المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خمسين قصه



المجاهد
02-01-2014, 02:26 AM
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته إخواني الكرام لا شك : ان النفوس تحب القصص، وتتأثر بها؛ لذلك تجد في القرآن أنواعًا من القصص النافع، وهو من أحسن القصص. وكان من حكمة الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن اقتدى بكتاب ربه، فقص علينا من الأنباء السابقة ما فيه العِبَر، باللفظ الفصيح والبيـان العذب البليغ، ويمتاز بأنه واقعي وليس بخيالي؛ من اجل ذلك نحاول جمعيا- بجمع خمسين قصة صحيحة من القصص النبوي شرط ان تكون القصه صحيحه
فكره جديده اتمني ان يستجيب الكل لها وأرجو من المشرفين تثبيت الموضوع

المجاهد
02-01-2014, 02:50 AM
أصحاب الغار



عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بينما ثَلاثَةُ نَفَرٍ يَمْشُونَ أَخَذَهُم الْمَطَرُ فَأَوَوْا إِلَى غَارٍ فِي جَبَلٍ، فَانْحَطَّتْ عَلَى فَمِ غَارِهِمْ صَخْرَةٌ مِن الْجَبَلِ فَانْطَبَقَتْ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: انْظُرُوا أَعْمَالًا عَمِلْتُمُوهَا صَالِحَةً لِلَّهِ فَادْعُوا اللَّهَ بِهَا لَعَلَّهُ يُفَرِّجُهَا عَنْكُمْ، قَالَ أَحَدُهُمْ: اللَّهُمَّ إِنَّهُ كَانَ لِي وَالِدَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ وَلِي صِبْيَةٌ صِغَارٌ كُنْتُ أَرْعَى عَلَيْهِمْ، فَإِذَا رُحْتُ عَلَيْهِمْ حَلَبْتُ فَبَدَأْتُ بِوَالِدَيَّ أَسْقِيهِمَا قَبْلَ بَنِيَّ؛ وَإِنِّي اسْتَأْخَرْتُ ذَاتَ يَوْمٍ فَلَمْ آتِ حَتَّى أَمْسَيْتُ فَوَجَدْتُهُمَا نَامَ، فَحَلَبْتُ كَمَا كُنْتُ أَحْلُبُ، فَقُمْتُ عِنْدَ رُءُوسِهِمَا أَكْرَهُ أَنْ أُوقِظَهُمَا وَأَكْرَهُ أَنْ أَسْقِيَ الصِّبْيَةَ - وَالصِّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ عِنْدَ قَدَمَيَّ - حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُهُ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ لَنَا فَرْجَةً نَرَى مِنْهَا السَّمَاءَ، فَفَرَجَ اللَّهُ فَرَأَوْا السَّمَاءَ، وَقَالَ الْآخَرُ: اللَّهُمَّ إِنَّهَا كَانَتْ لِي بِنْتُ عَمٍّ أَحْبَبْتُهَا كَأَشَدِّ مَا يُحِبُّ الرِّجَالُ النِّسَاءَ، فَطَلَبْتُ مِنْهَا فَأَبَتْ عَلَيَّ حَتَّى أَتَيْتُهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ، فَبَغَيْتُ حَتَّى جَمَعْتُهَا فَلَمَّا وَقَعْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا قَالَتْ: يَا عَبْدَ اللَّهِ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تَفْتَح الْخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ فَقُمْتُ، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُهُ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا فَرْجَةً فَفَرَجَ، وَقَالَ الثَّالِثُ: اللَّهُمَّ إِنِّي اسْتَأْجَرْتُ أَجِيرًا بِفَرَقِ أَرُزٍّ، فَلَمَّا قَضَى عَمَلَهُ قَالَ: أَعْطِنِي حَقِّي فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ فَرَغِبَ عَنْهُ، فَلَمْ أَزَلْ أَزْرَعُهُ حَتَّى جَمَعْتُ مِنْهُ بَقَرًا وَرَاعِيَهَ، فَجَاءَنِي فَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ فَقُلْتُ اذْهَبْ إِلَى ذَلِكَ الْبَقَرِ وَرُعَاتِهَا فَخُذْ، فَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تَسْتَهْزِئْ بِي، فَقُلْتُ: إِنِّي لَا أَسْتَهْزِئُ بِكَ فَخُذْ فَأَخَذَهُ، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ مَا بَقِيَ فَفَرَجَ اللَّهُ


من فوائد الحديث:

1- فِي هَذَا الْحَدِيث اِسْتِحْبَاب الدُّعَاء فِي الْكَرْب، وَالتَّقَرُّب إِلَى اللَّه تَعَالَى بِذِكْرِ صَالِح الْعَمَل، وَاسْتِنْجَاز وَعْده بِسُؤَالِ
2- يجب على المسلم أن يلجأ إلى الله وحده بالدعاء وخاصة حين نزول الشدائد، ومن الشرك الأكبر دعاء الأموات الغائبين، الذين لا يملكون نفعاً ولا ضراً، قال الله تعالى: (وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ) يونس والظالمين: المشركين .

3- فَضْل الإِخْلَاص فِي الْعَمَل، حيث قال كل واحد: (اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه).
4- َفَضْل بِرّ الْوَالِدَيْنِ وَخِدْمَتهمَا وَإِيثَارهمَا عَلَى الْوَلَد وَالْأَهْل وَتَحَمُّل الْمَشَقَّة لِأَجْلِهِمَا.
5- فَضْل الْعِفَّة وَالِانْكِفَاف عَن الْحَرَام مَعَ الْقُدْرَة، وَأَنَّ تَرْك الْمَعْصِيَة يَمْحُو مُقَدِّمَات طَلَبهَ، وَأَنَّ التَّوْبَة تَجُبّ مَا قَبْلهَا.
6- وَفَضْل أَدَاء الْأَمَانَة، ومن ذلك حفظ حقوق العمال إذا تعذر عليهم أخذها، مع لزوم المبادرة بأداء حقوقهم وعدم تأخيرها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أعطوا الأجير حقه قبل أن يجف عرقه)7- استحباب تنمية مال الأجير الذي ترك حقه، وهو عمل جليل، ولذا كان من أسباب نجاتهم من الغار.
8- َإِثْبَات الْكَرَامَة لِلصَّالِحِينَ.
9- وَفِيهِ الْإِخْبَار عَمَّا جَرَى لِلْأُمَمِ الْمَاضِيَة لِيَعْتَبِر السَّامِعُونَ بِأَعْمَالِهِمْ فَيُعْمَل بِحَسَنِهَا وَيُتْرُك قَبِيحهَ، .
10- الأعمال الصالحة الخالصة لله تعالى وقت الرخاء ينتفع بها المسلم وقت الشدة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (... تعرف إلى الله في الرخاء، يعرفك في الشدة.
11- إثبات الوجه لله سبحانه من غير تشبيه، قال الله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شي وهو السمع البصير)

المجاهد
03-01-2014, 04:37 AM
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
القصه الثانية
عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن ثلاثة في بني إسرائيل أبرص وأقرع وأعمى ، فأراد الله أن يبتليهم ، فبعث إليهم ملكا ، فأتى الأبرص ، فقال : أي شيء أحب إليك ؟ قال : لون حسن ، وجلد حسن ، ويذهب عني الذي قد قَذِرَني الناس ، قال : فمسحه فذهب عنه قَذَرُه ، وأعطي لونا حسنا وجلدا حسنا ، قال : فأي المال أحب إليك ؟ قال : الإبل ، قال : فأعطي ناقة عُشَراء ، فقال : بارك الله لك فيها ، قال : فأتى الأقرع فقال : أي شيء أحب إليك ؟ قال شعر حسن ، ويذهب عني هذا الذي قد قَذِرَني الناس ، قال : فمسحه فذهب عنه ، وأعطي شعرا حسنا ، قال : فأي المال أحب إليك ؟ قال : البقر ، فأعطي بقرة حاملا ، فقال : بارك الله لك فيها ،قال : فأتى الأعمى ، فقال : أي شيء أحب إليك ، قال : أن يرد الله إلي بصري فأبصر به الناس ، قال : فمسحه فرد الله إليه بصره ، قال : فأي المال أحب إليك ، قال : الغنم ، فأعطي شاة والدا ، فأنتج هذان وولد هذا ، قال : فكان لهذا واد من الإبل ، ولهذا واد من البقر ، ولهذا واد من الغنم ، قال : ثم إنه أتى الأبرص في صورته وهيئته ، فقال : رجل مسكين قد انقطعت بي الحبال في سفري ، فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك ، أسألك


بالذي أعطاك اللون الحسن والجلد الحسن والمال ، بعيرا أتَبَلَّغُ عليه في سفري ، فقال : الحقوق كثيرة : فقال له : كأني أعرفك ، ألم تكن أبرص يَقْذَرُك الناس ؟! فقيرا فأعطاك الله ؟! فقال : إنما ورثت هذا المال كابرا عن كابر ، فقال : إن كنت كاذبا فصيرك الله إلى ما كنت ، قال : وأتى الأقرع في صورته ، فقال له مثل ما قال لهذا ، ورد عليه مثل ما رد على هذا ، فقال : إن كنت كاذبا فصيرك الله إلى ما كنت ، قال : وأتى الأعمى في صورته وهيئته ، فقال : رجل مسكين وابن سبيل انقطعت بي الحبال في سفري ، فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك ، أسألك بالذي رد عليك بصرك ، شاة أتبلغ بها في سفري ، فقال : قد كنت أعمى فرد الله إلي بصري ، فخذ ما شئت ودع ما شئت ، فوالله لا أَجْهَدُكَ اليوم شيئا أخذته لله ، فقال : أمسك مالك ، فإنما ابتليتم ، فقد رُضِيَ عنك ، وسُخِطَ على صاحبيك ). شرح القصه وبعض الفوائد

إنها قصة ثلاثة نفر من بني إسرائيل ، أصيب كل واحد منهم ببلاء في جسده ،فأراد الله عز وجل أن يختبرهم ، ليظهر الشاكر من الكافر ، فأرسل لهم مَلَكـًا ، فجاء إلى الأبرص فسأله عن ما يتمناه ، فتمنى أن يزول عنه برصه ، وأن يُعطى لونا حسنا وجلدا حسنا ، فمسحه فزال عنه البرص ، وسأله عن أحب المال إليه ، فاختار الإبل ، فأعطي ناقة حاملاً، ودعا له الملك بالبركة ، ثم جاء إلى الأقرع ، فتمنى أن يزول عنه قرعه ، فمسحه فزال عنه، وأعطي شعرا حسنا ، وسأله عن أحب المال إليه فاختار البقر ، فأعطي بقرة حاملاً ، ودعا الملك له بالبركة ، ثم جاء الأعمى ، فسأله كما سأل صاحبيه ، فتمنى أن يُرَدَّ عليه بصره ، فأعطي ما تمنى ، وكان أحب الأموال إليه الغنم ، فأعطي شاة حاملاً .
ثم مضت الأعوام ، وبارك الله لكل واحد منهم في ماله ، فإذا به يملك واديـًا من الصنف الذي أخذه ، فالأول يملك واديـًا من الإبل ، والثاني يملك واديـًا من البقر ، والثالث يملك واديـًا من الغنم ، وهنا جاء موعد الامتحان الذي يفشل فيه الكثير وهو امتحان السراء والنعمة ، فعاد إليهم الملك ، وجاء كلَّ واحد منهم في صورته التي كان عليها ليذكر نعمة الله عليه ، فجاء الأول على هيئة مسافر فقير أبرص ، انقطعت به السبل وأسباب الرزق ، وسأله بالذي أعطاه الجلد الحسن واللون الحسن ، والمال الوفير ، أن يعطيه بعيرًا يواصل به سيره في سفره ، فأنكر الرجل النعمة ، وبخل بالمال ، واعتذر بأن الحقوق كثيرة ، فذكَّره الملك بما كان عليه قبل أن يصير إلى هذه الحال ، فجحد وأنكر ، وادعى أنه من بيت ثراء وغنى ، وأنه ورث هذا المال كابرا عن كابر ، فدعا عليه المَلَك إن كان كاذبـًا أن يصير إلى الحال التي كان عليها ، ثم جاء الأقرع في صورته ، وقال له مثل ما قال للأول ، وكانت حاله كصاحبه في الجحود والإنكار ، أما الأعمى فقد كان من أهل الإيمان والتقوى ، ونجح في الامتحان ، وأقر بنعمة الله عليه ، من الإبصار بعد العمى ، و الغنى بعد الفقر ، ولم يعط السائل ما سأله فقط ، بل ترك له الخيار أن يأخذ ما يشاء ، ويترك ما يشاء ، وأخبره بأنه لن يشق عليه برد شيء يأخذه أو يطلبه من المال ، وهنا أخبره الملك بحقيقة الأمر وتحقق المقصود وهو ابتلاء للثلاثة ، وأن الله رضي عنه وسخط على صاحبيه .
إن هذه القصة تبين بجلاء أن الابتلاء سنة جارية وقدر نافذ ، يبتلي الله عباده بالسراء والضراء والخير والشر ، فتنة واختباراً كما قال سبحانه : {ونبلوكم بالشر والخير فتنة } (الأنبياء 35 ) ، ليتميز المؤمن من غيره ، والصادق من الكاذب :{ألم * أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون } (العنكبوت 1-2 ) فبالفتنة تتميَّز معادن الناس ، فينقسمون إلى مؤمنين صابرين ، وإلى مدَّعين أو منافقين ، وعلى قدر دين العبد وإيمانه يكون البلاء ، وفي المسند عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال : قلت : يا رسول الله ، أي الناس أشد بلاء ؟ قال : ( الأنبياء ، ثم الصالحون ، ثم الأمثل فالأمثل من الناس ، يبتلى الرجل على حسب دينه ، فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه ، وإن كان في دينه رقة خفف عنه ، وما يزال البلاء بالعبد حتى يمشي على ظهر الأرض ليس عليه خطيئة ) .
كما تشير القصة إلى معنىً عظيم ، وهو أن الابتلاء بالسراء والرخاء قد يكون أصعب من الابتلاء بالشدة والضراء ، وأن اليقظة للنفس في الابتلاء بالخير ، أولى من اليقظة لها في الابتلاء بالشر .
وذلك لأن الكثيرين قد يستطيعون تحمُّل الشدَّة والصبر عليها، ولكنهم لا يستطيعون الصبر أمام هواتف المادَّة ومغرياتها .
كثير هم أولئك الذين يصبرون على الابتلاء بالمرض والضعف ، ولكن قليل هم الذين يصبرون على الابتلاء بالصحة والقدرة .كثيرون يصبرون على الفقر والحرمان فلا تتهاوى نفوسهم ولا تذل ، ولكن قليل هم الذين يصبرون على الغنى والثراء ، وما يغريان به من متاع ، وما يثيرانه من شهوات وأطماع ، كثيرون يصبرون على التعذيب والإيذاء ، ولكن قليلين هم الذين يصبرون على الرغائب والمناصب .
وهذا عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه يقول : "ابتُلينا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالضراء فصبرنا ، ثم ابتلينا بالسَّرَاء بعده فلم نصبر " .
ولعل السر في ذلك أن الشدَّة تستنفر قوى الإنسان وطاقاته ، وتثير فيه الشعور بالتحدِّي والمواجهة ، وتشعره بالفقر إلى الله تعالى ، وضرورة التضرُّع واللجوء إليه فيهبه الله الصبر ، أما السراء ، فإن الأعصاب تسترخي معها ، وتفقد القدرة على اليقظة والمقاومة ، فهي توافق هوى النفس ، وتخاطب الغرائز الفطريَّة فيها ، من حب الشهوات والإخلاد إلى الأرض ، فيسترسل الإنسان معها شيئًا فشيئًا ، دون أن يشعر أو يدرك أنه واقع في فتنة ، ومن أجل ذلك يجتاز الكثيرون مرحلة الشدة بنجاح ، حتى إذا جاءهم الرخاء سقطوا في الابتلاء - كما فعل الأبرص والأقرع- ، وذلك شأن البشر ، إلا من عصم الله ، فكانوا ممن قال فيهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير ، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن ، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له ) رواه مسلم ، فاليقظة للنفس في حال السراء أولى من اليقظة لها في حال الضراء ، والصلة بالله في الحالين هي وحدها الضمان .
كما تؤكد القصة على أن خير ما تحفظ به النعم شكر الله جل وعلا الذي وهبها وتفضل بها ، وشكره مبنيٌ على ثلاثة أركان لا يتحقق بدونها : أولها الاعتراف بها باطناً ، وثانيها التحدث بها ظاهراً ، وثالثها تصريفها في مراضيه ومحابه ، فبهذه الأمور الثلاثة تحفظ النعم من الزوال ، وتصان من الضياع .

المجاهد
05-01-2014, 01:26 PM
القصه الثالثه

جريج العابد








في الحديث الذي رواه البخاري و مسلم عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال : ( لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة ، عيسى ابن مريم ، وصاحب جريج ، وكان جريج رجلا عابدا ، فاتخذ صومعة فكان فيها، فأتته أمُّه وهو يصلي ، فقالت : يا جريج ، فقال : يا رب أمي وصلاتي ، فأقبل على صلاته ، فانصرفت ، فلما كان من الغد أتته وهو يصلي ، فقالت : ياجريج ، فقال : يا رب أمي وصلاتي ، فأقبل على صلاته ، فانصرفت ، فلما كان من الغد أتته وهو يصلي ، فقالت : يا جريج ، فقال : أي رب أمي وصلاتي ، فأقبل على صلاته ، فقالت : اللهم لا تمته حتى ينظر إلى وجوه المومسات ، فتذاكر بنو إسرائيل جريجا وعبادته ، وكانت امرأة بغي يُتَمثَّلُ بحسنها ، فقالت : إن شئتم لأفْتِنَنَّه لكم ، قال : فتعرضت له فلم يلتفت إليها، فأتت راعيا كان يأوي إلى صومعته ، فأمكنته من نفسها ، فوقع عليها ، فحملت ، فلما ولدت قالت : هو من جريج ، فأتوه فاستنزلوه ، وهدموا صومعته ، وجعلوا يضربونه ، فقال : ما شأنكم ، قالوا : زنيت بهذه البغي فولدت منك ، فقال : أين الصبي ، فجاءوا به ، فقال : دعوني حتى أصلي ، فصلى ، فلما انصرف أتى الصبي فطَعَنَ في بطنه ، وقال : يا غلام ، من أبوك ؟ قال : فلان الراعي ، قال : فأقبلوا على جريج يقَبِّلونه ويتمسحون به، وقالوا : نبني لك صومعتك من ذهب ، قال : لا ، أعيدوها من طين كما كانت ، ففعلوا ) .





شرح وبعض فوائد القصه






كان جريج في أول أمره تاجرا ، وكان يخسر مرة ويربح أخرى ، فقال : ما في هذه التجارة من خير ، لألتمسن تجارة هي خير من هذه التجارة ، فانقطع للعبادة والزهد ، واعتزل الناس ، واتخذ صومعة يترهَّب فيها ، وكانت أمه تأتي لزيارته بين الحين والحين ، فيطل عليها من شُرْفة في الصومعة فيكلمها ، فجاءته في يوم من الأيام وهو يصلي ، فنادته ، فتردد بين تلبية نداء أمه وبين إكمال صلاته ، فآثر إكمال الصلاة على إجابة نداء أمه ، ثم انصرفت وجاءته في اليوم الثاني والثالث ، فنادته وهو يصلي كما فعلت في اليوم الأول ، فاستمر في صلاته ولم يجبها ، فغضبت غضبا شديداً ، ودعت عليه بأن لا يميته الله حتى ينظر في وجوه الزانيات ، ولو دعت عليه أن يفتن لفتن - كما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - في رواية أخرى ، فاستجاب الله دعاء الأم ، وهيأ أسبابه ، وعرضه للبلاء .

فقد تذاكر بنو إسرائيل جريجا وعبادته وزهده ، فسمعت بذلك امرأة بغي يضرب الناس المثل بحسنها وجمالها ، فتعهدت لهم بإغوائه وفتنته ، فلما تعرضت له لم يأبه بها ، وأبى أن يكلمها ، ولم يعرها أي اهتمام ، فازدادت حنقا وغيظا ، حيث فشلت في ما ندبت نفسها له من فتنة ذلك العابد ، فعمدت إلى طريقة أخرى تشوه بها سمعته ، ودبرت له مكيدة عظيمة ، فرأت راعيا يأوي إلى صومعة جريج ، فباتت معه ، ومكنته من نفسها ، فزنى بها ، وحملت منه في تلك الليلة ، فلما ولدت ادَّعت بأن هذا الولد منجريج ، فتسامع الناس أن جريجا العابد قد زنى بهذه المرأة ، فخرجوا إليه ، وأمروه بأن ينزل من صومعته ، وهو مستمر في صلاته وتعبده ، فبدؤوا بهدم الصومعة بالفؤوس ، فلما رأى ذلك منهم نزل إليهم ، فجعلوا يضربونه ويشتمونه ويتهمونه بالرياء والنفاق ، ولما سألهم عن الجرم الذي اقترفه ، أخبروه باتهام البغي له بهذا الصبي ، وساقوه معهم ، وبينما هم في الطريق ، إذ مروا به قريباً من بيوت الزانيات ، فخرجن ينظرن إليه ، فلما رآهن تبسم ، ثم أمر بإحضار الصبي ، فلما جاءوا به طلب منهم أن يعطوه فرصة لكي يصلي ويلجأ إلى ربه ، ولما أتم صلاته جاء إلى الصبي ، فطعنه في بطنه بإصبعه ، وسأله والناس ينظرون ، فقال له : من أبوك ؟ فأنطق الله الصبي ، وتكلم بكلام يسمعه الجميع ويفهمه ، فقال : أبي فلان الراعي ، فعرف الناس أنهم قد أخطؤوا في حق هذا الرجل الصالح ، وأقبلوا عليه يقبلونه ويتمسحون به ، ثم أرادوا أن يكفروا عما وقع منهم تجاهه ، فعرضوا عليه أن يعيدوا بناء صومعته من ذهب ، فرفض وأصر أن تعاد من الطين كما كانت ، ولما سألوه عن السبب الذي أضحكه عندما مروا به على بيوت الزواني ، قال : ما ضحكت إلا من دعوة دعتها عليَّ أمي .

هذه هي قصة جريج كما رواتها لنا كتب السنة وهي قصة مليئة بالعبر والعظات تبين خطورة عقوق الوالدين وتركِ الاستجابة لأمرهما ، وأنه سبب لحلول المصائب على الإنسان ، وأن كل هذه المحن والابتلاءات التي تعرض لها ذلك العبد الصالح ، كانت بسبب عدم استجابته لنداء أمه .

كما تؤكد هذه القصة على ضرورة الصلة بالله ومعرفته في زمن الرخاء ، وأن يكون عند الإنسان رصيد من عمل صالح وبر وإحسان ، ينجيه الله به في زمن الشدائد والأزمات ، كما أنجى جريجاً وبرأه من التهمة بسبب صلاحه وتقاه .

وفيها كذلك بيان حال الصالحين والأولياء من عباد الله الذين لا تضطرب أفئدتهم عند المحن ، ولا تطيش عقولهم عند الفتن ، بل يلجؤون إلى من بيده مقاليد الأمور ، كما لجأ جريج إلى ربه وفزع إلى صلاته ، وكذلك كان نبينا - صلى الله عليه وسلم- إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة .

وهي تكشف لنا عن مواقف أهل الفساد والفجور من الصالحين والأخيار في كل زمان ومكان ، ومحاولتهم تشويه صورتهم ، وتلطيخ سمعتهم ، واستخدام أي وسيلة لإسقاطهم من أعين الناس وفقد الثقة فيهم ، وبالتالي الحيلولة دون وصول صوتهم ورسالتهم إلى الآخرين .

فهؤلاء الساقطون في أوحال الرذيلة لا يطيقون حياة الطهر والعفاف ولا يهنأ لهم بال ، ولا يطيب لهم عيش إلا بأن يشاركهم الآخرون في غيهم وفسادهم ، بل ويستنكفون أن يكون في عباد الله من يستعلي على الشهوات ومتع الحياة الزائلة ، كما قال عثمان رضي الله عنه : " ودت الزانية لو زنى النساء كلهن " .

كما أن هذه القصة تبين وقع المصيبة ، وعظم الفاجعة عند الناس ، عندما يفقدون ثقتهم فيمن اعتبروه محلاً للأسوة والقدوة ، وعنواناً للصلاح والاستقامة ، ولذا تعامل أهل القرية مع جريج بذلك الأسلوب حين بلغتهم الفرية ، حتى هدموا صومعته وأهانوه وضربوه .

مما يوجب على كل من تصدى للناس في تعليم أو إفتاء أو دعوة أن يكون محلاً لهذه الثقة ، وعلى قدر المسؤولية ، فالخطأ منه ليس كالخطأ من غيره ، والناس يستنكرون منه ما لا يستنكرون من غيره ، لأنه محط أنظارهم ، ومهوى أفئدتهم .

وقصة جريج تكشف عن جزء من مخططات الأعداء في استخدامهم لسلاح المرأة والشهوة ، لشغل الأمة وتضييع شبابها ، ووأد روح الغيرة والتدين ، وهو مخطط قديم وإن تنوعت وسائل الفتنة والإغراء ، وقد قال - صلى الله عليه وسلم- : ( فاتقوا الدنيا واتقوا النساء ، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء ) رواه أحمد .

وانظر كيف كان مجرد النظر إلى وجوه الفاجرات والعاهرات يؤذي قلوب الأولياء والصالحين ، ويعتبرونه نوعا من البلاء والعقوبة ، فكان أقصى ما تدعو به المرأة على ولدها أن يرى وجوه المومسات كما فعلت أم جريج ، وقارنه بحال البعض في هذا العصر الذي انفتح الناس فيه على العالم عبر وسائل الاتصال الحديثة ، وعرضت المومسات صباح مساء عبر أجهزة التلفاز والقنوات الفضائية وشبكة الإنترنت ، فأصبحوا بمحض اختيارهم وطوع إرادتهم يتمتعون بالنظر الحرام ، لا إلى وجوه المومسات فقط ، بل إلى ما هو أعظم من ذلك !! ، ولا شك أن ذلك من العقوبات العامة التي تستوجب من المسلم أن يكون أشد حذرا على نفسه من الوقوع في فتنة النظر ، فضلا عن ارتكاب الفاحشة والعياذ بالله .

وهكذا يظهر لنا أن الابتلاء فيه خير للعبد في دنياه وأخراه ، إذا صبر وأحسن واتقى الله في حال الشدة والرخاء فجريج كان بعد البلاء أفضل عند الله وعند الناس منه قبل الابتلاء

المجاهد
07-01-2014, 10:58 PM
القصه الرابعة

غلام الأخدود









عن صهيب -رضي الله عنه- أن رسول الله http://islamstory.com/sites/all/themes/islamstory/images/r_20.jpg قال:



"كان ملكٌ فيمن كان قبلكم, وكان له ساحر, فلما كبر قال للملك: إني قد كبرت فابعث إليَّ غلامًا أعلمه السحر. فبعث إليه غلامًا يعلمه, وكان في طريقه إذا سلك راهب, فقعد إليه وسمع كلامه فأعجبه, وكان إذا أتى الساحر مرَّ بالراهب وقعد إليه, فإذا أتى الساحر ضربه, فشكا ذلك إلى الراهب فقال: إذا خشيت الساحر فقل: حبسني أهلي، وإذا خشيت أهلك فقل: حبسني الساحر.

فبينما هو على ذلك إذ أتى على دابة عظيمة قد حبست الناس, فقال: اليوم أعلم آلساحرُ أفضل أم الراهب أفضل؟ فأخذ حجرًا فقال: اللهم إن كان أمر الراهب أحبَّ إليك من أمر الساحر، فاقتل هذه الدابة حتى يمضي الناس. فرماها، فقتلها ومضى الناس. فأتى الراهب فأخبره, فقال له الراهب: أي بُنَيَّ، أنت اليوم أفضل مني، قد بلغ من أمرك ما أرى، فإن ابتُليت فلا تدُلَّ عليَّ.

وكان الغلام يُبرِئ الأكمه والأبرص, ويداوي الناس من سائر الأدواء، فسمع جليس الملك وكان قد عمي فأتاه بهدايا كثيرة فقال: ما ها هنا لك أجمع, إن أنت شفيتني. فقال: إني لا أشفي أحدًا، إنما يشفي الله تعالى, فإن آمنتَ بالله تعالى، دعوتُ الله فشفاك. فآمن بالله تعالى، فشفاه الله تعالى.

فأتى الملك فجلس إليه كما كان يجلس، فقال له الملك: من ردَّ عليك بصرك؟ قال: ربي. قال: ولك رب غيري؟! قال: ربي وربك الله. فأخذه فلم يزل يعذِّبه حتى دلَّ على الغلام. فقال له الملك: أي بُنَيَّ، قد بلغ من سحرك ما تبرئ الأكمه والأبرص وتفعل وتفعل. فقال: إني لا أشفي أحدًا إنما يشفي الله تعالى. فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الراهب، فجيء بالراهب فقيل له: ارجع عن دينك. فأَبَى، فدعا بالمنشار فوضع المنشار في مَفْرِق رأسه فشقه حتى وقع شِقَّاه, ثم جيء بجليس الملك فقيل له: ارجع عن دينك. فأَبَى, فوضع المنشار في مفرق رأسه, فشقه به حتى وقع شقاه.

ثم جيء بالغلام فقيل له: ارجع عن دينك. فأَبَى, فدفعه إلى نفرٍ من أصحابه فقال: اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا، فاصعدوا به الجبل, فإذا بلغتم ذروته فإن رجع عن دينه, وإلاَّ فاطرحوه. فذهبوا به فصعدوا به الجبل فقال: اللهم اكفنيهم بما شئت. فرجف بهم الجبل فسقطوا, وجاء يمشي إلى الملك. فقال له الملك: ما فعل بأصحابك؟ فقال: كفانيهم الله تعالى.

فدفعه إلى نفر من أصحابه، فقال: اذهبوا به فاحملوه في قرقور وتوسطوا به البحر, فإن رجع عن دينه وإلا فاقذفوه. فذهبوا به فقال: اللهم اكفنيهم بما شئت. فانكفأت بهم السفينة، فغرقوا. وجاء يمشي إلى الملك. فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ فقال: كفانيهم الله تعالى. فقال للملك: إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به. قال: وما هو؟ قال: تجمع الناس في صعيد واحد وتصلبني على جذع، ثم خذ سهمًا من كنانتي، ثم ضع السهم في كبد القوس، ثم قُلْ: باسم الله رب الغلام. ثم ارمني، فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني.

فجمع الناس في صعيد واحد وصلبه، ثم أخذ سهمًا من كنانته, ثم وضع السهم في كبد القوس ثم قال: باسم الله رب الغلام. ثم رماه، فوقع السهم في صُدْغه، فوضع يده في صدغه، فمات.

فقال الناس: آمنا برب الغلام، آمنا برب الغلام، آمنا برب الغلام.

فأُتي الملك فقيل له: أرأيت ما كنت تحذر، قد والله نزل بك حذرُك قد آمن الناس. فأمر بالأخدود بأفواه السكك، فخُدَّت وأُضرم فيها النيران وقال: من لم يرجع عن دينه فأقحموه. ففعلوا، حتى جاءت امرأة ومعها صبي لها، فتقاعست أن تقع فيها، فقال لها الغلام: يا أماه، اصبري فإنك على الحق".

شرح وبعض فؤائد القصه
فهذا القصه وإن كان يحمل في جوانبه رقائق وزهدًا, فإنه يحمل في ثناياه معاني عظيمة, وفوائد جليلة وأفكار بناءة, وهذا ليس بعيدًا عن الحديث النبوي الجليل, فقد أوتي http://islamstory.com/sites/all/themes/islamstory/images/r_20.jpg جوامع الكلم، وكان الفقهاء يستنبطون من الحديث الواحد فوائد فقهية وتربوية جمَّة.
ولو رحنا نتعمق في هذا الحديث كلمة كلمة، وفقرة فقرة, لتبيَّن لنا أن هذا الحديث من الأحاديث المهمَّة في التربية والتطور والثقة بالله وتصحيح بعض المفاهيم. فمن هذه الفوائد هذه الباقة العطرة:

الغلام البطل

فإن بطل هذه القصة المثيرة هو غلام، وهذا الغلام هو الذي أجرى الله على يديه على الأحداث السابقة الواردة في الحديث النبوي الشريف.

وهذا يجعلنا, بل يثير انتباهنا كي نهتم بالأطفال أبلغ اهتمام, يقول الرافعي رحمه الله: "إن الفِجَّ اليوم هو الناضج غدًا". فالأطفال اليوم وإن كانوا أطفالاً, فهم في الغد رجال, سيحملون ما يحملون من أفكار، وربما مجدد العصر يكون بين هذه الأطفال.

إن علاقتنا مع أطفالنا علاقة عضوية فقط, علاقة طعام وشراب ونسب. أما علاقة التربية فهي منقطعة، فالتربية هي: عملية بناء الطفل شيئًا فشيئًا إلى حد التمام والكمال.

والتربية مأمور بها الإنسان المسلم لأولاده: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}[التحريم: 6], "ما من مولود يُولد إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهوِّدانه أو ينصِّرانه أو يمجِّسانه".



هل سمعت هذه الكلمه في هذا الزمان





أي بُنَيَّ، أنت اليوم أفضل مني". هذه هي النقطة الفاصلة التي لم نستطع حتى الآن ومنذ قرون أن نتجاوزها، وهي اعتراف الأستاذ بأن تلميذه أصبح أفضل منه.
وحتى الآن لم نسمع -إلا نادرًا- أن أستاذًا مدح تلميذه وقرظه، وهذا الأمر إن يكن غريبًا بعض الشيء إلا أنه يحمل معنيين مهمين:

1- تواضع العالِم الأستاذ.

2- إن المجتمع لن يتقدم ولن يتحسن حاله, إذا بقي التلميذ مثل أستاذه يقلده في كل شيء.

إن أحسن أحوال التلميذ أن يصبح مثل أستاذه يقلده في كل شيء.. إن أحسن أحواله أن يصبح مثل أستاذه نسخة ثانية عنه، فيشرح متونه ويختصر شروحه..

يقول الشيخ محمد علي الطنطاوي -رحمه الله-: "إن سبب الركود العلمي في بلاد الشام في القرن الماضي هو فقدان التشجيع". وأي تشجيع أعظم من أن يمدح الأستاذ تلميذه، ويعترف بجهوده!

ولقد كانت إحدى وسائل التشجيع عند النبي http://islamstory.com/sites/all/themes/islamstory/images/r_20.jpg إطلاق بعض الألقاب العلمية على الصحابة المتميزين، كقوله http://islamstory.com/sites/all/themes/islamstory/images/r_20.jpg: "أقرؤكم أُبَيّ وأفرضكم زيد".

إننا بحاجة ماسَّة إلى هذه النقطة في كافة المجالات، حتى يبدأ التلميذ من حيث انتهى أستاذه، ويساهم في بناء قلعة الإسلام


الصدق مع الله
وهي تكمن في صدق الالتجاء إلى الله تعالى وطريقة الدعاء والثقة بالإجابة، وذلك عندما قال: "اللهم اكفنيهم بما شئت".

وهو دعاء غريب جدًّا.. يحمل فيه ذلك الغلام الثقة المطلقة بالله عز وجل، واستغنى عن التفصيل في كيفية وآلية النجاة, وكلها لله سبحانه وتعالى.

فآلية النجاة وكيفيتها لا تأتي حسبما يخطط له الإنسان, وإنما تأتي على الكيفية التي يريدها الله سبحانه وتعالى، وما على الإنسان إلا أن يحسن الثقة بالله سبحانه، ويَكِلُ الآليات له سبحانه.

الإصرار علي الحق

الإصرار على نشر الدعوة، وهذا يؤخذ من هذا المشهد الذي تكرر مرتين في الحديث "وجاء يمشي للملك". فلماذا بعدما نجا في المرة الأولى وفي المرة الثانية لم يهرب بل عاد إلى الملك الظالم؟

إن في عنقه رسالة لا بُدَّ أنه مؤديها؛ لذلك عاد مرة تلو المرة.. إنه يعطي درسًا عظيمًا للدعاة في الإصرار على الدعوة، وفي الإصرار على إظهار الحق وتحديه للباطل.

المبداء الصحيح عند عامه الناس

تكمن هذه الفائدة في تبني عامَّة الناس المبدأ الصحيح. حيث طلب هذا الغلام من الملك أن يجمع له الناس على صعيد واحد..

ولو سألنا أنفسنا لماذا طلب الغلام هذا الطلب، يتبين لنا أن المبدأ السليم والفكر الصحيح إذا استفاض واعتنقه عامة الناس، لم يقف أمامه طغيان طاغٍ أو ظلم ظالم.

لذلك طلب موسى أن يجتمع الناس في وقت متميز هو يوم عـيد، وفي ساعة متميزة هي وقت الضحى {قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى}

وإن أغلب الأفكار إذا لم يتبناها عامة الناس تضيع، أو ربما تؤجل. وعلى هذا فإن الإسلام لن ينتشر بالنُّخبة أو الطبقة المثقفة وحدها، فلا بد أن تتبناه عامة الناس في بيوتهم وفي معاملتهم.
مفهوم النصر

تحديد مفهوم النصر؛ حيث قام هذا الغلام -الذي هو أفضل بكثير من رجال في هذه الأمة- بتوضيح مفهوم النصر..

وليس مفهوم النصر أن ينتصر الغلام، إنما المفهوم الحقيقي للنصر هو انتصار المبدأ السليم والفكر الصحيح.

وهذا واضح من خلال دلالة هذا الغلام الملك على طريقة قتله، فلو كان مفهوم النصر نصرًا للأفراد والأشخاص وليس للمبدأ، لم يدله على هذه الطريقة، وإنما بيَّن للناس جميعًا أن المفهوم الحقيقي للنصر هو انتصار المبدأ لا انتصار الأفراد والأشخاص.

الثبات علي الحق

وتتمثل في الثبات على مبدأ الحق الذي سطع، وذلك من خلال الفقرة التي مثلت صورة الأم مع طفلها وقول الطفل: "يا أماه اصبري، فإنك على حق".

ولعل صفة الثبات على المبدأ من أهم الصفات التي يجب أن يتمتع بها الإنسان المسلم في عصرنا هذا وفي كل العصور، ولا سيما ونحن نرى سرعة تخلي الإنسان عن مبدئه مقابل عَرَضٍ من الحياة الدنيا

المجاهد
11-01-2014, 09:53 AM
القصه الخامسه




( قصة عجوز بني إسرائيل ) .

عن أبي موسى الأشعري – رضي الله عنه ـ ، أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم ـ نزل بأعرابي فأكرمه ، فقال له : « يا أعرابي سل حاجتك » قال : يا رسول الله ، ناقة برحلها, وأعنز يحلبها أهلي . قالها مرتين ، فقال له رسول الله – صلى الله عليه وسلم ـ:أعجزت أن تكون مثل عجوز بني إسرائيل ؟ فقال أصحابه : يا رسول الله ، وما عجوز بني إسرائيل ؟ قال : « إن موسى أراد أن يسير ببني إسرائيل فأضل عن الطريق ، فقال له علماء بني إسرائيل : نحن نحدثك أن يوسف أخذ علينا مواثيق الله أن لا نخرج من مصر, حتى ننقل عظامه معنا ، قال : وأيكم يدري أين قبر يوسف ؟ قالوا : ما تدري أين قبر يوسف إلا عجوز بني إسرائيل ، فأرسل إليها, فقال: دليني على قبر يوسف, فقالت : لا والله لا أفعل حتى أكون معك في الجنة ، قال : « وكره رسول الله– صلى الله عليه وسلم ـ ما قالت, فقيل له : أعطها حكمها فأعطاها حكمها فأتت بحيرة ، فقالت : أنضبوا هذا الماء . فلما نضبوه قالت : احفروا هاهنا, فلما حفروا إذا عظام يوسف ، فلما أقلوها من الأرض, فإذا الطريق مثل ضوء النهار »

رواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين –

شرح وبعض فؤائد القصه









1 ـ تواضع النبي – صلى الله عليه وسلم –
2 ـ التحلي بكرم الضيافة

3 ـ رد الجميل والمكافأة على الإحسان .

4 ـ انتهاز الداعية للفرص والمواقف .

5 ـ النصــح للآخــرين

6 ـ خطورة التفريط بالأوامر الشرعية
7 ـ سؤال أهل العلم والرجوع إليهم عند الأمور المدلهمات .
8 ـ الوفاء بالمواثيق والعهود .
9 ـ بعد أهل ذلك الزمان عن القبورية
10 ـ استثمار أبواب الخير إذا فتحت.
11 ـ أخذ العلم ممن جاء به
12 ـ الأنبياء لا يعلمون الغيب
13 ـ معجزتان لنبي الله يوسف – عليه السلام – بعد موته
14 ـ علو الهمة في طلب الجنة
15 ـ مشروعية الوصية
16 ـ مشروعية نقل الميت للمصلحة



17 ـ لانشهد بالجنة والنار إلا لمن شهد له الله والرسول .
18 ـ العلم طريق إلى الجنة



19 ـ حقارة الدنيا
20 ـ من طلب الجنة بصدق بلغه الله إياها
21 ـ ثمار الطاعة وبركتها.
22 ـ الفرج بعد الشدة














لقد بيان الله عز وجل فضل هذه آلامه وان هذه آلامه عندها همه عاليه ولقد كانت هذه آلهمه واضحه في الأجيال الأولي






ولكن الحال لم يستمر كما كان في زمن أسلافنا، بل تبدَّل، فأصبحنا تبعاً لغيرنا، وأصبح ولاء كثير من أبناء جلدتنا لأعدائنا، وأصبح دمنا أرخص الدماء، وأصبحنا كالأيتام على مآدب اللئام، بل أصبحنا ألعوبة بيد الشرق والغرب، إذ سُفكت دماؤنا، ودُنَّست مقدساتنا، وهُتكت أعراضنا، ونُهبت ثرواتنا، ويُتِّم أبناؤنا، وثُكلتْ نساؤنا، واحتُلت ديارنا، فلم يعد لنا أثر أو تأثير، ولا واقع مشرف كريم.






انظر إلى واقع الدول العربية والإسلامية، وتأمّل التقارير والإحصائيات التي تنشرها المنظمات والهيئات العربية والإسلامية والدولية لتتعرف على عمق المأساة التي تعانيها أمتنا.
هل تعلم أن نصف سكان العالم العربي ممن تجاوزت أعمارهم (15) عاماً أميون (حسب تقرير المجلس العربي للطفولة والتنمية لعام 2002)، وأن هناك (70) مليون مواطن عربي أمِّي ثلثاهم من الأطفال والنساء (حسب تقرير منظمة اليونيسف)؟!
هل تعلم أن ما تنفقه دولة الكيان الصهيوني (إسرائيل) على البحوث التطبيقية يعادل (20) ضعف ما تنفقه الدول العربية مجتمعة على البحوث التطبيقية؟!
هل تعلم أن حصة الدول العربية مجتمعة من المقالات المنشورة في الصحف العالمية لا تتعدى (1%) في حين أن حصة ألمانيا وحدها من هذه المقالات تزيد على (7%)؟!
هل تعلم أن عدد براءات الاختراع التي سُجلت في سنة (2001) في الدول العربية مجتمعة لا يكاد يتجاوز (70) براءة اختراع، في حين أن عدد براءات الاختراع التي سُجلت في نفس السنة: في إسرائيل (1031) براءة اختراع، وفي اليابان (35) ألف براءة اختراع، وفي أمريكا (99) ألف براءة اختراع، وفي ألمانيا (12) ألف براءة اختراع، وفي تايوان (6500) براءة اختراع؟!!
هل تعلم أن إجمالي الناتج المحلي لإسبانيا فقط أكبر من إجمالي الناتج القومي لجميع الدول العربية (حسب تقارير 2001)؟!
هل تعلم أن مبيعات شركة (جنرال موتورز) أكبر من الناتج المحلي لأوندنيسيا(لسنة 2001)، والتي يبلغ تعداد سكانها (220) مليون؟!
هل تعلم أن مبيعات شركة (سوني) أكبر من الناتج المحلي لمصر (لسنة 2001) والتي يبلغ تعداد سكانها (70) مليون؟!
هل تعلم أن مؤشر الشفافية (والذي كلما ارتفعت درجة هذا المؤشر كلما دلّ ذلك على أن الفساد قليل، وكلما انخفض فإنه يدل على انتشار الفساد بجميع أنواعه) لأحسن دولة إسلامية (ماليزيا) لا يتجاوز (5) من (10)، في حين أن كثيراً من الدول الإسلامية لا يتجاوز هذا المؤشر (2) من (10) حسب تقرير المنظمة الدولية للشفافية، والتي مقرها في ألمانيا، وهذا يدل على أن كثيراً من الدول العربية والإسلامية تسبح في محيطات مظللة من الفساد، فيا للعجب!!
وهل تعلم أن إجمالي الناتج العالمي سيزداد (300) مليار دولار تقريباً عندما يتم تطبيق اتفاقية التجارة العالمية، وبعد إزالة جميع الحواجز التي تقف أمام هذه الاتفاقية، وستكون هذه الزيادة موزعة (كما ذكرت إحدى الدراسات) كالتالي: نصيب الولايات المتحدة الأمريكية هو (36) مليار دولار، في حين أن نصيب جميع الدول النامية (وهي 120دولة) والتي تنتمي إليها الدول العربية والإسلامية هو (17) مليار دولاراً فقط!!
هذه إحصائيات من اكثر عشر سنوات ولكن اعلم ما هو الحال الآن






إنني بذكر هذه المعلومات أريد أن أُشعل الحماس في نفوس أبناء هذه الأمة المباركة، هذه الأمة التي ستبقى -بإذن الله- نابضة بالحياة، محدِّقة ببصرها إلى السماء، منتظرة اللحظة التي تمزق فيها أغلالها، وهي آتية بإذن الله، لا محالة.

إنني أذكر هذه المعلومات لأستنهض هذه الأمة من جديد، وكم تعجبت من قصة عجوز من بني إسرائيل، أبت إلاّ أن تكون مع نبي الله موسى -عليه السلام- في الجنة، في موقف ناهض للهمة، مشعل للحماس، فما أروع هذه النماذج، وما أحوج الأمة إلى أمثالها!!
فعن أبي موسى الأشعري قال: أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- أعرابياً، فأكرمه فقال له: "ائتنا" فأتاه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "سلْ حاجتك"، فقال: ناقة تركُبها، واعنُزاً يحلبها أهلي.
فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "عجزتم أن تكونوا مثل عجوز بني إسرائيل؟ قالوا: يا رسول الله، وما عجوز بني إسرائيل؟
قال: "إن موسى لَّما سار ببني إسرائيل من مصر، ضلُّوا طريق، فقال: ما هذا؟ فقال علماؤهم: إن يوسف لما حضره الموتُ أخذ علينا موثقاً من الله أن لا نخرج من مصر حتى تُنقل عظامه معنا. قال: فمن يعلم موضع قبره؟ قالوا: عجوز من بني إسرائيل، فبعث إليها، فأتته، فقال: دُليني على قبر يوسف، قال: حتى تُعطيني حكمي، قال: ما حكمك؟ قالت: أكونُ معك في الجنة.
فكره (موسى) أن يُعطيها ذلك، فأوحى الله إليه أن أعطها حكمها؟ فانطلقت بهم إلى بحيرة موضع مستنقع ماء، فقالت: انضِبُوا هذا الماء، قالت: احتفِروا واستخرجوا عظام يوسف، فلما أقلُّوها إلى الأرض، إذا الطريق مثل ضوءِ النهار"
شتان ما بين همة وطموح وسمو هذه المرأة على الرغم من كبر سنها، وبين همة وطموح ذلك الأعرابي الذي شهد سباقاً للخيول، فسبق فرسٌ، فطفق يكبر ويثب من الفرح، فقال له من يجانبه: أهذا الفرس فرسك؟ قال الأعرابي: لا، ولكن اللجام لي!!
إن هذه المستويات المتواضعة لا يمكن تبني أمة، أو تصنع حضارة، أو تُحدث تأثيراً.


والله المستعان

المجاهد
14-01-2014, 10:29 AM
القصه السادسة






البقره التي تكلمت


بسم الله والحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى وآله وأصحابه ومن وآلاه. أما بعد:
نص القصه
عن هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قال: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَاةَ الصُّبْحِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ)(بوجهه) فَقَالَ: "بَيْنَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً (له)(فَأَعْيَا)[أَيْ تَعِبَ] إِذْ رَكِبَهَا فَضَرَبَهَا. وفي روايه فأراد أن يركبها)(أقبلت عليه) (فكلمته) فَقَالَتْ: إِنِّا لَمْ نُخْلَقْ لِهَذَا إِنَّمَا خُلِقْنا لِلْحَرْثِ. وفي رواية(لحراثة الأرض). وآخرى(ليحرث علينا). فَقَالَ النَّاسُ (من حوله): سُبْحَانَ اللَّهِ (تَعَجُّبًا وَفَزَعًا) أَبَقَرَةٌ تَكَلَّمُ!! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فَإِنِّي أُومِنُ بِهِذا أنا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَمَا هُمَا ثَمَّ (فقال الناس : آمنا بما آمن به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-)". (صحيح البخاري – كتاب أحاديث الأنبياء- باب استعمال البقرة للحرث، (ج 11 / ص 290)، و صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه- برقم (2388) (4/ 1857) "بدون لفظة وما هما ثم".(ومسند أحمد - (ج 15 / ص 88) ، والسنن الكبرى للنسائي - (ج 5 / ص 38)).



شرح القصه وبعض الفوائد
يقول الحافظ في الفتح : قَوْله : (بَيْنَا رَجُل يَسُوق بَقَرَة) لَمْ أَقِف عَلَى اِسْمه.
وقَوْله : (إِذْ رَكِبَهَا فَضَرَبَهَا فَقَالَتْ إِنَّا لَمْ نُخْلَق لِهَذَا).
اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الدَّوَابّ لَا تُسْتَعْمَل إِلَّا فِيمَا جَرَتْ الْعَادَة بِاسْتِعْمَالِهَا فِيهِ ، وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون قَوْلهَا إِنَّمَا خُلِقْنَا لِلْحَرْثِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى مُعْظَم مَا خُلِقَتْ لَهُ ، وَلَمْ تُرِدْ الْحَصْر فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ غَيْر مُرَاد اِتِّفَاقًا ، لِأَنَّ مِنْ أَجْل مَا خُلِقَتْ لَهُ أَنَّهَا تُذْبَح وَتُؤْكَل بِالِاتِّفَاقِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْل اِبْن بَطَّال فِي ذَلِكَ فِي كِتَاب الْمُزَارَعَة .
قال الشيخ الشنقيطي -رحمه الله- في أضواء البيان: " ففي هذا النص الصريح نطق البقرة ونطق الذئب بكلام معقول من خصائص العقلاء على غير العادة ، مما استعجب له الناس وسبحوا الله إعظاماً لما سمعوا ، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم يدفع هذا الاستعجاب بإعلان إيمانه وتصديقه ، ويضم معه أبا بكر وعمر ، وإن كانا غائبين عن المجلس ، لعلمه منهما أنهما لا ينكران ما ثبت بالسند الصحيح لمجرد استبعاده عقل
وقال ابن مفلح: "أَيْ أَنَّهُ مُعْظَمُ النَّفْعِ ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ مَنْعُ غَيْرِهِ". قال الإمام الذهبي في كتاب الكبائر: "فهذه بقرة أنطقها الله في الدنيا تدافع عن نفسها بأنها لا تؤذى ولا تستعمل في غير ما خلقت له فمن كلفها غير طاقتها أو ضربها بغير حق فيوم القيامة تقتص منه بقدر ضربه وتعذيبه"..
وقوله: (سُبْحَانَ اللَّهِ تَعَجُّبًا وَفَزَعًا أَبَقَرَةٌ تَكَلَّمُ). قال الإمام القرطبي -رحمه الله –في تفسيره: " فدل هذا الحديث على أن البقر لا يحمل عليها ولا تركب، وإنما هي للحرث وللأكل والنسل .قال صاحب كتاب الفتوحات المكية: " وذلك إن الروح الأمين أخبره فلو عاينها رسول اللّه -صلى اللّه عليه وسلم- لما قال آمنت فهذه بقرة من أصناف الحيوان قد علمت ما خلقت له والإنس والجن خلقوا ليعبدوا اللّه وما علموا ذلك إلا بتعريف اللّه على لسان الرسول وهو في فطرتهم ولكن ما كشف لهم عماهم عليه".
قال القرطبي : وفي هذا الحديث ما يرد على كفرة الأطباء والزنادقة الملحدين ، وأن الكلام ليس مرتبطا بالهيبة والبله ، وإنما الباري جلت قدرته يخلقه متى شاء في أي شيء شاء من جماد أو حيوان على ما قدره الخالق الرحمن ، فقد كان الحجر والشجر يسلمان عليه -صلى الله عليه وسلم- تسليم من نطق وتكلم ، ثبت ذلك في غير ما حديث ، وهو قول أهل أصول الدين في القديم والحديث .
وثبت باتفاق حديث البقرة والذئب وأنهما تكلما على ما أخبر عنهما صلى الله عليه وسلم في الصحيحين ، قاله ابن دحية: فهذه أخبار عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كلها أمارات للساعة ، وإن كانت أمورا خارقة للعادة جارية على غير المألوف إلا أنه يجب الإيمان بها وتصديقها لثبوتها عنه -صلى الله عليه وسلم- . .
وقَوْله : (فَإِنِّي أُؤْمِن بِهَذَا أَنَا وَأَبُو بَكْر وَعُمَر)
هُوَ مَحْمُول عَلَى أَنَّهُ كَانَ أَخْبَرَهُمَا بِذَلِكَ فَصَدَّقَاهُ ، أَوْ أَطْلَقَ ذَلِكَ لِمَا اِطَّلَعَ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّهُمَا يُصَدِّقَانِ بِذَلِكَ إِذَا سَمِعَاهُ وَلَا يَتَرَدَّدَانِ فِيهِ. فتح الباري.
قال الإمام النووي على شرح مسلم: قَالَ الْعُلَمَاء : "إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ ثِقَة بِهِمَا لِعِلْمِهِ بِصِدْقِ إِيمَانهمَا ، وَقُوَّة يَقِينهمَا ، وَكَمَال مَعْرِفَتهمَا لِعَظِيمِ سُلْطَان اللَّه وَكَمَال قُدْرَته. فَفِيهِ فَضِيلَة ظَاهِرَة لِأَبِي بَكْر وَعُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا . وَفِيهِ جَوَاز كَرَامَات الْأَوْلِيَاء وَخَرْق الْعَوَائِد ، وَهُوَ مَذْهَب أَهْل الْحَقّ".(شرح النووي على قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْإِخْبَارُ مِنْ الْبَقَرَةِ الَّتِي أَنْطَقَهَا اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - بِمَا أَنْطَقَهَا بِهِ لِيَكُونَ ذَلِكَ مِنْهَا مِمَّا يُؤْمِنُ بِهِ الْمُؤْمِنُونَ وَكَانَ الَّذِي نَطَقَتْ بِهِ حَقًّا إذْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ صَدَّقَ وَآمَنَ بِهِ وَأَخْبَرَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يُؤْمِنَانِ بِهِ

ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ:وُضِعَ عُمَرُ عَلَى سَرِيرِهِ فَتَكَنَّفَهُ النَّاسُ يَدْعُونَ وَيُصَلُّونَ قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ وَأَنَا فِيهِمْ فَلَمْ يَرُعْنِي إِلَّا رَجُلٌ آخِذٌ مَنْكِبِي فَإِذَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَتَرَحَّمَ عَلَى عُمَرَ. وَقَالَ: مَا خَلَّفْتَ أَحَدًا أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ بِمِثْلِ عَمَلِهِ مِنْكَ وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كُنْتُ لَأَظُنُّ أَنْ يَجْعَلَكَ اللَّهُ مَعَ صَاحِبَيْكَ وَحَسِبْتُ إِنِّي كُنْتُ كَثِيرًا أَسْمَعُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ ذَهَبْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَدَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَخَرَجْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وعن أبي أمامة قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: « رأيتني أدخلت الجنة ، فجزت من أحد أبواب الثمانية، فأتيت بكفة ميزان ، فوضعت فيها وجيء بأمتي فوضعت في الكفة الأخرى ، فرجحت بأمتي ، وجيء بأبي بكر فوضع في كفة ، ثم جيء بأمتي فوضعت في الكفة الأخرى ، فرجح بأمتي ، ثم رفع أبو بكر، ثم جيء بعمر فوضع في كفة الميزان ، ثم جيء بأمتي فوضعت في الكفة الأخرى، فرجح بها ، ورفع الميزان ، إلى السماء وأنا أنظر
بعض فوائد من القصة
فِي هَذَا الْحَدِيث حُجَّة عَلَى مَنْ مَنَعَ أَكْل الْخَيْل مُسْتَدِلًّا بِقَوْلِهِ- تَعَالَي: ( لِتَرْكَبُوهَا) فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ دَالًّا عَلَى مَنْع أَكْلهَا لَدَلَّ هَذَا الْخَبَر عَلَى مَنْع أَكْل الْبَقَر، لِقَوْلِهِ فِي هَذَا الْحَدِيث: " إِنَّمَا خُلِقْت لِلْحَرْثِ ", وَقَدْ اِتَّفَقُوا عَلَى جَوَاز أَكْلهَا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِالْعُمُومِ الْمُسْتَفَاد مِنْ جِهَة الِامْتِنَان فِي قَوْله ( لِتَرْكَبُوهَا ) وَالْمُسْتَفَاد مِنْ صِيغَة إِنَّمَا فِي قَوْله : " إِنَّمَا خُلِقْت لِلْحَرْثِ " عُمُوم مَخْصُوص .(فتح الباري لابن حجر - (ج 7 / ص 173). قَالَ الْحَافِظُ اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الدَّوَابَّ لَا تُسْتَعْمَلُ إِلَّا فِيمَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِاسْتِعْمَالِهَا فِيهِ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهَا إِنَّمَا خُلِقْنَا لِلْحَرْثِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى مُعْظَمِ مَا خُلِقَتْ لَهُ وَلَمْ تُرِدْ الْحَصْرَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ اِتِّفَاقًا لِأَنَّ مِنْ أَجْلِ مَا خُلِقَتْ لَهُ أَنَّهَا تُذْبَحُ وَتُؤْكَلُ بِالِاتِّفَاقِ.
* استخدام الحيوانات لما خلقت له، وأن استخدامها في غير ما خلقت له أمر مخالف للفطرة. يقول الشيخ ناصر الحمد: فمن هذه الدواب والحيوانات – البقرة – روى البخاري في صحيحه: ((بينما رجل يسوق بقرة إذ ركبها فضربها، فقالت: إنا لم نخلق لهذا إنما خلقنا للحرث، فقال الناس: سبحان الله بقرة تتكلم، فقال عليه الصلاة والسلام: فأني أؤمن بهذا أنا وأبو بكر وعمر)) فالبقرة تكلمت بأمر الله -عز وجل-، إلى هذا الرجل لتفهمه، سوء استخدامه لها وأن هذا يتنافى مع العبودية لله، وأنها لا تضرب بدون مبرر، وأنها إنما خلقت للحرث ونحوه، وأنها تؤدي العبودية التي أمرت بها.



* وهنا فائدة أرى أن أقف عندها، وهي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبر أنه يؤمن
بذلك يعني ماذا؟ أن البقرة تكلمت, كلمت هذا الرجل الذي حمل عليها زاده ومتاعه، يؤمن بذلك لأنه رسول يوحى إليه، ويعلم مثل هذه الأمور من خلال خبر الله له، ولكن بماذا حكم النبي -صلى الله عليه وسلم- على أبي بكر وعمر بإيمانهما بهذه الحادثة، وهما لم يشاهداها, وفي رواية أخرى : (لم يكونا موجودين حينما تحدث النبي -صلى الله عليه وسلم- بهذا الحدث)؟ هنا وقف أهل العلم وقفة وقالوا: بأنه يجب طالما أنه ثبت لدينا صدق النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أن نسلم له في كل ما يقول حتى ولو استبعدت عقولنا ذلك، لماذا؟ لأنه طالما أنه صادق وثبت لديك ذلك فيجب عليك أن تسلم وأن تصدق لهذا الصادق، طالما أنه رسول وآمنت بذلك وصدقت بأنه صادق فيجب عليك أن تصدق بهذا الصادق ولهذا النبي-عليه الصلاة والسلام-حكم على أبي بكر وعمر بالإيمان بهذه الحادثة لعلمه أن أبا بكر وعمر-رضي الله تعالى عنهما-سيصدقان بها إذا علما أن النبي-صلى الله عليه وآله وسلم- صدق بهذه الحادثة فيكون تصديقهما قائماً على من؟ على تصديق النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-. [المرجع موقع الأكاديمية الإسلامية المفتوحة شرح سورة الحج].
*- يجب على المسلم أن يُصَدِّق بالأخبار التي جاء القرآن بها أو صح بها السند إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مهما كان الخبر مُسْتَغْرَباً يستوي في ذلك الحديث المتواتر والآحاد. لذا يجب علينا تصديقه -صلى الله عليه وسلم- في كل ما أخبر به ، ومن رد شيئا مما أخبر به -عليه الصلاة والسلام- وكذبه فيه فهو كافر، سواء كان رده اتباعا للهوى ، أو لشريعة منسوخة ، أو لفلسفة موروثة ، أو لعلم وضعي ، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: « والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة ، يهودي ولا نصراني ، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به ، إلا كان من أصحاب النار»(صحيح مسلم) فكل ما صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه أخبر بوقوعه فالإيمان به واجب على كل مسلم ، وذلك من تحقيق الشهادة بأنه رسول الله ، وقد قال الله تعالى : {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}.[سورة النجم3-4] وكل شيء أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه سيكون بعده ، فوقع الأمر فيه طبق ما أخبر به -صلى الله عليه وسلم- ، فهو من معجزاته وأعلام نبوته -عليه الصلاة والسلام .-[أشراط الساعة - (ج 1 / ص 32)].
*- الدليل على وجوب الأخذ بحديث الآحاد مثله مثل المتواتر هو إرسال الله تعالى لنبي واحد فقط لتبليغ دينه عن مَلَكٍ واحدٍ[جبريل]عن الله. لأنه إذا ثبت الحديث وجب الإيمان به وتصديق ما أخبر به الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم- ولا يجوز لنا رد قوله لكونه حديث آحاد ؛ لأن هذه حجة واهية ؛ لأن حديث الآحاد إذا صح وجب تصديق ما فيه ، وإذا قلنا إن حديث الآحاد ليس بحجة ، فإننا نرد كثيرا من أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، ويكون ما قاله -عليه الصلاة والسلام- عبثا لا معنى له. [أشراط الساعة - (ج 1 / ص 156)].
وقد سئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية عن حكم من ينكر عذاب القبر بحجة أن الأحاديث الواردة في عذاب القبر هي أحاديث آحاد فأجابة اللجنة بالآتي: الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه.. وبعد: إذا ثبت حديث الآحاد عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان حجة فيما دل عليه اعتقادا وعملا بإجماع أهل السنة، ومن أنكر الاحتجاج بأحاديث الآحاد بعد إقامة الحجة عليه فهو كافر. [فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء - (ج 6 / ص 450)].
*في هذه القصة كرامة لأبي بكر وعمر -رضي الله عنهما-. وتزكيته- - صلى الله عليه وسلم- لهما بالإيمان لما ذكر مرة بقرة تتكلم، فتعجب الناس فقال: آمنت بذلك أنا وأبو بكر وعمر . وكذلك من فضائل أبو بكر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يصحبه دائما لم يتخلف عن صحبته. ومن فضائله أنه صحبه لسفر الهجرة من مكة إلى المدينة منفردين متعرضين للأخطار، ولكن الله تعالى حماهما من وقت خروجهما حتى وصلا إلى المدينة لا شك أن ذلك كله دليل على فضله -رضي الله عنه- وله الفضائل الكثيرة. وكذلك عمر -رضي الله عنه- فقد كان يكثر النبي - صلى الله عليه وسلم- من صحبته فقد قال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- :إِنِّي كُنْتُ كَثِيرًا أَسْمَعُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ ذَهَبْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَدَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَخَرَجْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ". وهنا رد على من قال بماذا حكم النبي -صلى الله عليه وسلم- على أبي بكر وعمر بإيمانهما بهذه الحادثة، وهما لم يشاهداها ؟ الجواب : هنا وقف أهل العلم وقفة وقالوا: بأنه يجب طالما أنه ثبت لدينا صدق النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أن نسلم له في كل ما يقول حتى ولو استبعدت عقولنا ذلك، لأنه طالما أنه صادق وثبت لديك ذلك فيجب عليك أن تسلم وأن تصدق ولهذا النبي -عليه الصلاة والسلام- حكم على أبي بكر وعمر بالإيمان بهذه الحادثة لعلمه أن أبا بكر وعمر -رضي الله تعالى عنهما- سيصدقان بها إذا علما أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- صدق بهذه الحادثة فيكون تصديقهما قائماً على تصديق النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-.
*يقين أبي بكر وعمر فيما يأتي عن النبي صلى الله عليه وسلم:
وإن كان بعض المؤمنين بمجرد أن يسمع الخبر لَكأنه رأى بعينه، ونذكر من ذلك ما جاء عند ابن كثير في البداية أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم قال: ( إن رجلاً كان فيمن قبلكم ركب بقرة فضربها فقالت: يا هذا! لم أخلق لذلك، فقال الناس: واعجبا! بقرة تتكلم؟! فقال صلى الله عليه وسلم: نعم. وأنا أؤمن بذلك ومعي عليه أبو بكر و عمر - أبو بكر و عمر ليسا حاضرَين-، وما هما ثمة، ورجل كانت له غنم، فجاء ذئب وخطف شاةً فأدركه وخلصها منه، فالتفت إليه الذئب وقال: أنت خلصتها مني، من لها حينما لا يكون لها راعٍ غيري! قالوا: سبحان الله! ذئب يتكلم؟! قال: نعم. وأنا أؤمن بذلك ومعي أبو بكر و عمر ، وما هما ثمة ) وهنا يتجلى اليقين بمجرد سماعِ الخبرِ.
و الصديق رضي الله تعالى عنه لما أصبح النبي- صلى الله عليه وسلم- يخبر بأمر الإسراء والمعراج وقام أهل مكة يصفقون ويصفرون وذهبوا سراعاً إلى أبي بكر وقالوا: (اسمع ماذا يقول صاحبك! قال: ما يقول؟ قالوا: يقول: إنه ذهب البارحة وأتى إلى بيت المقدس، وأسري به إلى السماوات، ثم نزل إلى الأرض وجاء في ليلة، ونحن نضرب أكباد الإبل شهراً ذهاباً وشهراً إياباً.
قال: أقال ذلك؟ قالوا: نعم.
قال: لَإن قاله فهو صادق.
قالوا: كيف تصدقه على مثل ذلك.
قال: أنا أصدقه على ما هو أبعد من هذا، أصدقه على خبر السماء، فكيف لا أصدقه على بيت المقدس؟! إذاً: بعض الناس يكون اليقين والإيمان عنده بمجرد سماع الخبر ولا يعتريه أدنى شك. المرجع : [شرح الأربعين النووية : الشيخ : عطيه بن محمد بن سالم].
*وَفِي الْحَدِيث جَوَاز التَّعَجُّب مِنْ خَوَارِق الْعَادَات ، وَتَفَاوُت النَّاس فِي الْمَعَارِف [فتح الباري لابن حجر - (ج 10 / ص 461)].
* فيه علم من أعلام النبوة. فقد جاءت دلائل كثيرة تشهد على نبوته عليه الصلاة والسلام، فمن ذلك مثلاً كلام الذئب للراعي، وسلام الحجر فقد قال- عليه الصلاة والسلام- : (إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علي)، وحنين الجذع، وتسبيح الحصى، ودموع الجمل، وغيرها من الدلائل والمعجزات التي تدل على صدق نبوته - صلى الله عليه وسلم- .
*أن البقر إنما خلقت للحراثة والانتفاع بها دون أن تركب، كما أنطقها الله -عز وجل- ولم يمنع ذلك من أكل لحومها لا في بني إسرائيل ولا في الإسلام, قلت البقر خلقت للأكل بالنص كما خلقت هذه الثلاثة للركوب بالنص،أي الخيل , والحمير, والبغال) والبقر لم تخلق للركوب, فلذلك قالت لراكبها لم أخلق لهذا
(سبحان ربي العظيم)

المجاهد
20-01-2014, 01:38 PM
القصه السابعه








القصه أخرجهاالبخاري و مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أنه قال : ( أرسل ملك الموت إلى موسى عليه السلام ، فلما جاءه صكَّه ففقأ عينه ، فرجع إلى ربه فقال : أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت ، قال : فرد الله إليه عينه وقال : ارجع إليه ، فقل له : يضع يده على متن ثور ، فله بما غطت يده بكل شعرة سنة ، قال : أي ربِّ ثم مه ؟ قال : ثم الموت ، قال : فالآن ، فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فلو كنت ثَمَّ لأريتكم قبره إلى جانب الطريق ، تحت الكثيب الأحمر ) .

قال ابن حجر أن الله لم يبعث ملك الموت لموسى وهو يريد قبض روحه حينئذ ،وإنما بعثه إليه اختيارا وإنما لطم موسى ملك الموت لأنه رأى آدمياً دخل داره بغير إذنه ولم يعلم أنه ملك الموت ، ....وقد جاءت الملائكة إلى ابراهيم وإلى لوط في صورة آدميين فلم يعرفاهم ابتداء ، ولو عرفهم ابراهيم لما قدم لهم المأكول ولوعرفهم لوط لما خاف عليهم من قومه.
و قال بعض أهل العلم : ثبت بالكتاب والسنة أن الملائكة يتمثلون في صور الرجال ، وقد يراهم كذلك بعض الأنبياء فيظنهم من بني آدم كما في قصتهم مع إبراهيم ومع لوط عليه السلام ، اقرأ من سورة هود الآيات 69-80 ، وقال عزوجل في مريم عليها السلام { فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا } [مريم /17] .
الفوئد من القصه ورد بعض الشبهات
لقد أنكر هذا الحديث بعض الملاحدة والمبتدعة قديماً وحديثاً زاعمين أنه من الأحاديث المشكلة ، وأن رائحة الإسرائيليات تفوح منه ، منتقدين أشياء كثيرة في متنه تثير الريبة، ويستحيل معها - بزعمهم - ثبوته عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – .
من ذلك أن فيه ما لا يجوز على الله ، ولا على أنبيائه ولا على ملائكته ، إذ كيف يليق بالله تبارك وتعالى أن يصطفي من عباده من يبطش هذا البطش بملك من ملائكته المقربين ، من غير ذنب ارتكبه سوى أنه كُلِّف بتبليغ أمرٍ من أوامره حين قال لموسى : أجب ربك ؟! .
وكيف يليق بنبي الله وكليمه موسى عليه السلام ، الذي اختاره الله لرسالته ، وائتمنه على وحيه ، وآثره بمناجاته ، وجعله من سادة رسله ، أن يكره الموت هذا الكره ، ولا يحب لقاء ربه ، مع شرف مقامه ، وعلو منزلته ، وهو ما لا يليق بالصالحين من عباد الله ، فكيف بواحد من أولي العزم من الرسل ، وقد قال عليه الصلاة والسلام : ( من أحب لقاء الله أحب الله لقائه ، ومن كره لقاء الله كره الله لقائه ) ؟!.
وكيف تمكن موسى عليه السلام من الوقيعة بملك الموت ، ولماذا لم يدافع الملك عن نفسه مع قدرته على إزهاق روح موسى وأمر الله له بذلك ؟! ، وهل للملك حقيقة مادية جسمانية حتى يقال إنه له عيناً يمكن أن تفقأ من لطمة واحدة ؟! .
وأين ضياع حق الملك وذهاب عينه ولطمته هدراً ، حيث لم يعاتب الله نبيه موسى على فعلته تلك، فضلاً عن أن يقتص منه ، بل كافأه وأكرمه بأن خيره بين الموت والحياة سنين كثيرة بقدر ما تواريه يده من شعر الثور ؟!.
هذه مجمل الشبه التي أثيرت حول الحديث ، وكلها - كما ترى - تجعل النص الصحيح الثابت في قفص الاتهام ، وتجعل عقولهم وآراءهم هي الحاكمة عليه ، من غير أي مراعاة أو اعتبار لقواعد هذا الفن ، ولا لكلام أئمة الحديث وشراحه .
وقبل مناقشة هذه الشكوك نود أن نبين أن الموقف الذي اتخذه معظم هؤلاء من هذا الحديث وأمثاله إنما هو فرع عن الموقف من الصحابة وعدالتهم ، ومن أبي هريرة رضي الله عنه ورواياته ، ومن الصحيحين وأحاديثهما .
فهؤلاء الذين شغبوا وأثاروا كل هذه الضجة حول الحديث ، قد شككوا أصلاً في عدالة الصحابة ، وأسقطوا الاحتجاج بـ أبي هريرة ورواياته ، ولم يجعلوا أي قيمة علمية لأحاديث الصحيحين ورواتهما ، مما فسح المجال أمامهم ليعبثوا كيف شاؤوا ، ولينتقدوا ما أرادوا من الأحاديث التي لا تروق لأهوائهم وأمزجتهم ، حتى ولو لم يتكلم فيها أحدٌ ممن يعتد به من أهل هذا الفن .
فالموقف من هذا الحديث إذاً لا يخرج عما قيل سابقاً ، وقد سبق الكلام في مواضيع مستقله في هذا المحور عمَّا يتعلق بعدالة الصحابة رضي الله عنهم، و أبي هريرة ، وأحاديث الصحيحين ، وسنخصص الحديث في هذا الموضوع للرد على الشبهات المثارة حول هذا الحديث على وجه الخصوص .
وقد تصدى جمع من أئمة الإسلام للرد على كل من طعن في هذا الحديث بالتكذيب ، ودحضوا شبهاتهم ، وكشفوا عوارهم ، وأجابوا عن الاعتراضات والإشكالات بأجوبة وتوجيهات فيها مقنع وكفاية لكل طالب للحق والهدى ، ومن هؤلاء الإمام ابن خزيمة ، و ابن حبان ، و الخطابي و ابن قتيبة ، ونقلها عنهم شرَّاح الحديث كالحافظ ابن حجر والإمام النووي وغيرهم ، بما يرد عن الحديث كل شبهة ، وينفي عنه أي تهمة.
قال الإمام ابن حبان رحمه الله في معرض جوابه عن الحديث : " إن الله جل وعلا بعث رسوله الله - صلى الله عليه وسلم- معلماً لخلقه ، فأنزله موضع الإبانة عن مراده ، فبلغ - صلى الله عليه وسلم- رسالته وبين عن آياته بألفاظ مجملة ومفسرة ، عقلها عنه أصحابه أو بعضهم ، وهذا الخبر من الأخبار التي يدرك معناها من لم يحرم التوفيق لإصابة الحق . . . ثم أخذ في دفع ما قيل في الحديث .
خاتماً كلامه بالتشنيع على من يزعمون أن أصحاب الحديث حمالة الحطب ، ورعاة الليل يجمعون ما لا ينتفعون به ، ويروون ما لا يؤجرون عليه ، ويقولون بما يبطله الإسلام ، جهلاً منه لمعاني الأخبار ، وترك التفقه في الآثار ، معتمداً منه على رأيه المنكوس ، وقياسه المعكوس " أهـ .
وقال ابن خزيمة : " وهذا اعتراض من أعمى الله بصيرته ، ومعنى الحديث صحيح . . . . . " إلخ .
هل الحديث من الإسرائيليات
أما كون رائحة الإسرائيليات تفوح منه لأنه موقوف على أبي هريرة ، فهي فرية جاء بها "أبو رية " ورددها غيره ، والحديث وإن كان قد أورده البخاري و مسلم موقوفاً على أبي هريرة من طريقطاوس ، إلا أنه روي أيضاً مرفوعاً إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- في الصحيح من طريق همام بن منبه ، قال الحافظ في الفتح ( 6/441 ) : " وهذا هو المشهور عن عبد الرزاق ، وقد رفع محمد بن يحي رواية طاوس أيضاً أخرجه الإسماعيلي " أهـ .
فالحديث مرفوع لا محالة ، أما في رواية همام بن منبه فالأمر ظاهر ، وأما رواية طاوس فلها حكم الرفع لأنها مما لا مجال فيه للرأي ، وينفي احتمال كونها من الإسرائيليات ، ورودها مرفوعة صراحة من الطريق الأخرى التي ذكرها الحافظ .
ولو جاز الحكم بالرائحة - كما يقول الشيخ المعلمي رحمه الله- لما ساغ أدنى تشكك في حكم البخاريلأنه أعرف الناس برائحة الحديث النبوي ، وبالنسبة إليه يكون الطاعن فيه أخشم فاقد الشم أو فاسده .
إشكالات حول المتن
وأما الزعم بأن في متنه إشكالات تثير الريبة ، فإنما جاء من الفهم السيء ، والصورة الخاطئة التي رسمها أصحابها في أذهانهم ، فأوردوا بموجبها كل هذه الإشكالات ضاربين عرض الحائط بكلام أهل العلم وتوجيهات أئمة هذا الشأن ، وذلك لأن استشكالاتهم كلها مبنية على أساس أن موسىعليه السلام قد عرف ملك الموت ، وأنه جاء لقبض روحه ، ومع ذلك دافعه ونازعه واعتدى عليه رافضاً الاستجابة لأمر الله .
وهذا الكلام مردود جملة وتفصيلاً لأمور :
أولاً : أن الله عز وجل إنما أرسل ملك الموت إلى موسى في المرة الأولى ابتلاء واختباراً ، ولم يرسله إليه وهو يريد قبض روحه حينئذ ، وأمره أن يقول له : " أجب ربك " ، أمر ابتلاء لا أمراً يريد إمضاءه ، كما أمر سبحانه خليله إبراهيم بذبح ولده أمر اختبار وابتلاء ، ولم يرد إمضاء ذلك ، فلما عزم على ذبحه وتله للجبين فداه بالذبح العظيم .
ولو أراد سبحانه أن يقبض روح موسى عليه الصلاة والسلام حين لطم الملك ، لكان ما أراد .
ثانياً: أن موسى عليه السلام لم يكن يعرف في المرة الأولى أن الذي جاء إليه هو ملك الموت ، بل ظنه شخصاً جاء ليعتدي عليه فدافع عن نفسه بما يستطيع ، فأدت المدافعة إلى فقء عينه ، لا أنه قصدها بالفقء ، والدفاع عن النفس مشروع في جميع الشرائع السماوية والقوانين الأرضية ، فلما رجع ملك الموت إلى ربه ، وأخبره بما كان من أمره ، أمره ثانياً أن يرجع إليه وأن يقول له : " إن شئت فضع يدك على متن ثور فلك بكل ما غطت يدك بكل شعرة سنة " ، فلما خيره الملك هذا التخيير ، ورآهموسى قد عاد سليماً مع قرب الوقت ، علم وتيقن أنه ملك الموت وأنه جاءه بالرسالة من عند الله ، عند ذلك طابت نفسه بالموت ، ولم يستمهل ، وقال : فالآن ، فلو كان قد عرفه في المرة الأولى لتصرف كما تصرف في المرة الثانية عندما تيقن أنه هو .
ومسألة تمثل الملائكة في صور البشر ، ومجيئهم إلى الأنبياء على هيئة لا يعرفونها مسألة ثابتة بالكتاب والسنة ، كما في قصتهم مع إبراهيم و لوط عليهما السلام ، وكما تمثل الملك لمريم عليها السلام في صورة رجل لم تعرفه حتى استعاذت منه وذلك في قوله تعالى :{فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا }( مريم 17- 18) ، وكمجيء جبريل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسؤاله إياه عن الإيمان والإسلام والإحسان فلم يعرفه - صلى الله عليه وسلم - حتى ولَّى .
فمن كان جاحداً لهذا كله أو مرتاباً فيه فليس كلامنا معه ، ومن كان مصدقاً علم أنه لا مانع من أن يتمثل ملك الموت رجلاً ويأتي إلى موسى فلا يعرفه .
كما أنه ليس هناك مانع أيضاً أن تتفق بعض شرائعنا مع شرائع من قبلنا من الأمم ، ومعلوم في شريعتنا أن فقء عين الداخل إلى دارك بغير إذنك ، أو الناظر فيه بغير أمرك مباح ولا حرج فيه ، فربما كان فعل موسى من هذا الباب ، حين رأى في داره رجلا لم يعرفه ، لأنه دخل داره بغير إذنه فأخذ يده فلطمه ، فأتت لطمته على فقء عينه ، فكان استعمال موسى لهذا الفعل مباحاً له ، ولا حرج عليه فيه .
فالخلاصة أن الحديث ليس فيه أبداً أي تصريح بأن موسى عليه السلام عرف أنه ملك الموت في المرة الأولى ، أو أنه تعمد فقء عينه ، حتى يقال : كيف يليق بالله تبارك وتعالى أن يصطفي من عباده من يبطش هذا البطش بملك من ملائكته المقربين ؟! غاية ما فيه أنه جاءه من لم يعرفه ، واقتحم عليه بيته ، وخصوصاً مع ما عرف عن موسى عليه السلام من الغضب والحدة ، فتعامل معه بمقتضى بشريته .
ثم ما قول هؤلاء الذين يرون في هذا الحديث خرافة لا تليق بالأنبياء ، ما قولهم في ما أثبته الله عنموسى عليه السلام في القرآن من إلقاء الألواح ، وأ خذه برأس أخيه يجره إليه ، ووكزه للقبطي حتى قضى عليه ، هل كان القرآن يحكي خرافة لا تليق بالأنبياء ، أم أن ذلك كله من الإسرائيليات ؟! .
ثالثاً : إن كراهية الموت أمر فطري في البشر ، وقد شرع الله الدفاع عن النفس ، ونهى عن إلقائها في التهلكة ، والأنبياء أنفسهم أعظم الناس شجاعة ، إلا أنهم مع ذلك اتخذوا من الأسباب الواقية المشروعة ما يدفعون به عن أنفسهم الأخطار وغوائل الأعداء .
فالنبي - صلى الله عليه وسلم – هاجر خفية ، واختبأ في ا لغار ، وأعمى أخباره عن الأعداء ، واتخذ حرساً يحرسونه حتى نزل قوله تعالى :{والله يعصمك من الناس }( المائدة67) ، فصرفهم عن حراسته ، وقاتل يوم أحد بين درعين .
و موسى عليه السلام وقع له من ذلك أمور كما قال تعالى : {وأن ألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين }( القصص 31) ، وقال سبحانه : {وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين * فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين }(القصص:21) ، وهذا كله من الأسباب المشروعة التي لا تخدش في مقام الأنبياء ولا في مكانتهم .
فما المانع أن تكون حكمة الله عز وجل اقتضت أن يتمثل ملك الموت بصورة رجل ، ويأمره الله أن يدخل على موسى بغته ، قائلاً له : سأقبض روحك لينظر ماذا يصنع ؟ ولتظهر هذه الفطرة التي فطر الله الناس عليها حتى الأنبياء ، فيكون في قص ذلك عبرة لمن بعده .
ولا يقال حينئذ إن هذا يتنافى مع محبة لقاء الله ، وما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام من قوله : ( من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه ) ، لأن هذا الحديث يحكي حالة معينه في زمن معين ، وهي حالة النزع وخروج الروح حين لا تقبل التوبة ، ولا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل ، وحين يبشر كل إنسان بما هو صائر إليه فيفرح المؤمن بلقاء الله ، ويكره الكافر والمنافق ذلك .
وقد جاء هذا مبيناً في رواية مسلم أن شريح بن هانئ جاء إلى عائشة رضي الله عنها فقال: " يا أم المؤمنين سمعت أبا هريرة يذكر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثاً إن كان كذلك فقد هلكنا ، فقالت : " إن الهالك من هلك بقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ، وما ذاك ؟ قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه ) ، وليس منا أحد إلا وهو يكره الموت ، فقالت : قد قاله رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وليس بالذي تذهب إليه ، ولكن إذا شخص البصر ، وحشرج الصدر ، واقشعر الجلد ، وتشنجت الأصابع فعند ذلك من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه " .
وكيف يزعم أن في الحديث ما يفيد أن موسى عليه السلام لا يحب لقاء ربه ، وقد خير - بعد أن تيقن أن الذي جاءه هو ملك الموت – بين الإمهال والعيش سنين عديدة بقدر ما تواريه يده من شعر الثور ، وبين الموت ، فاختار الموت حباً للقاء الله ، وشوقاً إلى ما عنده .
رابعاً : أن الصورة التي تصور بها ملك الموت غير الصورة الحقيقة التي خلقه الله عليها ، فلا يقال كيف تمكن موسى من الوقيعة بملك الموت ؟ ومن ثم فإن اللطمة إنما وقع تأثيرها على تلك الصورة العارضة ، ولم ينل الملك منها أي بأس ، وذلك لحكمة أرادها الله سبحانه ، حتى إذا رد الله عليه عينه ، ورجع إلى موسى سليماً في صورة كاملة مع قرب الوقت ، كان ذلك أقوى في اعتباره .
وأما لماذا لم يدافع الملك عن نفسه مع قدرته على إزهاق روح موسى وأمر الله له بذلك ؟! فقد سبق أن الأمر كان للابتلاء و الاختبار ، وأن الله جل وعلا لم يبعث ملك الموت لموسى وهو يريد قبض روحه حينئذ ، ولم يأمره أمراً يريد إمضاءه ، ولو أراد سبحانه أن يقبض روح موسى عليه الصلاة والسلام حين لطم الملك ، لكان ما أراد ، وهو الذي يقول للشيء كن فيكون ، فمن كان له اعتراض فليعترض على حكمة الله .
وأما ضياع حق الملك وعدم الاقتصاص له ، فمن أين لهذا المبتدع مشروعية القصاص بين الملائكة والبشر ؟! ، ومن أخبره أن ملك الموت طلب القصاص من موسى فلم يقتص له؟! ، وما الدليل على أن ذلك كان عمداً حتى يطالب بالقصاص ؟! ، هذه كلها أسئلة تحتاج إلى إجابة ، وتوقيف عن الشارع ، وإلا فهو التخرص والافتئات على الشريعة .
إن هذا الحديث وأمثاله موطن من مواطن امتحان إيمان المرء بالغيب ، وتسليمه لله ولرسوله ، وانقياده لشريعته ، وعدم تقديم شيء بين يديها من العقول والآراء ، ومن أجل هذا ذكره أهل العلم في جملة الأمور التي يجب على العبد اعتقادها والإيمان بها وتصديقها ، شأنه في ذلك شأن أحاديث الإسراء والمعراج ، وأحاديث أشراط الساعة ، وأشباه ذلك مما صح به النقل من قضايا الغيب ، وأمور الاعتقاد .
قال الإمام ابن قدامة رحمه الله في رسالته المسماة بـ" لمعة الاعتقاد " : " ويجب الإيمان بكل ما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - وصح به النقل عنه ، فيما شاهدناه أو غاب عنا ، نعلم أنه حق وصدق ، وسواء في ذلك ما عقلناه وجهلناه ، ولم نطلع على حقيقة معناه ، مثل حديث الإسراء والمعراج ........ومن ذلك أن ملك الموت لما جاء إلى موسى عليه السلام ليقبض روحه لطمه ففقأ عينه فرجع إلى ربه ، فرد عليه .... إلخ .
فالواجب على المسلم كمال التسليم لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم – ، وتلقي خبرهما بالقبول والتصديق ، وعدم معارضته بالعقول الفاسدة والآراء السقيمة ، شعاره في ذلك : " سمعنا وأطعنا وسلَّمنا " ، {آمنا به كل من عند ربنا } .

المجاهد
29-01-2014, 10:12 AM
القصه الثامنة



ما شطه ابنه فرعون

لقد ذكر الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه ليلة أسريَ به إلى بيت المقدس وجد رائحة طيبة ملأت صدره الطاهر وآنسته في مسراه ، فالتفت إلى رفيق سفره وأمين الله في رسالاته إلى الأنبياء الكرام يسأله عن سر هذه النسمة المباركة فقال :
يا أخي جبريل ؛ ماهذا العبق الآخّاذ الذي ملأ المكان .
قال جبريل : هذه رائحة قير ماشطة ابنة فرعون وزوجها وابنهما .
قال الرسول صلى الله عليه وسلم : كأن فرعون قتلهم ؛ أليس كذلك يا أخي جبريل ؟
قا جبريل : بلى يا محمد ؛ أصبت كبد الحقيقة .
قال : هذا دأب الظالمين ، قد خبـِرت الكثير من أمثال فرعون في مكة وغيرها .
قال جبريل : هم كذلك في كل زمان ومكان ، نسخة واحدة تتكرر في البطش والتنكيل ، وظلم البشر ، والتجبر عليهم .
قال النبي صلى الله عليه وسلم : فما قصتهم يا أخي جبريل ؟.
قال : كان الرجل وزوجته من المؤمنين الأتقياء - إن الطيور على أشكالها تقع – رزقا طفلاً أرضعاه لبن الإيمان والتقوى ، وكانا يكتمان إيمانهما في هذا السيل من الكفر الطامي ، وكلما وجدا في إنسان بذرة خير واطمأنا إليه دعَواه إلى الإيمان بالله الواحد الأحد ، الفرد الصمد ، الذي لم يلد ، ولم يولد ، ولم يكن له كفواً أحد . ويظل الداعية آمناً في حياته إذا لزم جانب الحذر ، وعرف كيف يظهر إيمانه ومتى؟
لكنّ الحذر لا ينجي من القدَر . والدنيا دار ابتلاء يسعد فيه من نجح في الامتحان ، ويهوي فيه من نكص على عقبيه . وباع باقياً بزائل .
قال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم : فكيف كُشف أمرُهما ؟
قال جبريل عليه السلام : بينما كانت المرأة تمشّط شعر بنت فرعون وقع المشط من يدها ، فانحنت تتناوله قائلة باسم الله . .. فانتبهت ابنة فرعون إلى قولها ، وكأنها استحسنته . فابتسمت بوجه المرأة تشكرها على إيمانها القوي بالمتألّه المتكبر فرعون . ثم قالت لها متلطفة ومتأكدة بآن واحد : تقصدين أبي - الإله العظيم – أليس كذلك ؟.
لو أرادت المرأة أن تستدرك ما قالته لأجابت إجابة مبهمة ملمّحة ليست واضحة ، كأن تبتسم بوجه الفتاة ، وتغبطها على حبها لأبيها ، أو تتمتم بألفاظ غير مفهومة توحي بالاعتذار ، أو تشاغلها بحديث آخر يبعدها عن الجواب ..
ولعل امتعاضها من هذا السؤال غير المتوقع كشف خبيئتها ، وفضح مستورها ... ولعلها ظنت بالفتاة خيراً ، ورأت الوقت مناسباً للمصارحة بالحقيقة والدعوة إلى الله .. ولم لا؟ فامرأة فرعون نفسها آمنت بالله رباً واحداً لا شريك له ، وبموسى عليه السلام نبياً ، وكفرت بزوجها الدعيّ المتجبّر ، وسألت الله تعالى أن ينجيها من فرعون وعمله ، وأن يبني لها بيتاً في الجنة ، فلم لا تكون ابنتها مثلها ؟!
قال المرأة : بل باسم الله خالق السموات والأرض ، رب العالمين .
قالت الفتاة : أنت تقصدين والدي بالطبع .
قالت المرأة بل أقصد الله ربي وربـَّك وربَّ أبيك .
قالت الفتاة محتدّة : ماذا تقولين يا مرأة ؟
قالت الماشطة بهدوء واتزان : إن أباك بشر مثلي ومثلك يا ابنتي ، لا حول له ، ولا قوة ، وما فرعون إلا رجل كبقية الرجال يأكل ويشرب ، وينام ويستيقظ ، ويمرض ويصح ... إنه مخلوق يا ابنتي ، فلا تغرّنّك المظاهر الكاذبة الخادعة .
قالت الفتاة الغرّيرة مستاءة ممن حطّم آمالها الطفولية بأبيها – وكل فتاة بأبيها معجبة – لأشكونّك إلى أبي ما لم تعودي عن قولك هذا .
قالت الماشطة : بل تعس أبوك من متكبر لا يؤمن بيوم الحساب .
انظر معي أخي وانظري معي اختي
فهذه قصة أمرأه كانت تعيش في قصر فرعون، كانت أمرأه صالحه تعيش مع زوجها في ظل ملك فرعون ، وكانت مربيه لبنات فرعون ، منّ الله عليها وعلى زوجها بالإيمان ، فعلم فرعون بإيمان زوجها فقتله، فصبرت المرأة و احتسبت و ثم لم تزل تخدم و تمشط بنات فرعون ، تنفق على أولادها الخمسة ، تطعمهم كما تطعم الطير أفراخها ، فبينما هي تمشط ابنة فرعون يوما ، إذ وقع المشط من يديها فقالت< بسم الله >> فقالت ابنة فرعون : الله أبي .. فصاحت الماشطة بابنة فرعون و قالت : كلا بل الله ربي وربك و رب أبيك ،،، فتعجبت البنت أنه ُعبد غير أبيها ، ثم أخبرت أباها فرعون بذلك فعجب أن يوجد في القصر من يعبد غيره ، فدعا بها و قال لها : من ربك .. قالت
ربي الله ، فغضب عند ذلك فرعون ، و أمرها بالرجوع عن دينها ، وحبسها و ضربها , لكنها ثبتت على الدين , فأمر فرعون بقدر من نحاس ثم ملأت بالزيت ، ثم أحمي حتى غلا، و أوقفها أمام القدر فلما رأت العذاب ، أيقنت إنما هي نفس واحدة ، تخرج و تلقى ربها ، فصبرت على ما أصابها فعلم فرعون أن أحب الناس إليها أولادها الخمسة الأيتام الذين تكدح و تطعمهم فأحضر أبنائها الخمسة ، تدور أعينهم لا يدرون إلى أين يساقون فلما رأوا أمهم تعلقوا بها يبكون ، فبكت و أقبلت عليهم تقبلهم ، و تبكي بين أيديهم ، ثم أخذت أصغرهم و ضمته إلى صدرها ، و ألقمته ثديها ، فلما رأى فرعون هذا المنظر أمر بأكبرهم فجره الجنود ثم رفعوه إلى الزيت المقلي و الغلام يصيح بأمه و يستغيث و يسترحم الجنود و يتوسل إلى فرعون يحاول الفكاك و الهرب ينادي أخوته الصغار و يضرب الجنود بيديه الصغيرتين ، وهم يصفعونه و يدفعونه ، و أمه تنظر إليه تودعه ... فما هي إلا لحظات ... حتى إذا غيّب ذلك الصغير بالزيت ، و الأم تبكي و تنظر إليه و أخوته يغطون أعينهم بأيديهم الصغيرة ، حتى إذا ذاب لحمه من على جسمه النحيل وطفحت عظامه بيضاء فوق الزيت ، نظر إليها فرعون ثم أمرها بالكفر بالله ، فأبت عليه ذلك، و عندها غضب عليها فرعون و أمر بولدها الثاني ، فسحب من عند أمه و هو بكي و يستغيث ... فما هي إلا لحظات ... حتى ألقي في ذلك الزيت ، وهي تنظر إليه ، فطفحت عظامه بيضاء ، واختلطت بعظام أخيه ، و الأم ثابتة على دينها ، موقنة بلقاء ربها ، ثم أمر فرعون بالولد الثالث فسحب ثم قرب إلى القدر المغلي ثم حمل و غيب بالزيت ، وفعل به كما فعل بأخويه ، و الأم ثابتة على دينها ، عند ذلك صاح فرعون بالجنود ، و أمر بالطفل الرابع أن يلقى بالزيت ، فأقبل الجنود عليه و كان صغيرا ، قد تعلق بأثواب أمه فلما جذبه الجنود بكى و انطرح على قدمي أمه و دموعه تجري على رجليها ، وهي تحاول أن تحمله مع أخيه ، تحاول أن تودعه ، و تقبله و تشمه ، قبل أن فارقها ، فحالوا بينه و بينها ، وحملوه من يديه الصغيرتين و هو يبكي و يستغث و يتوسل بكلمات غير مفهومه ، وهم لا يرحمونه .. وما هي إلا لحظات .. حتى غرق الصغير بالزيت المغلي و غاب الجسد و انقطع الصوت ، وشمت أمه رائحة لحمه و علت عظامه صغيره بيضاء فوق الزيت يتقلب بها ، و نظرت الأم إلى العظام و قد رحل عنها إلى دار أخرى ،وهي تبكي و تتقطع لفراقه ..فطالما ضمته إلى صدرها و أرضعته من ثديها .. طالما سهرت لسهره .. و بكت لبكائه .. كم ليلة بات في حجرها و لعب شعرها كم قربت منه ألعابه .. و ألبسته ثيابه ، بكت و جاهدت نفسها أن تتجلد و تتماسك ، فالتفتوا إليها ثم تدافع الجنود عليها و انتزعوا الطفل الخامس الرضيع من يديها وكان قد التقم ثديها ثم انتزع منها ، صرخ الصغير و بكت المسكينة فلما رأى الله تعالى ذلها و انكسارها و فجيعتها بولدها ... أنطق الله تعالى الصبي في مهده و قال لــــــــــــها :


(( يـــــا. أمـــــــــــاه اصبري فإنك على الـــــــــــــــــحق ))


ثم ألقي في الزيت و انقطع صوته عنها و غيّب في القدر مع أخوته ... مات ... و في فمه بقايا من حليبها، و في يده شعره من شعراتها ، و على أثوابه قطرات من دموعها .. ذهب الأولاد الخمسة .. وهاهي عظامهم يلوح بها القدر و لحمهم يفور به الزيت ، تنظر المسكينة إلى هذه العظام .. إنها عظام أولادها ، اللذين طالما ملؤو عليها البيت ضحكا و سرورا .. إنهم فلذات كبدها .. و عصارة قلبها اللذين لما فارقوها ، كأن قلبها قد أخرج من صدرها .. طالما ركضوا إليها ، و ارتموا بن يديها ، طالما ضمتهم إلى صدرها و ألبستهم ثيابهم بيدها و مسحت دموعهم بأصابعها .. ثم هاهم اليوم ينتزعون من بين يديها و يقتلون أمام ناظريها .. كانت تستطيع أن تحول بينهم و بين العذاب بكلمة كفر تسمعها فرعون ، لكنها علمت أن ما عند الله خير و أبقى ... ثم لم يبقى إلى هي .. أقبل عليها الجنود ثم دفعوها إلى القدر فلما حملوها ليلقوها بالزيت نظرت إلى عظام أولادها .. فتذكرت اجتماعها معهم في الحياة فالتفتت إلى فرعون و قالت: لي إليك حاجه ثم صاح بها و قال ما حاجتك فقالت أن تجمعوا عظامي و عظام أولادي فتدفنوها ف قبر واحد .. ثم أغمضت عينيها و ألقيت في القدر مع أولادها و احترق جسدها و طفت عظامها .


فلله درها ما أعظم ثباتها و أكثر ثوابها ، و لقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء شيئا من نعيمها فحدث به أصحابه فقال لهم فيما رواه البيهقي : (( لما أسرى بي مرت بي رائحة طيبه فقلت ما هذه الرائحة فقيل لي هذه ماشطة بنت فرعون و أولادها )) .


الله أكبر.. تعبت كثيرا لكنها استراحت كثيرا ، و قد قال الله تعالى في شأنها (( ولا تحسبن اللذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون ))
مضت هذه المرأة المؤمنة إلى خالقها ،وجاورت ربها و يرجى أن تكون اليوم في جناة و نهر ، في مقعد صدق عند مليك مقتدر .. يرجى أنها اليوم أحسن منها في الدنيا حالا و أكثر نعيما و جمالا
و عند البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( لو أن امرأة من أهل الجنة اطلعت على أهل الأرض لأضاءت ما بينهما و لملأته ريحا ، و لنصفيها على رأسها خير من الدنيا و فيها
اتمني ان يقراء هذا الكلام اهل الشام الحبيبه وكل مسلم علي وجه الأرضالأرض

المجاهد
06-02-2014, 04:33 PM
القصه التاسعه
نبي الله ايوب يغتسل
بسم الله الرحمن الرحيمعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( بيناأيوب عليه السلام يغتسل عرياناً، فخَرّ عليه جرادٌ من ذهب، فجعل أيوبيحتثي في ثوبه، فناداه ربّه : يا أيوب ، ألم أكن أغنيتك عما ترى ؟، قال : بلى وعزّتك، ولكن لا غنى بي عن بركتك ) راوه البخاري .


وفي رواية أخرى : ( .. خَرَّ عليه رِجْلُ جراد من ذهب ) رواه البخاري .


وفي رواية الإمام أحمد : ( فقيل : يا أيوب ، ألم يكفك ما أعطيناك ؟، قال : أي ربّ، ومن يستغني عن فضلك ؟ ) .


الشرح وبعض فوائد القصّة
رحلة أيوب عليه السلام الطويلة مع البلاء قصّةٌ معروفة لدى كثيرٍ من المسلمين، بيّنها الله في كتابه، وأُشير إليها في عدد من المواضع في السنّة النبويّة، حيث استطاع بعونٍ من الله أن يجتاز أنواعاً من البلاء في الأهل والمال، والنفس والبدن، فعوّضه الله عن ذلك كلّه ؛ رحمةً منه وذكرى للعابدين .


لكن حديثنا هنا عن جانبٍ آخر من حياة هذا النبي الكريم، إنه الحديث عن مرحلة ما بعد البلاء والتضييق، والشدّة والكرب، وبشكلٍ أكثر تحديداً : عن موقفٍ ذكره النبي – صلى الله عليه وسلم – في حديثٍ صحيح، يبرز فيه فضل الله الواسع على الأنبياء وإكرامه لهم .


ففي أحد الأيّام، وبينما كان سيّدنا أيوب عليه السلام يغتسل لوحده، متجرّداً من ثيابه، وفي محلٍّ مأمون عن الأنظار، إذا بأعداد كبيرة من الجراد تسقط عليه من السماء، غير أن لون ذلك الجراد لم يكن باهت اللون كما هو معهود، بل كان أصفر اللون، غالي الثمن، يبرق تحت أشعّة الشمس، لأنه من الذهب الخالص الباهظ الثمن، القليل منه كفيلٌ بنقل الفقير المُعدم إلى مصافّ الأغنياء المقتدرين .


ولما رأى أيوب عليه السلام منظر الجراد وهو ينهال عليه من فوقه، جعل يلتقطه ويضعه في ثيابه، وفي هذه الأثناء ناداه ذو الجلال من عليائه قائلاً : ( يا أيوب ، ألم أكن أغنيتك عما ترى ؟ ) ، فأجابه أيوب عليه السلام إجابة المعترف بإنعام الله عليه وإحسانه إليه بعد طول البلاء ومرارة العناء : ( بلى وعزّتك، ولكن لا غنى بي عن بركتك ) ، فالحال إذن أنه عليه السلام أراد الاستكثار من الحلال والاستمتاع بطيّبات الحياة، بما يتوافق مع الطبيعة البشريّة ويتلاءم معها .


وقفات مع القصّة
أعظم الدروس التي نستلهمها من هذه القصّة أنه لا غنىً لأحد عن بركة الله تعالى وإحسانه على عباده، وأن تحصيل ذلك أمرٌ مشروع عند الخلائق كلّها حتى الأنبياء والرسل عليهم السلام، وقد كان من دعاء النبي – صلى الله عليه وسلم - : ( وبارك لي فيما أعطيت ) رواه أحمد .


وأن حبّ المتاع الدنيوي قضيّةُ مركوزة في النفوس كما قال عزّوجل : { زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب }

ومثل هذا التجاوب مع الفطرة البشريّة ليس عيباً في حدّ ذاته ولا حرج فيه، كما أنّه لا يتنافى مع مبادئ العبوديّة ولوازمها، ولذلك توالت الآيات في التنبيه على خيرات الأرض وإباحة السعي في تحصيلها، نجد ذلك في قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون } وقوله تعالى : { هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور }
والضابط في المسألة أن يستخدم المرء ماله في الأمور المشروعة والمباحة وألا يشغله عن طاعة الله وعبادته، وأفضلُ من ذلك أن يستعين به على أمور معاده، وهو ما حصل لنبي الله أيوب عليه السلام حيث إن الرزق الذي تحصّل لأيوب لم يشغله عن الشكر الواجب لتلك النعم بالقول والعمل .


كما تدل القصه على جواز الحلف بصفة من صفات الله تعالى، وذلك مستفادٌ من قول أيوب عليه السلام : ( بلى وعزّتك )

المجاهد
12-02-2014, 01:59 AM
القصه العاشره رجل لم يعمل خيرا قط
جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( قال رجل لم يعمل خيرا قط : فإذا مات فحرقوه ، واذروا نصفه في البر ، ونصفه في البحر ؛ فوالله لئن قدر الله عليه ليعذبنه عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين ، فأمر الله البحر فجمع ما فيه ، وأمر البر فجمع ما فيه ، ثم قال : لم فعلت ؟ ، قال من خشيتك وأنت أعلم ، فغفر له ) متفق عليه .
وفي رواية للبخاري : ( أن رجلا كان قبلكم رغسه الله مالا ، فقال لبنيه لما حضر : أي أب كنت لكم ؟ قالوا : خير أب ، قال : فإني لم أعمل خيرا قط ) . وفي رواية أخرى : ( فإنه لم يبتئر عند الله خيرا) .
شرح القصّة وبعض الفوائد
في يومٍ عاصف، وجوِّ شديد الحرارة، تقدّمت جنازةٌ مهيبة محمولة على الأكتاف، والذي باشر حملها وسار على إثرها هم ذريّة الميّت وأولاده، وقد ألقى الحزن بظلاله على الجميع.
وكان من المتوقّع مع المشاعر الصادقة والأحاسيس المخلصة التي أبداها الحضور، أن يتمّ دفن الميّت وإكرامه في مثواه، لكننا نفاجأ بأنهم كانوا يتوجّهون بالجنازة إلى أتونٍ مشتعلٍ فيقذفونها فيه، لتلتهمها النيران وتحيلها إلى جثّة متفحّمة ، وبعد ذلك قاموا بأخذ ما بقي من الرّفات وسحقه حتى صار رماداً، ثم أخذوا هذا الرماد فرموا نصفه في البرّ، والنصف الآخر في البحر.
والمفارقة التي تثير العجب هنا، أن الحاضرين الذين باشروا هذا العمل القاسي في ظاهره، كانوا يرونه قمّة البرِّ والوفاء لصاحبه، ولم تخالج نفوسهم قطّ مشاعر الندم وتأنيب الضمير، وهنا يحقّ لنا أن نتساءل : ما الذي دفعهم إلى فعل ذلك ؟ وكيف برّروا لأنفسهم أن يُقدموا على فعلتهم الشنيعة ؟ ولماذا اختاروا هذه الكيفيّة العجيبة في التعامل مع تلك الجنازة ؟
أسئلة كثيرة وأسرارٌ عجيبة، لن نعلم جوابها أو نكشف ملابساتها إلا بالرجوع إلى أصل الحادثة، المرويّة عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في الحديث الذي صحّ عنه .
ومبدأ القصّة أن رجلاً ممن كان قبلنا، أنعم الله عليه بالمال الوفير، وبدلاً من شكر هذه النعمة واستخدامها فيما يُرضيه عزّ وجل، جعل يبعثرها في شهوات نفسه ورغبات أهوائه، حتى لم يترك باباً من أبواب المعاصي إلا ولجه، فكانت صفحات حياته سوداء مظلمة ليس فيها بارق خير.
وتمرّ الأيام وتتعاقب السنون، والرجل سادرٌ في غيّه وطغيانه، وعندما أوشكت النهاية، استعرض الرّجل حياته، فلم يجد فيها ما يسرّ الحال، فدبّ الخوف في نفسه، واستعظم أن يقابل الله جلّ وعلا بهذا الكمّ الهائل من الذنوب، وتفكّر فيما ينتظره من أهوال القيامة وشدائدها، وعذاب النار وسعيرها.
وظلّ الرّجل يؤرّقه هذا الخاطر، ويفكّر في طريق الخلاص، حتى اهتدى إلى فكرة عجيبة، ما أن استقرّ عليها حتى جمع أولاده بين يديه، ثم قال لهم : ( أي أب كنت لكم ؟ ) فقالوا : ( خير أب ) ، عندها ألقى عليهم وصيّته الأخيرة إذا أنا مت فأحرقوني ثم اطحنوني ثم ذروني في الريح ) ، وجاء في رواية أخرى للحديث قوله : ( ثم اذروا نصفي في البحر ونصفي في البرّ؛ فإني لم أعمل خيراً قط ) .
ونسي الرّجل في غمرة خوفه أن الذي خلق السماوات والأرض، وما فيهما من النجوم والكواكب، والدوابّ والخلائق، لن يعجزه أن يعيد واحداً من عباده إلى سيرته الأولى، ولو تفرّق رفاته في الهواء.
وكذلك كان الحال، وبكلمة (كن) عاد الرّجل كما كان، فسأله ربّه عزّ وجل : ( ما حملك على الذي صنعت ؟ ) .
لم يكن السؤال متعلّقاً بمعاصيه السابقة وذنوبه الفائته، إنما توجّه إلى وصيّته التي أوصى بها قبل موته، ويأتي جوابه : ( خشيتك وأنت أعلم )ليدلّ على أن الخوف قد ملك على الرّجل قلبه فأعماه عن إدراك حدود قدرة الله المطلقة وإرادته الشاملة، ونظراً إلى ما قام في قلبه من التعظيم والهيبة تجاوز الله عنه فغفر له .
وقفات مع القصّة
دار خلافٌ طويل بين العلماء حول توجيه قول الرّجل : ( لئن قدر علي ربي ليعذبني عذابا ما عذبه أحدا ) مع استشكال حصول المغفرة بالرّغم مما صدر عنه، وحاصل أقوالهم كالتالي :
القول الأوّل : أن قوله : ( لئن قدر علي ربي ) إنما هو بتشديد الدال : (قدّر) ، فتكون من باب القضاء والقدر، ومثل هذا القول يخرج الحديث عن معناه؛ إذ لو كان هذا هو مقصود قوله، لما كان في طلب إحراقه وطحنه فائدةٌ تذكر، لعلمه أن العذاب لاحقٌ به في كلّ الأحوال.
القول الثاني : أن قوله : ( لئن قدر علي ربي ) بمعنى (ضيّق) ، واستدلّ القائلون بذلك بالآية الكريمة : { ومن قدر عليه رزقه } والآية الأخرى : { وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه } وفي كلتيهما جاءت كلمة (قدر) بمعنى (ضيّق)، وهذا المعنى لا يتناسب كذلك مع السياق، لأن الرّجل قد عبّر بفاء السببيّة فقال : ( فوالله لئن قدر الله علي ) ولا تناسب بين الأمر بتحريقه وبين الخوف من تضييق الله عليه، بخلاف ما لو جعلنا اللفظ (قَدَرَ) على حقيقته –أي مأخوذ من القدرة- فالمناسبة حينها ظاهرة .
القول الثالث : أن الرّجل لما قال ذلك كان في حال دهشته وغلبة الخوف عليه، حتى لم يعد يعقل حقيقة ما يقول، ولو رجعنا إلى ألفاظ الحديث برواياته المختلفة وجدنا أن الرّجل قد حدّد لأولاده بدقّة ما يجب عليهم القيام به، وأنّه قد أخذ عليهم العهود والمواثيق، ومثل ذلك لا يصدر عن المذهول والمدهوش.
القول الرابع : أنه كان في شرع أولئك القوم جواز المغفرة للكافر، ولا يخفى بطلان هذا القول لمناهضته أصل دعوة التوحيد التي قامت عليها السماوات والأرض.
القول الخامس : وهو أقربها للصواب ، أن الرّجل لم يكن عالماً بجميع ما يستحقه الله من الصفات، ولا مدركاً للقدرة الإلهيّة على وجه التفصيل، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : " فهذا رجل شك في قدرة الله وفي إعادته إذا ذري، بل اعتقد أنه لا يعاد، وهذا كفرٌ باتفاق المسلمين، لكنه كان جاهلاً لا يعلم ذلك، وكان مؤمناً يخاف الله أن يعاقبه، فغفر له بذلك "، ويكون الحديث بذلك دليلاً على مسألة الإعذار بالجهل في بعض التفاصيل المتعلّقة بقضايا الإيمان.
وصلي اللهم علي نبينا محمد وعلي اله وصحبه وسلم

المجاهد
18-02-2014, 09:49 PM
القصه الحادية عشر حبس الشمس
(http://t3.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcToYWISaHrQ4 Wum5pVraAXpZ9qn3r2vJAgoqoc1IBc Cz1wUzZ0eUg)





حبس الشمس لنبي الله يوشع بن نون ؛.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ تقَالَ:قَالَ رَسُولُ الله : «غَزَا نَبِيٌّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ فَقَالَ لِقَوْمِهِ:« لَا يَتْبَعْنِي رَجُلٌ مَلَكَ بُضْعَ امْرَأَةٍ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَبْنِيَ بِهَا وَلَـمَّـا يَبْنِ بِهَا ، وَلَا أَحَدٌ بَنَى بُيُوتًا وَلَمْ يَرْفَعْ سُقُوفَهَا ،وَلَا أَحَدٌ اشْتَرَى غَنَمًا أَوْ خَلِفَاتٍ وَهُوَ يَنْتَظِرُ وِلَادَهَا ».
فَغَزَا فَدَنَا مِنْ الْقَرْيَةِ صَلَاةَ الْعَصْرِ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ ، فَقَالَ لِلشَّمْسِ:« إِنَّكِ مَأْمُورَةٌ وَأَنَا مَأْمُورٌ، اللهمَّ احْبِسْهَا عَلَيْنَا ».
فَحُبِسَتْ حَتَّى فَتَحَ الله عَلَيْهِ ، فَجَمَعَ الْغَنَائِمَ فَجَاءَتْ ـ يَعْنِي النَّارَ ـ لِتَأْكُلَهَا فَلَمْ تَطْعَمْهَا.
فَقَالَ:«إِنَّ فِيكُمْ غُلُولًا ؛ فَلْيُبَايِعْنِي مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ رَجُلٌ» فَلَزِقَتْ يَدُ رَجُلٍ بِيَدِهِ ، فَقَالَ :« فِيكُمْ الْغُلُولُ ؛ فَلْيُبَايِعْنِي قَبِيلَتُكَ».
فَلَزِقَتْ يَدُ رَجُلَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ بِيَدِهِ ، فَقَالَ:« فِيكُمْ الْغُلُولُ» ، فَجَاءُوا بِرَأْسٍ مِثْلِ رَأْسِ بَقَرَةٍ مِنْ الذَّهَبِ فَوَضَعُوهَا ؛ فَجَاءَتْ النَّارُ فَأَكَلَتْهَا، ثُمَّ أَحَلَّ الله لَنَا الْغَنَائِمَ ، رَأَى ضَعْفَنَا وَعَجْزَنَا فَأَحَلَّهَا لَنَا » .
(رواه البخاري ومسلم).
غَزَا نَبِيٌّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ : أَيْ أَرَادَ أَنْ يَغْزُوَ . وَهَذَا النَّبِيُّ هُوَ يُوشَعُ بْنُ نُون ؛ فقَدْ وَرَدَ مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحَةٍ أَخْرَجَهَا الإمام أَحْمَدُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ تقَالَ :قَالَ رَسُولُ الله : «إِنَّ الشَّمْسَ لَمْ تُحْبَسْ لِبَشَرٍ إِلَّا لِيُوشَعَ بْنِ نُون لَيَالِيَ سَارَ إِلَى بَيْتِ الْـمَقْدِسِ ».
** بُضْعَ اِمْرَأَةٍ : الْبُضْع: النِّكَاحُ ؛ يُقَالُ مَلَكَ فُلَانٌ بُضْعَ فُلَانَةَ .
وَلَـمَّا يَبْنِ بِهَا: أَيْ وَلَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهَا .
**خَلِفَاتٍ: جَمْعُ خَلِفَةٍ وَهِيَ الْحـَامِلُ مِنْ النُّوقِ ، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى غَيْرِ النُّوقِ .
**وِلَادَهَا :نتاجها.
** فَغَزَا : أَيْ بِمَنْ تَبِعَهُ مِمَّنْ لَمْ يَتَّصِفْ بِتِلْكَ الصِّفَةِ.
** فَدَنَا مِنْ الْقَرْيَةِ : أَيْ قَرَّبَ جُيُوشَهُ لَهَا.
** فَقَالَ لِلشَّمْسِ:« إِنَّكِ مَأْمُورَةٌ وَأَنَا مَأْمُورٌ »:أَمْرَ الْـجَمَادَاتِ أَمْرُ تَسْخِيرٍ ، وَأَمْرَ الْعُقَلَاءِ أَمْرُ تَكْلِيفٍ.
**اللهمَّ اِحْبِسْهَا عَلَيْنَا: أَيْ قَدْرَ مَا تَنْقَضِي حَاجَتُنَا مِنْ فَتْحِ الْبَلَدِ.
** فَجَمَعَ الْغَنَائِمَ فَجَاءَتْ ـ يَعْنِي النَّارَ ـ لِتَأْكُلَهَا فَلَمْ تَطْعَمْهَا:أَيْ لَمْ تَذُقْ لَهَا طَعْمًا ، وَهُوَ بِطَرِيقِ الْـمُبَالَغَةِ.
**إِنَّ فِيكُمْ غُلُولًا :الغُلُولُ هُوَ السَّرِقَةُ مِنْ الْغَنِيمَةِ.
** فَلْيُبَايِعْنِي مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ رَجُلٌ فَلَزِقَتْ : فِيهِ حَذْفٌ يَظْهَرُ مِنْ سِيَاقِ الْكَلَامِ ، أَيْ فَبَايَعُوهُ فَلَزِقَتْ.
** رَأَى ضَعْفَنَا وَعَجْزَنَا فَأَحَلَّهَا لَنَا: فِيهِ اِخْتِصَاصُ الْأُمَّةِ الإسْلاميَّة بِحِلِّ الْغَنِيمَةِ ، وَكَانَ اِبْتِدَاءُ ذَلِكَ مِنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ وَفِيهَا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿ فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا ﴾ فَأَحَلَّ الله لَهُمْ الْغَنِيمَةَ ، وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ اِبْنِ عَبَّاسٍ ت.
000الفوائد من القصه:000
- أَنَّ فِتَنَ الدُّنْيَا تَدْعُو النَّفْسَ إِلَى الْـهَلَعِ وَمَحَبَّةِ الْبَقَاءِ ؛ لِأَنَّ مَنْ مَلَكَ بُضْعَ اِمْرَأَةٍ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا أَوْ دَخَلَ بِهَا وَكَانَ عَلَى قُرْبٍ مِنْ ذَلِكَ ؛ فَإِنَّ قَلْبَهُ مُتَعَلِّقٌ بِالرُّجُوعِ إِلَيْهَا وَيَجِدُ الشَّيْطَانُ السَّبِيلَ إِلَى شَغْلِ قَلْبِهِ عَمَّا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ الطَّاعَةِ ، وَكَذَلِكَ غَيْرُ الْـمَرْأَةِ مِنْ أَحْوَالِ الدُّنْيَا.
ان الْأُمُورَ الْـمُهِمَّةَ لَا يَنْبَغِي أَنْ تُفَوَّضَ إِلَّا لِحَازِمٍ فَارِغِ الْبَالِ لَهَا ؛ لِأَنَّ مَنْ لَهُ تَعَلُّقٌ رُبَّمَا ضَعُفَتْ عَزِيمَتُهُ وَقَلَّتْ رَغْبَتُهُ فِي الطَّاعَةِ ، وَالْقَلْبُ إِذَا تَفَرَّقَ ضَعُفَ فِعْلُ الْـجَوَارِحِ وَإِذَا اِجْتَمَعَ قَوِيَ.
ان الامم السابقة كَانُوا يَغْزُونَ وَيَأْخُذُونَ أَمْوَالَ أَعْدَائِهِمْ وَأَسْلَابَهُمْ ، لَكِنْ لَا يَتَصَرَّفُونَ فِيهَا بَلْ يَجْمَعُونَهَا ، وَعَلَامَةُ قَبُولِ غَزْوِهِمْ ذَلِكَ أَنْ تَنْزِلَ النَّارُ مِنْ السَّمَاءِ فَتَأْكُلَهَا ، وَعَلَامَةُ عَدَمِ قَبُولِهِ أَنْ لَا تَنْزِلَ وَمِنْ أَسْبَابِ عَدَمِ الْقَبُولِ أَنْ يَقَعَ فِيهِمْ الْغُلُولُ ، وَقَدْ مَنَّ الله عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ وَرَحِمَهَا ، فَأَحَلَّ لَهُمْ الْغَنِيمَةَ ، وَسَتَرَ عَلَيْهِمْ الْغُلُولَ، فَطَوَى عَنْهُمْ فَضِيحَةَ أَمْرِ عَدَمِ الْقَبُولِ .

المجاهد
07-03-2014, 01:58 AM
القصه الثانية عشر
رجلا أصابه الجوع


عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي – صلى الله عليه وسلم قال : ( أصاب رجلاً حاجة ، فخرج إلى البرّية ، فقالت امرأته : اللهم ارزقنا ما نعتجن وما نختبز ، فجاء الرجل والجفنة ملأى عجيناً ، وفي التنور الشواء ، والرحا تطحن ، فقال : من أين هذا ؟ ، قالت : من رزق الله ، فكنس ما حول الرحا ) ، وقال عليه الصلاة والسلام : ( لو تركها لدارت أو طحنت إلى يوم القيامة )

شرح القصه وبعض الفوائد
جعل الله هذه الحياة الدنيا مليئةً بألوان المحن والبلايا ، والشدائد والرزايا ، والتي يجريها سبحانه وتعالى على عباده امتحاناً واختباراً ، ولابدّ من هذا البلاء للكشف عن معادن الناس ، فيتميّز الصادق من الكاذب ، والمخلص من المدّعي ، والمؤمن من المنافق .

ثم أن سنة البلاء التي أقام الله عليها هذه الحياة فرصةٌ مهمّة لتربية المؤمنين على مواجهة المصاعب والمتاعب ، والإعداد لتحمّل الآلام والشدائد ، مهما كان نوعها أو بلغت شدّتها ، فلا تذهب نفوسهم حسراتٍ مع كلّ فاجعة تصيبهم ، أو تجزع قلوبهم أمام كلّ محنة تحلّ بديارهم ، ولكن يواجهونها برباطة جأشٍ وثبات جنان.


ومن شيم المؤمنين وأخلاقهم إذا نزل بهم قضاء الله وقدره ، أن يلجؤوا إلى الركن الركين ، والحصن الحصين ، ويرفعوا أكفّ الضراعة إلى خالقهم ، موقنين أن طول البلاء مؤذن بقرب الفرج ، وأن وراء كل محنة منحة ، ووراء كل مصيبة حكمة .


ولعل القصّة التي حكاها النبي – صلى الله عليه وسلم - مثالٌ حيّ على النفوس المؤمنة الصابرة ، الراضية الشاكرة ، المربوطة بالله سبحانه وتعالى في أحوال الدنيا وتقلّباتها ، فاستحقّت بذلك حصول الفَرَج ، واستيفاء الأجر ، على نحوٍ تظهر فيه عظمة الله وقدرته ، وحكمته وتدبيره .


فنحن أمام قصّة رجل مع زوجته ، عضّهما الفقر بنابه ، ونفد كل ما لديهما من زاد وطعام ، فلم يجدا بُدّاً من الخروج إلى البرّية ؛ علّهما أن يظفرا بشيء يصلح طعاماً لهما ، ويخفّف من جوعهما .


وطال البحث ، لكن من غير طائل ، إذلم يجدا شيئاً ، فقامت المرأة تناجي ربّها داعيةً أن يرزقهما شيئاً من الطحين يصنعون به خبزاً يأكلانه ، أو يمنّ عليهم بلحمٍ يطبخانه ، ولعلّه لم يدر في خاطرها أن يكون الفرج الإلهيّ لهما آية عظيمة يتحدّث بها التاريخ ، ويتناقلها الناس إلى قيام الساعة .


عاد الزوجان إلى البيت ، فإذا بهما يريان عجباً : وعاء مُلئ عجيناً ، ورحىً تطحن الحبّ من غير أن يحرّكها أحد ، وفرن يفوح برائحة الشواء ، فانقشعت عنهم الغمّة ، وظهر على محيّاهما البِشر .


وقام الرجل الصالح فكنس ما حول الرّحا من الطحين ، ولو ترك الأمر على حاله ، لاستمرّ الحجر في الدوران إلى يوم القيامة ، كما أخبر النبي – صلى الله عليه وسلم –
لقد عالجت القصّة بسياقها وأحداثها عدداً من القضايا ، فقرّرت حقائق مهمّة ، وأرست مباديء قيّمة ، كي يتربّى المسلم عليها ويعمل بمقتضاها .


حيث تظهر القصّة في المقام الأوّل قدرة الله تعالى ليزداد المؤمنون إيماناً ، وليعلموا أن شواهد القدرة الإلهيّة لا تنقطع عنهم آناء الليل وأطراف النهار ، يرونها بجلاء في كلّ ذرّة من ذرّات هذا الكون الفسيح ، لا يملك أحدٌ إنكارها ، وقد تناولت نصوص قرآنيّة عديدة هذا الجانب من صفات الكمال الإلهيّ ، وإن مظاهر القدرة الإلهيّة في هذا الحديث بيّنة في تهيئة الطعام والشراب للزوجين الصالحين من غير سببٍ ظاهر ، ومن خلال الرحى التي كانت تطحن والقدر الذي يُطبخ من غير حاجة إلى أحد .


كما تبيّن القصّة أيضاً أن الله سبحانه وتعالى يجيب دعاء المضطرّين ، حين ينزل بهم البلاء ، وتحلّ بهم الهموم ، وتضيق عليهم السُبُل ، وتتخاذل عنهم الأسباب إلا سبب السماء ، كما قال تعالى ممتنّاً على عباده : { أم من يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكرون } ( النمل : 62 ) .


وفي القصّة إثباتٌ للكرامات التي يجريها الله تعالى على يد عباده الصالحين ، وتكون مخالفة لما اعتاده الناس من نواميس الكون وسننه ، إكراماً لهم وتأييداً لحالهم ، وقد تواترت نصوص الكتاب والسنّة على إثباتها ، وشهد التاريخ على وقوعها ، وإن حصرها فيمن استقام على شرع الله والتزم حدوده .


وأخيراً : فعلى المؤمن أن يعظم رجاؤه بالله ، وثقته به ، واعتماده عليه ، فالفرج يحصل سريعاً مع الكرب ، والعسر لابد أن يعقبه اليسر

المجاهد
14-03-2014, 05:30 PM
القصه الرابعه عشر.
رحمه الله العلي


عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر : ( أن امرأة بغيا رأت كلبا في يوم حار ، يطيف ببئر قد أدلع لسانه من العطش ، فنزعت له بموقها ، فغفُر لها ) رواه مسلم .


وعنه رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال : ( بينا رجل يمشي ، فاشتد عليه العطش ، فنزل بئراً فشرب منها ، ثم خرج ، فإذا هو بكلب يلهث يأكل الثرى من العطش ، فقال : لقد بلغ هذا مثل الذي بلغ بي ، فملأ خفّه ثم أمسكه بفيه ، ثم رقي فسقى الكلب ، فشكر الله له فغفر له )قالوا : يا رسول الله ، وإن لنا في البهائم أجرا ؟ ، قال : ( في كل كبدٍ رطبةٍ أجر ) رواه البخاري .




شرح القصّة وبعض الفوائد
مهما أوغلت النفوس البشريّة في بحار الذنوب وظلمات الغيّ ، ومهما أسرف أصحابها على أنفسهم بالمعاصي والموبقات ، فسيظلّ فيها بارقٌ من خير يلوح في جنباتها بين الحين والآخر ، يسوقها سوقاً إلى أعمال برٍّ وألوان عطفٍ وإحسان .


ذلك هو العنوان الرئيسي والقضيّة الكبرى ، والتي ذُكرت في القصّة الأولى من مشكاة النبوّة ، ومعين الرسالة ، في سياقٍ يبيّن سعة عفو الله ورحمته ، حتى تتلاشى أمامها ذنوب المذنبين ، وكبائر المسرفين .


إننا أمام بغيٍّ من بغايا بني إسرائيل ، لم تقع في صغيرة تمحوها الصلاة وأنواع الذكر ، ولم تزلّ قدمها في كبيرة من الكبائر لتقوم بعدها من كبوتها ، ولكنها امتهنت الفاحشة واستسهلت الرذيلة ، حتى صار ذلك لها علماً بين الناس .


وبينما هي تسير لحاجتها في يوم شديد الحرّ ، إذ لاحَ أمامها كلبٌ قد أخرج لسانه من شدّة الإعياء واللّعاب يتقاطر منه ، يقف بالقرب من بئر عميقة ، وينظر إلى قعره ، فيتمنّى لو حظي بشربةٍ تطفئ عطشه ، وتروي ظمأه .


حينها أدركتها الرحمة بهذا المخلوق البائس اليائس ، وفكّرت في نفسها : كيف يمكنها أن تقدّم لهذا الكلب قليلاً من الماء يدفع عنه ما نزل به من عطش ؟ ، فلم تجد أمامها سوى خفّها تملأ به الماء ، فنزلت البئر ، وملئت الخف ماءً ، ثم صعدت إلى أعلى البئر ، وكان الكلب لا يزال ينتظر لاهثاً .


وبالنسبة للمرأة انتهى الموقف عند هذا الحدّ ، ولعلّه لم يستوطن ذاكرتها طويلاً ، لكنّ الله سبحانه وتعالى لن يضيّع أجر من أحسن عملاً ، فكان صنيعها مع الكلب سبباً للتجاوز عن سيّئاتها ومغفرة ذنوبها ، كرماً منه وفضلاً .


أما القصّة الثانية فالصورة واحدة في أحداثها وتفاصيلها ، والفارق الذي نرصده هنا أن صاحب هذه القصّة رجلٌ وليس امرأة ، وأنّ الكلب قد بلغ به العطش مبلغاً جعله يلحس الأرض يبحث عن قطرةٍ تائهة بين ذرّاتها ، وأن الرجل كان يقاسم الكلب شعوره وحاجته ، ما دفعه ليُمسك الخفّ بفمه ويملأه بالماء ، ثم يقدّمه له .


ويُخبرنا الصادق المصدوق – صلى الله عليه وسلّم – كيف كان عمل هذا الرّجل موضع قبول وتقدير من الله سبحانه وتعالى : ( فشكر الله له ، فغفر له ) وهذا هو التعقيب الذي يُظهر الإحسان الإلهيّ في أبهى صوره .

إخواني
حقٌّ علينا أن نحمد ربّاً لا تُحصى آلاؤه عدداً، ولا تنقطع فضائله مدداً ، فقد وسعت رحمته كلّ شيء ، ونراه يعفو ويصفح عن المذنبين – كما حصل للبغيّ - ، ويكافئ ويجازي المحسنين – كما حدث مع الرّجل – أضعاف ما فعلوه ، وفوق ما استحقّوه ، فيا له من إلهٍ عظيم رحيم، صدق حين قال سبحانه : { ورحمتي وسعت كل شيء } ، وقال : { إن الله لا يضيع أجر المحسنين }

ولنتأمّل الجزاء العظيم الذي حظيت به المرأة ، ونقارنه بعظيم جرمها من جهة ، ويسير عملها الصالح من جهة أخرى ، حينها سنُدرك أن بواعث الأعمال في القلوب ترفع قدرها وقيمتها عند الله ، فإن تلك المرأة عندما أقدمت على سقي الكلب وصلت إلى مرتبةٍ عالية من الإخلاص والتجرّد ، ما كان سبباً في العفو عن ذنوبها السابقة ، ويوضّح شيخ الإسلام ابن تيميةذلك فيقول : " فهذا لما حصل فى قلبها – أي المرأة البغيّ - من حسن النية والرحمة " .


في هذه القصه دعوةٌ إلى الإحسان إلى الحيوان ، والرّفق به ،

المجاهد
09-04-2014, 02:44 PM
القصه الرابعه عشر
بادرني عبدي بنفسه

عن جندب بن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح ، فجزع ، فأخذ سكينا فحزّ بها يده ، فما رقأ الدم حتى مات ، قال الله تعالى : بادرني عبدي بنفسه ؛ حرّمت عليه الجنة ) رواه البخاري .






الشرح وبعض فوائدالقصّة

إذا استؤمن رجلٌ على أمانة ، وأُمر بأن يحافظ عليها ، ويتعاهدها بالرّعاية والعناية ، ثم رأيناه يبادر إلى إتلافها وإفسادها ، لكان جديراً بأن يُقال فيه : إنه مضيّعٌ لتلك الأمانة ، ومستوجبٌ للعقوبة ، ومستحقٌّ للوم والتوبيخ ، والذمّ والتقريع .







إذا كان هذا هو الحال في الواقع ، فينبغي أن نعلم أن حياة الإنسان وروحه وديعة إلهيّة ، ومنحة ربّانيّة ، لا يحقّ لصاحبها أن يضيّعها أو يفرّط فيها ، ولا يجوز له مهما كانت الأسباب والدوافع أن يزهقها ويتخلّص منها .







ولحرص النبي – صلى الله عليه وسلم – على معالجة هذه الظاهرة السلوكيّة المنحرفة ، لم يدخر جهداً في التحذير منها ، ولم يترك فرصة في التوعية بخطر الإقدام على مثل هذه التصرّفات الطائشة وغير المسؤولة ، وما الحديث الذي بين يدينا إلا بيان لخطر هذه الجريمة وحرمتها.







ويدور الحديث حول رجلٍ ممن كان قبلنا ، استعجل الموت والخلاص ، عندما وهنت قواه عن تحمّل ألمٍ أصابه .







ولعلّ الرّجل أُصيب في معركة ما ، أو جُرح في أحد أسفاره ، ونحن لا نعلم ذلك على وجه التحديد ، والمهمّ أنّه لم يُطق صبراً على نزف آلامه ، حتى ضعفت نفسه فسوّلت له أن يقطع يده بسكّين ، لينهي حياته .







تصرّفٌ يسير ظنّ فيه راحته من عناءٍ مؤقّت ، ولم يدرِ أنه بداية لسلسلة طويلة من العذاب الحقيقي ، بدءاً بحياة البرزخ ، وما فيها من أهوال وشدائد ، ومروراً بعرصات يوم القيامة ، مكلّلا بذلّ المعصية ، وانتهاء بدار العذاب والقرار ، بعد أن صدر في حقّه الحكم الإلهيّ : ( بادرني عبدي بنفسه ، حرمت عليه الجنة ) .






نعم أيها الأخوات

يعدّ الانتحار كبيرة في نظر الشرع ، وجريمة في حقّ النفس ، لكونه تضييعاً للفرصة في اغتنام الحياة ، والاستزادة من الصالحات ، والفوز بالعتق من النار ، لذلك اشتدّ الوعيد الإلهي على من يُقدم على مثل هذا الفعل في آيات كثيرة وأحاديث مشتهرة ، يأتي في مقدّمها قول الله تعالى : { ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما* ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا } ( النساء : 29-30 ) ، وقوله تعالى : { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } ( البقرة : 195 ) ، كما أنّ حرمة قتل النفس تدخل دخولاً أوّليّاً في النهي المذكور في قوله تعالى : { ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق } ( الأنعام : 151 ) .







وجاءت السنّة لتبيّن عظم هذه الجريمة ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ( من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجّأ بها في بطنه – أي يطعن بها بطنه - في نار جهنم خالدا مخلّداً فيها أبدا ، ومن شرب سماً فقتل نفسه فهو يتحسّاه – أي يشربه - في نار جهنم خالدا مخلّداً فيها أبداً ، ومن تردّى من جبل فقتل نفسه فهو يتردّى في نار جهنم خالدا مخلّداً فيها أبداً ) رواه مسلم .







ومما يتّصل بفقه هذه الجريمة ، أن لولي الأمر الامتناع عن الصلاة على من قتل نفسه ؛ تحذيراً للناس أن يحذوا حذوه ويقتدوا بفعله ، كما دلّ على ذلك حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أُخبر أن رجلاً قتل نفسه ، فقال : ( إذاً لا أصلي عليه ) رواه الإمام أحمد وأبو داود .







وإذا كان بعض ضعاف النفوس قد يقدمون على هذا الفعل الشنيع هروباً من الواقع ، وما يواجهونه من ضغوطٍ نفسيّة ، وصعوباتٍ اجتماعيّة ، أو غير ذلك من أسباب ، فإنّ المؤمن الحقّ يلجأ إلى ربّه في الشدائد ، ويدعوه في الملمّات ، ويواجه المصاعب بثبات ، ويتوكّل عليه في أمره كلّه ، لأنّه يعلم أنه يلجأ إلى الركن الركين ، والحصن الحصين ، وهو يعلم علم اليقين أنه سبحانه هو الذي : { يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء } ( النمل : 62 ) ، فحاله بين الشكر والصبر ، كما قال – صلى الله عليه وسلم - : ( عجباً لأمر المؤمن ، إن أمره كله خير ، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن ، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له )رواه مسلم .







ومما يجدر التنبيه عليه أن الوعيد الوارد في حقّ قاتل نفسه ، من التخليد في النار ، لا يعني الحكم بكفره ، بل هو مسلم عاصٍ ، وأمره إلى الله تعالى ، إن شاء تجاوز عن سيّء فعله ، وإن شاء عاقبه وعذّبه ، وبيان ذلك في قوله عزّ وجل : { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } ( النساء : 48 ) ، وقد جاء في السنّة صراحةً ما يدلّ على ذلك ، فقد أخبرالطفيل بن عمرو الدوسي رضي الله عنه أن أحد الصحابة قطع يده فمات ، فرآه الطفيل رضي الله عنه في منامه وهيئته حسنة ، ورآه مغطيا يديه ، فقال له : " ما صنع بك ربك ؟ " فقال : " غفر لي بهجرتي إلى نبيه - صلى الله عليه وسلم – " ، ودعا له النبي عليه الصلاة والسلام بقوله : ( اللهم وليديه فاغفر ) رواه مسلم .







ومن فقه هذه المسألة أيضاً ، أن نعلم معنى ( الخلود ) المذكور في حقّ المنتحر ، بأن المقصود منه - كما ذكر العلماء - ، طول المكث في جهنّم ، جمعاً بين الحديث وبين النصوص الأخرى التي تشير إلى خروج أصحاب التوحيد ، ممن كان يحمل في قلبه ذرّة من إيمان ، إلا من فعل ذلك على وجه الاستحلال ، فيكون كافراً باستحلاله ، لا بفعله .







والله تعالي اعلم

المجاهد
23-04-2014, 04:31 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
القصه الخامسه عشر




رواها البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أنه ذكر رجلا من بني إسرائيل , سأل بعض بني إسرائيل أن يُسْلِفَه ألف دينار , فقال : ائتني بالشهداء أُشْهِدُهُم , فقال : كفى بالله شهيدا , قال : فأتني بالكفيل , قال : كفى بالله كفيلا , قال : صدقت , فدفعها إليه إلى أجل مسمى , فخرج في البحر , فقضى حاجته , ثم التمس مركبا يركبها يقْدَمُ عليه للأجل الذي أجله , فلم يجد مركبا , فأخذ خشبة فنقرها فأدخل فيها ألف دينار , وصحيفةً منه إلى صاحبه , ثم زجَّجَ موضعها , ثم أتى بها إلى البحر , فقال : اللهم إنك تعلم أني كنت تسَلَّفْتُ فلانا ألف دينار , فسألني كفيلا , فقلت : كفى بالله كفيلا , فرضي بك , وسألني شهيدا , فقلت : كفى بالله شهيدا , فرضي بك , وأَني جَهَدتُ أن أجد مركبا أبعث إليه الذي له , فلم أقدِر , وإني أستودِعُكَها , فرمى بها في البحر حتى ولجت فيه, ثم انصرف , وهو في ذلك يلتمس مركبا يخرج إلى بلده , فخرج الرجل الذي كان أسلفه ينظر لعل مركبا قد جاء بماله , فإذا بالخشبة التي فيها المال , فأخذها لأهله حطبا, فلما نشرها , وجد المال والصحيفة , ثم قَدِم الذي كان أسلفه , فأتى بالألف دينار , فقال : والله ما زلت جاهدا في طلب مركب لآتيك بمالك فما وجدت مركبا قبل الذي أتيت فيه , قال : هل كنت بعثت إلي بشيء , قال : أخبرك أني لم أجد مركبا قبل الذي جئت فيه , قال : فإن الله قد أدى عنك الذي بعثت في الخشبة , فانْصَرِفْ بالألف الدينار راشدا)
شرح وبعض فوائد القصه


هذه قصة رجلين صالحين من بني إسرائيل , كانا يسكنان بلدا واحدا على ساحل البحر , فأراد أحدهما أن يسافر للتجارة , واحتاج إلى مبلغ من المال , فسأل الآخر أن يقرضه ألف دينار , على أن يسددها له في موعد محدد , فطلب منه الرجل إحضار شهود على هذا الدين , فقال له : كفى بالله شهيدا , فرضي بشهادة الله , ثم طلب منه إحضار كفيل يضمن له ماله في حال عجزه عن السداد , فقال له : كفى بالله كفيلا , فرضي بكفالة الله, مما يدل على إيمان صاحب الدين , وثقته بالله عز وجل , ثم سافر المدين لحاجته , ولما اقترب موعد السداد , أراد أن يرجع إلى بلده , ليقضي الدين في الموعد المحدد , ولكنه لم يجد سفينة تحمله إلى بلده , فتذكر وعده الذي وعده , وشهادةَ الله وكفالتَه لهذا الدين , ففكر في طريقة يوصل بها المال في موعده , فما كان منه إلا أن أخذ خشبة ثم حفرها , وحشى فيها الألف الدينار, وأرفق معها رسالة يبين فيها ما حصل له , ثم سوى موضع الحفرة , وأحكم إغلاقها , ورمى بها في عرض البحر , وهو واثق بالله , متوكل عليه , مطمئن أنه استودعها من لا تضيع عنده الودائع , ثم انصرف يبحث عن سفينة يرجع بها إلى بلده , وأما صاحب الدين , فقد خرج إلى شاطئ البحر في الموعد المحدد , ينتظر سفينة يقدُم فيها الرجل أو رسولا عنه يوصل إليه ماله , فلم يجد أحدا , ووجد خشبة قذفت بها الأمواج إلى الشاطئ , فأخذها لينتفع بها أهله في الحطب , ولما قطعها بالمنشار وجد المال الذي أرسله المدين له والرسالة المرفقة , ولما تيسرت للمدين العودة إلى بلده ,جاء بسرعة إلى صاحب الدين , ومعه ألف دينار أخرى , خوفا منه أن تكون الألف الأولى لم تصل إليه , فبدأ يبين عذره وأسباب تأخره عن الموعد , فأخبره الدائن بأن الله عز وجل الذي جعله الرجل شاهده وكفيله , قد أدى عنه دينه في موعده المحدد .


إن هذه القصة تدل على عظيم لطف الله وحفظه , وكفايته لعبده إذا توكل عليه وفوض الأمر إليه , وأثر التوكل على الله في قضاء الحاجات , فالذي يجب على الإنسان أن يحسن الظن بربه على الدوام , وفي جميع الأحوال , والله عز وجل عند ظن العبد به , فإن ظن به الخير كان الله له بكل خير أسرع , وإن ظن به غير ذلك فقد ظن بربه ظن السوء .

فما أحوج الإنسان في زمن طغت فيه المادة , وتعلق الناس فيه بالأسباب إلا من رحم الله , إلى أن يجدد في نفسه قضية الثقة بالله , والاعتماد عليه في قضاء الحوائج , وتفريج الكروب , فقد يتعلق العبد بالأسباب , ويركن إليها , وينسى مسبب الأسباب الذي بيده مقاليد الأمور , وخزائن السماوات والأرض , ولذلك نجد أن الله عز وجل يبين في كثير من المواضع في كتابه هذه القضية , كما في قوله تعالى : {وكفى بالله شهيدا} (الفتح 28) , وقوله : {وكفى بالله وكيلا } (الأحزاب 3) , وقوله : { أليس الله بكاف عبده } (الزمر 36) , كل ذلك من أجل ترسيخ هذا المعنى في النفوس , وعدم نسيانه في زحمة الحياة ,
والله المستعان

المجاهد
02-05-2014, 01:52 PM
بسم الله والحمدالله والصلاه والسلام علي اشرف المرسلين


القصه الخامسه عشر (رجل قتل تسعه وتسعون نفس )

فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا فَسَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَاهِبٍ فَأَتَاهُ فَقَالَ إِنَّهُ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَ: لَا. فَقَتَلَهُ فَكَمَّلَ بِهِ مِائَةً. ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَجُلٍ عَالِمٍ فَقَالَ: إِنَّهُ قَتَلَ مِائَةَ نَفْسٍ فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ, انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللَّهَ فَاعْبُدْ اللَّهَ مَعَهُمْ وَلَا تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ فَإِنَّهَا أَرْضُ سَوْءٍ. فَانْطَلَقَ حَتَّى إِذَا نَصَفَ الطَّرِيقَ أَتَاهُ الْمَوْتُ فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ, فَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ: جَاءَ تَائِبًا مُقْبِلًا بِقَلْبِهِ إِلَى اللَّهِ, وَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ إِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ. فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ. فَقَالَ: قِيسُوا مَا بَيْنَ الْأَرْضَيْنِ فَإِلَى أَيَّتِهِمَا كَانَ أَدْنَى فَهُوَ لَهُ, فَقَاسُوهُ فَوَجَدُوهُ أَدْنَى إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي أَرَادَ فَقَبَضَتْهُ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ. قَالَ: قَتَادَةُ فَقَالَ الْحَسَنُ ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ لَمَّا أَتَاهُ الْمَوْتُ نَأَى بِصَدْرِهِ)

الشرح وبعض فوائد القصه


. كرم على عباده، يتوب عليهم مهما فعلوا من المعاصي والذنوب إذا رجعوا إليه وأخلصوا التوبة، فهذا الرجل فعل فعلاً عظيماً وهو القتل وليس قتل رجل أو رجلين إنه قتل مائة رجل، لكن الله -عزوجل- قبل توبة وغفر ذنبه وأدخله جنته عندما علم صدق توبته.


فالله عزوجل ينادي عباده فيقول: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً}. وقول تعالى: { والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات}. فباب التوبة مفتوح إلى أن يأتي الإنسان الموت، أو تطلع الشمس من مغربها، قال تعالى: (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً * وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً)
وفي الحديث: عَن ابن عُمَرَ عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ). وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ).

فعلى المذنب -وكلنا مذنبون- أن يستيقظ من غفلته، و يفيق من سباته ونومه، ويبادر إلى التوبة؛ لأنه لا يدري متى يفاجئه الموت، قال تعالى: (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ)[سورة النساء: ، وقال تعالى: (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ)
وقال تعالى: (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) والتوبة المقبولة عند الله هي التوبة النصوح، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ)
فأين من أسرف على نفسه بالمعاصي ؟ وأين من تخفى عن أعين الناس ليعص الخالق ؟ وأين من يرتكب الكبائر ليل نهار؟ وأين من يجاهر الله بالذنوب والمعاصي؟ وأين من أعلن الحرب مع الله بأكله للربا؟ وأين من أغواه الشيطان بتتبع النساء؟ وأين من أغواه الشيطان وجعلها تفتن الشباب؟ أين نحن جميعاً من التوبة إلى الله، وإعلان الرجوع إليه، فإنه سبحانه يقبل توبة التائبين، ويغفر زلة المستغفرين، ويقبل من رجع إليه بصدق ويقين.

.

المجاهد
12-05-2014, 09:30 PM
القصه السادسة عشر
جره الذهب
بسم الله والحمد لله والصلاه علي رسول الله صلي الله وعليه وسلم


عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال : ( اشترى رجل من رجل عقاراً له ، فوجد الرجل الذي اشترى العقار في عقاره جرّة فيها ذهب ، فقال له الذي اشترى العقار : خذ ذهبك مني ؛ إنما اشتريت منك الأرض ولم أبتع منك الذهب ، وقال الذي له الأرض : إنما بعتك الأرض وما فيها ، فتحاكما إلى رجل ، فقال الذي تحاكما إليه : ألكما ولد ؟ ، قال أحدهما : لي غلام ، وقال الآخر : لي جارية ، قال : أنكحوا الغلام الجارية ، وأنفقوا على أنفسهما منه ، وتصدقا ) متفق عليه .



شرح القصّة وبعض الفوائد
يصطرع الناس فتات الدنيا ، وتنشب بينهم الخلافات ، ثم ينتهي الأمر إلى الازدحام عند أبواب المحاكم ، والوقوف أمام القضاء ، ليُدلي كلٌ بحجّته ، ويقدّم أدلّته ، مدّعياً أنه صاحب الحق ، وأن خصمه يريد سلبه ونهبه ، وأخذ ما ليس له .


مشهدٌ مألوف وموقف معتاد يتكرّر يوميّاً في دنيا الناس ، لكنّ العجب كلّ العجب أن ينشأ الخلاف ويحتدم النقاش بين رجلين ، حتى تتعالى أصواتهما ، ويترافعا عند القاضي ، ليقول كلّ واحد منهما : " إن خصمي هو صاحب الحقّ ، وإنه يريد أن يعطيني ما ليس لي " فحقّ للعقل حينها أن تعصف به الحيرة وتأخذه الدهشة .


وليس الحديث عن ذلك من نسج الخيال أو إلهام الفكر ، ولكنّه أنموذجٌ فريد وبارقة نجمٍ في سماء الحضارات السابقة ، لرجال تسوّروا العزّ وتبوّؤوا المجد ، حينما صاغهم الدين وربّاهم الأنبياء ، فطهرت سرائرهم ، واستقامت ظواهرهم .


وكانت البداية حينما أراد رجلٌ أن يبيع عقاراً له ، فبحث عن مشترٍ له ، حتى أبدى أحدهم إعجابه بالعقار واستعداده لنقد الثمن ، فتمّ البيع وعُقدت الصفقة .


وانتقل المشتري إلى عقاره الجديد فرحاً به ، فجعل يهيّئه ويعدّه للسكنى ، وبينما كان يقوم بالحفر في أحد نواحي داره إذا بفأسه تصطدم بجرّة ، ولمّا أخرجها وجدها مملوءةً ذهباً ، تثقل اليد عن حملها ، إنها جرّة تُؤذن بوداع حياة الفقر ، وتكفل لصاحبها أن يكون في مصافّ الأغنياء ، ليهنأ بالعيش الرغيد ، والنعمة الواسعة ، والرفاهية المطلقة .


لكنّ نوازع الأمانة ومعاني الورع كانت أعظم في نفسه ، فلم يلتفت إلى بريق الذهب ولمعانه ، بل كان شغله الشاغل أن يُرجع المال لصاحبه ، وهكذا انطلق من لحظته ليدفع له الجرّة قائلا : ( خذ ذهبك مني ؛ إنما اشتريت منك الأرض ولم أبتع منك الذهب! ) .


وإذا كانت أمانة هذا الرّجل وقناعته مثار إعجاب ومحطّ استحسان ، فإن العجب يتعاظم من موقف صاحبه الذي أعاد له المال قائلاً : ( إنما بعتك الأرض وما فيها ) .


وقام الرجلان يتدافعان الجرّة ، كلٌّ يدّعي أن صاحبه أحقّ بها ، وبعد نقاشٍ دام طويلاً اتفقا على أن يُحكّما بينهما رجلاً ، فوقفا بين يديه ، وعرض الأوّل وجهة نظره ، وعرض الثاني رأيه وقوله .


نظر الحَكَم إليهما مُعجباً بسموّ أخلاقهما وعظيم نبلهما ، ورأى أن هذه النماذج الفريدة جديرةٌ بأن يلتئم شملها تحت مظلّة واحدة ، تربط بينها أواصر النسب ووشائج المصاهرة ، وقد وجد بغيته حينما علم أن للأوّل غلاماً وللثاني جارية لم يتزوّجا بعد ، فأصدر حكمه : ( أنكحوا الغلام الجارية ، وأنفقوا على أنفسهما منه ، وتصدّقا ) .


وقفات مع القصّة
تبقى القصة بكل أبعادها وأحداثها ، وألفاظها ومدلولاتها تشكّل سِفْراً مفتوحاً لكل قاريء ليأخذ منها الدروس ويستلهم منها العبر .


وأوّل ما يلفت النظر ويشدّ الانتباه ، خلق القناعة الذي ظهر في الأوّل ، ومعاني العفّة والتنزّه التي بدت عند الثاني ، ثم الحكم الذي يظهر فيه حسن الفهم وسداد الرأي عند الثالث ، حتى يحار المرء : أيّهم أفضل من الآخر .


كما يظهر في القصّة ما تعود به القناعة على صاحبها من الخير والبركة ، فهي كنزٌ لا يفنى ، وذخيرةٌ لا تنضب ، والنبي – صلى الله عليه وسلم – يقول: ( ليس الغنى عن كثرة العَرَض – أي : متاع الدنيا - ولكن الغنى غنى النفس ) رواه البخاري ، ويقول أيضاً : ( وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس )

عاشق البيت
13-05-2014, 08:57 PM
القناعة غنى النفس
وتورع وحكمة ورضا
ومنأى عن الجشع والطمع
والذين اوتوا القناعة قليل ماهم
----
جزاك الله خيرا على طرح امثلة التربية السامية

المجاهد
18-05-2014, 09:36 PM
الفاضل الكريم عاشق البيت أسعدتني بمروك جزاكم الله نسال الله ان يجعله في ميزان حسناتك

المجاهد
21-06-2014, 06:49 AM
القصه السابعه عشر


عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال : ( قيل لبني إسرائيل : { ادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة } ، فبدّلوا فدخلوا يزحفون على أستاههم ، وقالوا : حبة في شعرة ) متفق عليه .



الشرح وبعض الفوائد

عجيبٌ أمر أمة بني إسرائيل ، فكم أنعم الله عليهم من النعم المتتالية ، فأنجاهم من العذاب المهين ، وحماهم من استباحة دمائهم وأموالهم ، وأغرق خصمهم اللدود ( فرعون وجنوده ) في لجّة البحر ، وأمدّهم بالأرزاق والأقوات ، ومكّن لهم في الأرض ، ونصرهم على أعدائهم ، وأورثهم أرضهم وديارهم ، ثم إذا بهم يقابلون الإحسان بالإساءة ، والنعم بالجحود ، والصفح والغفران ، بالتمادي والطغيان .

وما القصّة التي بين أيدينا إلا مثالٌ حي على حقيقة هؤلاء القوم ، فهي صفحة سوداء من سجّلاتهم القذرة ، ذكرها لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم – تحذيراً من أخطارهم وبياناً لحقيقتهم .

ولنرجع إلى الوراء قليلاً حتى نفهم ملابسات هذه القصّة ، فبعد نجاة قوم موسى عليه السلام من فرعون ، أمرهم الله بدخول الأرض المقدّسة ووعدهم بالنصر ، فامتنعوا من الدخول وردّوا قائلين : { قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون }) ، فباؤوا بغضب من الله ، وعوقبوا بالتشريد والضياع مدّة أربعين سنة .

وبعد مرور فترة العذاب ، وخروجهم من التيه ، أمر الله نبيّه يوشع بن نون عليه السلام باستئناف القتال لفتح الأراضي المقدّسة وهزيمة أهلها ، فجمع يوشع عليه السلام من تبقّى من قومه وقاتل بهم أربعة أيام ، حتى تحقّق لهم النصر ، ومنّ الله عليهم بالفتح .

وبعد أن وضعت الحرب أوزارها ، أوحى الله إلى نبيّه يوشع عليه السلام بدخول الأرض المقدّسة من بابها دخول الفاتحين المتواضعين لله ، الشاكرين له على نعمه وأفضاله ، الخاضعين له في ساعة النصر والاستعلاء .

كما جاء الأمر الإلهي لقوم يوشع عليه السلام أن يدخلوا المدينة سجّداً لله ، مستغفرين له على ما كان منهم من الذنوب ، نادمين على امتناعهم من القتال في المعركة الأولى – في عهد موسى عليه السلام - ، مع وعدٍ إلهي بالإحسان ، والإنعام بإباحة خيرات تلك البقاع ، قال الله تعالى : { وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين }) ، وقال تعالى : { وإذ قيل لهم اسكنوا هذه القرية وكلوا منها حيث شئتم وقولوا حطة وادخلوا الباب سجدا نغفر لكم خطيئاتكم سنزيد المحسنين }

لكنّ قوم السوء خالفوا ما أُمروا به من القول والفعل ، وكانت استجابتهم لما طُلب منهم على صورةٍ تُوحي بدناءة أخلاقهم وقلّة حيائهم وفساد باطنهم ، فبدلاً من السجود لله إذا بهم يدخلون المدينة زحفاً على أدبارهم ، وبدلاً من قول (حطّة) كما أمرهم الله إذا بهم يقولوا : ( حبّة في شعرة ) ، وهذا غاية السوء والاستخفاف بمقام الله تعالى .

ولم يجنوا من هذه الفعلة القبيحة والقول الشنيع سوى أن استوجبوا غضب الله ونقمته ، فأنزل عليهم عذاباً من السماء جزاءً لهم على فسقهم وضلالهم ، عدا ما ينتظرهم يوم القيامة من نكال الجحيم .

وقفات مع القصّة

أهم ما يُشار إليه هنا ، وهو المحور الذي تدور حوله القصّة ، بيان عظم وزر من يبدلّ كلام الله ويستخفّ بمقامه ، ويقابل أوامره بالسخرية والاستهزاء ، وفرقٌ بين من يعصي الله عز وجل وهو مقرٌ بذنبه ، مستشعرٌ لقبيح جُرمه ، وبين من يجاهر بالمعصية عتوّاً وطغياناً ، واستعلاءًً وغطرسة .

وفي قوله الله تعالى : { فبدّل الذين ظلموا قولاً غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا}) دلالةٌ على أن تلك المعصية لم تصدر من الجميع ، بل كان في القوم أناسٌ صالحون ، لم يشملهم العذاب لقيامهم بواجبهم من إنكار المنكر ، قال تعالى : { ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون }

وفيما يتعلّق بنوع العذاب الذي عوقبوا به فقد اختلف العلماء في تقديره ، فقال بعضهم : الغضب من الله ، وقال آخرون : هو الطاعون ، واستدلّوا بقول النبي – صلى الله عليه وسلم - : ( إن هذا الوجع – يعني الطاعون - رجزٌ أو بقية عذاب عذب به أناس من قبلكم ) رواه مسلم ، ولا دلالة واضحة للنصوص والآثار على تعيين المقصود ، ومهما كان نوع العذاب فلا شكّ أنه كان شديداً يتناسب مع عظم الجرم الذي قاموا به .

وتدلّ القصّة على ما يجب أن يكون عليه سلوك الفاتحين من التواضع لله وعدم الاستعلاء والاستكبار ، كما هو شأن نبينا – صلى الله عليه وسلم – عندما دخل مكّة خافضاً رأسه حتى إن ذقنه يكاد أن يمسّ راحلته .

وسياق القصّة يدلّ على أن ما أُبيح لقوم يوشع عليه السلام من الغنيمة كان بعض خيرات المدينة من الطعام والمأوى ، وإلا فقد جاء في حديث آخر أن ما غنموه في المعركة من سلاح وعتاد لم يكن في أيديهم ، بل أرسل الله له ناراً من السماء فأحرقته ، ثم أُحل لأمة محمد – صلى الله عليه وسلم – من الغنائم ما لم يحل لأحد قبلهم ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - : ( ذلك بأن الله تبارك وتعالى رأى ضعفنا وعجزنا فطيبها لنا ) رواه مسلم .

وأخيراً فأمّة اليهود تاريخها واحدٌ ، قديمه كحديثه ، ووسطه كطرفيه ، سلسلة لا تنتهي من أنواع التمرّد والعصيان
، نسأل الله تعالى أن يجنّبنا شرّهم ، ويقينا مكرهم .وان يجعل بنصره الاسلام والمرسلين

المجاهد
04-07-2014, 03:44 PM
القصة الثامنه عشر
المسيح الدجال


عن أنس رضي الله عنه قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما من نبي إلا وقد أنذر أمته الأعور الكذاب .. ألا إنّه أعور ، وإن ربكم عز وجل ليس بأعور ، مكتوب بين عينيه : " ك . ف . ر" متفق عليه .
بهذا بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثه عن المسيح الدجال .
فقال له أصحابه : يا رسول الله ؛ أكثرْتَ الحديث عنه ، فخفنا ، حتى ظنناه قريباً منا ، وكأنه سيطلع علينا بعد قليل من ناحية هذا النخيل .
قال صلى الله عليه وسلم : غيرَ الدجال أخوفني عليكم ، إذا خرج فيكم فأنا حجيجه دونكم – أكفيكم مؤونته - ، وإن يخرج ولست فيكم فامرؤٌ حجيجُ نفسه – فكل منكم مسؤول عن نفسه - ، والله خليفتي على كل مسلم .
قالوا : يا رسول الله صفه لنا .
قال : إنه شاب شديد جعود الشعر ، عينه اليمنى بارزة ناتئة كأنها عَنَبةٌ ، قد ذهب نورُها ، أعور ، يدّعي الألوهية ، مكتوب على جبينه : كافر ... يرى المؤمن ذلك واضحاً .
قالوا : فمن أين يخرج يا رسول الله ؟.
قال : يخرج من طريق بين الشام والعراق ، فيعيث فساداً في الأرض أينما ذهب .
قالوا : فما لبثه في الأرض ؟ - كم يبقى في الأرض –
قال : أربعون يوماً : يوم كسنة ، ويوم كشهر ، ويوم كجمعة ، وسائر أيامه كأيامكم .
قالوا : يا رسول الله ؛ فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم ؟ - فالصلاة للمسلم كالماء للحي ، لا يعيش دونها .
قال : لا : اقدروا له قدْرَه ... - فلا بد من تقسيم الوقت في هذا اليوم ، وكأنه سنة - .
قالوا : فمن يتبعه ؛ يا رسول الله ؟ .
قال : يتبع الدجالَ - من يهود أصفهان – سبعون ألفاً عليهم الطيالسة " ثياب اليهود المزركش بالأخضر " .
قالوا : يا رسول الله ؛ كيف سرعته في الأرض ؟.
قال : كالغيث استدبرته الريح – إسراع المطر الذي تسوقه الريح بشدة ، فيصل إلى كل بقاع الأرض - .
قالوا : أيدخل كل البلاد ويفسدها؟! .
قال : ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال ، إلا مكة والمدينة ، تحول الملائكة بينه وبينهما صافـّين يحرسونهما . فإن وصل المدينة نزل بالسبخة القريبة منها ، فترجف المدينة ثلاث رجَفات ، يُخرج الله منها كل كافر ومنافق .
قالوا : فماذا نفعل ، إن ظهر ونحن أحياء ؟
قال : انفروا في الجبال ، ولا تقفوا في طريقه ، فما بين خلق آدم إلى قيام الساعة أمرٌ أكبر من الدجال ، فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف .
قالوا : فما الذي يفعله ؟!
قال : يأتي على القوم ، فيؤمنون به ، ويستجيبون له . فيأمر السماء ، فتمطر، والأرضَ فتنبت، وتعود عليهم إبلهم وبقرهم وأغنامهم ضخمة الأجسام ، ممتدة في الطول والعرض سِمَناً ، ويكثر لبنُها . – وهذا استدراج كبير نسأل الله الثبات على دينه - .
ويمر بالخِربة التي هجرها أهلها منذ غابر الأزمان ، فيقول لها : أخرجي كنوزك ، فتتبعه كنوزها كذكور النحل المجتمعة ، فيزداد أتباعُه به ضلالاً .
ويأتي على القوم ، فيدعوهم ، فيردون عليه قوله ، ويثبتهم الله على الإيمان ، فينصرف الدجال عنهم ، فيصبحون ممحلين ، ينقطع الغيث عنهم ، وتيبس الأرض والكلأ ، ليس في أيديهم شيء من أموالهم ولا أنعامهم ، نسأل الله أن يثبتهم على دينهم .
قالوا : يا رسول الله ؛ أمعه شيء غير هذا ؟.
قال : نعم .... فمن ذلك أن الدجال يخرج ومعه ماء ونار . فأما الذي يراه الناس ماء فنار تحرق ، وأما الذي يراه الناس ناراً فماء بارد وعذب . فمن أدركه منكم فلْيقعْ في الذي يراه ناراً ، فإنه ماء عذب طيب .
قالوا : يا رسول الله ؛ أفلا نحاجه ، ونكذّبه ؟ .
قال : لا يظنّنّ أحدكم أنه قادر على ذلك . فإذا ذهب إليه فتنه ، فتبعه ، فضلّ وكفر .
قالوا : فمن أعظم شهادة عند رب العالمين إذ ذاك ؟.
قال : يتوجه إليه رجل من المؤمنين ، فيتلقّاه مقدّمة جنود الدجال ... فيقولون له : إلى أين تذهب أيها الرجل ؟ فيقول : أعمد إلى هذا الرجل الذي يزعم أنه إله ... فيتعجبون من جوابه ، ويسألونه : أوَ ما تؤمن بربنا ؟! فيقول : هذا ليس رباً ، إنما ربكم الذي خلق السموات والأرض ، وما هذا إلا مارق كافر .
فيثورون فيه ، ويتنادَون لقتله ، ويهمّون بذلك ، لولا أن كبيرهم يذكّرهم أن الدجال أمرهم أن لا يقتلوا أحداً حتى يُعلموه بذلك . فيقيّدونه وينطلقون به إلى الدجال .
فإذا رآه المؤمن صاح بأعلى صوته : أيها الناس ؛ لا يغرنكم هذا الشيطان ، فإنه أفـّاك دجال ، يدّعي ما ليس له ، هذا الذي حذركم منه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فيشتد غضب الدجال ، ويأمر زبانيته ، فيوثقونه مشبوحاً ، ويوسعون ظهره وبطنه ضرباً . فيقول الدجال مغضباً آمراً رجاله أن يُؤذوه ويشجوه ، فيزداد الرجل المؤمن إيماناً .
حينذاك يأمر الدجال رجاله أن ينشروه بالمنشار من رأسه إلى أن يفرق بين رجليه ، فيفعلون ، ويُبعدون القسمين أحدهما عن الآخر ... فيمشي الدجال بينهما مستعرضاً ألوهيته ، فيخر الناس ساجدين له ـ فينتشي عظمة وخُيلاء .
ثم يقول له : قم .. فيقترب النصفان ، فيلتحمان ، فيعود الرجل حياً ، فيقول له الدجال : أتؤمن بي إلهاً ؟ . فيتهلل وجه المؤمن قائلاً : ما ازددت فيك إلا بصيرة ، وقد حدثنا الرسول صلى الله عليه وسلم أنك ستفعل بي ذلك .
ينادي الرجل بأعلى صوته : انتبهوا أيها الناس ، إنه لن يستطيع أن يفعل بعدي بأحد من الناس شيئاً ، لقد بطل سحره ، وعاد رجلاً مسلوب الإرادة كما كان . فيأخذه الدجال ليذبحه ، فلا يستطيع إليه سبيلاً ، لأن الله تعالى جعل ما بين رقبته إلى ترقوته نحاساً ، فيأخذ الدجال بيديه ورجليه فيقذف به . فيحسب الناس أنما قذفه إلى النار ، وإنما ألقي في الجنة .
فهذا أعظم شهادة عند رب العالمين .
قالوا : يا رسول الله ؛ كيف ينقذنا الله من فتنة الدجال ؟
قال : في هذه اللحظة – حين يبلغ السيل الزبى – يرسل الله أخي عيسى ، ليكون السهم الذي يصمّ به عدوّ الله وعدوّكم .
قالوا : وأين يكون عيسى عليه السلام ، يا رسول الله ؟.
قال : إنه في السماء ، رفعه الله تعالى إليه حين مكر اليهود به ، وأرادوا قتله . ورعاه هناك ليعود إلى الأرض في الوقت الذي قدّره الله تعالى ، وللأمر الذي يريده سبحانه .
قالوا : صفه لنا ، يا رسول الله ؟ .
قال : ينزل عند المنارة البيضاء ، شرقيّ دمشق ، يلبس ثوبين جميلين ، واضعاً كفيه على أجنحة ملكين ، إذا طأطأ رأسه انحدر منه ماء الوضوء ، وإذا رفع رأسه انحدر منه قطرات الماء كأنها اللؤلؤ الصافي . فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا أن يموت ،وينتهي نفَسُه إلى حيث ينتهي طَرْفُه.
قالوا : أليس في ذلك الوقت جماعة للمسلمين ؟.
قال : بلى ، إنه المهدي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، بعد أن مُلئت جَوراً وظلماً . ينصر الله المسلمين على يديه ، إنه من آل بيتي ، من ولد الحسن بن علي ، وهو الذي يفتح روما عاصمة الروم " الإيطاليين " ، يبيد جيوش أوربة الكافرة .
قالوا : ولم يجتاح الدجال البلاد ، والمسلمون أقوياء إذ ذاك ؟! .
قال : ألم أقل لكم : إنها الفتنة الكبرى ، حيث يرتد كثير من المسلمين على يد المسيح الدجال .
قالوا : وأين يكون المهدي ؛ يا رسول الله ؟
قال : في القدس يحاصره الدجال ، ويحاول اقتحامها ليجعلها عاصمته الأبدية ، عاصمة اليهود ودجالهم . والمهدي وجنوده يدافعون عنها ، ويقاتلون ما وسعهم القتال .
قالوا : وماذا يفعل المسيح عليه السلام حين ينزل في دمشق ؟.
قال : ينطلق إلى القدس ، فيدخلها ، فيتعرف المهديّ عليه والمسلمون ، ويفرحون لنزوله ، فيستلم قيادة المسلمين ، ويهاجم الدجال .
قالوا: فماذا يفعل الدجال حين يسمع بعيسى عليه السلام قادماً ؟.
قال : يفر من بين يديه إلى اللد ؛ وهي مدينة في فلسطين ، قريبة من القدس ، لكنّ عيسى عليه السلام يتبعه ، ويطعنه برمحه ، فيذوب بين يديه كما يذوب الملح في الماء ... ويرفع الله الهمّ والغمّ عن المسلمين ، ويحدثهم عيسى رسول الله بدرجاتهم في الجنة ، ويمسح عن وجوههم بيده الشريفة ، فما في الدنيا إذ ذاك أعظم سعادة منهم .

المجاهد
28-07-2014, 08:08 PM
القصة الثامنة عشــر ،،،


مخافة أن تدركه الرحمة ...




عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لما أغرق الله فرعون قال : { آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل } ( يونس : 90 ) ، فقال جبريل عليه السلام : يا محمد ، فلو رأيتني وأنا آخذ من حال البحر فأدسه في فيه ؛ مخافة أن تدركه الرحمة ) رواه الترمذي .







شرح وبعض فؤائد القصة



على مدار التاريخ القديم لم تشهد البشريّة طاغية متجبّراً ولا باغيةً متسلّطاً كمثل فرعون حاكم مصر ، فسيرته قد سُطّرت بدماء الآلاف من الأبرياء الذين وقعوا تحت سطوته ، ذلك الفرعون الذي نُزعت الرحمة من قلبه فلم يعد لها مكانٌ للضعفاء ولا المساكين ، ولا الأبرياء والمضطهدين ، لم يرحم أمّاً ولا طفلاً ، بل أصدر أوامره بقتل الأولاد واسترقاق النساء ، فكان حقّاً كما قال الله : { إنه كان عاليا من المسرفين } ( الدخان : 31 ) .
ومن إسرافه على نفسه وظلمه لها ادّعاؤه بكل عنتٍ واستخفاف الألوهيّة من دون الله ، ثم هو يسوق الدلائل الساذجة التي لا تُقنع غِرّاً ساذجاً ، كما جاء في قوله تعالى : { ونادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون } ( الزخرف : 51 ) ، وقوله تعالى : { وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحا لعلي أطلع إلى إله موسى وإني لأظنه من الكاذبين } ( القصص : 38 ) .



وتمرّ الأيام حتى تأتي نهاية هذا الظالم ، في مشهدٍ ذكر القرآن لنا طرفاً منه ، وجاءت القصّة النبويّة التي بين أيدينا لتضيف تفاصيل أخرى لتلك اللحظات ، فبعد أن ضرب موسى عليه السلام بعصاه البحر فانفلق فكان كل فرقٍ كالطود العظيم ، سار بقومه وجاوز بهم البحر ، فأتبعه فرعون بجنوده، حتى إذا تعمّقوا في الدخول أمر الله البحر فانطبق عليهم ، ليغرق فرعون ومن معه ، قال الله تعالى : { فأتبعهم فرعون بجنوده فغشيهم من اليم ما غشيهم } (طه : 78 ) .
وفي هذه اللحظات الحاسمة التي أوشكت فيها الروح على الخروج ، اعترف فرعون بالألوهيّة علّها ينجو من الموت ، قال الله تعالى : { حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين } ( يونس : 90 ) .

ويراقب جبريل عليه السلام المشهد ، ويخشى أن تدركه رحمة الله الواسعة فتُقبل منه أوبته ، فيدفعه غيظه وحنقه أن يأخذ من طينة البحر ويدسّها في فمه ، حتى يمنعه من نطق الشهادة الصحيحة في الوقت المناسب ، ولكن هيهات أن تُقبل منه هذه التوبة وقد جاءت متأخّرةً للغاية ، قال الله تعالى : { آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين ، فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون } ( يونس : 91 – 92 ) .
وهكذا منّ الله على أمّة بني إسرائيل ، فبموت فرعون انتهت فصول معاناتهم ، وتنسّموا هواء الحرّية والأمن والاستقرار بعيداً عن حياة الخوف والاستضعاف والإذلال.



قصة فرعون مليئة بالعظات والعبر التي يجدر الوقوف عندها والاستفادة من أحداثها ، ولعلّ أهم ما نستفيده منها بيان ملامح سنّة الله تعالى في إهلاك الظالمين ، فنقول أولا : قد يتمادى الطاغية في ظلمه ، ويعيث في الأرض فساداً ، فلا ينزل عليه العذاب ولا يستحق العقاب مباشرة ، بل نرى الله سبحانه وتعالة يُمهله ويعطيه الفرصة الكاملة للتوبة والإنابة ، وهذا هو عين ما حدث لفرعون فقد ظلّ على عتوّه وجبروته وادعائه للألوهيّة سنين عدداً ، ثم جاءه العذاب في نهاية المطاف ، على النحو الذي بيّناه سابقاً .
وما إهلاك الله للظالمين إلا بسبب ذنوبهم التي اقترفوها ، ويشير ربّنا عز وجل إلى ذلك في قوله : { كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآيات ربهم فأهلكناهم بذنوبهم وأغرقنا آل فرعون وكلٌّ كانوا ظالمين }


والعجب هنا يتملّكنا من فرعون ، فقد رأى بعينيه البحر ينفلق فلقتين ، وهو يعلم يقيناً صدق موسى عليه السلام ، وكان بإمكانه الهروب أو التراجع وفق منطق العقل ، لكن ذلك لم يكن ليُرضي غروره وغطرسته ، حتى لاقى مصيره المحتوم .
ووقفة أخرى مع فضل هذا اليوم العظيم الذي أنجى الله فيه موسى عليه السلام وأظهره على عدوّه ، فقد كانت اليهود تحتفل به شكرا لله ، كما في البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ( قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة واليهود تصوم عاشوراء ، فقالوا : هذا يوم ظهر فيه موسى على فرعون ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه : أنتم أحق بموسى منهم فصوموا ) .
وفي عدم قبول توبة فرعون في هذه القصّة إشارةٌ إلى أن من شروط التوبة أن تكون في زمن الإمكان والمهلة ، أما وقد بلغت الروح الحلقوم ، ووصل الإنسان إلى حال الغرغرة ، فهناك لا تنفع التوبة ، فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر ) رواه الترمذي و ابن ماجه .
ووقفة أخيرة مع درس من أعظم الدروس ، وهو أن النصر والعزّة والتمكين للأنبياء والمرسلين والأولياء والصالحين أمرٌ لابد منه ولو طال الزمن ، أو تأخّر النصر .