المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصة وسائل النقل قبل 60 عاماً.. «يوم لك ويوم عليك»!



ابوفهد
29-12-2010, 10:55 PM
http://s.alriyadh.com/2010/12/17/img/076797892937.jpg
جانب من عملية نقل البضائع بين الأرياف والقرى الصغيرة قبل أكثر من 60 عاماً


الأسياح - سعود المطيري
تعرّف رجل من أهالي الأسياح اسمه "سليمان" منذ ما يزيد على 51 عاماً على (حمارته) -أجلكم الله- التي فقدت حينها قبل سنة واسمها (قملة).. تعرّف عليها في قرية مجاورة ورفض الطرف المتهم بالاستيلاء عليها، وتسليمها، مؤكداً على انها حمارته، وتوترت بعد ذلك العلاقات بين القريتين بعد أن تحولت إلى قضية رأي عام على مستوى "قرى الجوار", وعندما بدأت القرية المنهوبة تلوح با ستخدام القوة لاسترداد (قملة) وحشدت سلاحها من العصي والهروات؛ تدخل حكماء القريتين لاحتواء فتنة قد تمتد إلى ما لا نهاية، واقترحوا أن تحال للمحكمة التي كان ينتدب لها قاض بضعة أيام كل أربعة إلى خمسة أشهر.
وفي اليوم المحدد للجلسة حضر الطرفان وسط ترقب "المحلفين" المتعاطفين من كلا الطرفين الذين احتشدوا حول "مشراق المحكمة" الذي يستقبل عنده الشيخ القضايا في انتظار صدور الحكم, وادعى المدعى أمام القاضي حسب ما نص عليه صك الخصومة الصادر بذلك "الصورة" أن له حمارة فقدت منه في اوائل سنة 1379ه، وهي -كما قال- في ادعائه معسوفة تركب "مدربة", وولدت عنده قبل خمس سنوات في العام 1374ه، وأوصافها "خضراء" اللون، ويوجد على رقبتها من يمين وسم اهل (....)، يليها ما يسمى ب"الشاهدين" بينها وبين أسفل الرقبة مستطيل فيها، وضحك القاضي عندما قال ليزيد تأكيده (اعرفها مثلما أعرفك يا شيخ)!.
وعندما طلب القاضي بيّنة المدعي احضر معه (ثلاثة) شهود من جماعته شهدوا جميعاً انها حمارة المدعي التي ولدت عنده منذ خمس سنوات، وضاعت منذ سنتين وأن الوسم (الكي) الظاهر عليها وسمه الذي وسمه بيده.
المتهم أو (المدعى عليه) أجاب انها حمارته ابنة حمارته ولدت منذ أربع سنوات وقد قام بوسمها بما يعرف ب(العرقاة) لكنها أثناء الوسم بالنار تحركت فاختلط الوسم، وبعد نبات الشعر ظهر كأنه وسم المدعي (المقارب لوسمه) وحتى لا يشتبه الوسم فقد قام بجدع ما يقارب الأصبع من الأذن اليسرى من الأعلى.
هنا كان على ناظر القضية وهو القاضي أن يتأكد بنفسه ابراءً للذمة وطلب احضار (قمله) للمحمكة التي احضرت في اليوم التالي، وقام الفراش بحلق شعرها أمام القاضي واطراف القضية مع الشهود ليتبين بطلان دعوى المدعي وبقائها عند صاحبها والحكم بجلد الشهود الثلاثة الذين شهدوا زوراً وعدم قبول شهادتهم مستقبلاً.



http://s.alriyadh.com/2010/12/17/img/062639977670.jpg
رحالة لحظة وصولهم إلى بوابة المدينة في الخمسينات ميلادية تقريباً




مشاهدة «المعاويد» و «النجايب» و «القاري» داخل الحواري القديمة تعيد ذكريات «الزمن البسيط»


تاريخ سنة القضية أصبح حدثاً معلوماً يحسب فيه البعض أعمار مواليدهم وتحرير عقود البيع والشراء، واستحقاق دفع اقساطهم كما عده المدعى عليه نصراً لكل القرية، فهي قبل أن تكون ملكاً له هي ملك لكل أهالي قريته الذين اعتادوا أن يطلق كل واحدا منهم حماره أو بعيره يتسكع في الشوارع، أو يربطه أمام منزله، وأي رجل أو امرأة من أبناء القرية يحتاج إليه في جلب الماء مثلاً أو في التنقلات يفك رباطه وينطلق به دون أخذ الاذن من صاحبه.


وسائل النقل
لم يكن وحده وسيلة النقل الوحيدة وان كان اهمها في التنقلات القصيرة داخل المدن والقرى والبوادي؛ فقد كان هناك الابل سفن الصحراء التي كانت تبحر في الصحراء آلاف الأميال إلى العراق وفلسطين والشام، وتصل إلى افريقيا قبل اغلاق قناة السويس في رحلات التجارة، كما أن هناك نوعيات من الابل مخصصة للعمل في الحقول وأسواق المدن واستخراج الماء من الابار بما يعرف ب "المعاويد"، وكانت هناك خيول (القاري) المخصصة للنقل تجر عربات بعجلتين تسمى الكرو أو القاري، إلى جانب الحمير وهي تتجول داخل الحارات فجر كل يوم، تسبقها جلجلة السلاسل وصيحات السقائين أو باعة (القاز) أو (الرمادين) الذين ينقلون الرماد بعد استخراجه من المنازل إلى خارج أحياء المدينة، وكانت هي أساطيل النقل المتاحة بين الموانيء وأسواق المدن لإيصال البضائع مثلما يستخدمها البنائون والفحامون وباعة الحطب وفي كل مناحي الحياة حتى على المستوى الرسمي إلى منتصف الثمانينات الهجرية، حيث كانت تستخدم في نقل البريد وجرّ عربات النظافة للبلديات كما كانت تستخدم (النجايب) أنواع من الابل في العديد من المهام الرسمية وملاحقة المطلوبين وحراسة الحدود ورجال دوريات الجمارك.



http://s.alriyadh.com/2010/12/17/img/566415954293.jpg
طفل يمتطي الحمار بصحبة والده في لقطة تعود إلى أكثر من خمسين عاماً



ذكريات لا تنسى
قضية «قملة» حرّكت «قرى الجوار» وكشفت «شهود الزور».. وانتهت بحلق شعرها عند باب المحكمة



وقتها كانت ساحات المدن تضم أكبر الأسواق للبيع والشراء على غرار صالات ومعارض السيارات اليوم، وكانت الأحساء والرياض وبريدة وجدة تضم أكبرها، وعندما يصف لنا بعض كبار السن جانباً من نشاط وحركة تلك الأسواق فهم يتذكرون الابل والخيول وبقر الحرث وسلالات الحمير المصنفة أجلكم الله- التي يحرص عليها المشترون, مثل: المكسيكي, الايراني, النجدي، الحساوي, ثم ارداها وهو (الخكري) الذي يوصف عليه (خكارية البشر).
يتذكرون أيضاً عندما يؤتى به مصبوغاً بالحناء ومزيناً بالشرائط القماشية والسلاسل ثم (يلعلع) صوت المحرج وهو يمتطي صهوته داخل السوق بادئاً بتعديد أفضل مزاياه:
لا يعض, لا ينهق، لا يرفس, ولا يربض, حيث كان البعض منها يعض الأطفال والنساء ويستقصد منهن الفتيات الجميلات أما أسوأ العيوب فكانت (الرباضة) وهو نوع من العصيان أو الإضراب المتعمد يتوقف فيه الحمار فجأة، وينسدح على الأرض بحمله أو راكبه رافضاً التزحزح من مكانه أو الاستجابة للضرب أو الركل مهما وصل..
يذكرون أيضاً طريقة الفحص وقياس التحمل عندما يتوجه المشتري قبل دفع القيمة لمستنقع مائي، أو مجموعة حفر تكون قريبة من مكان الحراج لاختبار القدرات يتحدد من خلالها قبول او رد البضاعة.



http://s.alriyadh.com/2010/12/17/img/769602663501.jpg
الجمل أكثر الحيوانات قدرة على التحمل وقطع المسافات الطويلة



الطوفان الحضاري
تحولت اليوم إلى «تجارة استعراض» بمبالغ خيالية واحتفاء سينمائي مثل المشاهير


وسائل نقل كانت بسيطة ببساطة الحياة ومتطلباتها التهمها طوفان المد الحضاري بكل متناقضاته، ورفع بعضها إلى أعلى المقامات حتى تجاوز سعر الرأس الواحدة لبعضها (الدية الشرعية)، بل دية أكثر من مئة وثمانين رجلاً، كما تساق إلى ميادين المنافسة وحلبات العرض في مظاهر احتفالية على طريقة الاحتفاء بأشهر نجمات السينما.
فيما ألغي وجود ذلك الكائن الأسطوري الذي لازم الإنسان على مر العصور، وخدمه أكثر من أي كائن آخر متفوقاً عليها بالصبر المطلق والطاعة العمياء، ولم يبق في سجله الاّ ما كان يسقط عليه الأدب والأدباء من صفات الغباء والدناءة عندما كان أحد مصادر إثراء الأسطورة والأقصوصة الشعبية:
ذهب الحمار بأم عمرٍ ... فلا رجعت ولا رجع الحمار
تاريخ منسي
الحمار لم يشفع له صبره، ولا عراقة أصله وهو ينتسب إلى فصيلة (الخيول) المعروفة، ولا حتى شجاعته عندما كان يدفع به أمام السرايا، وكاسحات الألغام في الحروب الحديثة لتطهير الخطوط الأمامية من الألغام في الوقت الذي كانت ترتعد فيه فرائص الجبناء.

«الكائن الأسطوري» تحمل الظلم والتحقير ولم يتوقع «نكران الجميل» ليموت جيفة في الصحراء

مع بداية سنوات الطفرة كانت احدى الدول التي تمتلك ثروات من الحمير تعقد اجتماعات متتالية مع المستشارين والساسة والاقتصاديين؛ للبحث عن مخرج ينقذ اقتصادها وانهيار العملة عندما قرروا في النهاية التضحية بتصدير عشرات الآلاف منها إلى دول كانت لا تزال تبحث عنها, وفي هذه الاثناء افتكت قيودها عندنا وطردت من محارم القرى والمدن، وبدأ ماعرف وقتها بين بعض بلديات المدن ب"حرب الحمير"، حيث كانت المدينة الفلانية تصحو صباحاً؛ لتجد جيوشاً منها قد انزلت عندها في ظلمة ليل البارحة، وتسد المنافذ والشوارع، وتقوم بعد ذلك بشحنها مضاعفة وتعيدها في الليلة الثانية إلى المكان الذي تعتقد انها جلبت منه..!!
لقد تحمل الحمار منا الظلم والتحقير، ووصفه بأقذع العبارات على مدى كل القرون الماضية؛ معتمداً على مخزون صبره الهائل حين تحمّل منا كل شيء، الاّ مشاعر التنكر للجميل، ونسيان الماضي عندما غادر مدننا الاسمنتية إلى فضاء الصحراء؛ يبحث عن موارد مياه لتشكل قطعان متوحشة تفر هاربة مجرد سماع هدير مركباتنا الفاخرة, نمت حوافرها مثل زلاجات الجليد حتى كبلتها وأعاقت حركتها إلى أن سقطت جيفا في مجاهل الصحراء!.


http://s.alriyadh.com/2010/12/17/img/669501422398.jpg
طفل يسير بحماره بين البيوت لقضاء احتياجات أسرته


http://s.alriyadh.com/2010/12/17/img/799847833409.jpg
الحمار وسيلة التنقل بين القرى والأسواق الشعبية


http://s.alriyadh.com/2010/12/17/img/433039579670.jpg
طفلان يتوقفان على عربة القاري قبل البدء في رحلة نقل جديدة


http://s.alriyadh.com/2010/12/17/img/574397933459.jpg
أطفال يمتطون الحمار بحثاً عن الترفيه والتسلية


http://s.alriyadh.com/2010/12/17/img/218902028107.jpg
صك قضية قملة انتهى بإرجاع الحمارة إلى صاحب الحق


صراحة معلومات قيمة ووثائق مصورة أحببت عرضها عليكم
وذلك ليعرف جيل اليوم ماذا كنا نعاني في تلك الحقبة من التاريخ
فأحمدوا ربكم على النعمة التي أنتم بها وأشكروه
دمتم بخير

ابن العميد
30-12-2010, 08:44 AM
هلا بالعمدة

الله يسامحك , يعني قبل 60 سنة ما كان في وسيلة نقل الا الحمار

ما عندك وسيلة احدث

مع تحياتي

دانيال يون
30-12-2010, 03:53 PM
النبيل أبو فهد .

ملف معلوماتي جميل جدا ...

أشكرك لهذه الذكريات الرائعة .

تقديري ...