المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فوئد الصيام في شهر رمضان المبارك النفسية والاجتماعية



عابده لله
10-11-2003, 03:24 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أحبتي في الله :

قال صلى الله عليه وآله (واذكروا بجوعكم وعطشكم فيه جوع يوم القيامة وعطشه)
(مفاتيح الجنان 172 في فضل شهر رمضان وأعماله ).


شهر رمضان مدرسة الروح والفكر والضمير ودورة تكميلية للنواقص البشرية وحملة تطهيرية كتصفية الرواسب : التي تجمعت في قرارات الإنسان خلال أحد عشر شهراً ، فالإنسان الذي يعيش الاجتماع سنة كاملة يقتحم في غضونها كل جو ويباشر كل تفكير ويمارس كل تجربة ومعركة ومحيط تترسب على عقله وقلبه وعواطفه اكوام باهضة من الغبار من الضعف الاجتماعي والنفسي وشهر رمضان هو الذي يقوم بدور المعقم والمطهر لهذا الغبار فهو فترة التأمل والتفكير ومحاسبة النفس وعرض للواقع الذي يعيشه الفرد في نفسه وفي المجتمع فهو يسلخ الفرد من التوغل في الحياة المادية ليفرغه لواقعه الحقيقي فشهر رمضان شهر التربية الفردية و الاجتماعية ونحن في هذه العجالة نذكر بعض الفوائد الاجتماعية والنفسية التي يتحصل عليها الصائم في هذا الشهر العظيم .

فمن الفوائد الاجتماعية :

1 _ النظام : فإن الصوم يأتي ليمرن المسلم على النظام في حياته ، وعلى ا لجماعية في معيشته ، فالمسلم في أي وقت من ساعات النهار يجد الطعام والشراب وافراً لديه ، وقد يطول النهار حتى تفرغ معدته من بقايا الطعام ، فتتحرك ليتضور صاحبها جوعاً ، وربما يلح به الحر كا إذا كان صائماً في الصيف ، فيحن إلى جرعة من الماء ، وأمامه أرطالاً من الماء ، وهو ممسك عن تناول أي شيء قبل أن تأذن الشمس بالمغيب .. وفي لحظة الغروب في جميع أقطار العالم الإسلامي ، طبعاً كل بحسب توقبت بلده ، تعتبر تلك اللحظة انتهاء المنع العام ، فيكون جميع المسلمين جالسين مع عوائلهم ينتظرونها ، فترفع حينها الأيدي عن الإمساك .
2- المساواة بين المسلمين : فالصوم فقر إجباري تفرضه الشريعة الإسلامية ليتساوى الجميع ، من يملك الملايين ومن لا يملك شيئاً ، كما يتساوى الجميع في صفوف الصلاة ومواقف الحج ، فيشعر أصحاب المراكز والأموال أن تمايزهم عن الناس غير واقعي ، بل التمايز الواقعي الحاصل ببركة الأعمال والأفكار فحسب ، وهذا التمايز إنما هو معنوي وأخروي .
فالغني والفقر ، والعابد والجاهل يجوعون جميعاً في وقت واحد ، ويشبعون جميعاً في وقت واحد ، ويجمعهم شعور واحد وهو التعبد لله سبحانه وتعالى ، وليست هذه المساواة الحاصلة كالمساواة التي يدعو لها أصحاب الفكر الاشتراكي ، ففي الواقع إن الصوم يولد في الفرد شعور المساواة ليزرع في نفسه الدافع الداخلي لرفع مستوى الفقير .
3- الرحمة : فمن خلال الصوم يشعر الجميع بأن هذه الأموال التي كانوا يحرصون عليها ، وهي عندهم مقياس التمايز الطبقي ؛ أصبحت لا تغنى عنهم شيئاً ، فقد تساوى الأغنياء مع أولئك الفقراء الذين هم أبداً في مرحلة الصيام ، أي بلحاظ الجوع والحرمان ، فالبصوم يصبح المجتمع ملائكياً ، فلا يثور الغني فيه على الفقير ، وينعدم الشعور بالدونية لدى الفقير ، ليمارس حياته في ظل الرحمة الإجتماعية العامة التي خلقها الإسلام ، ومن هذا المنطلق جاءت خطبة النبي في آخر جمعة من شهر شعبان ، وهي التي ذكرها الشيخ القمي في مفاتيح الجنان ، المروية عن الصدوق حيث قال- فيما نحن فيه - :

روى الصدوق (رحمه الله ) بسند معتبر عن الرضا عن أبائه عن أمير المؤمنين ، قال رسول الله ( ... واذكروا بجوعكم وعطشكم فيه جوعَ يوم القيامة ،وتصدقوا على فقرائكم ومساكينكم ) ، وقال : (أيها الناس من أفطر منكم صائماً مؤمناً في هذا الشهر كان له بذلك عند الله عتق رقبه ومغفرة لما مضى من ذنوبه ) والحكيم من يتكلم بالشيء عند مقام الكلام ، فيكون كلامه مطابقاً له ، ويلاحظة المناسبة التي يعيشها . فتذكير الإنسان العاصي بالتوبة والرجوع إلى الله أقوى عندما يشاهد العاصي تلك المشاهد التي يمر بها الميت ، الذي عاش ما عاش في الدنيا ، ولكن النهاية هي القبر ، فإن الشاب العاصي عندما يلتقي بالموعظة في هذا المقام تكون أقوى رسوخاً في قلبه ، ليرجع إلى الله سبحانه وتعالى .
كذلك النبي تحدث إلى الغني وهو صائم أو مقبل على الصوم كي يكون عنده هذا الإحساس بالفقير ، فيقول له : تنبه وتذكر ذلك الجائع المحروم من الطعام كيف يعيش ..
فهذه جملة من الفوائد الاجتماعية

أما الفوائد النفسية للصوم

1ـ توليد وتقوية الإرادة : إذ المجتمع في هذه الأيام يمر صراعباً دائماً في مجزرة الأعراض والكرامات ، نتيجة لضياع المبادئ والمثل ، وتبعاً لاندفاعة اللاإرادي للعواطف المنحرفة والشهوات التي تقضي على أصداء العقل والضمير ، والتي كان على أثرها هذه الجرائم التي اربكت حياة ا لمجتمع الإنساني ، وذلك راجع لضعف الإرادة فلا تجرأ على مقاومة عوامل الشر والإغراء .
والإرادة هي القوة التي تمكن الإنسان أن يقول :نعم او لا عندما تدعوه الشهوة ، فهي كوظيفة ( الضابط ) في المعسكر ، ولذلك ولأجل هذه الأمور فرض الإسلام على المسلم الصيام ، الذي يعتبر مدرسة الإرادة ، ليحفظه عن السقوط والضياع ، فهو يحد من الطغيان الموجود داخل الإنسان بسبب الشهوات ، فإذن الصيام يجعل الإنسان قوي على ترويض نفسه للكف عن هذه الشهوات .
2- الجود :عندما يتذوق ألم الجوع والحرمان ، ويعيش حياة الفقراء والمساكين يشعر بشهورهم ، ويتخلى عن الدنيا ، فيرق قلبه ، ويلين جانبه ، فينخفض جناحه للمعووزيين ، ويرقى لهم ويجود عليهم بطيب النفس . وقد روي عن ابن عباس ( كان رسول الله أجود الناس ، وكان أجود ما يكون في رمضان ) ، وهذا أيضاً في أهل البيت ، ذلك البيت الطاهر ، بيت فاطمة الذي أنزلت فيها سورة : هل أتى ، هذه السورة التي دلت على فضيلة أهل بيت النبي ، كما نقل ذلك أهل التفسير ، فراجع كتابي الغدير ( ج3:1 107/111 ) وإحقاق الحق ( ج3 : 157/171 ) عن 36 نفر من علماء أهل السنة ، مع ذكر المأخذ .
3- الشكر : وهي تلك الصفة الكريمة ، فالإنسان لا يستطيع تقدير النعمة ما دامت متوفرة عنده ، وإنما يقدرها إذا فقدها ، فالصوم يسلب به بعض النعمة في أوقات مخصوصة حتى يتذوقوا ألم الحرمان ، فيعرفوا نعمة الله ويشكروه .
4- العفة : فإن حقيقة الصوم لاتقتصر على الامتناع عن شهوتي البطن والفرج فحسب ، بل تشمل جميع الجوارح لأن تسمك عن الحرام ، فإن المسلم إذا اعتار على العفة شهراً في السنة ، فإنه لا ينسلخ منها فوراً، ولذلك نبه الرسول على ذلك بقوله : ( كم من صائم ليس له من صومه إلا الجوع والعطش ) .
5- تزكية النفس : فلو عود الصائم نفسه على قول ( إني صائم ) كلما واجه كلمات بذيئة أو كان في محط الحرام ؛ فإنه يروض نفسه ويدربها ، لأن من منع نفسه عن الماء الحلال والطعام الحلال ، يهون عليه أن يمنع نفسه عن الخمر الحرام ،والذي امتنع عن مباشرة زوجته لأجل الصوم يسهل عليه الامتناع عن فعل الحرام ..لأجل ماذا ؟ إن ذلك لأجل الإيمان .. وهذه هي مهمة الصوم أن يعد الإنسان للوصول إلى التقوى.
فالصوم هذا الذي يطهر الصائم عن حب الشهوات والملذات وحب الذات ، ويحيله إلى إنكار ذاته فتصبح نفسه ذلولة طيعة لخالقها تجسدت فيها العبودية الحقة .
6- الأخلاق : إن شهر رمضان شهر يتطهر فيه كل شيء ويتهذب فيه كل شيء في الإنسان ، لأن الصوم يسمو بالروح إلى حيث تحقر عنده المادة ويصفوا له إشراق القلب مادام دينه يقرر : أن الجوارح كلها لا بد أن تصوم ، وتشارك المعدة والفرج حتى يكتمل صومه ، ويشير إليه ما ورد عن النبي : ( ما من عبد يصبح صائماً فيشتم ، فيقول إني صائم سلام عليكم ، إلا قال الرب تعالى : استجار عبدي بالصوم من شر عبدي قد أجرته من النار وأدخلته الجنة ) وغيرها من المأثور عنهم التي تدل على صيام اللسان من الكذب والغيبة والنميمة والقذف وصيام العين عن الامتداد إلى اليد عن غير المباح كالضرب والسرقة ، وصيام القدم عن السعي إلى المنكر والضلال فهكذا تتهذب النفس والحواس ، فتهذيب النفس والحواس يهدفها الإسلام من رواء الصيام ، لإيجاء مجتمع متكامل .

هذه جملة من الفوائد الاجتماعية والنفسية ، جعلنا الله من الصائمين في هذا الشهر الكريم ، من الذاكرين التائبين ، فلقد ندب النبي إلى الإكثار من التوبة في هذا الشهر الكريم ، وصح عنه : ( إن لله ملكاً ينادي أهل الارض منذ أول ليلة من هذا الشهر حتى آخره : ألا من تائب فيتوب الله عليه ؟ ألا من مذنب فيغفر الله له ؟ ) ما هذا الشهر الفضيل إلا مزيداً من الرحمة والجود الإلهي ، ففيه يفتح الله تعالى أبواب الجنة ويغلق أبواب النار ، ويغل الشياطين .. ففتح أبواب الجنة يقتضي مزيد دخول من المؤمنين فيها ، وإغلاق أبواب النار يقتضي غفران الذنوب وستر العيوب التي تستوجب العقاب ، والدخول في جهنم وغل الشياطين يقتضي عدم التكالب على الشهوات والتمتع بالملذات .
فلندعوا الله بدعاء النبي في هذا الشهر الكريم : ( ا للهم اجعل صيامي فيه صيام الصائمين ، وقيامي فيه قيام القائمين ، ونبهني فيه من نومو الغافلين ، وهب لي جرمي في يا إله العالمين ، واعف عني يا عافياً عن المجرمين ) .وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين .