المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لاَ تُنْكِحْ خَاطِبَ سِرِّك



الفـارس
02-11-2010, 09:41 AM
لاَ تُنْكِحْ خَاطِبَ سِرِّك

الأسرار على ضربين: أحدهما: ما يبوح به إنسان لآخر من حديث يُستكتم، وذلك إما تصريحًا كأن يقول له: اكتم ما أقول لك، وإما حالاً كأن يتحرى القائل حال انفراده بمن يتحدث معه، أو يخفي حديثه عن بقية مجالسيهِ. في هذا قيل: إذا حدثك إنسان بحديث فهو أمانة.

أما الضرب الثاني من الأسرار فهو أن يكون حديثَ نفسٍ بما يستحي الإنسان من إشاعته، أو أمرًا ما يريد فعله.

والكتمان في النوعيين محمود؛ فهو في الأول نوعٌ من الوفاء، وفي الثاني نوعٌ من الحزم والاحتياط والستر ، قَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ:

وَمُسْتَوْدَعِي سِرًّا تَضَمَّنْتُ سِرَّهُ فــــأَوْدَعْتُهُ مِنْ مُسْتَقَرِّ الْحَشَى قَبْرَا

وَلَكِـــنَّنِي أُخْفِيـــــهِ عَنِّـــــي كَـــــأَنَّنِي مِنْ الدَّهْرِ يَوْمًا مَا أَحَطْتُ بِهِ خُبْرَا

وَمَا السِّرُّ فِي قَلْبِي كَمَيْتٍ بِحُفْرَةٍ لِأَنِّي أَرَى الْمَدْفُونَ يَنْتَظِرُ النَّشْرَا.

واعْلَمْ أَنَّ كِتْمَانَ الاسْرَارِ مِنْ أَقْوَى أَسْبَابِ النَّجَاحِ، وَأَدْوَمِ لِأَحْوَالِ الصَّلاَحِ ، رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: اسْتَعِينُوا عَلَى إنْجَاحِ الْحَوَائِجِ بِالْكِتْمَانِ ، فَإِنَّ كُلَّ ذِي نِعْمَةٍ مَحْسُودٌ ، وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه: سِرُّك أَسِيرُك فَإِنْ تَكَلَّمْت بِهِ صِرْت أَسِيرَهُ... وقَالَ بَعْضُ الادَبَاءِ: مَنْ كَتَمَ سِرَّهُ كَانَ الْخِيَارُ إلَيْهِ، وَمَنْ أَفْشَاهُ كَانَ الْخِيَارُ عَلَيْهِ... وَإِظْهَارُ الرَّجُلِ سِرَّ غَيْرِهِ أَقْبَحُ مِنْ إظْهَارِهِ سِرَّ نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَبُوءُ بِإِحْدَى وَصْمَتَيْنِ، الْخِيَانَةُ إنْ كَانَ مُؤْتَمَنًا، أَوْ النَّمِيمَةُ إنْ كَانَ مُسْتَوْدَعًا.

إذا المـــرء أفشـــــى ســـــــره بلســـــــــــانه ... ولام عليــــــــــه غيــــــــره فهــــو أحمـــــــق

إذا ضاق صدر المرء عن سر نفسه ... فصدر الذي يستودع السر أضيـق

وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: سِرُّك مِنْ دَمِك فَإِذَا تَكَلَّمْت بِهِ فَقَدْ أَرَقْتَهُ.

وَاعْلَمْ أَنَّ مِنْ الاسْرَارِ مَا لاَ يُسْتَغْنَى فِيهِ عَنْ مُطَالَعَةِ صَدِيقٍ مُسَاهِمٍ، وَاسْتِشَارَةِ نَاصِحٍ مُسَالِمٍ. فَلْيَخْتَرْ الْعَاقِلُ لِسِرِّهِ أَمِينًا إنْ لَمْ يَجِدْ إلَى كَتْمِهِ سَبِيلًا، وَلْيَتَحَرَّ فِي اخْتِيَارِ مَنْ يَأْتَمِنُهُ عَلَيْهِ وَيَسْتَوْدِعُهُ إيَّاهُ. فَلَيْسَ كُلُّ مَنْ كَانَ عَلَى الامْوَالِ أَمِينًا كَانَ عَلَى الاسْرَارِ مُؤْتَمَنًا.

وَالْعِفَّةُ عَنْ الامْوَالِ أَيْسَرُ مِنْ الْعِفَّةِ عَنْ إذَاعَةِ الاسْرَارِ؛ لِأَنَّ الانْسَانَ قَدْ يُذِيعَ سِرَّ نَفْسِهِ بِبَادِرَةِ لِسَانِهِ، وَسَقَطِ كَلاَمِهِ، وَيَشُحُّ بِالْيَسِيرِ مِنْ مَالِهِ، حِفْظًا لَهُ وَضَنًّا بِهِ، وَلاَ يَرَى مَا أَذَاعَ مِنْ سِرِّهِ كَبِيرًا فِي جَنْبِ مَا حَفِظَهُ مِنْ يَسِيرِ مَالِهِ مَعَ عِظَمِ الضَّرَرِ الدَّاخِلِ عَلَيْهِ.

فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَانَ أُمَنَاءُ الاسْرَارِ أَشَدَّ تَعَذُّرًا وَأَقَلَّ وُجُودًا مِنْ أُمَنَاءِ الامْوَالِ.

وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رضي الله عنه: الْقُلُوبُ أَوْعِيَةُ الاسْرَارِ، وَالشِّفَاءُ أَقْفَالُهَا وَالالْسُنُ مَفَاتِيحُهَا، فَلْيَحْفَظْ كُلُّ امْرِئٍ مِفْتَاحَ سِرِّهِ.

وَقِيلَ فِي مَنْثُورِ الْحِكَمِ: قُلُوبُ الْعُقَلاَءِ حُصُونُ الاسْرَارِ. وَلْيَحْذَرْ صَاحِبُ السِّرِّ أَنْ يُودِعَ سِرَّهُ مَنْ يَتَطَلَّعُ إلَيْهِ، وَيُؤْثِرُ الْوُقُوفَ عَلَيْهِ، فَإِنَّ طَالِبَ الْوَدِيعَةِ خَائِنٌ.

وَقِيلَ فِي مَنْثُورِ الْحِكَمِ: لاَ تُنْكِحْ خَاطِبَ سِرِّك.

وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: كُلَّمَا كَثُرَتْ خِزَانُ الاسْرَارِ ازْدَادَتْ ضَيَاعًا.

وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ: وَسِرُّك مَا كَانَ عِنْدَ امْرِئٍ وَسِرُّ الثَّلاَثَةِ غَيْرُ الْخَفِي



اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ وَجَمِيعِ سَخَطِكَ

همس الاحساس
02-11-2010, 01:09 PM
جزاك الله حيرا

fahodi
02-11-2010, 01:38 PM
جزاك الله خير وبارك فيك ونفعنا جميعاً

بما طرحت ان شاء الله

تحيتي وتقديري لجهودك وعطائك

كهينة
03-11-2010, 07:24 PM
موضوع مهم ومميز

بارك الله فيك

الفـارس
04-11-2010, 11:53 PM
بارك الله فيكما على الحضور

يحيى الفقير
05-11-2010, 02:31 AM
موضوع قيم سلمت يمناك

وجزاك الله خيرا

الفـارس
05-11-2010, 12:56 PM
موضوع قيم سلمت يمناك

وجزاك الله خيرا

بارك الله فيك اخي يحيى على حضورك