sameh g
19-12-2009, 08:53 PM
محمد بن عبد الله بن عبد المطلب [1][2] آخر أنبياء ورسل الديانة الإسلامية. يعتبره المسلمون رسول الله للبشرية كافة ليعيد الناس لتوحيد الله، ويؤمن بأنه خاتم النبيين. عند ذكر اسمه، يُلحِق المسلمون عبارة صلى الله عليه وسلم لما جاء في القرآن والسنة النبوية مما يحثهم على الصلاة عليه، ويزيدها بعضهم صلى الله عليه وآله إكراما لأهل بيته، .
ولد في مكة في ربيع الأول من عام الفيل [3] قبل ثلاث وخمسين سنة من الهجرة، ما يوافق سنة 570 ميلاديا.[4] ولد يتيم الأب وفقد أمه في سن مبكرة فتربى في كنف جده ثم من بعده عمه أبي طالب حيث ترعرع، وفي تلك الفترة كان يعمل بالرعي ثم عمل بالتجارة. تزوج في سن الخامسة والعشرين من خديجة بنت خويلد وأنجب منها كل ذريته باستثناء إبراهيم. كان حنيفيا قبل الإسلام يعبد الله على ملة إبراهيم ويرفض عبادة الأوثان والممارسات الوثنية. يؤمن المسلمون أن الوحي نزل عليه وكُلّف بالرسالة وهو ذو أربعين سنة، أمر بالدعوة سراً لثلاث سنوات، قضى بعدهن عشر سنوات أخر في مكة مجاهراً بدعوة أهلها وكل من يرد إليها من التجار والحجيج وغيرهم. هاجر إلى المدينة المنورة والمسماه يثرب آنذاك عام 622 وهو في الثالثة والخمسين من عمره، بعد أن تآمر عليه سادات قريش ممن عارض دعوته وسعوا إلى قتله؛ فعاش فيها عشر سنين أخر داعياً إلى الإسلام، وأسس بها نواة الحضارة الإسلامية، التي توسعت لاحقا وشملت مكة وكل المدن والقبائل العربية، حيث وحَّد العرب لأول مرة على ديانة توحيدية ودولة موحدة، ودعا لنبذ العنصرية والعصبية القبلية.[5][6]
مصادر سيرة محمد
كونه شخصية لها تأثير كبير في التاريخ؛ فإن حياة محمد أفعاله وأفكاره قد تم مناقشتها على نطاق واسع من جانب أنصاره وخصومه على مر القرون، مما يصعب كتابة سيرته.
القرآن
يعتبر القرآن هو المصدر الأساسي للمعرفة حول سيرة محمد. وإن كان القرآن لم يتناول سيرة محمد باستفاضة، وذكرت فقط بعض المواقف والغزوات.[7] يقول ألفورد ولش أن « القرآن يستجيب باستمرار وبصراحة في كثير من الأحيان إلى محمد الظروف التاريخية المتغيرة ويحتوي على ثروة من البيانات المخفية».[8] ويعد القرآن أقدم وأوثق مصادر السيرة النبوية، فهو يرجع إلى عصر محمد نفسه، كما يتفق المسلمين كافة على مدى العصور على نسخة واحدة منه رغم اختلاف المذاهب والفرق الإسلامية.[9]
كتب السيرة والحديث
يلي القرآن في الأهمية كتب السيرة التي كتبت في القرنين الثالث والرابع الهجري.[10] وتحتوي هذه الكتب الرويات التاريخية حول حياته وأقوال منسوبة إليه ومعجزاته، وتوفر المزيد من المعلومات عن محمد الحياة.[11]
أول كُتّاب السيرة هو ابن إسحاق، حيث ألف كتاب السيرة النبوية المكتوب عام 767 م 150 هـ. النسخة الأصلية منه مفقودة، ولكن أعاد كتابتها كل من ابن هشام والطبري.[12] مصدر آخر ظهر في وقت مبكر هو المغازي لمحمد بن عمر الواقدي (توفي عام 207 هـ)، وعمل تلميذه ابن سعد البغدادي (توفي 230 هـ) والمسمى بالطبقات الكبرى.[10] الكثير من الباحثين تعاملوا مع هذة السير كمصدر صحيح، على الرغم من كون دقتها غير مؤكدة.[12] لاحقا عمل الباحثين على التمييز الأساطير والروايات الدسيسة والمكذوبة من جهة والروايات التاريخية البحتة من جهة أخرى.[13]
بالإضافة إلى السير، هناك كتب الحديث وبها روايات عن أقوال وأفعال محمد منقولة عبر سلسلة من الرواه عبر عدة أجيال بعد وفاته. وهي ذات قيمة مقدسة لدى المسلمين فيعتبرونها المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي. وظهرت علوم مختلفة للتأكد من وثوقية الحديث لكي يأخذ به المسلمين كمصدر للشريعة. بعض الأكاديميين الغربيين يعتبرون الأحاديث مصدرا دقيقا للمرويات التاريخية.[14][15] على سبيل المثال ويلفرد مادلونغ الذي لا يرفض الروايات التي ظهرت في فترات بعيدة زمنيا عن حياة محمد، ولكن يقيمها من خلال تناسقها في سياق التاريخ، وعلى أساس مدى توافقها مع الأحداث والشخصيات.[16] بينما استخدم المؤرخون المسلمون القدامى طريقة السند لتوثيق الروايات سواء في كتب التاريخ والسيرة أو كتب الحديث. وتعتمد تلك الطريقة على نسب كل رواية لراويها ومن رواها عنه وهكذا إلى أن تصل سلسلة السند لشخص كان يعيش في زمن محمد، فتكون الرواية صحيحة إذا كان سندها صحيح وهو ما يعتمد على ثقة المؤرخ في كل راوي من سلسلة الرواة.[9]
مصادر غير عربية
أقدم المصادر اليونانية حول سيرة محمد الكاتب ذيوفانس Theophanes في القرن التاسع الميلادي. وأقدم المصادر السريانية هو كاتب القرن السابع جون بار بينكاي.[17]
كانت شبه الجزيرة العربية منطقة صحراوية قاحلة، مما يجعل من الصعب الزراعة فيها باستثناء بعض الواحات لقربها من الينابيع والآبار والمياة الجوفية. ويتكون بالقرب من مصادر المياة التجمعات مما أدى لتكون المدن. ومن أبرز تلك المدن مكة ويثرب (المدينة المنورة حاليا). يثرب كانت تعتمد بشكل أساسي على الزراعة، في حين أن مكة كانت مركزا تجاري وديني هام لنظرا لمرور القوافل التجارية القادمة من الشمال والجنوب بها، وترجع أهميتها الدينية لوجود الكعبة المقدسة فيها، والتي يفد إليها الحجاج كل عام مما كان يساعد على الازدهار الاقتصادي كذلك.[18] وفقا لواط، كان الترابط الاجتماعي ضروريا لسكان شبه الجزيرة العربية لمواجهة مصاعب الظروف المناخية والمعيشة الصحراوية القاسية، مما أدى إلى ظهور النظام القبلي في جزيرة العرب المبني على روابط الدم والقرابة وذلك نظرا للحاجة إلى العمل كوحدة واحدة.[19] السكان الأصليين كانوا ينقسمون لبدو رحل أو مستقرين. فالرحل منهم يتنقلون باستمرار من مكان إلى آخر سعيا المياه والمراعي لإطعام قطعانهم من الأغنام والماشية. في حين أن النوع الآخر استقروا قرب منابع المياة، وركزوا على التجارة والزراعة. كانت تعتمد كذلك القبائل العربية أحيانا على الإغارة على القوافل أو القبائل الأخرى، وكان البدو لا يرون ذلك باعتباره جريمة.[20][21]
في الجزيرة العربية قبل الاسلام، كان هناك أوثان أو أصنام تعبد كآلهة وينظر إليهم بوصفهم حماة للقبائل. وبحسب معتقد العرب قبل الإسلام كانت أرواح هذة الآلهة مرتبطة بالأشجار والحجارة والينابيع والآبار. فضلا عن كونها مقصد رحلة الحج السنوية، كانت الكعبة في مكة تضم 360 من تماثيل الآلهة المعبودة من قبل القبائل العربية المختلفة. وإلى جانب هذة الآلهة، كان العرب يشتركون في الاعتقاد الشائع بالألوهية العليا لله، الذي كان بعيد عن شئونهم اليومية، فلم يكنونوا يتوجهون إليه بالعبادة أو الطقوس الدينية. ثلاثة آلهة ارتبطت بالله كبناته وهن: اللات والعزى ومناة. تواجدت أيضا الديانات التوحيدية في المجتمعات العربية، بما في ذلك المسيحية واليهودية.[22] الحنفية -وهم جماعة من العرب الموحدين قبل الإسلام على ملة إبراهيم- يدرجوا أيضا في بعض الأحيان إلى جانب اليهود والمسيحيين كموحدين في الجزيرة العربية قبل الإسلام، على الرغم من الخلاف حول وجودهم التاريخي بين بعض الباحثين.[23][24] ووفقا للتراث الإسلامي، محمد نفسه كان حنيفيا ويرجع نسبه إلى إسماعيل بن ابراهيم.[25]
نسبه
هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، وعدنان من ذرية إسماعيل بن إبراهيم، غير أنه لم يحدد عدد ولا أسماء من كانوا بين عدنان وإسماعيل وإن ثبتت الصلة بينهما.[2][26]
أبوه عبد الله بن عبد المطلب كان أحسن أبناء أبيه وأعفهم وأقربهم إليه، وهو الذبيح، الذي فداه أبوه بمئة من الإبل في الواقعة المعروفة حسب التراث الإسلامي، واختار له أبوه عبد المطلب آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب، وتعد يومئذ أفضل امرأة في قريش نسبا وموضعا، فكان أبوها سيد بني زهرة نسبا وشرفا، فزوجها له وهو في الخامسة والعشرين.[2]
حياته قبل البعثة
Crystal Clear app kdict.png مقال تفصيلي :نشأة محمد بن عبد الله
نشأته
ولد محمد بمكة في شعب بني هاشم (بطن من بطون قريش) يوم الإثنين الثامن [27] أو الثاني عشر من شهر ربيع الأول [28][29] من عام الفيل، ويوافق ذلك العشرين أو اثنين وعشرين من شهر أبريل سنة 571م [30] (أو 570 وحتى 568 أو 569 حسب بعض الدراسات [31]). مرض أبوه عبد الله بالمدينة وتوفي، قيل ما يقرب من ستة أشهر قبل أن يولد (وهو المشهور عند المؤرخين)،[32] أو بعد ذلك بقليل [33]، والثابت أن آمنة ولدت محمدا في غياب عبد الله، فأرسلت إلى عبد المطلب تبشره بحفيده ففرح به فرحا شديدا، وجاء مستبشرا ودخل به الكعبة شاكرا الله، واختار له اسم محمد ولم تكن العرب تسمي به آن ذاك، وختنه يوم سابعه كما كانت عادة العرب. أول من أرضعته من المراضع - وذلك بعد أمه بأسبوع [2] - ثويبة مولاة أبي لهب بلبن ابن لها يقال له مسروح، وكانت قد أرضعت قبله حمزة بن عبد المطلب، وأرضعت بعده أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي، ثم عرض على مرضعات بني سعد بن بكر، فما قبله ليتمه والخوف من قلة ما يعود من أهله أحد إلا حليمة بنت أبي ذؤيب وزوجها الحارث بن عبد العزى، وإخوته منها عبد الله بن الحارث وأنيسة بنت الحارث والشيماء [2]، وكانت تحضن معه ابن عمه أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وكان حمزة رضيع بني سعد أيضا، فأرضعت أمه محمدا وهو عند حليمة يوما، وبذلك يكون حمزة رضيع رسول الله من جهة ثويبة ومن جهة السعدية [34]، وكانت حليمة تذهب به لأمه كل بضعة أشهر، وقد عاش في بني سعد سنتين حتى الفطام وعادت به حليمة إلى أمه لتقنعها بتمديد حضانته خوفا من وباء بمكة وقتها ولبركة رأتها وزوجها من هذا الرضيع فوافقت آمنة [2]. كان محمد في الرابعة أو الخامسة من عمره حين حدث له ما يعرف بحادث شق الصدر،[35][36]، التي يؤمن المسلمون بحدوثها، ويروي مسلم تفاصيلها في صحيحه عن أنس بن مالك:
«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان فأخذه، فصرعه، فشق عن قلبه، فاستخرج القلب، فاستخرج منه علقة، فقال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم، ثم لأمه - أي جمعه وضم بعضه إلى بعض - ثم أعاده في مكانه، وجاء الغلمان يسعون إلى أمه - يعني ظئره - فقالوا: إن محمدا قد قتل، فاستقبلوه وهو منتقع اللون. قال أنس: وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره.[37][38]»
خشيت حليمة على محمد بعد هذه الواقعة فردته إلى أمه. فلما بلغ ست سنين سافرت به أمه إلى أخواله من بني عدي بن النجار تزيره إياهم، ومعها حاضنته أم أيمن وقيمها جده عبد المطلب، فبقيت عندهم شهرا ثم رجعت، وفي طريق عودتها لحقها المرض فتوفيت بالأبواء بين مكة والمدينة.[39] فرجع عبد المطلب بمحمد بعد ذلك ليعيش معه بين أولاده، فكان يكبره بينهم ويعطف عليه ويرق لما زاد اليتيم يتما على يتمه، إلى أن توفي عبد المطلب بمكة ومحمد ابن ثماني سنوات، ورأى قبل وفاته أن يعهد بكفالة حفيده إلى عمه أبو طالب شقيق أبيه [26]، فكفله أبو طالب وضمه لأولاده وقدمه عليهم، وظل يعزه ويحميه ويؤازره ما يربو على الأربعين سنة، يصادق ويخاصم من أجله حتى توفي في عام الحزن.
كان محمد في البداية يرعى الغنم في بني سعد، وفي مكة لأهلها على قراريط، ثم سافر وعمره 9 سنوات -حسب رواية ابن هشام- مع عمه إلى الشام في التجارة،[40] إلا أنه لم يكمل طريقه وعاد مع عمه فورا إلى مكة بعد أن لقي الراهب بحيرى في بصرى بالشام الذي أخبره أن هذا الغلام سيكون له شأن عظيم بعد أن وجد فيه علامات النبوة، وخشى عليه من أذى اليهود،[41] وإن كان يشكك البعض في صحة لقاء الراهب.[42]
لقب بمكة بالصادق الأمين [43]، فكان الناس يودعونه أماناتهم لما اشتهر به من أمانة. لما أعادت قريش بناء الكعبة واختلفوا فيمن يضع الحجر الأسود في موضعه، فاتفقوا على أن يضعه أول شخص يدخل عليهم فلما دخل عليهم محمد قالوا جاء الأمين فرضوا به فأمر بثوب فوضع الحجر في وسطه وأمر كل قبيلة أن ترفع بجانب من جوانب الثوب ثم أخذ الحجر فوضعه موضعه [44].
زواجه بخديجة
بلغ خديجة بنت خويلد، وهي امرأة تاجرة ذات شرف ومال [45] عن محمد ما بلغها من أمانته، فبعثت إليه عارضة عليه أن يخرج في مال لها إلى الشام، وأعطته أفضل ما أعطت غيره من التجار، كما وهبته غلاما يدعى ميسرة، خرج محمد مع ميسرة حتى قدم الشام، فاشترى البضائع ولما عاد لمكة باع بضاعته فربح الضعف تقريبا. بعد عودته من رحلة تجارية إلى الشام وما جاء به من ربح عرضت خديجة عليه الزواج فرضى بذلك، وعرض ذلك على أعمامه، ثم تزوجها بعد أن أصدقها عشرين بكرة وكان سنها آنذاك أربعين سنة وهو في الخامسة والعشرين، ولم يتزوج غيرها حتى ماتت. أنجب من خديجة كل أولاده إلا إبراهيم فهو من مارية القبطية، وهم القاسم وعبد الله وزينب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة. فأما القاسم وعبد الله فماتوا في الجاهلية وأما بناته فكلهن أدركن الإسلام فأسلمن وهاجرن معه. إلا أنهن أدركتهن الوفاة في حياته سوى فاطمة الزهراء فقد ماتت بعده.
منقول يتبع ............
ولد في مكة في ربيع الأول من عام الفيل [3] قبل ثلاث وخمسين سنة من الهجرة، ما يوافق سنة 570 ميلاديا.[4] ولد يتيم الأب وفقد أمه في سن مبكرة فتربى في كنف جده ثم من بعده عمه أبي طالب حيث ترعرع، وفي تلك الفترة كان يعمل بالرعي ثم عمل بالتجارة. تزوج في سن الخامسة والعشرين من خديجة بنت خويلد وأنجب منها كل ذريته باستثناء إبراهيم. كان حنيفيا قبل الإسلام يعبد الله على ملة إبراهيم ويرفض عبادة الأوثان والممارسات الوثنية. يؤمن المسلمون أن الوحي نزل عليه وكُلّف بالرسالة وهو ذو أربعين سنة، أمر بالدعوة سراً لثلاث سنوات، قضى بعدهن عشر سنوات أخر في مكة مجاهراً بدعوة أهلها وكل من يرد إليها من التجار والحجيج وغيرهم. هاجر إلى المدينة المنورة والمسماه يثرب آنذاك عام 622 وهو في الثالثة والخمسين من عمره، بعد أن تآمر عليه سادات قريش ممن عارض دعوته وسعوا إلى قتله؛ فعاش فيها عشر سنين أخر داعياً إلى الإسلام، وأسس بها نواة الحضارة الإسلامية، التي توسعت لاحقا وشملت مكة وكل المدن والقبائل العربية، حيث وحَّد العرب لأول مرة على ديانة توحيدية ودولة موحدة، ودعا لنبذ العنصرية والعصبية القبلية.[5][6]
مصادر سيرة محمد
كونه شخصية لها تأثير كبير في التاريخ؛ فإن حياة محمد أفعاله وأفكاره قد تم مناقشتها على نطاق واسع من جانب أنصاره وخصومه على مر القرون، مما يصعب كتابة سيرته.
القرآن
يعتبر القرآن هو المصدر الأساسي للمعرفة حول سيرة محمد. وإن كان القرآن لم يتناول سيرة محمد باستفاضة، وذكرت فقط بعض المواقف والغزوات.[7] يقول ألفورد ولش أن « القرآن يستجيب باستمرار وبصراحة في كثير من الأحيان إلى محمد الظروف التاريخية المتغيرة ويحتوي على ثروة من البيانات المخفية».[8] ويعد القرآن أقدم وأوثق مصادر السيرة النبوية، فهو يرجع إلى عصر محمد نفسه، كما يتفق المسلمين كافة على مدى العصور على نسخة واحدة منه رغم اختلاف المذاهب والفرق الإسلامية.[9]
كتب السيرة والحديث
يلي القرآن في الأهمية كتب السيرة التي كتبت في القرنين الثالث والرابع الهجري.[10] وتحتوي هذه الكتب الرويات التاريخية حول حياته وأقوال منسوبة إليه ومعجزاته، وتوفر المزيد من المعلومات عن محمد الحياة.[11]
أول كُتّاب السيرة هو ابن إسحاق، حيث ألف كتاب السيرة النبوية المكتوب عام 767 م 150 هـ. النسخة الأصلية منه مفقودة، ولكن أعاد كتابتها كل من ابن هشام والطبري.[12] مصدر آخر ظهر في وقت مبكر هو المغازي لمحمد بن عمر الواقدي (توفي عام 207 هـ)، وعمل تلميذه ابن سعد البغدادي (توفي 230 هـ) والمسمى بالطبقات الكبرى.[10] الكثير من الباحثين تعاملوا مع هذة السير كمصدر صحيح، على الرغم من كون دقتها غير مؤكدة.[12] لاحقا عمل الباحثين على التمييز الأساطير والروايات الدسيسة والمكذوبة من جهة والروايات التاريخية البحتة من جهة أخرى.[13]
بالإضافة إلى السير، هناك كتب الحديث وبها روايات عن أقوال وأفعال محمد منقولة عبر سلسلة من الرواه عبر عدة أجيال بعد وفاته. وهي ذات قيمة مقدسة لدى المسلمين فيعتبرونها المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي. وظهرت علوم مختلفة للتأكد من وثوقية الحديث لكي يأخذ به المسلمين كمصدر للشريعة. بعض الأكاديميين الغربيين يعتبرون الأحاديث مصدرا دقيقا للمرويات التاريخية.[14][15] على سبيل المثال ويلفرد مادلونغ الذي لا يرفض الروايات التي ظهرت في فترات بعيدة زمنيا عن حياة محمد، ولكن يقيمها من خلال تناسقها في سياق التاريخ، وعلى أساس مدى توافقها مع الأحداث والشخصيات.[16] بينما استخدم المؤرخون المسلمون القدامى طريقة السند لتوثيق الروايات سواء في كتب التاريخ والسيرة أو كتب الحديث. وتعتمد تلك الطريقة على نسب كل رواية لراويها ومن رواها عنه وهكذا إلى أن تصل سلسلة السند لشخص كان يعيش في زمن محمد، فتكون الرواية صحيحة إذا كان سندها صحيح وهو ما يعتمد على ثقة المؤرخ في كل راوي من سلسلة الرواة.[9]
مصادر غير عربية
أقدم المصادر اليونانية حول سيرة محمد الكاتب ذيوفانس Theophanes في القرن التاسع الميلادي. وأقدم المصادر السريانية هو كاتب القرن السابع جون بار بينكاي.[17]
كانت شبه الجزيرة العربية منطقة صحراوية قاحلة، مما يجعل من الصعب الزراعة فيها باستثناء بعض الواحات لقربها من الينابيع والآبار والمياة الجوفية. ويتكون بالقرب من مصادر المياة التجمعات مما أدى لتكون المدن. ومن أبرز تلك المدن مكة ويثرب (المدينة المنورة حاليا). يثرب كانت تعتمد بشكل أساسي على الزراعة، في حين أن مكة كانت مركزا تجاري وديني هام لنظرا لمرور القوافل التجارية القادمة من الشمال والجنوب بها، وترجع أهميتها الدينية لوجود الكعبة المقدسة فيها، والتي يفد إليها الحجاج كل عام مما كان يساعد على الازدهار الاقتصادي كذلك.[18] وفقا لواط، كان الترابط الاجتماعي ضروريا لسكان شبه الجزيرة العربية لمواجهة مصاعب الظروف المناخية والمعيشة الصحراوية القاسية، مما أدى إلى ظهور النظام القبلي في جزيرة العرب المبني على روابط الدم والقرابة وذلك نظرا للحاجة إلى العمل كوحدة واحدة.[19] السكان الأصليين كانوا ينقسمون لبدو رحل أو مستقرين. فالرحل منهم يتنقلون باستمرار من مكان إلى آخر سعيا المياه والمراعي لإطعام قطعانهم من الأغنام والماشية. في حين أن النوع الآخر استقروا قرب منابع المياة، وركزوا على التجارة والزراعة. كانت تعتمد كذلك القبائل العربية أحيانا على الإغارة على القوافل أو القبائل الأخرى، وكان البدو لا يرون ذلك باعتباره جريمة.[20][21]
في الجزيرة العربية قبل الاسلام، كان هناك أوثان أو أصنام تعبد كآلهة وينظر إليهم بوصفهم حماة للقبائل. وبحسب معتقد العرب قبل الإسلام كانت أرواح هذة الآلهة مرتبطة بالأشجار والحجارة والينابيع والآبار. فضلا عن كونها مقصد رحلة الحج السنوية، كانت الكعبة في مكة تضم 360 من تماثيل الآلهة المعبودة من قبل القبائل العربية المختلفة. وإلى جانب هذة الآلهة، كان العرب يشتركون في الاعتقاد الشائع بالألوهية العليا لله، الذي كان بعيد عن شئونهم اليومية، فلم يكنونوا يتوجهون إليه بالعبادة أو الطقوس الدينية. ثلاثة آلهة ارتبطت بالله كبناته وهن: اللات والعزى ومناة. تواجدت أيضا الديانات التوحيدية في المجتمعات العربية، بما في ذلك المسيحية واليهودية.[22] الحنفية -وهم جماعة من العرب الموحدين قبل الإسلام على ملة إبراهيم- يدرجوا أيضا في بعض الأحيان إلى جانب اليهود والمسيحيين كموحدين في الجزيرة العربية قبل الإسلام، على الرغم من الخلاف حول وجودهم التاريخي بين بعض الباحثين.[23][24] ووفقا للتراث الإسلامي، محمد نفسه كان حنيفيا ويرجع نسبه إلى إسماعيل بن ابراهيم.[25]
نسبه
هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، وعدنان من ذرية إسماعيل بن إبراهيم، غير أنه لم يحدد عدد ولا أسماء من كانوا بين عدنان وإسماعيل وإن ثبتت الصلة بينهما.[2][26]
أبوه عبد الله بن عبد المطلب كان أحسن أبناء أبيه وأعفهم وأقربهم إليه، وهو الذبيح، الذي فداه أبوه بمئة من الإبل في الواقعة المعروفة حسب التراث الإسلامي، واختار له أبوه عبد المطلب آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب، وتعد يومئذ أفضل امرأة في قريش نسبا وموضعا، فكان أبوها سيد بني زهرة نسبا وشرفا، فزوجها له وهو في الخامسة والعشرين.[2]
حياته قبل البعثة
Crystal Clear app kdict.png مقال تفصيلي :نشأة محمد بن عبد الله
نشأته
ولد محمد بمكة في شعب بني هاشم (بطن من بطون قريش) يوم الإثنين الثامن [27] أو الثاني عشر من شهر ربيع الأول [28][29] من عام الفيل، ويوافق ذلك العشرين أو اثنين وعشرين من شهر أبريل سنة 571م [30] (أو 570 وحتى 568 أو 569 حسب بعض الدراسات [31]). مرض أبوه عبد الله بالمدينة وتوفي، قيل ما يقرب من ستة أشهر قبل أن يولد (وهو المشهور عند المؤرخين)،[32] أو بعد ذلك بقليل [33]، والثابت أن آمنة ولدت محمدا في غياب عبد الله، فأرسلت إلى عبد المطلب تبشره بحفيده ففرح به فرحا شديدا، وجاء مستبشرا ودخل به الكعبة شاكرا الله، واختار له اسم محمد ولم تكن العرب تسمي به آن ذاك، وختنه يوم سابعه كما كانت عادة العرب. أول من أرضعته من المراضع - وذلك بعد أمه بأسبوع [2] - ثويبة مولاة أبي لهب بلبن ابن لها يقال له مسروح، وكانت قد أرضعت قبله حمزة بن عبد المطلب، وأرضعت بعده أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي، ثم عرض على مرضعات بني سعد بن بكر، فما قبله ليتمه والخوف من قلة ما يعود من أهله أحد إلا حليمة بنت أبي ذؤيب وزوجها الحارث بن عبد العزى، وإخوته منها عبد الله بن الحارث وأنيسة بنت الحارث والشيماء [2]، وكانت تحضن معه ابن عمه أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وكان حمزة رضيع بني سعد أيضا، فأرضعت أمه محمدا وهو عند حليمة يوما، وبذلك يكون حمزة رضيع رسول الله من جهة ثويبة ومن جهة السعدية [34]، وكانت حليمة تذهب به لأمه كل بضعة أشهر، وقد عاش في بني سعد سنتين حتى الفطام وعادت به حليمة إلى أمه لتقنعها بتمديد حضانته خوفا من وباء بمكة وقتها ولبركة رأتها وزوجها من هذا الرضيع فوافقت آمنة [2]. كان محمد في الرابعة أو الخامسة من عمره حين حدث له ما يعرف بحادث شق الصدر،[35][36]، التي يؤمن المسلمون بحدوثها، ويروي مسلم تفاصيلها في صحيحه عن أنس بن مالك:
«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان فأخذه، فصرعه، فشق عن قلبه، فاستخرج القلب، فاستخرج منه علقة، فقال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم، ثم لأمه - أي جمعه وضم بعضه إلى بعض - ثم أعاده في مكانه، وجاء الغلمان يسعون إلى أمه - يعني ظئره - فقالوا: إن محمدا قد قتل، فاستقبلوه وهو منتقع اللون. قال أنس: وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره.[37][38]»
خشيت حليمة على محمد بعد هذه الواقعة فردته إلى أمه. فلما بلغ ست سنين سافرت به أمه إلى أخواله من بني عدي بن النجار تزيره إياهم، ومعها حاضنته أم أيمن وقيمها جده عبد المطلب، فبقيت عندهم شهرا ثم رجعت، وفي طريق عودتها لحقها المرض فتوفيت بالأبواء بين مكة والمدينة.[39] فرجع عبد المطلب بمحمد بعد ذلك ليعيش معه بين أولاده، فكان يكبره بينهم ويعطف عليه ويرق لما زاد اليتيم يتما على يتمه، إلى أن توفي عبد المطلب بمكة ومحمد ابن ثماني سنوات، ورأى قبل وفاته أن يعهد بكفالة حفيده إلى عمه أبو طالب شقيق أبيه [26]، فكفله أبو طالب وضمه لأولاده وقدمه عليهم، وظل يعزه ويحميه ويؤازره ما يربو على الأربعين سنة، يصادق ويخاصم من أجله حتى توفي في عام الحزن.
كان محمد في البداية يرعى الغنم في بني سعد، وفي مكة لأهلها على قراريط، ثم سافر وعمره 9 سنوات -حسب رواية ابن هشام- مع عمه إلى الشام في التجارة،[40] إلا أنه لم يكمل طريقه وعاد مع عمه فورا إلى مكة بعد أن لقي الراهب بحيرى في بصرى بالشام الذي أخبره أن هذا الغلام سيكون له شأن عظيم بعد أن وجد فيه علامات النبوة، وخشى عليه من أذى اليهود،[41] وإن كان يشكك البعض في صحة لقاء الراهب.[42]
لقب بمكة بالصادق الأمين [43]، فكان الناس يودعونه أماناتهم لما اشتهر به من أمانة. لما أعادت قريش بناء الكعبة واختلفوا فيمن يضع الحجر الأسود في موضعه، فاتفقوا على أن يضعه أول شخص يدخل عليهم فلما دخل عليهم محمد قالوا جاء الأمين فرضوا به فأمر بثوب فوضع الحجر في وسطه وأمر كل قبيلة أن ترفع بجانب من جوانب الثوب ثم أخذ الحجر فوضعه موضعه [44].
زواجه بخديجة
بلغ خديجة بنت خويلد، وهي امرأة تاجرة ذات شرف ومال [45] عن محمد ما بلغها من أمانته، فبعثت إليه عارضة عليه أن يخرج في مال لها إلى الشام، وأعطته أفضل ما أعطت غيره من التجار، كما وهبته غلاما يدعى ميسرة، خرج محمد مع ميسرة حتى قدم الشام، فاشترى البضائع ولما عاد لمكة باع بضاعته فربح الضعف تقريبا. بعد عودته من رحلة تجارية إلى الشام وما جاء به من ربح عرضت خديجة عليه الزواج فرضى بذلك، وعرض ذلك على أعمامه، ثم تزوجها بعد أن أصدقها عشرين بكرة وكان سنها آنذاك أربعين سنة وهو في الخامسة والعشرين، ولم يتزوج غيرها حتى ماتت. أنجب من خديجة كل أولاده إلا إبراهيم فهو من مارية القبطية، وهم القاسم وعبد الله وزينب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة. فأما القاسم وعبد الله فماتوا في الجاهلية وأما بناته فكلهن أدركن الإسلام فأسلمن وهاجرن معه. إلا أنهن أدركتهن الوفاة في حياته سوى فاطمة الزهراء فقد ماتت بعده.
منقول يتبع ............