فن تأليف الكتب

الكتابة المقروءة بضاعة نادرة، كانت وغدت وستظل، لم تتغير أحكامها بتغير الزمان أو المكان، خلافاً للقاعدة السائدة: "لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان".
كما أن الكتابة المقروءة التي هي بضاعة نادرة، خرق لنظرية الطاقة التي لا تفنى ولا تستحدث، فهي شحنة طاقة لا تفنى ولكن تستحدث!
منذ بدء الخليقة إلى زماننا هذا، في الكتب المقدسة، في الأحاديث وكتاب البلاغة، في مزامير داود وأناشيد سليمان الحكيم في ذرى تسابيح النيرفانا، في حِكَم كونفوشيوس وتعاليم بوذا في أقوال سقراط، في صرخة جلجامش، وتضاريس الإلياذة، في.. في.. في..
من بين بلايين بلايين البشر الذين مرّوا على هذا الكوكب مُذ خُلق الكون، ومن بين ملايين ملايين الشعراء والكتاب منهم، لم يحفظ لنا التاريخ إلاّ أسماء نفر ضئيل من أولئك الذين صاروا جزءاً من الطاقة الكونية، احتضنهم _بأذرعه _ الزمن، وصرّ على أعمالهم بنواجذه، ودفع عن أسمائهم البلى وعن كلماتهم عصف الريح. وترك باقي القطيع لمصيره المحتوم، عرضة للهلاك، للفناء والنسيان.
فماذا أنت قائل تنسلخ عن جمهرة القطيع، وتغدو جزءاً من شحنة الطاقة الخلاقة التي تتجلى بدفء مندسّ في شعاع، بنماءٍ ورواء محمول في قطرة مطر؟؟ لا سبيل إلى ذلك إلاّ ببضاعة نادرة، لا سبيل إلاّ بالتميّز والتفرد. لا سبيل إلاّ بإبداع.
من سيقرأ كتابك؟ ولمن كتبت الكتاب؟
بعد اختمار فكرة التأليف، وقبل الشروع بتسويد الصفحة الأولى، لابدّ من مواجهة سؤال لجوج قد يراودك ويلحّ عليك، ما مدى النجاح الذي سيلاقيه الكتاب؟ والجواب المنطقي مرهون بسؤال آخر: من سيقرأ هذا الكتاب؟ لأي شريحة من شرائح المجتمع أو طبقاته سيتوجه الخطاب؟ أللمبتدئين أم المحترفين؟ للمثقفين؟ أم للخاصة من المثقفين؟ للمتخصصين أم لعامة المتخصصين؟ للكبار أم للناشئة؟
وإذا كان الجواب _وهو أمر مألوف وشائع _ أن الكتاب لجميع هؤلاء، فيا للمهمة الصعبة التي انتدبت نفسك لإنجازها ويا لاحتمالات الإخفاق والفشل التي تترصدك وتفغر فاها لابتلاع كل ذاك الدفق من الحماسة والجهد. إن تحديد الفئة أو الشريحة التي يتوجه إليها الكاتب بالخطاب تعد الخطوة الأولى نحو درجات سلم النجاح.
من أين البدء إذن؟ وفي أي مجال؟ التاريخ؟ الجغرافيا؟ العلوم؟ المسرح؟ الرواية؟ القصة؟ الشعر، الدراسة والبحث، السير الذاتية، التمثيليات؟ حكايات الأطفال، المقال الصحفي؟ و.. القائمة تطول وتتمادى ولا تقف عند حد؟