بسم الله الرحمن الرحيم
لماذا سمي إبليس بهذا الاسم؟ ومتى أطلقت عليه هذه التسمية؟
جاء ذكر إبليس مسميًا بهذا الاسم في القرآن الكريم في تسع آيات تتحدث عن موقف واحد؛
وهو في عصيان إبليس لله تعالى برفض أمر الله تعالى بالسجود لأدم0
وذكر في موقفين آخرين سنعود لها بعد ذلك0
لماذا سمي إبليس بهذا الاسم؟
إبليس من مادة "بلس" وهو جذر استعمل عند العرب للتحير وعدم الثبات00
ومن ذلك جاءت تسمية إبليس بهذا الاسم0
جاء في المعاجم:
الإبلاس : الحيرة 0 والقنوط وقطع الرجاء من الله 0 والانكسار والحزن 0 والسكوت غمًا 0
والمبلس : اليائس 0 والساكت من حزن أو خوف 0
ويقال للذي يسكت عند انقطاع حجته، ولا يكون عنده جواب: قد أُبلس0
كل ذلك الذي يصيب المبلس يجعله في حالة من التحير0
وقد سمي العدس بالبُلس؛ لأن حاله القريب من التكور يضعف ثباته ويسهل تحريكه، وحبه مقلقل في غلافه قبل درسه وفصل الحب عن قشره0
وسمي التين أو ما يشبه التين بالبَلس؛ لأن التين بعد نضجه طري غير صلب، وتماسكه ضعيف بشجرته، فحركة ضعيفة تسقطه وتفسده0
ويرجع سبب تسمية إبليس بهذا الاسم إلى موقف التحير الذي وقفه إبليس عندما أُمر أن يسجد لآدم عليه السلام؛ فهو لا يريد السجود لآدم مستكبرًا عليه، ومفضلاً عليه نفسه، وفي الوقت نفسه يخشى الله عز وجل عواقب عدم تنفيذ أمر الله والسجود لآدم 000 وانتهى أمر السجود 00 وإبليس على موقفه لم يفعل شيئًا، فناداه الله عز وجل: بيا "إبليس" أي يا أيها الواقف المتحير: ما منعك أن تسجد؟، وهو أعلم به سبحانه وتعالى0
ومن عدل الله تعالى، أنه لم يحكم على إبليس بعلمه فيه، بل سأله وهو أعلم به، ليدين نفسه بنفسه، فلا يبقى له عذر يعتذر به بعد ذلك، ولو كذبًا يفتريه0
كيف أدان إبليس نفسه؟
لما سأله تعالى: (قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ -؟-أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ (75) ص0
أجاب إبليس:(قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ (76) ص0
أقر إبليس أن الذي اختار لإبليس أن يكون من النار هو الله 0
وأن الذي اختار لآدم عليه السلام أن يكون من الطين هو الله0
ولم يكن لآدم أو إبليس أي خيره في ذلك0
فعلى أي شيءٍ يفضل إبليس المخلوق من النار نفسه على آدم المخلوق من الطين؟!
لقد اتكل على علمه، وحكم بهواه، فأضل نفسه، وأدانها في عصيانها لله 00 فكان ما كان من لعنة وطرده من الجنة0
ويسميه تعالى عند الحديث عن ذلك الموقف بإبليس في تسع مواضع في القرآن الكريم 0
وليتنا نعرف حسرة إبليس عندما تبين له – بعد زمن طويل من هذه الحادثة- أن الطاقة والمادة شيء واحد 00 بل إن في المادة من الطاقة المهولة ما لم يخطر على بال إبليس ولا غيره، وهذه الطاقة المهولة موجودة في أخف المواد إلى أثقلها 00 بل إن في الهيدروجين من الطاقة التي تمكن الإنسان من تحريرها ما يخشى عليه البشر لو تحررت من بضعة أطنان منه فقط0
ليس عندنا علم لنعرف كم من الطاقة جعل الله في خلق واحد من الجن لنقارنه بالطاقة الكامنة في جسد واحد من الإنس 00 لكن الفارق المتوقع سيكون كبيرًا وشاسعًا،
فماذا سيقول إبليس عندها؟ 000 ومن سيكون له الأفضلية بمقياسه هو؟ له وذريته 00 أم لآدم وذريته؟!
وقيل في تسمية إبليس بهذا الاسم من أبلس من رحمة الله أي يئس وندم0 وقيل أنه لما أُويس من رحمة الله أبلس يأسًا0 وكل ذلك لا يصح لأن الله عز وجل خاطب إبليس بهذا الاسم قبل أن يحكم عليه بالطرد من رحمته، ولم يكن منه ندم على فعلته بعد ذلك، بل طلب أن ينظره الله تعالى إلى يوم القيامة حتى يتمكن من إغواء أكبر عدد من البشر0
وجاء ذكر إبليس بهذا الاسم في موضعين آخرين :
- في موقف الحساب يوم القيامة؛ (فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ (94) وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ(95) الشعراء0 حيث يكون إبليس وجنوده في أشد الحيرة في ذلك اليوم، ولا يتقدم أحدهم من نفسه إلى عقابه الذي يستحقه، ولا يجدون سبيلاً للنجاة من عذاب الله 000 فيلقون فيها، ويأخذون إليها سحبًا وجرًا وعتلاً0
- وموقف آخر في الإغواء: (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ(20) سبأ. كان إبليس متحيرًا في الحكم بنجاح قدرته على إغواء بني آدم، وظنه أنه سيقدر 00 فصدق ظنه00 ولم ينج منه إلا فريقًا من المؤمنين0
وجاء أيضًا من مادة "بلس" في المواضع التالية ونذكرها لتوضيح التحير فيها:
(فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ(44) الأنعام0
(حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ(77) المؤمنون 0
(وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ(12) الروم 0
(لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (75) الزخرف 0
تحيرهم في المواضع السابقة أنهم يفاجؤون بعذاب الله ولا يجدون سبيلاً ومخرجًا للنجاة منه في الدنيا، ولا من عذاب الله في الآخرة، وهم غير راضين لأنفسهم بهذا المصير البئيس0
وأما في قوله تعالى: (وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ(49) الروم0
فإن تحيرهم كان من تأخر الغيث؛ هل يصبرون في أرضهم حتى يأتي الغيث؟! أو أنهم يهجرون المكان قبل أن يطبق عليهم القحط ويهلكهم؟!
وغير ذلك لم يأت من مادة "بلس" في القرآن شيء 0
وانتهى أمر السجود لآدم 000 وانتهى موقف التحير 0000 وسمي إبليس بعد ذلك بالشيطان 0000
فلم سمي إبليس بالشيطان ؟ 000
وهل صفة هذه التسمية باقية فيه ؟ 000
وهل تبقى هذه الصفة له في الآخرة؟ 000
لنا فيه حديث آخر إن شاء الله تعالى0
أبو مسلم / عبد المجيد العرابلي