الوجيه
14-12-2003, 03:18 AM
http://www.albayan.co.ae/albayan/culture/2000/issue45/photos/26.gif
في مدينة روما كان الكل يعرفه على انه (فيليبو) الرسام الاجنبي الذي لا يمل من زيارة المسارح والمقاهي والمطاعم الشعبية, وفي مدينة فينيسيا كان يدعي انه تاجر من احدى مدن الجرمان البعيدة, وفي نابولي كان يدعي بانه احد النبلاء الروس, وفي صقلية التي قضى بها فترة طويلة واحبها بعمق, فكان يدعي بانه مجرد رسام جاء للتعرف (على المعالم الحضارية والفنية.. ولتغيير الجلد).
انه الفيلسوف والشاعر والكاتب والفنان الالماني الكبير يوهان فولفجان جوته (1749 ــ 1832) الذي اختفى على حين غفلة في وسطه الالماني وسافر سرا الى ايطاليا عام 1786 ليعانق مدنها الجميلة معانقة الحرية وليتصافح مع الراحة في رحلته الشهيرة التي اعتبرها بمثابة استعادة للذكرى والتقاء الحقيقة (لتحقق توازنا عاطفيا وجماليا) لمفكر لا يكف عن الاستكشاف.
كان عمره انذاك 37 عاما وفي اوج شهرته بعد ان اصدر كتابه الرائع (الام فرتر) وانتمائه لحركة العاصفة والاندفاع الاحتجاجية.
كان جوته يحمل آمالا عريضة لرحلته هذه التي تميزت بالطابع الفني, فقد استعان بثلاثة من أصدقائه الرسامين, حيث شاركه كل واحد منهم في مرحلة واحدة من مراحلها, وقد قضى اتفاقه معهم على ان يمتلك الرسوم نظير اجر متفق عليه, فتكوّن لديه فريق عمل متكامل تمكن من خلاله انجاز ما كان يطمح لتحقيقه.
يقول جوته في مذكراته الرومانية (فقط في روما كنت اشعر عن العديد من الأشياء التي تريد مني ان اكون انسان حقيقي).
لقد تحدثت رسوماته ويومياته عن الجمال الذي تذوقته العين وادركه العقل, فتجسد في الرسم, وتسطر في الكلمات على انه مدرك ومتفوق, فالألوان المائية وخطوط قلم الرصاص الحادة التي استخدمها في رسوماته ظلت متفوقة وان كانت هادئة, الا انها مسكونة بحركة عنيفة عرف كيف يختارها ليصوغ منها الجمالي الذي ظل يتبنيه طيلة حياته, ويظهره بمحبة وعمق وهذا ما يفسر فهمه لضرورة الفن ولصنعة الخيال عند الفنان والتي اعتبرها بمثابة القدرة الرئيسية الرابعة في حياته الروحية والتي تكمل الشعور الذي يستند على الذاكرة ويعطي التفكير امكانية معرفة العالم بواسطة الخبرة, فهو من جانب اظهر ما لدور الخيال عند الفنان من أهمية, ومن جانب اخر عارض ان يكون هذا الخيال مطلق في رومانطيقيته, ذلك انه اعتبر الخيال مجرد وسيلة للدخول في اعماق الاشياء وليس للابتعاد عن الواقع.
وهو بهذه الاراء انتقد بحدة مواقف الرومانطيقين المتعصبين من مسألة الخيال فيقول (العمل الفني كبيرا او صغيرا كل شيء فيه يقود الى الفهم) وهكذا نرى بأن المفهوم الفكري بالنسبة لجوته في العمل الفني هو الأساس المطلوب, وهذا لا يعني انه لم يهتم بالشكل, فالعديد من اعماله التشكيلية التي أنجزها في روما وصقلية تؤكد هذه الناحية اذ يعتقد جازما بان (المحتوى يحمل الشكل معه على الدوام) والشكل لديه شيء موضوعي, وهو بالتالي لا يتحدد فقط حسب هوى الفنان بل حسب الظروف الاجتماعية والبيئية والنفسية التي يولد فيها ذلك الفنان.
وتنعكس مثل هذه الآراء في خبرته العملية التي مكنته من اختيار زاوية للمنظر, فقد ترجم افكاره ورؤاه بيسر ومرونة وبخطوط قوية تمتلك رشاقة فائقة, ناقلا فعل الحركة لسطوحه بدون افتعال او افتقار عما كان يريد التعبير عنه, وهو ما تعكسه حياته آنذاك التي كانت حافلة بالأحداث التاريخية بدءا من حرب السبع سنوات التي عاصرها وهو صبي صغير وانطبعت في ذاكرته بعض أحداثها.
رسم التنوعات بين الناس في الحياة الواقعية وعمقها النفسي, كما اظهر التنوع في التأليف, فجمع أجزاء اللوحة الصغيرة بوحدة متكاملة بهدف إعطاء وقع خطي او لوني لمجمل اجزاء اللوحة, فجاءت رسوماته قوية التعبير, متجاوزة مجرد امتلاك الكفاءة المهنية في الرسم فاضاف لعبقريته موهبة وهو يقول (العبقرية حتى تكون خصبة ومعطاءة لابد ان تمتلك فكرا منظما ومثقفا, ودراية طويلة, لان العمل الفني ينطوي على جانب تقني صرف, لا يمتلكه المرء حق التملك الا بالتمرين والممارسة).
ولما كان مجبولا على الدراسة, فقد شغف بدراسة الرسم دراسة اكاديمية لانه كان يعي ان لكل فن ادواته وتقنياته الخاصة به وما يجوز رسمه قد لا تجوز كتابته لقد درس فن الرسم على يد الفنان الألماني (ادم فردريك ايز) وهو تلميذ لاستاذ الآثار ومؤرخ الفن الشهير (فنكلمان) والذي نشر عنه جوته كتابا عام 1805 بعنوان (فنكلمان وعصره).
كما ان كتاباته في علم الجمال واشهرها (الصدق والمطابقة الحقيقية في الفن) والذي كتبه عام 1798 وكذلك كتاب (جامع التحف والمقربون منه) الذي كتبه عام 1799 توضح بان الواقعية في الفن كما يراها, لم تكن ابدا مسألة شكلية, فقد ربط من خلالها ما بين أهم المفاهيم الجمالية وبين أهم مسائل عصره, فقد اكد جوته على (ان الفن مرتبط بالتطورات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لاي مجتمع) وان (الانتاج الفني القيّم مثله مثل الخطابة القيّمة, فهو نتيجة للظروف المعيشية لان الكاتب والفنان كالرجل العملي, لا يخلق تلك الظروف التي ولد فيها والتي ينشط من خلالها, ذلك ان اعظم عبقري معرض للفشل في العديد من نتاجاته وذلك بسبب طبيعة عصره الذي يعيشه, وعلى العكس من ذلك فقد ينجح في بعضها بفضل ظروف معينة, فلا يمكننا التوقع بظهور كاتب قومي عظيم الا عند امة وصلت الى مستوى معين من التطور).
انه يرى بأنه من المستحيل معالجة الفن عن الحياة والواقع, وهو كان على الدوام يربط بين انحطاط ونهوض الفن مباشرة بالظروف المعيشية لحياة الناس اينما كانوا.
لقد كانت مفاهيمه في الفترة التي عاش فيها بإيطاليا موجهة ضد النزعة الكلاسيكية للقرن السابع عشر وخاصة ضد المقاييس الجمالية التجريبية متأثرا كما ذكرنا بحركة العاصفة والاندفاع الادبية الشهيرة التي ظهرت في فترة السبعينيات من القرن الثامن عشر حيث كانت الثقافة الاوروبية امام منعطف كبير شهد انهيار كامل وبلا رجعة للنظام الاقطاعي, الا انه وبعد انتهاء رحلته الى ايطاليا اعاد النظر في الكثير من ارائه الجمالية, وتنكر لمبادىء العاصفة والاندفاع وكتب يقول (كانت الحقبة التاريخية التي كتب فيها اسخيل وسوفوكول ويوربيد مختلفة كليا, كانت الروح العظيمة يتخللها باعثا الطموح الى الأعظم والروعة في كل شيء, وفي ايامنا التعسة هذه حيث تفتقر الى الرائع فبأي الحواس يمكننا استيعابه؟
وقد انطلق من مفاهيمه هذه متأثرا بالتطورات التي كانت تشهدها اوروبا من ناحية وعن طريق احساسه بضرورة تهذيب الشكل الفني الذي يمكن تجنيب فن الحياة المعاصرة كل ما هو سيء وقبيح, كما ان سفرته مكنته من معالجة مسألة الحد الفاصل بين الشكل الملحمي والشكل الدراماتيكي في الشكل الفني, وهو الأمر الذي أدى به فيما بعد الى الكلاسيكية والتي رأى من خلالها عملية الابتعاد عن صوفيي الثقافة المسيحية وانظمة حكمها المطلقة, وقد كتب بهذا الصدد يقول (رمادية ايها الصديق كل النظريات, وخضراء هي شجرة الحياة الذهبية).
جوته الذي توطدت علاقته بالفيلسوف الالماني (هردر) والذي كان له الأثر الكبير على التحولات الفكرية والفنية التي عاشها بعد سفرته الشهيرة الى ايطاليا, فقد كان (هردر) قد وجهه نحو قراءة الكتب المقدسة ومسرحيات شكسبير وقراءة الشعر العربي والذي كان العديد من الشعراء الألمان يبدون اهتماما متزايدا به, فتعرف جوته على القرآن الكريم وترجم عدة آيات قرآنية, كما اطلع على الشعر الجاهلي, وبالذات على المعلقات السبعة التي وصفها بأنها كنوز عظيمة, وقام بترجمتها الى الالمانية عن الانجليزية. كما تعرف على الشعر الاسلامي واطلع على شعر الفردوسي والمعري, وانعكس هذا التأثير في ديوانه المعنون (الديوان الشرقي) الذي يعتبر قمة شعر جوته الغنائي, ولم يكن ما جذب جوته الى الشرق هو (غموض الشرق وسحره) في المقام الاول, بل انه ادرك بان ما يربط الشرق والغرب هو نزوع الى حياة الانسانية الرحبة.
وتوجه جوته نحو الشرق في سياق بحثه عن معرفة انسانية شاملة, والتي تمثل النموذج المشرق على خصب التفاعل بين الثقافات المختلفة, وتبرز قدرته الفائقة في المزج الرائع بين تطلعاته الشعرية وتأملاته الفلسفية, لتجسد تلك الكتابات المخزون الثقافي العميق والواسع, والذي قاده الى تأليف قصائد اكثر فيها من الكلام عن الصحراء والقوافل والابل وفراق الاحبة, والفروسية, كما تحدث عن علاقات المحبين بالروح نفسها التي تحدث فيها عمر ابن ربيعة في أشعاره.
لقد حرق العديد من رسائله واوراقه الشخصية التي تخص زيارته الى ايطاليا وخاصة تلك التي توصف علاقته السرية بساحرته الرومانية الجميلة الفتاة الامية التي تدعى (ندرما) والتي تعرف عليها بإحدى المطاعم الشعبية. وكتاب (ماريوزابيري) محاولة لإعادة بناء تلك الاوراق المحروقة والتي بقي بعضها محفوظا في خزانته في فايمار بين العديد من اوراقه الأخرى التي تحمل العديد من الآراء والمفاهيم غير المعروفة لهذا الفيلسوف والمفكر والشاعر والرسام.
----------
آمل ان يضيف الموضوع لكم فائده
مع عاطر التحية
في مدينة روما كان الكل يعرفه على انه (فيليبو) الرسام الاجنبي الذي لا يمل من زيارة المسارح والمقاهي والمطاعم الشعبية, وفي مدينة فينيسيا كان يدعي انه تاجر من احدى مدن الجرمان البعيدة, وفي نابولي كان يدعي بانه احد النبلاء الروس, وفي صقلية التي قضى بها فترة طويلة واحبها بعمق, فكان يدعي بانه مجرد رسام جاء للتعرف (على المعالم الحضارية والفنية.. ولتغيير الجلد).
انه الفيلسوف والشاعر والكاتب والفنان الالماني الكبير يوهان فولفجان جوته (1749 ــ 1832) الذي اختفى على حين غفلة في وسطه الالماني وسافر سرا الى ايطاليا عام 1786 ليعانق مدنها الجميلة معانقة الحرية وليتصافح مع الراحة في رحلته الشهيرة التي اعتبرها بمثابة استعادة للذكرى والتقاء الحقيقة (لتحقق توازنا عاطفيا وجماليا) لمفكر لا يكف عن الاستكشاف.
كان عمره انذاك 37 عاما وفي اوج شهرته بعد ان اصدر كتابه الرائع (الام فرتر) وانتمائه لحركة العاصفة والاندفاع الاحتجاجية.
كان جوته يحمل آمالا عريضة لرحلته هذه التي تميزت بالطابع الفني, فقد استعان بثلاثة من أصدقائه الرسامين, حيث شاركه كل واحد منهم في مرحلة واحدة من مراحلها, وقد قضى اتفاقه معهم على ان يمتلك الرسوم نظير اجر متفق عليه, فتكوّن لديه فريق عمل متكامل تمكن من خلاله انجاز ما كان يطمح لتحقيقه.
يقول جوته في مذكراته الرومانية (فقط في روما كنت اشعر عن العديد من الأشياء التي تريد مني ان اكون انسان حقيقي).
لقد تحدثت رسوماته ويومياته عن الجمال الذي تذوقته العين وادركه العقل, فتجسد في الرسم, وتسطر في الكلمات على انه مدرك ومتفوق, فالألوان المائية وخطوط قلم الرصاص الحادة التي استخدمها في رسوماته ظلت متفوقة وان كانت هادئة, الا انها مسكونة بحركة عنيفة عرف كيف يختارها ليصوغ منها الجمالي الذي ظل يتبنيه طيلة حياته, ويظهره بمحبة وعمق وهذا ما يفسر فهمه لضرورة الفن ولصنعة الخيال عند الفنان والتي اعتبرها بمثابة القدرة الرئيسية الرابعة في حياته الروحية والتي تكمل الشعور الذي يستند على الذاكرة ويعطي التفكير امكانية معرفة العالم بواسطة الخبرة, فهو من جانب اظهر ما لدور الخيال عند الفنان من أهمية, ومن جانب اخر عارض ان يكون هذا الخيال مطلق في رومانطيقيته, ذلك انه اعتبر الخيال مجرد وسيلة للدخول في اعماق الاشياء وليس للابتعاد عن الواقع.
وهو بهذه الاراء انتقد بحدة مواقف الرومانطيقين المتعصبين من مسألة الخيال فيقول (العمل الفني كبيرا او صغيرا كل شيء فيه يقود الى الفهم) وهكذا نرى بأن المفهوم الفكري بالنسبة لجوته في العمل الفني هو الأساس المطلوب, وهذا لا يعني انه لم يهتم بالشكل, فالعديد من اعماله التشكيلية التي أنجزها في روما وصقلية تؤكد هذه الناحية اذ يعتقد جازما بان (المحتوى يحمل الشكل معه على الدوام) والشكل لديه شيء موضوعي, وهو بالتالي لا يتحدد فقط حسب هوى الفنان بل حسب الظروف الاجتماعية والبيئية والنفسية التي يولد فيها ذلك الفنان.
وتنعكس مثل هذه الآراء في خبرته العملية التي مكنته من اختيار زاوية للمنظر, فقد ترجم افكاره ورؤاه بيسر ومرونة وبخطوط قوية تمتلك رشاقة فائقة, ناقلا فعل الحركة لسطوحه بدون افتعال او افتقار عما كان يريد التعبير عنه, وهو ما تعكسه حياته آنذاك التي كانت حافلة بالأحداث التاريخية بدءا من حرب السبع سنوات التي عاصرها وهو صبي صغير وانطبعت في ذاكرته بعض أحداثها.
رسم التنوعات بين الناس في الحياة الواقعية وعمقها النفسي, كما اظهر التنوع في التأليف, فجمع أجزاء اللوحة الصغيرة بوحدة متكاملة بهدف إعطاء وقع خطي او لوني لمجمل اجزاء اللوحة, فجاءت رسوماته قوية التعبير, متجاوزة مجرد امتلاك الكفاءة المهنية في الرسم فاضاف لعبقريته موهبة وهو يقول (العبقرية حتى تكون خصبة ومعطاءة لابد ان تمتلك فكرا منظما ومثقفا, ودراية طويلة, لان العمل الفني ينطوي على جانب تقني صرف, لا يمتلكه المرء حق التملك الا بالتمرين والممارسة).
ولما كان مجبولا على الدراسة, فقد شغف بدراسة الرسم دراسة اكاديمية لانه كان يعي ان لكل فن ادواته وتقنياته الخاصة به وما يجوز رسمه قد لا تجوز كتابته لقد درس فن الرسم على يد الفنان الألماني (ادم فردريك ايز) وهو تلميذ لاستاذ الآثار ومؤرخ الفن الشهير (فنكلمان) والذي نشر عنه جوته كتابا عام 1805 بعنوان (فنكلمان وعصره).
كما ان كتاباته في علم الجمال واشهرها (الصدق والمطابقة الحقيقية في الفن) والذي كتبه عام 1798 وكذلك كتاب (جامع التحف والمقربون منه) الذي كتبه عام 1799 توضح بان الواقعية في الفن كما يراها, لم تكن ابدا مسألة شكلية, فقد ربط من خلالها ما بين أهم المفاهيم الجمالية وبين أهم مسائل عصره, فقد اكد جوته على (ان الفن مرتبط بالتطورات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لاي مجتمع) وان (الانتاج الفني القيّم مثله مثل الخطابة القيّمة, فهو نتيجة للظروف المعيشية لان الكاتب والفنان كالرجل العملي, لا يخلق تلك الظروف التي ولد فيها والتي ينشط من خلالها, ذلك ان اعظم عبقري معرض للفشل في العديد من نتاجاته وذلك بسبب طبيعة عصره الذي يعيشه, وعلى العكس من ذلك فقد ينجح في بعضها بفضل ظروف معينة, فلا يمكننا التوقع بظهور كاتب قومي عظيم الا عند امة وصلت الى مستوى معين من التطور).
انه يرى بأنه من المستحيل معالجة الفن عن الحياة والواقع, وهو كان على الدوام يربط بين انحطاط ونهوض الفن مباشرة بالظروف المعيشية لحياة الناس اينما كانوا.
لقد كانت مفاهيمه في الفترة التي عاش فيها بإيطاليا موجهة ضد النزعة الكلاسيكية للقرن السابع عشر وخاصة ضد المقاييس الجمالية التجريبية متأثرا كما ذكرنا بحركة العاصفة والاندفاع الادبية الشهيرة التي ظهرت في فترة السبعينيات من القرن الثامن عشر حيث كانت الثقافة الاوروبية امام منعطف كبير شهد انهيار كامل وبلا رجعة للنظام الاقطاعي, الا انه وبعد انتهاء رحلته الى ايطاليا اعاد النظر في الكثير من ارائه الجمالية, وتنكر لمبادىء العاصفة والاندفاع وكتب يقول (كانت الحقبة التاريخية التي كتب فيها اسخيل وسوفوكول ويوربيد مختلفة كليا, كانت الروح العظيمة يتخللها باعثا الطموح الى الأعظم والروعة في كل شيء, وفي ايامنا التعسة هذه حيث تفتقر الى الرائع فبأي الحواس يمكننا استيعابه؟
وقد انطلق من مفاهيمه هذه متأثرا بالتطورات التي كانت تشهدها اوروبا من ناحية وعن طريق احساسه بضرورة تهذيب الشكل الفني الذي يمكن تجنيب فن الحياة المعاصرة كل ما هو سيء وقبيح, كما ان سفرته مكنته من معالجة مسألة الحد الفاصل بين الشكل الملحمي والشكل الدراماتيكي في الشكل الفني, وهو الأمر الذي أدى به فيما بعد الى الكلاسيكية والتي رأى من خلالها عملية الابتعاد عن صوفيي الثقافة المسيحية وانظمة حكمها المطلقة, وقد كتب بهذا الصدد يقول (رمادية ايها الصديق كل النظريات, وخضراء هي شجرة الحياة الذهبية).
جوته الذي توطدت علاقته بالفيلسوف الالماني (هردر) والذي كان له الأثر الكبير على التحولات الفكرية والفنية التي عاشها بعد سفرته الشهيرة الى ايطاليا, فقد كان (هردر) قد وجهه نحو قراءة الكتب المقدسة ومسرحيات شكسبير وقراءة الشعر العربي والذي كان العديد من الشعراء الألمان يبدون اهتماما متزايدا به, فتعرف جوته على القرآن الكريم وترجم عدة آيات قرآنية, كما اطلع على الشعر الجاهلي, وبالذات على المعلقات السبعة التي وصفها بأنها كنوز عظيمة, وقام بترجمتها الى الالمانية عن الانجليزية. كما تعرف على الشعر الاسلامي واطلع على شعر الفردوسي والمعري, وانعكس هذا التأثير في ديوانه المعنون (الديوان الشرقي) الذي يعتبر قمة شعر جوته الغنائي, ولم يكن ما جذب جوته الى الشرق هو (غموض الشرق وسحره) في المقام الاول, بل انه ادرك بان ما يربط الشرق والغرب هو نزوع الى حياة الانسانية الرحبة.
وتوجه جوته نحو الشرق في سياق بحثه عن معرفة انسانية شاملة, والتي تمثل النموذج المشرق على خصب التفاعل بين الثقافات المختلفة, وتبرز قدرته الفائقة في المزج الرائع بين تطلعاته الشعرية وتأملاته الفلسفية, لتجسد تلك الكتابات المخزون الثقافي العميق والواسع, والذي قاده الى تأليف قصائد اكثر فيها من الكلام عن الصحراء والقوافل والابل وفراق الاحبة, والفروسية, كما تحدث عن علاقات المحبين بالروح نفسها التي تحدث فيها عمر ابن ربيعة في أشعاره.
لقد حرق العديد من رسائله واوراقه الشخصية التي تخص زيارته الى ايطاليا وخاصة تلك التي توصف علاقته السرية بساحرته الرومانية الجميلة الفتاة الامية التي تدعى (ندرما) والتي تعرف عليها بإحدى المطاعم الشعبية. وكتاب (ماريوزابيري) محاولة لإعادة بناء تلك الاوراق المحروقة والتي بقي بعضها محفوظا في خزانته في فايمار بين العديد من اوراقه الأخرى التي تحمل العديد من الآراء والمفاهيم غير المعروفة لهذا الفيلسوف والمفكر والشاعر والرسام.
----------
آمل ان يضيف الموضوع لكم فائده
مع عاطر التحية