.. && الرمــــــــــــزية في الأدب ... ( دعوة للنقاش ) & & ..
.. && الرمزية في الأدب هل هي أمر فرغ من ضرورته أم هي أمر فرغ من خطورته ؟؟؟ && ..
"" هي مذهب أدبي فلسفي ..، يعبر عن التجارب الأدبية والفلسفية المختلفة بواسطة الرمز أو الإشارة أوالتلميح.
والرمز معناه الإيحاء، أي التعبير غير المباشر عن النواحي النفسيةالمستترة التي لا تقوى اللغة على أدائها أو لا يراد التعبير عنهامباشرة. ""
باتت قضية الغموض في النصوص الأدبية من الأمور التي لا بد لكل كاتب من أن يتخذ منها موقفا سلبيا أو ايجابيا ..
وهي عند كتاب الحداثة أمر فرغ من ضرورته وهي عند كتاب الكلاسيك أمر فرغ من خطورته .
يقول الدكتور حسن الهويمل :
( الغموض، والرمز، والأسطورة، والقناع حين يمارسها المبدع دون وعي يتحوَّل النص إلى الطلسمة والغموصية، والافتعال غير الفعل، هناك غموض فني يتعلَّق بالمفردة أو بالجملة أو بالعبارة أو بالأسلوب، أو بالفكرة، وهذا الغموض يُكسب النص قيمة أسلوبية أو فنية أو معرفية، ولكنَّه لا يكون بالتعمل والافتعال.. الغموض سمة فنية قد يتصف بها المبدع. والرمزية مذهب تتنازعه عدّة اتجاهات، وهو نظرية قائمة عالجها النقاد المنظِّرون والتطبيقيون، فهناك الرمز الصوفي والرمز الأسطوري، وهناك الإشارات والثغرات، والناقد الحصيف هو الذي يحدد القيمة. والرمز مستويات، ودخول الرمز أو الغموض مرحلة الطلسمة دليل على عدم الوعي، فالفن القولي رسالة يجب أن تحمل فكرة محدَّدة وأن تراعي أحوال المتلقي، وعند البلاغيين مصطلح مراعاة مقتضى الحال).
والحداثيون يرون أنَّ الغموض ضرورة يعمد إليها المبدع وليست سمة تعرض له دون تعمُّل، ولا يمكن تحديد قيمة الغموض أو الرمز في غياب النص الشاهد00 )
إضاءة للدكتور محمود درابسه : الغموض مفهوماً ومصطلحاً.
أشارت المعاجم العربية القديمة إلى الغموض من خلال استخداماته اللغوية المختلفة، فالغموض في اللغة مصدر من غمض (بفتح الميم وضمها) وكل ما لم يصل إليك واضحاً فهو غامض، ولذلك فالغامض من الكلام خلاف الواضح، كما يقال للرجل الجيد الرأي: قد اغمض النظر. والمسألة الغامضة: هي المسألة التي فيها دقة ونظر. ومعنى غامض: لطيف).
كمــا يحمــل مصطـلح الغموض (Ambiguty) في المعــاجم الإنجليزية المعاصرة معنى اللــغة المجازية (Figurative Language) أو تعدد احتمالات المعنى، تلك اللغة التي تمثل المستوى الفني والجمالي المتصل بالدلالات والرموز المرتبطة بالأعمال الابداعية كالشعر مثلاً
فالغموض الذي يعنيه البحث هنا هو "ليس ذلك الذي يصعب فتح أقفاله وتخطي أسواره ليصل إلينا، بل هو السمة الطبيعية الناجمة عن آلية عمل القصيدة العربية وعناصرها المكونة من جهة، وعن جوهر الشعر الذي هو انبثاق متداخل من تضافر قوات عدة من الشعور والروح والعقل متسترة وراء اللحظة الشعرية"
والغموض المعني هنا هو ما شدك إلى حوار معه، واستفز مشاعرك وعقلك من خلال غموض عباراته وصوره وموسيقاه، إذ يتجسد الغموض في ثراء النص الابداعي، وتعدد دلالاته وقراءاته، مما يخلق نوعاً من اللذة الحسية والذهنية تجاه خبايا النص واللامتوقع أو اللامنتظر في صوره وجمالياته الفنية. وهذه الحال تخلق نوعاً من التواصل والألفة بين النص والقارئ الذي يتلقى النص، ويشعر أنه بحاجة إليه مهما كان غامضاً ليطفئ من خلاله لهيب مشاعره، وطموحه الذهني.
ولذا، فإن الغموض له دلالتان: دلالة جمالية يكون الغموض بموجبها فنا، ودلالة لغوية يكون فيها إبهاماً وتعمية. وبهذا المفهوم يشكل الغموض ظاهرة فنية مرتبطة بالفن الإنساني، وبالفنان المبدع، مما يجعل المتلقي لهذا العمل الفني بحاجة حسية وفكرية ماسة من أجل فك رموز العمل الفني، وتفسير دلالاته، وتحديد قراءاته، لكي يقف المتلقي على طبيعة العمل الفني وجوهره، وهذه الحال تشكل قمة اللذة الحسية والذهنية عند المتلقي، كما أنها تجسد غاية المبدع وهدفه، وهــذا هـو سر النص الابداعي، وجوهر وجوده.
وقد نال مصطلح الغموض من القلق والاضطراب أكثر من أي مصطلح نقدي آخر لارتباطه بجوهر العمل الابداعي من حيث المبدع والنص والمتلقي. ويعود هذا القلق والاضطراب في تحديد مصطلح الغموض إلى تعدد مستوى درجاته، وإلى الاختلاف في تحديد مفهومه، ومعرفة غايته وأهميته، كما تعود اشكالية تحديد مصطلح الغموض إلى مرادفاته اللغوية الكثيرة مثل التعمية والإبهام والاستغلاق والألغاز وغيرها من التسميات التي ربما يضلل بعضها المتلقي في تقدير أهمية المصطلح ومفهومه ووظيفته
ولذلك، فإن حديث العلماء العرب القدماء عن "الغموض حديث مفرق متناثر في دراسات المفسرين والأصوليين واللغويين والنحاة والبلاغيين. كما كانت عناية القدماء بالتطبيق في دراستهم لهذه الظاهرة، أكثر من عنايتهم بالتنظير، كما هو شأنهم دائماً، ولكن الذي لا شك فيه أن ظاهرة الغموض بما لها من صلة ببنية الكلام قد لفتت أنظار القدماء منذ وقت مبكر، ولم يمنعهم إيمانهم العميق بإعجاز القرآن الكريم وقدسيته، من دراستها من خلال آياته، وقد استخدموا في الدلالة على ذلك مصطلحات كثيرة أشاروا بها إلى غموض المعنى ودرجات هذا الغموض مثل تعدد المعنى، وغير ذلك، سواء في القرآن الكريم أو الشعر، وتعددت هذه المصطلحات واختلفت اختلاف العلماء بين مفسرين ولغويين ونحاة وأصوليين وبلاغيين، وفي أحيان كثيرة كان المصطلح الواحد يتردد بأكثر من مفهوم في كل بيئة من هذه البيئات العلمية، ولكنها كانت تتفق جميعاً على خفاء المعنى أو عدم وضوحه أو تعدده، سواء في المفردات أو التراكيب"
وكذلك فقد تعددت عند العلماء العرب القدماء الأسباب التي عزوا إليها غموض المعنى، فكانت إما تعود الأسباب إلى البنية الصوتية للكلمة والكلام، أو تعقد التركيب النحوي، أو بعد الاستعارة والتشبيه واستغلاقهما، أو مخالفة قواعد عمود الشعر العربي )0
قسم د. القصيبي الغموض الى اربعة اقسام:
1) الغموض اللغوي: كالغموض الذي يحسه من يقرأ الشعر الجاهلي القديم او الاسلامي من العصر الاول، وحل هذا الغموض بالمعجم وقواميس اللغة،
2) الغموض الرمزي: وهو نوع يطلبه الشاعر احيانا ليخفي مراده الحقيقي لدوافع معينة، وقد يرى الشاعر ان شيئا من الضبابية سيضفي على القصيدة شيئا من السحر، وعجز القارئ هنا عن الفهم لا يعيب القارئ ولا الشاعر، فما يكون غامضا لبعض القراء قد يكون واضحا لآخرين، وقد يتطوع الشاعر أحيانا بتقديم المعنى المقصود (كما فعل بدر السياب مثلا في قصيدته المومس العمياء)،
3) الغموض الثقافي: ويأتي حين تفوق ثقافة الشاعر ثقافة القارئ، والعيب هنا ليس من الشاعر ولا من القارئ، بل هو نتيحة منطقية للفارق بين الثقافتين، ومعظم الشكاوى من غموض الشعر الحديث سببها هذا النوع من الغموض، فمن لا يعلم شيئا عن الاساطير اليونانية كيف سيتذوق شعر هوميروس؟! ومن لم يسمع في حياته شيئا عن لوركا، كيف سيتقبل المراثي التي كتبت فيه؟!!
4) الغموض النفسي: وهو هنا نتيجة حتمية لكون الشعر قد ولد من تجربة نفسية معقدة ومن هذا النوع قول المتنبي:
ولجدت حتى كدت تبخل حائلا ***للمنتهى...ومن السرور بكاء
جود حتى البخل!!! وسرور حتى البكاء!!!
وفهم مقصد الشاعر في مثل هذه الحالات لا يمكن ان يتم بالرجوع الى قاموس او شارح بل مفتاح القصيدة هو معاناة الشاعر ومن لم يشعر بألفة مع هذه المعاناة فسوف يعيى عن فهم المعنى،
ثم يقول الدكتور الشاعر:
(وبعد عزيزي القارئ، إذا مررت بنص شعري غامض فاسأل نفسك:
* هل الغموض في اللغة او التركيب؟
* ام انه في الرموز؟
* ام في مفاهيم ثقافية احتوتها القصيدة؟
* ام في غرابة التجربة محور القصيدة؟
* ام ان الغموض عام تام؟
وأنت بعد ان تفعل ذلك بالخيار، إما ان تقرر ان النص لا يستحق منك المزيد من الجهد وفي هذه الحالة فما عليك الا ان تطرحة جانبا- وهذا ما افعله عندما اجد مالا افهم- دون غضب وانفعال، وإما ان تقرر استجلاء الغموض، وهنا ستجد في المعاجم ما يوضح لك غموض الالفاظ، وفي سيرة الشاعر نفسه مفتاح ثقافته وبعض مفاتيح تجربته، وفي كتب الاساطير ما يشفي غليلك عن رزقاء اليمامة واخواتها، وقد تخرج في النهاية بما يجعل مجهودك يثمر نشوة نفسية لا مثيل لها، وقد تجد انك اضعت وقتك هباء)،
في نظري طالما هناك شعر حقيقي فهناك غموض ، لان الشعر اساسا لا يؤول واذا تم تفسيره او تأويله فقد حقيقته الشعرية ولا أعني أنه على الشاعر أن يكتب قصيدة غامضة ليكون شاعراً حقيقياً فليس بامكاننا فرض ما نريد على الشاعر لأننا نحترم لحظة الشعر ، أما إذا كان غموضا أو رمزا مفتعل ونستطيع إدراكه عن طريق التذوق والوعي فقد يجعل من القصيدة طلسم بلا روح 00
والذي أود ان اطرحه هو اننا لا بد ان نفرق بين مفهومين متباينين هما :
ـ التعقيد : وهو بلا شك ضعف صياغي ينتج عن سوء استخدام الانظمة اللغوية النحوية او الصرفية او الصوتية وهنا مركز كلام البلاغيين القدامي حيث عابوا على قول الشاعر :
وما مثله في الناس الا مملكا
ابو امه حي ابوه يقاربه
وكذلك قول الشاعر
عش ابق اسم سد جد قد مر انه ر فه تسل
غض ارم صب احم اغز اسب رع زل دل اثن بل
ـ الغموض : وهو تطور في استخدام الانظمة اللغوية بحيث يدخل الكلام في دائرة المجاز والترميز عبر هدم النظام الدلالي المتعارف عليه - او ما يحب ان يسميه النقاد - النظام المعجمي .. امثل الى ذلك بقوله ( الصبح اذا تنفس )
فالصبح يطلع ، والانسان يتنفس ،وبالتلفيق بين الجملتين والصورتين يمكننا الوصول الى تعبير غير نمطي اي غامض .
فالغموض كثافة لغوية ناتجة من اكتشاف علاقات جديدة في نظام التركيب . وكل هذا لا عيب فيه بل هو محط طموح الشاعر والاديب ، والغموض - بهذا المصطلح المتعارف عليه نقديا - يمثل نقطة افتراق الشعرية والنثرية .. ومن هنا فأصحاب قصيدة النثر يقولون ليس المميز للشعر هو الوزن حتى يكون هو الثابت الذي لا يتغير وانما الثابت هي حالة الترميز والأسطرة ، وهي في قصيدة النثر اقوى وابرز .
يبقى السؤال محور نقاشنا اليوم :
ما مدى الغموض المشروع للشاعر أو الأديب ؟
فهل له أن يلغز ويصل إلى حالة ( الكلام المجمع ) ؟؟؟
أم أنه هناك سقف يجب أن لا يتعداه ؟
في انتظار ردودكم ... وتفاعلكم
ـ ـ ـ ـ
خالص مودتي
هاميس