الهواء....عُـــــد .حاملا مشعل النور كيما تحقق ماعجزت أمك عنه.... بينما سأبقى بالقرب من صوت الله أكبــــر.......لا تكترث لي....ستكون معي الخادمة وجارتناالمخلصة......فقط أرجــــع لــــي ســـــالمــــــا( بنبرة بكائية )
عرجبنــــا الســائق صوب المطـــار القابع فى أقصى الشمال ووجهتي بعيد لحظات... الغــــرب ... بكل حضاراته وبهرجته المادية.... ساد الصمت وجثم فوق الصدور وجوم يكاد يسحق الأضلع....بينما تمخر بنا السيارة ردهات الطريق المتسارعة بتزايد خفقات القلب.....أخذتُ أتأمل أعمدة الأنوار....الجسور الفرعية....تموجات الطريق عبر فضائات من رمال الصحراء......ولم أكد اخلصُ من تأملاتي الوداعية لكل ذرة تراب.. حتىافاجأ بوقوفنا... أمام صـــالة المغــــادرة للرحلات الخارجيـــة.... يالهذا السائق كم عذبني ببطئه فيما مضى.. وهاهو الآن يقود بأسرع مما عهدت....!
بيدي . ..جواز سفري..وتذاكر الطيران.. ...مضينا نتخلل جموع تتقاطر صفا لاحراك فيه أمام كاونترات الحجوزات....تتمازج المشاهد ويختلط كم المشاعر بين مودع باكِ وأخر باسم...عائلة بأكملها تلقى بثقلها على مقاعد الانتظار......وجوهيعلوها الوجل من فوات ميعاد رحلة وأقفال البوابات.....وأخرى ذابت أجفانها مناستبداد الإرهاق فغاصت بنوم عميق...... قمة التناقضـــــات...موانئ وداع وترحاب.......
تخطينا حواجز التفتيش ...وجلسنا فى قاعة مسافري الدرجةالأولـــى....أدلفت أمي تعيد كم الوصايــــا بالاحتراس من غفلة الأيمان......والبعد عن كل مدارك الشيطان....خوفها ليس بالغريب .. فمنذ صغري وهي تهوى القلق علي...وفي خضم ترتيل كتاب الوصايا المائة يقاطعها صديقي العزيز..... الموظفبالمطار....ليودعني هو الأخر راجيا لي التوفيق والسداد.
......همس في أذني لا تخشى عليها.....لن أتوانى عن زيارتها برفقة زوجتي.. فقط ركز جهودك على ما أنتَ بصدده .... ُيعلن المذيع عن رحلتي..ويرجو الحضور صوب البوابة رقم 34استعدادا لقطع تذكرة الصعود الى الطائرة...... تنظر أمـــــي والأسى باديـــا فى حدقتها المتسعة....عنـــاق أخيـــــر وبكاء تدوي أصدائه بين الردهــــات.....ألوحوداعــــــا...
لازلت ألوح بيدي....متناسيــــاَ زحام الناس وتدافعهم صوب البوابة....قلبي يكاد يتفطر كلما اقتربت من الموظف المختص....تشتت بصيرتي بين أمي القابعة فى الخلف مع صديقي وبين صفا يتحرك ويقف لااصطدم بجسد فتــــاة أمامــــي......سقتُ كامل اعتذاري وأسفــي..... لم تنبس بشفه.... رمقتني بنظرة امتعاض ثم أشاحت بوجهها مكتفية بذاك التقريع لفعلي الغير المقصود........
عند بوابة الطائرة...تباطأ الجمع..فى الولوج ...ريثما يوجهونهم مضيفي الطائرة البشوشين...مقعدي يقبع بمقدمة الطائرة بالقرب من النافذة ..جلت ببصري علىالجالسين ....أحدهم ممسك بخليويه ويتوعد محادثه..... آخر تسمر فى مقعده وماج بسباته.......و..... مهلا.....اليست تلك صاحبة النظرة ......بلى هي..جالسة فىالجانب المعاكس تفصلنا مقاعد متوسطية .......ُملئت بفتيات جلسن فيها بينما لم تجدأحداهن بداَ من اناخة راحلتها بجوار مقعدي....مكثنـــا ما يربو على النصف ساعة حتىيكتمل بنا العدد وجدها الكابتن مناسبة لفحص أدوات عروسه الجبارة....
.أقفلت الأبواب إيذانا برحلة ستدوم ما يقارب الثمان ساعات بدون توقف ....وما أن تحركت الطائرة صوب مدرجها حتى نزعن الفتيات قربي ماكان قبل برهة يسمى عباءه.......!! تعالت ضحكاتهن....بينما يستعد طائر الرخ ( الجمبو) لهرولته المجنونة مضاجعـــــاَهــــواء لاشك بأته خالي من عبق عطور رشح أنفي من فورتهـــــا.........
ُأضيئت إشارة فتح الأحزمة....توجه المضيفون لتوزيع العصائر...تناولت كأسي وأنا أفكر في أمي...وكيف حالها الأن بعدي.؟ ولو أنني رضخت لامرها فى تزويجي لكانت العروس قربهاالان ... وفى غمرة أفكاري..تموج بي ذاكرتي فى ماحصل....تذكرت تلك الفتــــاه..... رباه...أنها متدثرة العباءة...ممسكة بالمصحف الشريف.......أخذت أناملها خلســـة وآخذها فى مطار النــــظر.....تصادمت الأعين.....ُفتنت بحسنها العذري ..هداني تفكيري على فتح كتابي لأنجو بجلدي من صورة ملاك هابط ...كانت حقـــا جميلة. حتىأنني ماعدت استوعب حرفـــــا... اذ ثمة شئ فيها يجذبني ..؟؟؟؟
حل المساء ونحن نخترق حجب الغيوم...كان الجميع متهالكا الا جمع الفتيات..لم يتوقف للحظة عن الثرثرة تقطعها ضحكات رقيعة...يعدن بعدها لسرد خططهن حالما نصل لباريس.....إحداهن تلهو بصبغ وجهها...!!! والأخرى تطلي أظافرهـــا واصفة موعداضربته مع عشيقها بينما تلك لم تخفت نيران معبدها ولم تدنسه بشنيع اللغو.... تحملقت فى محراب الذات لتسمو فوق جل الآنام..... بتُ مندهشـــاَ بين نقيضين أرادتهما ليالأقدار كي أٌقارن بينهما........تلك مكسوة بوهج نوراني لا اعلم كنهه... وأظنه العفاف.. أما الأخريات... فحسنوات يزدن بالمرء الأثارة.. والجمال يتعهد النظراتبفتنه محدقه...
أقسمت على معرفة سر تلك الانثى......اذ لاغرو بأن هنالك قصة تخفيها....رباه هل تعلق قلبي بهـــا.؟؟؟..... ولمـــا لا... تلك أفضل التجارب لسبرغور اي أنثى.....فمنذ صعودها متن الطائرة لم تتحرك من مقعدها...تتناول طعامها بهدوء وسكون...تمضى جل وقتها بين سبحة ومصحف.....تنؤ بنفسها عن جاراتها بالتطلع خارج النافذة... لاحظتها حينما قدم لها المضيف وسادة أرخت عيناها من فرط حيائها.... لمحتها تدعي. بحرقة.. أتراها مريضة....؟؟؟لا أشك فى كون الحياة أعطتها صحة تبزغ منثنايا وجهها الدافئ الخالي من أصباغ الإنسان....... أذن مالذي يعكر صفوهــا .. أتتفكر بدراستها والغربة .؟والى ماذا تنظر ياترى هل يعجبها هدير المحرك... أم أشكال الغيوم وهي تتكاتف بنيانا واحدا ضد هجمة الجمبو ...؟؟؟ رباه ماذا حل بي.....؟؟ .....
قطعت جارتي حبــل توحد أفكاري بانعكاس مرآتها الصغيرة على عيني حينماأرادت الـتأكد من وضعية الماسكـــارا خاصتها.. فكانت فاتحة الحوار بعد طول تجاهللتودد المرافق....سألتني عن سبب وجهتي... ذكرت لها بأنني مقدم على تحضير الدكتوراهفى جامعة السوربون..... سألتني عن محل أقامتي.... ولم أجب غير بمقتضب العبارة... وبأنني لن أجهد كثيرا فى إيجاد شقة خاصة...... عرفتني بأسمها... وأعطتني كرت يعنونشقتها ورقم هاتفها....اذ ذكرت لي وجود شقة خالية بالبناية المقابلة لشقتها فى شارع الشانزليزيــــه..!!! .. كنت أحادثها ودوامة الافكار تحاصرني بالقابعة هنالك ...أنتهى الحوار سريعا مع أعلان الكابتن عن وصولنا لمطار شارل ديقول فى باريس... بعد قليل سنهبط ..وسيكون بوسعي فك كل استفهاماتي عن تلك المرأة..؟
هبطت الطائرة العتية بسلام....وبدأ الجمع بالوقوف بما فيهم فتياتناالمبجلات وثيابهن الشاكية جور الضيق وشدة الألتصاق...الأ أنني أثرت البقاء ريثما يخف الزحام..... هي الأخرى مكثت بمقعدها......تبادلنا النظرات...خفق قلبي بشدة.....أقسم بأنني أرى حمرة خدها.......خجلها أزاح عني وعثاء السفر ومّنطق فيفؤادي المثخن بالحسابات والأرقــــام كيانات لم أعهدها من قبــــــل.....هل هوالحب...؟ لا اشك فى براعة كيوبيـــــد وتسديد سهامه..... ماجت بمخيلتي صورعديدة...... طلبتها من نفسهــــا....مضينا صوب السفارة.... حتما يوجد بها مأذونشرعي.....أطفال يعيثون براءه....ويسعدون قلب أمي المنفطر على أحفادها..
توجهت الى الصالة وأنا من خلفهــــا يحذوني الأمل بأن تبقى معي الباقي من العمر... فأنا لاقوى بعيد كل تلك الساعات فراقــــها........ذهبت لتجلبأمتعتهــــا....تعمدت حملها عن صاحبة القد الرشيق...لاطفتني بأبتسامهعابرة........أجتزنا التأشيرات سويه...وعند اقترابنــــا من صالة الخروجللمطـــــار ..رأت رجـــــــلا يصطحب طفلتين وبمعيته أمراة باواخر العقدالثالث..... ركضت صوبــــه كأسرع من غزال فـــزَ لملاقاة الحبيب ......احتضنها بينذراعيه غطهــــــا مليـــــــا..قبلت الطفلين وغاصت بين صدر المرأة........لم أكدأرى وجهه فالشمس تتوهج بنورانيتها من خلفه ولم اسمع سوى همهمات .....أنتظرت حتى ينتهي عناق الغربـــــاء واشارات الايادي....ماأن هدأت عاصفة اللهفة حتى هممتُبالتقدم كي اسلم الحقيبة وأذ ينجلى وجه الحقيقة وينقشع غموض الملامح عن رسما أعيه جيــــدا اذ كيف لي أن أخطئه......
قد كــــــان أبي ......وتلك الفتاةأختي الخرســــــاء...!!!!!!! انتهى
بقــــلم روميــــــــــو
حُــــــــررت فى 26 يونيو...2003