المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رسول الله عند المنصفين .. متجدد



أبو مصعب السكندرى
15-09-2012, 08:57 AM
قالوا عن أعظم إنسان



"إن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] كان الرجل الوحيد في التاريخ الذي نجح بشكل أسمى وأبرز في كلا المستويين الديني والدنيوي .. إن هذا الاتحاد الفريد الذي لا نظير له للتأثير الديني والدنيوي معًا يخوّله أن يعتبر أعظم شخصية ذات تأثير في تاريخ البشرية". (العالم الأمريكي مايكل هارث)

أبو مصعب السكندرى
16-09-2012, 02:46 PM
الحلقة الثانية :


بارت(1)

[ 1 ]
"كان من بين ممثلي حركة التنوير من رأوا في النبي العربي [صلى الله عليه وسلم] أدلة الله، ومشرعًا حكيمًا، ورسولاً للفضيلة، وناطقًا بكلمة الدين الطبيعي الفطري، مبشرًا به"(2).

[ 2 ]
"كان العرب يعيشون منذ قرون طويلة في بوادي وواحات شبه الجزيرة، يعيثون فيها فسادًا. حتى أتى محمد [صلى الله عليه وسلم] ودعاهم إلى الإيمان بإله واحد، خالق بارئ، وجمعهم في كيان واحد متجانس"(3).

------------------------------
(1) رودي بارت Rudi, Part
عالم ألماني معاصر، اضطلع بالدراسات الشرقية في جامعة هايدلبرج، وكرس حياته لدراسة علوم العربية والإسلام، وصنف فيها عددًا كبيرًا من الأعمال، منها ترجمته للقرآن الكريم التي استغرقت منه عشرات السنين وأصدرها بين عامي 1963 و1966، وله كتاب عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

أبو مصعب السكندرى
17-09-2012, 06:51 AM
بروي(1)

[ 1 ]
"جاء محمد بن عبد الله [صلى الله عليه وسلم]، النبي العربي وخاتمة النبيين، يبشر العرب والناس أجمعين، بدين جديد، ويدعو للقول بالله الواحد الأحد، كانت الشريعة [في دعوته] لا تختلف عن العقيدة أو الإيمان، وتتمتع مثلها بسلطة إلهية ملزمة، تضبط ليس الأمور الدينية فحسب، بل أيضًا الأمور الدنيوية، فتفرض على المسلم الزكاة، والجهاد ضد المشركين.. ونشر الدين الحنيف.. وعندما قبض النبي العربي [صلى الله عليه وسلم]، عام 632م، كان قد انتهى من دعوته، كما انتهى من وضع نظام اجتماعي يسمو كثيرًا فوق النظام القبلي الذي كان عليه العرب قبل الإسلام، وصهرهم في وحدة قوية، وهكذا تم للجزيرة العربية وحدة دينية متماسكة، لم تعرف مثلها من قبل.."(2).

---------------------------
(1) إدوار بروي Edourd Perroy
باحث فرنسي معاصر، وأستاذ في السربون.
(2) تاريخ الحضارات العام ، 3 / 112 .

أبو مصعب السكندرى
18-09-2012, 08:13 AM
بلاشير

[ 1 ]
".. إن معجزة النبي [عليه الصلاة والسلام] الحقيقية والوحيدة هي إبلاغه الناس رسالة ذات روعة أدبية لا مثيل لها، فمن هو ذلك الرجل المكلّف بالمهام الثقيلة العبء وهي حمل النور إلى عرب الحجاز في أوائل القرن السابع ؟ إن محمدًا [عليه الصلاة والسلام] لا يبدو في القرآن إطلاقًا، منعمًا عليه بمواهب تنزهه عن الصفات الإنسانية، فهو لا يستطيع في نظر معاصريه المشركين أن يفخر بالاستغناء عن حاجات هي حاجاتهم، وهو يصرّح بفخر أنه لم يكن سوى مخلوق فان: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ} [الكهف 110]. وهو لم يتلق أي قدرة على صنع المعجزات، ولكنه انتخب ليكون منذرًا ومبشرًا للكافرين. إن نجاح رسالته مرتبط إذن في قيمتها الإحيائية وإلى شكلها المنقطع النظير. ولم يكن محمد [عليه الصلاة والسلام] رغم ذلك، صاحب بيان ولا شاعرًا، فإن الأخبار التي روت سيرته لم تحسن الاحتفاظ بذكرى مفاخراته الشخصية، وثمة عوامل تحملنا على الشك فيما إذا كان عرف استعمال السجع، أو أنه تلقى من السماء فنّ ارتجال الشعر. وعندما قال عنه المكّيّون المشركون أنه شاعر، أو حين عرّضوا بأن مصدر الوحي جنّي معروف أزال الله عنه هذه التهمة: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ، لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ} [يس 69–70]. وهكذا يطرح هذا الوحي البالغ جماله حد الإعجاز، الواثق بحمل الناس بقوة بيانه على الهداية، كظاهرة لا علاقة لها بالفصاحة ولا الشعر"(1).

[ 2 ]
".. أما عن انتصار الإسلام فثمَّة أسباب تداخلت وفي طليعتها القرآن والسنة وحالة الحجاز الدينية، ونصح وبيان وأمانة الرجل المرسل لإبلاغ الرسالة المنزلة عليه.."(2).

---------------------------
(1) تاريخ الأدب العربي ، 2 / 14 – 15 .
(2) نفسه ، 2 / 50 .

أبو مصعب السكندرى
19-09-2012, 12:16 PM
سانتيلانا(1)

[ 1 ]
"ما كان من محمد [صلى الله عليه وسلم] إلا أن تناول المجتمع العربي هدمًا من أصوله وجذوره وشاد صرحًا اجتماعيًا جديدًا.. هذا العمل الباهر لم تخطئه عين (ابن خلدون) النفاذة الثاقبة. إن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] هدم شكل القبيلة والأسرة المعروفين آنذاك، ومحا منه الشخصية الفردية Gentes والموالاة والجماعات المتحالفة. من يعتنق دين الإسلام عليه أن ينشئ روابطه كلها ومنها رابطة قرباه وأسرته، إلا إذا كانوا يعتنقون دينه (إخوته في الإيمان). فما داموا هم على دينهم القديم فإنه يقول لهم كما قال إبراهيم [عليه السلام] لأهله: (لقد تقطعت بيننا الأسباب.."(2).

[ 2 ]
"كان محمد [صلى الله عليه وسلم] رسول الله إلى الشعوب الأخرى، كما كان رسول الله إلى العرب"(3).

---------------------------
(1) دافيد دي سانتيلانا ( 1845 – 1931 ) David de Santillana
ولد في تونس، ودرس في روما، أحرز الدكتوراه في القانون، فدعاه المقيم العام الفرنسي في تونس لدراسة وتدوين القوانين التونسية، فوضع القانونين المدني والتجاري معتمدًا بذلك على قواعد الشريعة الإسلامية ومنسقًا إياهما بحسب القوانين الأوروبية. كان على معرفة واسعة بالمذهبين المالكي والشافعي، وفي سنة 1910 عين أستاذًا لتاريخ الفلسفة في الجامعة المصرية، وله محاضرات قيمة فيها. ثم استدعته جامعة روما لتدريس التاريخ الإسلامي.
من آثاره: (ترجمة وشرح الأحكام المالكية)، كتاب (الفقه الإسلامي ومقارنته بالمذهب الشافعي).. إلخ.
(2) تراث الإسلام ( إشراف سير توماس آرنولد )، ص 405 – 406 .
(3) نفسه ، ص 406 .

عاشق البيت
19-09-2012, 03:31 PM
بالفعل هم منصفون صادقون
شهدوا واقروا بالفضل لصاحبه
وبينوا مآثره ومحامده وخلقه
وجهاده وصبره وعلو همته وصدق عزمه
وحلمه وادبه وحكمته وجوده وامانته
وحسن سياسته وجده ورحمته

على عكس انكار الملحدين والمشركين
ومكابرتهم وعنادهم حسدا من عند انفسهم
وهم يعلمون

أبو مصعب السكندرى
22-09-2012, 08:03 AM
رودنسن(1) ".. [بظهور عدد من المؤرخين الأوروبيين المستنيرين في القرن الثامن عشر] بدأت تتكامل معالم صورة هي صورة محمد [صلى الله عليه وسلم] الحاكم المتسامح والحكيم والمشرع"(2).

---------------------------
(1) مكسيم رودنسن
ولد عام 1915، من أساتذة مدرسة الدراسات العليا بباريس، ثم مديرها.
من آثاره: (مباحث في فن الطبخ عند العرب) (1949). ونشر عددًا من الدراسات في المجلات المعروفة من مثل (دانتي والإسلام)، و(حياة محمد والمشكلة الاجتماعية المتعلقة بأصول الإسلام)، و(دراسة الصلات بين الإسلام والشيوعية).
(2) تراث الإسلام ، (تصنيف شاخت وبوزوث)، 1 / 67 – 68 .

أبو مصعب السكندرى
23-09-2012, 11:56 AM
فرانز روزنثال

[ 1 ]
"إن أفكار الرسول [صلى الله عليه وسلم] التي تلقاها وحيًا أو التي أدى إليها اجتهاده نشّطت دراسة التاريخ نشاطًا لا مزيد عليه، فقد أصبحت أعمال الأفراد وأحداث الماضي وحوادث كافة شعوب الأرض أمورًا ذات أهمية دينية، كما أن شخصية الرسول [صلى الله عليه وسلم] كانت خطًا فاصلاً واضحًا في كل مجرى التاريخ، ولم يتخط علم التاريخ الإسلامي هذا الخط قط.."(1).

[ 2 ]
"تبقى حقيقة، هي أن الرسول [صلى الله عليه وسلم] نفسه وضع البذور التي نجني منها اهتمامًا واسعًا بالتاريخ.. لقد كان التاريخ يملأ تفكير الرسول [صلى الله عليه وسلم] لدرجة كبيرة، وقد ساعد عمله من حيث العموم في تقديم نمو التاريخ الإسلامي في المستقبل، رغم أن الرسول [صلى الله عليه وسلم] لم يتنبأ بالنمو الهائل للمعرفة والعلم الذي سيتم باسم دينه"(2).

---------------------------
(1) علم التاريخ عند المسلمين ، ص 40 .
(2) نفسه ، ص 45 .

أبو مصعب السكندرى
24-09-2012, 12:47 PM
جورج سارتون

[ 1 ]
"صدع الرسول [صلى الله عليه وسلم] بالدعوة نحو عام 610م وعمره يوم ذاك أربعون سنة، وكان مثل إخوانه الأنبياء السابقين [عليهم السلام] ولكن كان أفضل منهم بما لا نسبة فيه.. وكان زاهدًا وفقيهًا ومشرعًا ورجلاً عمليًا.."(1).

[ 2 ]
"إنه لم يتح لنبي من قبل.. أن ينتصر انتصارًا تامًا كانتصار محمد [صلى الله عليه وسلم].."(2).

[ 3 ]
".. لم يكن محمد [صلى الله عليه وسلم] نبي الإسلام فحسب، بل نبي اللغة العربية والثقافة العربية، على اختلاف أجناس المتكلمين بها وأديانهم"(3).

---------------------------
(1) الثقافة الغربية في رعاية الشرق الأوسط ، ص 29 – 30 – 31 .
(2) نفسه ، ص 43 .
(3) نفسه ، ص 43 .

أبو مصعب السكندرى
27-09-2012, 12:36 PM
نصري سلهب
[ 1 ]
"في مكة . . أبصر النور طفل لم يمرّ ببال أمة، ساعة ولادته، أنه سيكون أحمد أعظم الرجال في العالم بل في التاريخ، ولربما أعظمهم إطلاقًا.."(1).

[ 2 ]
"هنا عظمة محمد [صلى الله عليه وسلم]. لقد استطاع، خلال تلك الحقبة القصيرة من الزمن، أن يحدث شريعة خلقية وروحية واجتماعية لم يستطعها أحد في التاريخ بمثل تلك السرعة المذهلة"(2).

[ 3 ]
".. هذا الرجل الذي ما عرف الهدوء ولا الراحة ولا الاستقرار، استطاع وسط ذلك الخضم الهائج، أن يرسي قواعد دولة، وأن يشرّع قوانين ويسنّ أنظمة، ويجود بالتفسير والاجتهادات.. ولم ينس أنه أب وجد لأولاد وأحفاد، فلم يحرمهم عطفه وحنانه، فكان بشخصيته الفذة الغنية بالقيم والمعطيات والمؤهلات، المتعددة الأبعاد والجوانب، الفريدة بما أسبغ الله عليها من نعم وصفات، وبما حباها من إمكانات، كان بذلك كله، عالمًا قائمًا بنفسه"(3).

[ 4 ]
"تراثك يا ابن عبد الله ينبغي أن يُحيا، لا في النفوس والقلوب فحسب، بل في واقع الحياة، في ما يعاني البشر من أزمات وما يعترضهم من عقبات. تراثك مدرسة يلقى على منابرها كل يوم عظة ودرس. كل سؤال له عندك جواب. كل مشكلة مهما استعصت وتعقدت، نجد لها في آثارك حلاً"(4).

[ 5 ]
".. لم يكن النبي [صلى الله عليه وسلم] رسولاً وحسب، يهدي الناس إلى الإيمان، إنما كان زعيمًا وقائد شعب، فعزم على أن يجعل من ذلك الشعب خير أمة أخرجت للناس. وكان له ما أراد"(5).

---------------------------
(1) في خطى محمد ، ص 42 .
(2) نفسه ، ص 196 .
(3) نفسه ، ص 273 – 274 .
(4) نفسه ، ص 396 .
(5) نفسه ، ص 409 .

أبو مصعب السكندرى
30-09-2012, 03:53 PM
مارسيل بوازار
[ 1 ]
"سبق أن كتب كل شيء عن نبي الإسلام [صلى الله عليه وسلم]، فأنوار التاريخ تسطع على حياته التي نعرفها في أدق تفاصيلها. والصورة التي خلفها محمد [صلى الله عليه وسلم] عن نفسه تبدو، حتى وإن عمد إلى تشويهها، علمية في الحدود التي تكشف فيها وهي تندمج في ظاهرة الإسلام عن مظهر من مظاهر المفهوم الديني وتتيح إدراك عظمته الحقيقية.."(1).

[ 2 ]
"لم يكن محمد [صلى الله عليه وسلم] على الصعيد التاريخي مبشرًا بدين وحسب بل كان كذلك مؤسس سياسة غيّرت مجرى التاريخ، وأثرت في تطور انتشار الإسلام فيما بعد على أوسع نطاق.."(2).

[ 3 ]
"منذ استقر النبي محمد [صلى الله عليه وسلم] في المدينة، غدت حياته جزءًا لا ينفصل من التاريخ الإسلامي. فقد نقلت إلينا أفعاله وتصرفاته في أدق تفاصيلها.. ولما كان منظمًا شديد الحيوية، فقد أثبت نضالية في الدفاع عن المجتمع الإسلامي الجنيني، وفي بث الدعوة.. وبالرغم من قتاليته ومنافحته، فقد كان يعفو عند المقدرة، لكنه لم يكن يلين أو يتسامح مع أعداء الدين. ويبدو أن مزايا النبي الثلاث، الورع والقتالية والعفو عند المقدرة قد طبعت المجتمع الإسلامي في إبان قيامه وجسّدت المناخ الروحي للإسلام.. وكما يظهر التاريخ الرسول [صلى الله عليه وسلم] قائدًا عظيم ملء قلبه الرأفة، يصوره كذلك رجل دولة صريحًا قوي الشكيمة له سياسته الحكيمة التي تتعامل مع الجميع على قدم المساواة وتعطي كل صاحب حق حقه. ولقد استطاع بدبلوماسيته ونزاهته أن ينتزع الاعتراف بالجماعة الإسلامية عن طريق المعاهدات في الوقت الذي كان النصر العسكري قد بدأ يحالفه. وإذا تذكرنا أخيرًا على الصعيد النفساني هشاشة السلطان الذي كان يتمتع به زعيم من زعماء العرب، والفضائل التي كان أفراد المجتمع يطالبونه بالتحلي بها، استطعنا أن نستخلص أنه لابدّ أن يكون محمد [صلى الله عليه وسلم] الذي عرف كيف ينتزع رضا أوسع الجماهير به إنسانًا فوق مستوى البشر حقًا، وأنه لابد أن يكون نبيًا حقيقيًا من أنبياء الله"(3).

[ 4 ]
".. لقد كان محمد [صلى الله عليه وسلم] نبيًا لا مصلحًا اجتماعيًا. وأحدثت رسالته في المجتمع العربي القائم آنذاك تغييرات أساسية ما تزال آثارها ماثلة في المجتمع الإسلامي المعاصر.."(4).

[ 5 ]
".. مما لا ريب فيه أن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] قد اعتبر، بل كان في الواقع، ثائرًا في النطاق الذي كان فيه كل نبي ثائرًا بوصفه نبيًا، أي بمحاولته تغيير المحيط الذي يعيش فيه.."(5).

---------------------------
(1) إنسانية الإسلام ، ص 40 – 41 .

أبو مصعب السكندرى
01-10-2012, 08:38 AM
توينبي(1)

[ 1 ]
"لقد كرّس محمد [صلى الله عليه وسلم] حياته لتحقيق رسالته في كفالة هذين المظهرين في البيئة الاجتماعية العربية [وهما الوحدانية في الفكرة الدينية، والقانون والنظام في الحكم]. وتم ذلك فعلاً بفضل نظام الإسلام الشامل الذي ضم بين ظهرانيه الوحدانية والسلطة التنفيذية معًا.. فغدت للإسلام بفضل ذلك قوة دافعة جبارة لم تقتصر على كفالة احتياجات العرب ونقلهم من أمة جهالة إلى أمة متحضرة، بل تدفق الإسلام من حدود شبه الجزيرة، واستولى على العالم السوري بأسره من سواحل الأطالسي إلى شواطئ السهب الأوراسي.."(2).

[ 2 ]
".. لقد أخذت سيرة الرسول العربي [صلى الله عليه وسلم] بألباب أتباعه، وسمت شخصيته لديهم إلى أعلى علّيين، فآمنوا برسالته إيمانًا جعلهم يتقبلون ما أوحي به إليه وأفعاله كما سجّلتها السنة، مصدرًا للقانون، لا يقتصر على تنظيم حياة الجماعة الإسلامية وحدها، بل يرتب كذلك علاقات المسلمين الفاتحين برعاياهم غير المسلمين الذين كانوا في بداية الأمر يفوقونهم عددًا"(3).

---------------------------
(1) آرنولد توينبي Arnold Toynbee
المؤرخ البريطاني المعاصر، الذي انصبت معظم دراساته على تاريخ الحضارات، وكان أبرزها – ولا ريب – مؤلفه الشهير (دراسة للتاريخ) الذي شرع يعمل فيه منذ عام 1921 وانتهى منه عام 1961، وهو يتكون من اثني عشر جزءًا عرض فيها توينبي لرؤيته الحضارية للتاريخ. ولقد وضع المستر سومر فيل – تحت إشراف توينبي نفسه – مختصرًا في جزأين لهذا العمل الواسع بسط فيه جميع آراء المؤلف مستخدمًا عباراته الأصلية في معظم الأحيان، وحذف الكثير من الأمثلة والآراء دون إخلال بالسياق العام للكتاب، وهذا المختصر هو الذي ترجم إلى العربية في أربعة أجزاء، وهو الذي اعتمدناه هنا.
(2) مختصر دراسة للتاريخ 10 / 381 .
(3) نفسه ، 3 / 98 .

أبو مصعب السكندرى
06-10-2012, 11:59 AM
فيليب حتي
[ 1 ]
"إن اللغة العربية هي لغة القرآن التي كانت الأساس الذي قامت عليه أمة جديدة أخرجت للناس، أمة جاءت بها بعثة محمد [صلى الله عليه وسلم] من قبائل متنافرة متنازعة لم يقدّر لها من قبل أن تجتمع على رأي واحد. وهكذا استطاع رسول الإسلام [صلى الله عليه وسلم] أن يضيف حدًا جديدًا (رابعًا) إلى المأثرة الحضارية ذات الحدود الثلاثة من الدين والدولة والثقافة، ذلك الحد الرابع الجديد كان (إيجاد أمة ذات لغة فوق اللغات).."(1).

[ 2 ]
"إن إقامة الأخوة في الإسلام مكان العصبية الجاهلية (القائمة على الدم والقرابة) للبناء الاجتماعي كان في الحقيقة عملاً جريئًا جديدًا قام به النبي العربي [صلى الله عليه وسلم].."(2).

[ 3 ]
"في الكتاب المعاصرين لنا نفرٌ يحاولون أن يكتشفوا الأعمال الباهرة (التي حققها محمد صلى الله عليه وسلم) أو أن يعالجوا حياته الزوجية على أساس من التحليل النفسي، فلا يزيدون على أن يضيفوا إلى أوجه التحامل وإلى الآراء الهوائية أحكامًا من زيف العلم.."(3).

[ 4 ]
"صفات محمد [صلى الله عليه وسلم] مثبتة في القرآن بدقة بالغة فوق ما نجد في كل مصدر آخر. إن المعارك التي خاضها والأحكام التي أبرمها والأعمال التي قام بها لا تترك مجالاً للريب في الشخصية القوية والإيمان الوطيد والإخلاص البالغ وغير ذلك من الصفات التي خلقت الرجال القادة في التاريخ. ومع أنه كان في دور من أدوار حياته يتيمًا فقيرًا، فقد كان في قلبه دائمًا سعة لمؤاساة المحرومين في الحياة"(4).

[ 5 ]
"إذا نحن نظرنا إلى محمد [صلى الله عليه وسلم] من خلال الأعمال التي حققها، فإن محمدًا الرجل والمعلم والخطيب ورجل الدولة والمجاهد يبدو لنا بكل وضوح واحدًا من أقدر الرجال في جميع أحقاب التاريخ. لقد نشر دينًا هو الإسلام، وأسس دولة هي الخلافة، ووضع أساس حضارة هي الحضارة العربية الإسلامية، وأقام أمة هي الأمة العربية. وهو لا يزال إلى اليوم قوة حية فعالة في حياة الملايين من البشر"(5).

---------------------------
(1) الإسلام منهج حياة ، ص 19 – 20 .

أبو مصعب السكندرى
10-10-2012, 09:55 AM
جورج حنا
[ 1 ]
".. كان محمد [صلى الله عليه وسلم] يخرج من سويعات [لقائه مع جبريل عليه السلام] بآيات تنطق بالحكمة، داعيًا قومه إلى الرجوع عن غيّهم، والإيمان بالإله الواحد الكليّ القدرة، صابًا النقمة على الآلهة الصنمية، التي كان القوم يعبدونها فكان طبيعيًا أن يحقد عليه أشراف العرب ويضمروا له الشر، لما كان في دعوته من خطر على زعامتهم، وهي ما كانت قائمة إلا على التعبد للأصنام التي جاء هذا الرجل يدعو إلى تحطيمها. لكن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] لم يكن يهادن في بث دعوته، ولم يكن يسكت عن اضطهاد أشراف قريش له، بل كان يتحداهم، فيزدادون حقدًا عليه وتآمرًا على حياته. فلم تلبث دعوته حتى تحولت من دعوة سلمية إلى دعوة نضالية. إنه لم يرض بأن يحوّل خدّه الأيسر لمن يضربه على خدّه الأيمن.. بل مشى في طريقه غير هيّاب، في يده الواحدة رسالة هداية، يهدي بها من سالموه، وفي يده الثانية سيف يحارب به من يحاربوه. لقد آمن به نفر قليل في بداية الدعوة، وكان نصيب هذا النفر مثل نصيبه من الاضطهاد والتكفير.. كان هؤلاء باكورة الديانة الإسلامية، والشعلة التي انطلقت منها رسالة محمد [صلى الله عليه وسلم]"(1).

[ 2 ]
"كان محمد [صلى الله عليه وسلم] في المدينة أكثر اطمئنانًا على نفسه وعلى أتباعه ورسالته مما كان في مكة.. كانت يثرب مدينة العامة التابعة، لا مدينة الخاصة المتبوعة. والعامة دائمًا أقرب إلى اقتباس كلمة الحق من الخاصة، لا سيما إذا كانت كلمة الحق هذه، تحررها من عبوديتها للخاصة"(2).

[ 3 ]
"محمد بن عبد الله [صلى الله عليه وسلم] كان ثائرًا، عندما أبى أن يماشي أهل الصحراء في عبادة الأصنام وفي عاداتهم الهمجية وفي مجتمعهم البربري. فأضرمها حربًا لا هوادة فيها على جاهلية المشركين وأسيادهم وآلهتهم. فكفره قومه واضطهدوه وأضمروا له الموت. فهاجر تحت جنح الليل مع نفر من أتباعه، وما تخلى عن النضال في نشر دعوته، وما أحجم عن تجريد السيف من أجلها. فأخرج من جاهلية الصحراء عقيدة دينية واجتماعية تجمع بين مئات الملايين من البشر في أقطار المعمورة"(3).

---------------------------
(1) قصة الإنسان ، ص 76 .
(2) نفسه ، ص 77 .
(3) نفسه ، ص 252 .

أبو مصعب السكندرى
12-10-2012, 08:30 AM
أميل درمنغم

[ 1 ]
".. إذا كانت كل نفس بشرية تنطوي على عبرة وإذا كان كل موجود يشتمل على عظة فما أعظم ما تثيره فينا من الأثر الخاص العميق المحرك الخصيب حياة رجل يؤمن برسالته فريق كبير من بني الإنسان!"(1).

[ 2 ]
".. ولد لمحمد [صلى الله عليه وسلم]، من مارية القبطية] ابنه إبراهيم فمات طفلاً، فحزن عليه كثيرًا ولحده بيده وبكاه، ووافق موته كسوف الشمس فقال المسلمون: إنها انكسفت لموته، ولكن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] كان من سموّ النفس ما رأى به ردّ ذلك فقال: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد..) فقول مثل هذا مما لا يصدر عن كاذب دجال.."(2).

[ 3 ]
".. تجلت بهذه الرحلة الباهرة [حجة الوداع] ما وصلت إليه من العظمة والسؤدد رسالة ذلك النبي الذي أنهكه اضطهاد عشر سنين وحروب عشر سنين أخرى بلا انقطاع، وهو النبي الذي جعل من مختلف القبائل المتقاتلة على الدوام أمة واحدة.."(3).

[ 4 ]
"[إن] محمدًا [صلى الله عليه وسلم] الذي خلق القيادة لم يطلب معاصريه بغير ما يفرض عليهم من الطاعة لرجل يبلّغهم رسالات الله، فهو بذلك واسطة بين الله رب العالمين والناس أجمعين.. وكان ينهى عن عدّه ملكًا.. ولقد نال السلطان والثراء والمجد، ولكنه لم يغتر بشيء من هذا كله فكان يفضل إسلام رجل على أعظم الغنائم، ومما كان يمضه عجز كثير من الناس عن إدراك كنه رسالته.."(4).

[ 5 ]
".. الحق أن النبي [صلى الله عليه وسلم] لم يعرف الراحة ولا السكون بعد أن أوحي إليه في غار حراء، فقضى حياة يعجب الإنسان بها، والحق أن عشرين سنة كفت لإعداد ما يقلب الدنيا، فقد نبتت في رمال الحجاز الجديبة حبة سوف تجدد، عما قليل، بلاد العرب وتمتد أغصانها إلى بلاد الهند والمحيط الأطلنطي. وليس لدينا ما نعرف به أن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] أبصر، حين أفاض من جبل عرفات، مستقبل أمته وانتشار دينه، وأنه أحسّ ببصيرته أن العرب الذين ألّف بينهم سيخرجون من جزيرتهم لفتح بلاد فارس والشام وأفريقية وإسبانية"(5).

---------------------------
(1) حياة محمد ، ص 8 .

أبو مصعب السكندرى
21-10-2012, 11:48 AM
دُرّاني(1)

[ 1 ]
"أستطيع أن أقول بكل قوة أنه لا يوجد مسلم جديد واحد لا يحمل في نفسه العرفان بالجميل لسيدنا محمد [صلى الله عليه وسلم] لما غمره به من حب وعون وهداية وإلهام فهو القدوة الطيبة التي أرسلها الله رحمة لنا وحبًا بنا حتى نقتفي أثره"(2).

[ 2 ]
".. وأخيراً أخذت أدرس حياة النبي محمد [صلى الله عليه وسلم] فأيقنت أن من أعظم الآثام أن نتنكر لذلك الرجل الرباني الذي أقام مملكة لله بين أقوام كانوا من قبل متحاربين لا يحكمهم قانون، يعبدون الوثن، ويقترفون كل الأفعال المشينة، فغير طرق تفكيرهم، لا بل بدل عاداتهم وأخلاقهم، وجمعهم تحت راية واحدة وقانون واحد ودين واحد وثقافة واحدة وحضارة واحدة وحكومة واحدة، وأصبحت تلك الأمة، التي لم تنجب رجلاً عظيمًا واحدًا يستحق الذكر منذ عدة قرون، أصبحت تحت تأثيره وهديه تنجب ألوفًا من النفوس الكريمة التي انطلقت إلى أقصى أرجاء المعمورة تدعو إلى مبادئ الإسلام وأخلاقه ونظام الحياة الإسلامية وتعلم الناس أمور الدين الجديد"(3).

[ 3 ]
".. تحمل [صلى الله عليه وسلم] ثلاثة عشر عامًا كاملةً من المتاعب [في مكة] دون انقطاع، وثمانية سنوات [في المدينة] دون توقف، فتحمل ذلك كله، فلم يتزحزح شعرة عن موقفه، وكان صامدًا، رابط الجأش، صلبًا في أهدافه وموقفه. عرضت عليه أمته أن تنصبه ملكًا عليها وأن تضع عند قدميه كل ثروات البلاد إذا كف عن الدعوة إلى دينه ونشر رسالته. فرفض هذه الإغراءات كلها فاختار بدلاً من ذلك أن يعاني من أجل دعوته. لماذا؟ لماذا لم يكترث أبدًا للثروات والجاه والملك والمجد والراحة والدعة والرخاء ؟ لابدّ أن يفكر المرء في ذلك بعمق شديد إذا أراد أن يصل إلى جواب عليه"(4).

[ 4 ]
"هل بوسع المرء أن يتصور مثالاً للتضحية بالنفس وحب الغير والرأفة بالآخرين أسمى من هذا المثال حيث نجد رجلاً يقضي على سعادته الشخصية لصالح الآخرين، بينما يقوم هؤلاء القوم أنفسهم الذين يعمل على تحسين أحوالهم ويبذل أقصى جهده في سبيل ذلك يقومون برميه بالحجارة والإساءة إليه ونفيه وعدم إتاحة الفرصة له للحياة الهادئة حتى في منفاه، وأنه رغم كل ذلك يرفض أن يكف عن السعي لخيرهم؟ هل يمكن لأحد أن يتحمل كل هذا العناء والألم من أجل دعوة السعي لخيرهم؟ هل يمكن لأحد أن يتحمل كل هذا العناء والألم من أجل دعوة مزيفة؟ هل يستطيع أي مدخول غير مخلص.. أن يبدي هذا الثبات والتصميم على مبدئه والتمسك به حتى آخر رمق دون أدنى وجل أو تعثر أمام الأخطار وصنوف التعذيب التي يمكن تصورها وقد قامت عليه البلاد بأكملها وحملت السلاح ضده؟"(5).

[ 5 ]
"إن هذا الإيمان وهذا السعي الحثيث وهذا التصميم والعزم الذي قاد به محمد [صلى الله عليه وسلم] حركته حتى النصر النهائي، إنما هو برهان بليغ على صدقه المطلق في دعوته. إذ لو كانت في نفسه أدنى لمسة من شك أو اضطراب لما استطاع أبدًا أن يصمد أمام العاصفة التي استمرّ أوارها أكثر من عشرين عامًا كاملة. هل بعد هذا من برهان على صدق كامل في الهدف واستقامة في الخلق وسموّ في النفس كل هذه العوامل تؤدي لا محالة إلى الاستنتاج الذي لا مفر منه وهو أن هذا الرجل هو رسول الله حقًا. هذا هو نبينا محمد [صلى الله عليه وسلم] إذ كان آية في صفاته النادرة ونموذجًا كاملاً للفضيلة والخير، ورمزًا للصدق والإخلاص.. [إن] حياته وأفكاره وصدقه واستقامته، وتقواه وجوده، وعقيدته ومنجزاته، كل أولئك براهين فريدة على نبوته. فأي إنسان يدرس دون تحيّز حياته ورسالته سوف يشهد أنه حقًا رسول من عند الله، وأن القرآن الذي جاء به للناس هو كتاب الله حقًا. وكل مفكر منصف جاد يبحث عن الحقيقة لابدّ أن يصل إلى هذا الحكم"(6).

---------------------------
(1) الدكتور م. ج. دُرّاني Dr. M. H. Durrani
سليل أسرة مسلمة منذ القدم، أصبح نصرانيًا في فترة مبكرة من حياته وتحت تأثير إحدى المدارس التبشيرية المسيحية، وقضى ردحًا من حياته في كنيسة إنكلترا، حيث عمل قسيسًا منذ عام 1939 وحتى عام 1963 حيث جاءه الإسلام "كما يأتي فصل الربيع"، فعاد إلى دين آبائه وأجداده.
(2) رجال ونساء أسلموا ، 4 / 27 – 28 .
(3) نفسه ، 4 / 28 – 29 .
(4) نفسه ، 4 / 29 – 30 .
(5) نفسه ، 4 / 30 .
(6) نفسه ، 4 / 30 – 31 .

أبو مصعب السكندرى
03-11-2012, 11:25 AM
أحمد سوسة

[ 1 ]
".. أي غاية أسمى وأقرب إلى الإنسانية ودين الله من تلكم الغاية التي كان يرمي إليها الرسول [صلى الله عليه وسلم] في توحيد القلوب وإظهار الحقيقة ؟ لنتصور محمدًا [صلى الله عليه وسلم] وهو يملي على أهل الكتاب وحي الله قائلاُ: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران 64].."(1).

[ 2 ]
".. إن نبي الإسلام شخصية تاريخية مبجلة. ما حياة الرسول [صلى الله عليه وسلم] سوى سلسلة وقائع تاريخية عظيمة الشأن نبيلة المرمى يتجلى فيها مقامه السامي من الحلقة الإنسانية.."(2).

[ 3 ]
".. كان محمد [صلى الله عليه وسلم] أنموذجًا للحياة الإنسانية بسيرته وصدق إيمانه ورسوخ عقيدته القويمة. بل مثالاً كاملاً للأمانة والاستقامة وإن تضحياته في سبيل بث رسالته الإلهية خير دليل على سموّ ذاته ونبل مقصده وعظمة شخصيته وقدسية نبوته"(3).
"إن التاريخ ينبئنا أن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] ضحى بكل شيء من أجل رسالته إذ أتيحت له مرات فرصة الاختيار بين أمرين أولهما حياة راحة وهناء وغنى على أن ينبذ [دعوته] وثانيهما حياة عسر واضطهاد مقرونة بنشر رسالته، وقد فضل الأمر الثاني لأن إيمانه برسالته كان قويًا وكان قد أوحي إليه بأنه قد اختاره ربه لبث هذه الرسالة على الإنسانية جمعاء فكان ما أراد الله له"(4).

---------------------------
(1) في طريقي إلى الإسلام ، 1/72-73 .
(2) نفسه ، ص 1/174 .
(3) نفسه ، ص 1 / 174 – 175 .
(4) نفسه ، 2 / 130 .

أبو مصعب السكندرى
06-11-2012, 08:53 AM
هنري دي فاستري

[ 1 ]
"إن أشد ما نتطلع إليه بالنظر على الديانة الإسلامية ما اختص منها بشخص النبي [صلى الله عليه وسلم] ولذلك قصدت أن يكون بحثي أولاً في تحقيق شخصيته وتقرير حقيقته الأدبية علّني أجد في هذا البحث دليلاً جديدًا على صدقه وأمانته المتفق تقريبًا عليها بين جميع مؤرخي الديانات وأكبر المتشيعين للدين المسيحي"(1).

[ 2 ]
"ثبت إذن أن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] لم يقرأ كتابًا مقدسًا ولم يسترشد في دينه بمذهب متقدم عليه.."(2).

[ 3 ]
".. ولقد نعلم أن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] مرّ بمتاعب كثيرة وقاسى آلامًا نفسية كبرى قبل أن يخبر برسالته، فقد خلقه الله ذا نفس تمحّضت للدين ومن أجل ذلك احتاج إلى العزلة عن الناس لكي يهرب من عبادة الأوثان ومذهب تعدد الآلهة الذي ابتدعه المسيحيون وكان بغضهما متمكنًا من قلبه وكان وجود هذين المذهبين أشبه بإبرة في جسمه [صلى الله عليه وسلم] ولعمري فيم كان يفكر ذلك الرجل الذي بلغ الأربعين وهو في ريعان الذكاء ومن أولئك الشرقيين الذين امتازوا في العقل بحدة التخيّل وقوة الإدراك.. إلا أن يقول مرارًا ويعيد تكرارًا هذه الكلمات (الله أحد الله أحد). كلمات رددها المسلمون أجمعون من بعده وغاب عنا معشر المسيحيين مغزاها لبعدنا عن فكرة التوحيد.."(3).

[ 4 ]
".. لو رجعنا إلى ما وضحه الحكماء عن النبوة ولم يقبل المتكلمون من المسيحيين لأمكننا الوقوف على حالة مشيد دعائم الإسلام وجزمنا بأنه لم يكن من المبتدعين.. ومن الصعب أن تقف على حقيقة سماعه لصوت جبريل [عليه السلام].. إلا أن معرفة هذه الحقيقة لا تغير موضوع المسألة لأن الصدق حاصل في كل حال"(4).

[ 5 ]
"لا يمكن أن ننكر على محمد [صلى الله عليه وسلم] في الدور الأول من حياته كمال إيمانه وإخلاص صدقه، فأما الإيمان فلن يتزعزع مثقال ذرة من قلبه في الدور الثاني [الدور المدني] وما أُوتيه من نصر كان من شأنه أن يقويه على الإيمان لولا أن الاعتقاد كله قد بلغ منه مبلغًا لا محل للزيادة فيه.. وما كان يميل إلى الزخارف ولم يكن شحيحًا.. وكان قنوعًا خرج من [الدنيا] ولم يشبع من خبز الشعير مرة في حياته.. تجرد من الطمع وتمكن من نوال المقام الأعلى في بلاد العرب ولكنه لم يجنح إلى الاستبداد فيها، فلم يكن له حاشية ولم يتخذ وزيرًا ولا حشما، وقد احتقر المال.."(5).

---------------------------
(1) الإسلام: خواطر وسوانح ، ص 6 .
(2) نفسه ، ص 16 .
(3) نفسه ، ص 16 – 17 .
(4) نفسه ، ص 21 .
(5) نفسه ، ص 24 .