أحمد النجار
21-05-2009, 02:06 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
http://dc01.arabsh.com/i/00157/bjoa5tb5u42v.jpg (http://arabsh.com/)
http://dorar.ws/audio/an/mizmar.mp3
أشياءٌ كثيرةٌ تلكَ التي تُجرجرُ خطواتي نحو الماضي الجميل ,قد يكونُ اليأسُ من بعض أهلِ حاضري هو أحدها ولكنه ليس كل تلك الأشياء ..
قد يكون عطرُ الماضي الصافي النقي الذي ماعدتُ أجدُ ريحهُ الآن .. أوكفُ أبي الطاهر - رحمه الله - أو حديثه العذب الحكيم ..
قد تكون حتى تلك الرقصةُ التي كنتُ - ومازلتُ - أعشقها وبجنون , وإن كنتُ قد توقفتُ تماماً عن رقصها , لأنها باتت هزيلةً ضعيفةً مشوهةً دخلَ فيها غيرُ أهلها , وألبسها بعضِ صغار السن روحهم المتمردة الغير مهذبة فأحالوها إلى مجردِ ساحةٍ للتطاول والشجار والسلوكات الغير منضبطة حتى باتت هذه اللعبة ترتبطُ بأدهان الناس بالمنحرفين والأشرار , ناهيك عن ضعف الخبرة وعدم التمكن من الأداء لا في حملِ العصا ولا في الرقصِ بها ولا في الإيقاع ولا في الصفوف ولا في الرد ولا في الأهازيج ... حتى نارهم تُحسها باردةً وكأنها قطعٌ من ثلج !!
يالله كم كانت مهيبةً رائعةً قويةً لعبةُ المزمار !!!
عندما يجتمعُ الأسودُ من الرجالِ الأشداء الأقوياء فيوقدون ناراً عظيمةً تجعلُ المكانَ مُلتهباً , ثم تُجهزُ ( العِدةُ ) وهي عبارة عن أشياء بسيطة وللغاية مُجردُ (( علبة ))* و(( نقرزان ))* و((المردات ))* , ثم تُجهزُ كلها بعرضها على تلك النارِ المُشتعلة والتي كان الهدفُ من إشعالها في الأساس إعلانُ الحربِ والثورة حتى ولو كانت المناسبة مناسبة فرح ..
فالنارُ لها رمزيةٌ غريبةٌ عجيبة وارتباطها بلعبة المزمار هذا الارتباط الوثيق أكسبَ المزمار مهابة وقوة ..
ثم تقفُ الصفوف وتبدأ الأهازيج والغناء (( الزومال )) , وتلتهبُ الأكفُ بصفقةٍ متناغمة منتظمة بشكلٍ عجيب ومذهل , والردُ يكون مُحكماً ومُتقناً وبحرفيةٍ عالية , مع أن المُغني ينتقلُ من أهزوجة إلى أُخرى وكل واحدة تختلفُ عن الأخرى في ردها إلا أن الحضور ينتقلون معه بكل سهولة وبكل سلاسة فلا تلمحُ نشازاً مهما طالت اللعبة !!!
ويحملُ كل فارسٍ منهم عصاً غليظة (( شون )) يتأبطها وهو يردد الأهازيج ويقوم بالتصفيق .. بعض هذه العصوات مشهورةٌ جداً ومعروفٌ صاحبها (( كانت عصاي معي حتى وقتٍ قريب ولا أعلم أين هي الآن ؟!! ))
وللعصا أيضاً رمزيةٌ عظيمة في اللعبة فهي بمثابة السيف فيها ..
ثم إذا ماحميَّ الوطيسُ نزلَ ميدانُ اللعبةِ لاعبٌ قوي ومتمرس وهو يلعبُ بعصاه بين أصابعه بطريقة مُذهلة وللغاية , فيظلُ يرقصُ ويدور حولَ النارِ , ثم يختارُ شخصاً من الوقوف فيشيرُ إليه بعصاه بشكلٍ استفزازي فيستجيبُ الآخر لهذا الاستفزاز وينزل ليقابله وجهاً لوجه حولَ النار , يدوران حولَ النارِ وحولَ بعضيهما وكلُ واحدٍ منهما يُظهرُ مهارته في اللعب بالعصا (( التمدين )) وفي الرقص والخفة والسرعة , ثم مايلبثُ أحدهم أن ينقضَ على الآخر دون سابقِ إنذار موجهاً إليه ضرباتٍ قويةٍ جداً بالعصا الغليظة فيردها الآخر بمهارة أعظم ويقلبُ له ظهرَ المِجن فيجدُ الأولَ نفسه فجأة في موقف الدفاع (( جميعُ الضربات توجه لعصا اللاعب لا لجسده كما يحدثُ الآن ويتلقاها اللاعب بعصاه )) , كلُ هذا يحتاجُ إلى لياقةٍ عالية وسرعةٍ في الحركة ومهارة في توجيه العصا (( العصا ثقيلةٌ نوعاً ما )) حتى يشعرُ أحدُ الأطرافِ بأن قواه قد خارت فيتراجع للخلف مُشعراً من أمامه أنه قد سَلمَ له بأنه الأفضل , فيتراجعُ الأفضلُ بدوره للخلف ثم يلفُ لفةً كاملةً ويضربُ الأرض بقدمه بقوة ويعودُ كلٌ إلى صفه الذي كان فيه .. وهكذا ..
صحيحٌ أن هذه اللعبة قد تُستخدمُ أحياناً لتصفيةِ الحسابات والأحقاد وتستحيلُ فجأة إلى لعبة موتٍ دموي شرس , لايلبثُ أهلُ العقلِِ والحكمةِ ( العُمد والمعلمين ) أن يوقفوا اللعبة ويصدوا المعتدي ويحاولون إصلاح الأمر مستخدمين مهارتهم في اللعب بالعصا ..
(( بعض الأحيان يكون معروفاً أن اللعبة سيحضرها فلانٌ ليصفي حسابه مع فلان هنا كنا نمتنعُ تماماً عن الحضور ويحاولُ البعض الإصلاحَ قبلَ موعد اللعبة ويحضرُ البعضَ اللعبة ليكون صمامَ أمانٍ في حال حدثَ في الأمور أمور ))
والله لكأني أسمع صوتَ الأكفِ والقرعِ على الطبول وأصوات الحضور العظيمة المُجلجلة و صوت النارِ العظيمةِ يأكلُ بعضها بعضاً وأشعرُ بحرارتها تخترقُ جسمي مُختلطةً بحرارة الشوقِ فيثور في قلبي بركان الحنين , ولكأني أشمُ رائحة التراب المتطاير من تحت الأقدام ..
كم أشتاقُ ولو لمرةٍ واحدة فقط أعودُ فيها للرقصِ واللعب بالعصا وتلقي الضربات القوية القاسية والتي تستجيبُ لها العصا بصوتٍ يُلهبُ الفؤاد وللدورة الكاملة ولضرب الأرض بقدمي والعودة للصف ثانيةً ..
ولكن ماكل مايتمنى المرء يُدركه ..
.
.
.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــ
العلبة: إيقاعٌ جلدي بإطار خشبي كبير دائري يوقع عليه العازف بكلتا يديه وهو جالس
المردات جمع مَرَد : دفٌ كبير
النقرزان : طبلة مجوفة من الصفيح تضرب بعصاتين رشيقتين
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــ
ممتنٌ أنا بحجم السماء
ليكن الجميع بخير
أحمد النجار
http://dc01.arabsh.com/i/00157/bjoa5tb5u42v.jpg (http://arabsh.com/)
http://dorar.ws/audio/an/mizmar.mp3
أشياءٌ كثيرةٌ تلكَ التي تُجرجرُ خطواتي نحو الماضي الجميل ,قد يكونُ اليأسُ من بعض أهلِ حاضري هو أحدها ولكنه ليس كل تلك الأشياء ..
قد يكون عطرُ الماضي الصافي النقي الذي ماعدتُ أجدُ ريحهُ الآن .. أوكفُ أبي الطاهر - رحمه الله - أو حديثه العذب الحكيم ..
قد تكون حتى تلك الرقصةُ التي كنتُ - ومازلتُ - أعشقها وبجنون , وإن كنتُ قد توقفتُ تماماً عن رقصها , لأنها باتت هزيلةً ضعيفةً مشوهةً دخلَ فيها غيرُ أهلها , وألبسها بعضِ صغار السن روحهم المتمردة الغير مهذبة فأحالوها إلى مجردِ ساحةٍ للتطاول والشجار والسلوكات الغير منضبطة حتى باتت هذه اللعبة ترتبطُ بأدهان الناس بالمنحرفين والأشرار , ناهيك عن ضعف الخبرة وعدم التمكن من الأداء لا في حملِ العصا ولا في الرقصِ بها ولا في الإيقاع ولا في الصفوف ولا في الرد ولا في الأهازيج ... حتى نارهم تُحسها باردةً وكأنها قطعٌ من ثلج !!
يالله كم كانت مهيبةً رائعةً قويةً لعبةُ المزمار !!!
عندما يجتمعُ الأسودُ من الرجالِ الأشداء الأقوياء فيوقدون ناراً عظيمةً تجعلُ المكانَ مُلتهباً , ثم تُجهزُ ( العِدةُ ) وهي عبارة عن أشياء بسيطة وللغاية مُجردُ (( علبة ))* و(( نقرزان ))* و((المردات ))* , ثم تُجهزُ كلها بعرضها على تلك النارِ المُشتعلة والتي كان الهدفُ من إشعالها في الأساس إعلانُ الحربِ والثورة حتى ولو كانت المناسبة مناسبة فرح ..
فالنارُ لها رمزيةٌ غريبةٌ عجيبة وارتباطها بلعبة المزمار هذا الارتباط الوثيق أكسبَ المزمار مهابة وقوة ..
ثم تقفُ الصفوف وتبدأ الأهازيج والغناء (( الزومال )) , وتلتهبُ الأكفُ بصفقةٍ متناغمة منتظمة بشكلٍ عجيب ومذهل , والردُ يكون مُحكماً ومُتقناً وبحرفيةٍ عالية , مع أن المُغني ينتقلُ من أهزوجة إلى أُخرى وكل واحدة تختلفُ عن الأخرى في ردها إلا أن الحضور ينتقلون معه بكل سهولة وبكل سلاسة فلا تلمحُ نشازاً مهما طالت اللعبة !!!
ويحملُ كل فارسٍ منهم عصاً غليظة (( شون )) يتأبطها وهو يردد الأهازيج ويقوم بالتصفيق .. بعض هذه العصوات مشهورةٌ جداً ومعروفٌ صاحبها (( كانت عصاي معي حتى وقتٍ قريب ولا أعلم أين هي الآن ؟!! ))
وللعصا أيضاً رمزيةٌ عظيمة في اللعبة فهي بمثابة السيف فيها ..
ثم إذا ماحميَّ الوطيسُ نزلَ ميدانُ اللعبةِ لاعبٌ قوي ومتمرس وهو يلعبُ بعصاه بين أصابعه بطريقة مُذهلة وللغاية , فيظلُ يرقصُ ويدور حولَ النارِ , ثم يختارُ شخصاً من الوقوف فيشيرُ إليه بعصاه بشكلٍ استفزازي فيستجيبُ الآخر لهذا الاستفزاز وينزل ليقابله وجهاً لوجه حولَ النار , يدوران حولَ النارِ وحولَ بعضيهما وكلُ واحدٍ منهما يُظهرُ مهارته في اللعب بالعصا (( التمدين )) وفي الرقص والخفة والسرعة , ثم مايلبثُ أحدهم أن ينقضَ على الآخر دون سابقِ إنذار موجهاً إليه ضرباتٍ قويةٍ جداً بالعصا الغليظة فيردها الآخر بمهارة أعظم ويقلبُ له ظهرَ المِجن فيجدُ الأولَ نفسه فجأة في موقف الدفاع (( جميعُ الضربات توجه لعصا اللاعب لا لجسده كما يحدثُ الآن ويتلقاها اللاعب بعصاه )) , كلُ هذا يحتاجُ إلى لياقةٍ عالية وسرعةٍ في الحركة ومهارة في توجيه العصا (( العصا ثقيلةٌ نوعاً ما )) حتى يشعرُ أحدُ الأطرافِ بأن قواه قد خارت فيتراجع للخلف مُشعراً من أمامه أنه قد سَلمَ له بأنه الأفضل , فيتراجعُ الأفضلُ بدوره للخلف ثم يلفُ لفةً كاملةً ويضربُ الأرض بقدمه بقوة ويعودُ كلٌ إلى صفه الذي كان فيه .. وهكذا ..
صحيحٌ أن هذه اللعبة قد تُستخدمُ أحياناً لتصفيةِ الحسابات والأحقاد وتستحيلُ فجأة إلى لعبة موتٍ دموي شرس , لايلبثُ أهلُ العقلِِ والحكمةِ ( العُمد والمعلمين ) أن يوقفوا اللعبة ويصدوا المعتدي ويحاولون إصلاح الأمر مستخدمين مهارتهم في اللعب بالعصا ..
(( بعض الأحيان يكون معروفاً أن اللعبة سيحضرها فلانٌ ليصفي حسابه مع فلان هنا كنا نمتنعُ تماماً عن الحضور ويحاولُ البعض الإصلاحَ قبلَ موعد اللعبة ويحضرُ البعضَ اللعبة ليكون صمامَ أمانٍ في حال حدثَ في الأمور أمور ))
والله لكأني أسمع صوتَ الأكفِ والقرعِ على الطبول وأصوات الحضور العظيمة المُجلجلة و صوت النارِ العظيمةِ يأكلُ بعضها بعضاً وأشعرُ بحرارتها تخترقُ جسمي مُختلطةً بحرارة الشوقِ فيثور في قلبي بركان الحنين , ولكأني أشمُ رائحة التراب المتطاير من تحت الأقدام ..
كم أشتاقُ ولو لمرةٍ واحدة فقط أعودُ فيها للرقصِ واللعب بالعصا وتلقي الضربات القوية القاسية والتي تستجيبُ لها العصا بصوتٍ يُلهبُ الفؤاد وللدورة الكاملة ولضرب الأرض بقدمي والعودة للصف ثانيةً ..
ولكن ماكل مايتمنى المرء يُدركه ..
.
.
.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــ
العلبة: إيقاعٌ جلدي بإطار خشبي كبير دائري يوقع عليه العازف بكلتا يديه وهو جالس
المردات جمع مَرَد : دفٌ كبير
النقرزان : طبلة مجوفة من الصفيح تضرب بعصاتين رشيقتين
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــ
ممتنٌ أنا بحجم السماء
ليكن الجميع بخير
أحمد النجار