المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ما قل منك يكثر عندى



محسن يونس
23-01-2008, 01:54 PM
ما قل منك يكثر عندي
قصة
محسن يونس

ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ

( 1 ) رشق سليم الأول سكينا في جسد تفاحة ، وهو يتذكر دخوله مدينة القاهرة بعد أن دانت له المحروسة ، ظهرت اسطنبول حاضرة ملكه من خلال نافذة قاعة عرشه ، اهتز شاربه كقارب على بحيرة وجهه ، كان ينظر إلى قبابها ومآذنها وقصورها بعين ذئب ، انتبه لما في يده : " يظهر الأولياء في السر ويغيبون في العلن " كان يخترق القصاصة بعينيه متأملا في حبرها الزعفراني ، جاء المترجم صباح اليوم ، وترجم كلماتها وشرح المعنى بحذر ، اكفهر وجه سليم الأول : "جملة بلهاء ، وأبله من كتبها ؟ الذي يظهر يظهر ، والذي يختفى يختفى .. لا سر ولا علن .. قال : " اذهب .. أضعت وقتي في كلمات لا معنى لها "
قبض على نصل السكين وخلصه من جسد التفاحة، تلقى نفس الجسد الضربات المتتالية حتى تمزق تماما ، كان يزأر : " مصري ديلي ..اقتلوه " ظل يردد كلمة " ديلى " أي مجنون بينما كانت الرايات الحمراء شعار مملكته يحملها جنده محيطين به ، وهو يدخل القاهرة ، رأى جيدا ما كتب على هذه الرايات وكأنه رسالة ، موجهة بالطبع إلى العالم خاصة القسطنطينية وبلاد البلغار والصرب ، سوف تصل إليهم الأخبار " إنا فتحنا لك فتحا مبينا " وفى رايات أخرى كتب " نصر من الله وفتح قريب "
ابتسم للذكرى ، واغتم فورا إذ وجد كبير حشمه يقف مترددا ، صرخ : " بجم ياواش " بما يعنى أنه بجم بطيء ، أشار بحد السكين نحو الباب ، عاد يصرخ قبل أن يتراجع الرجل خطوة واحدة : " أشـّك .. قف " بما يعنى أنه حمار وعليه أن يقف ، تقدم بسرعة ، وأمسك بشحمة أذن كبير حشمه ، وظل يفركها حتى ناخ الرجل وتلوى ، ضحك سليم الأول مسرورا ، وهو يرى وجه كبير حشمه يحمر ، وتغلظ شفتاه ، قال له : " إستيورم مصري جابوق " ، وهكذا أعلن إرادته في رؤية المصري سريعا ، وأطلق أذنه ، تراجع كبير حشمه بظهره ، وهو يرفع راحتيه وينزلهما نحو صدره : " أوزور ديلاريم مولاي .. أوزور ديلاريم مولاي " وهى معروفة لأنها تعنى : عن إذنك مولاي.. عن إذنك ..
المشكلة التي جعلت هذا الحديث يدور بين سليم الأول سلطان الخلافة العثمانية ، وبين كبير حشمه ، ليست تلك القصاصة التي وجدها سليم الأول بجانب طبق المهلبية التي أعدها له مطبخ الخلافة ، كان طبق المهلبية موضوعا فوق صيوان من خشب الأبنوس المطعم بالصدف ، حينما تناول سليم الأول الملعقة وجد القصاصة أسفلها ، تناسى أمرها مؤقتا ، فلا يوجد محل للنوايا الحسنة عند سلطان تحيط به المؤامرات سواء أكانت داخلية أو خارجية ، قال في نفسه : " بوش .. بوش " وهو بذلك حدد نوع الكلام المكتوب ومدى جديته بأنه أمر فارغ ، تركزت رغبته في هذا الصباح أن يبحث مسألة هذا المصري الذى جاء به من القاهرة ضمن قافلة الصناع والحرفيين المهرة إلى عاصمة ملكه ، ولما سأل عن حرفته ، قالوا له إنه صانع ماهر لبرادع الحمير ، وهو يعلن العصيان ، ويرفض صناعة بردعة لحمار السلطان الذى أهداه له الوالي العباسي واصفا له بأنه حمار حصاوى ، صاح سليم الأول متذكرا الهدية ، وطابت نفسه لركوب هذا الحمار بعد عصر هذا اليوم ، ونطق بحكمته وهو يهز رأسه معجبا بمنطوق لسانه : " أشـّك كلبك " لم يراجعه أحد ، لوصفه للحمار بالفراشة ، فالسلطان هازم الجيوش ، وفاتح البلدان لا يصل أحد لعلمه أو حكمته ، ولسانه لا ينطق إلا " تمام " أي الكامل ..
( 2 ) كان صانع برادع الحمير أسطى محترما في سوق الجمالية ، دكانه على ناصية شارع المعز ، والمتزاحمون كثيرون ، لو أنك حزت بردعة من صناعة " زيدان " فلك أن تفخر ، وتحدث الناس بما حزت ، حتى ربط الناس اسمه بصناعته ، فكانوا يقولون " بردعة زيدان " مر زيدان بتحولات منذ جاءوا به من المحروسة إلى اسطنبول ، فى البداية وهم يقطعون الطريق مرورا بسيناء ونزولا بأرض الشام ، وصعودا إلى تركيا كان مرحا يلقى النكات ، ويؤلف المقالب ، ويصدح بالمواويل ، ويحكى حكايات ألف ليلة وليلة الشعبية بكلماتها المكشوفة ، أو كما كان يقول : " كلمات لا ترتدي سراويل .. يعنى عريانة " ثم داخله قلق حينما لاحت جبال تركيا ، وذهب إلى صمت كلما توغلت القافلة داخل البلاد الأنطاكية ، حتى أن بعض زملائه قالوا عنه : " صرنا لا نعرف أن له شفتان !! " وهكذا ارتدى زيدان صمته، وبدأ يزوى ..
عندما جاء إليه كبير خدم قصر الخلافة منبها عليه أن يسلم المطلوب منه بعد صلاة الظهر ، نظر إليه زيدان بعدم فهم ، صاح فيه كبير الخدم : " ألست صانع برادع الحمير ؟! "
سبحان من يحيي العظام وهى رميم صار لزيدان الآن شفتان ، وكان ظن الجميع أنه بات أخرس!!
فى أقوال زيدان لكبير الخدم ، ومن بعده كبير حراس القصر ، ومن بعده كبير الجند ، ومن بعده كبير العسس غتاتة وتزيد كأنه حسد ، وحسد كأنه بغض لا يتفوه به إلا أحد أتباع المغدور طومان باى ، أو عدو لدود لآل عثمان ، فما مدى أن يعلم صانع برادع حمير حجم القافلة التي اصطحبها سليم الأول من مصر إلى عاصمته بهذا الإيجاز ، وهذا التفصيل في نفس الوقت : " كنا في معية السلطان سليم الأول ، ومعنا ألف جمل محملة ما بين ذهب وفضة, هذا فضلا عما غنمه من التحف والسلاح والصيني والنحاس المكفَّت والخيول والبغال المحملة بالرخام الفاخر, وبكل ما في بلادنا أخذ من كل شيء أحسنه ، مما لم يفرح به آباؤه ولا أجداده من قبله " ، قفز كبير العسس على زيدان ليسد فمه هامسا : " أنت .. أنت .. ماذا قلت ؟! " بلغته التركية " سه ن .. سه ن .. نه ده دين ؟! " وصارخا بلغة عربية : " ذلك لأنه المنتصر ، والمنتصر يأخذ كل شيء " ، وأسرع نحو قصر الخلافة طالبا مقابلة السلطان سليم باشا حالا ..
( 3 ) تفحص سليم باشا زيدان ، وتفحص زيدان قاعة الحكم ، اندهش الاثنان الأول من جرأة هذا المصري القميء الذي يقعد في أدنى سلم الناس بالمحروسة ، كيف لا يتجمد هيبة من وجوده وجها لوجه أمام من ترتعد من اسمه الشعوب والأمم ، والثاني من هذه الرياش والفن والبذخ والديباج وكم السيوف والبنادق واللوحات المعلقة على الجدران ، التفت زيدان وتراجع كمن وجد نفسه فجأة مع أحد ما ، وكان يظن أنه وحده ، سأله سليم الأول ، وأنكر زيدان – " أنكر " ليس هو الفعل الصحيح الذي أتاه زيدان – ولكنه قال : " لا أعرف فى أية حرفة كنت أعمل .. ولكنى آكل اليمك الذي تقدمونه لي في القشلاق .."
هل كان زيدان يقول الحقيقة ؟ أم أنه جاسوس مدع البله ؟ كانت عينا سليم الأول تفحصه جيدا ، اقترب زيدان من سليم حتى ملس على قفطانه الحريري بإعجاب ، رفع سليم الأول يده بسرعة حينما لمح كبير حراسه يستل سيفه ، كان زيدان يتحدث كأن سليم الأول صاحب له ، يكشف مكنونه بلا كلفة ، أشار زيدان إلى رأسه قائلا : " ذاكرتي .. آه منها آه .. استلبت منى " هل يأتي السؤال الذي لا بد منه ؟ أفاض زيدان ، ممسكا بذراع سليم الأول ، وهو يسير فى أنحاء قاعة العرش ، كانت ذاكرته التي استلبت منه تجعله يأتي بأفعال تؤدى إلى مشاكل ، فهذه المرأة التي رآها عند حدود القشلاق ، تقدمت منها ، واحتضنتها حضن شوق ، وقلت لها كلمة مكشوفة اعتبرتها المرأة كلمة فاحشة ، وكنت أسر بها لأهل بيتى فتعرف حاجتي إليها ، العساكر أخذوا يضربوننى ، وأنا أقسم أنني ظننت أنها أهل بيتى.. ابتسم سليم الأول وقال فجأة : " توركجا بيلير ميسين؟ " صاح زيدان : " أبدا .. لا أعرف نطق التركية ، حتى أننى أضحك حينما أسمعكم تتكلمون .. لكن كلمة هنا .. كلمة هناك "
أمسكه الآن سليم الأول من عضده : " إذن كيف عرفت سؤالي لك ؟ " ضحك زيدان : " طوال النهار والليل يرددها العساكر الترك لنا فى القشلاق .. توركجا بيلير ميسين ؟ "
فجأة رشق سليمان الأول سكينا كان ممسكا به في راحة يده ومخفيا له فى الكم الفضفاض لقفطانه فى جدار قاعة العرش ، ظل المقبض يتأرجح مدة حتى توقف ، التفت فجأة نحو زيدان وسأله : " لماذا لم تصنع البردعة ؟ " هرش زيدان ذقنه ، وهو يقول : " أي بردعة ؟ ما حكاية البرادع معكم يا عثامنة اليوم ؟! "
كان سليم الأول يتابع الأسطى زيدان ، خبط على رأسه بإصبع واحد : " من الذي استلب رأسك " أسرع زيدان يقول : " ليس رأسي .. ذاكرتي .. " عب سليم كمية من الهواء حتى اتسع صدره ، وأطلقه فى زفرة واحدة ، انتظر حتى يعود تنفسه لدورته الطبيعية ، وقبل أن ينطق بشيء دخلت محظية ، جعلت حاجبى زيدان يرتفعان ، احتضنها سليم الأول ، كانت ترتدي قميصا من قماش شفاف ، لعب لسان زيدان بين شفتيه ، قال سليم الأول : " هي لك .. خذها .. " دفعها ، فنامت في أحضان زيدان ، أبعدها زيدان ، وهو يقول : " لا أريدها .. أريد ذاكرتي .. "
قال سليم الأول بلهجة نافذة الصبر : " تريد ذاكرتك ؟ تريد ذاكرتك ؟! "
نظر زيدان من نافذة قاعة الحكم ، ورأى السماء والطيور ، وبعض السحب قال : " يأتيني منام كل يوم أراها فيه تقف أمام دكاني في سوق الجمالية "
صرخ سليم الأول : " أنت تلعب معي .. حذار "
قال زيدان : " أقسم لك .. أنا لا ألعب .. على الذهاب إلى القاهرة "
اقترب سليم الأول من زيدان ، ودب إصبعه السبابة في صدره : " سوف تذهب لتحصل على ذاكرتك .. ولكن هناك .. " أشار سليم الأول نحو السماء ..
كانت رأس زيدان صانع البرادع بسوق الجمالية تسقط بضربة واحدة من سيف سليم الأول ، ذاهبة إلى حيث طلب صاحبها ، عبرت جبال تركيا ، نازلة من الشام إلى سيناء ، ومن سيناء إلى القاهرة ، كانت تجوب الحواري ، والشوارع والأزقة بحثا عن زيدان ..

ألنشمي
23-01-2008, 11:55 PM
000
00
0



البطش

القوة

كان منهجهم لاخضاع العرب

لأنهم يدركون كرامة العربي وشجاعته




سرد جميل للقصة

سرحت بخيالي مع احداثها

سلمت يمينك اخي الغالي


دمت بخير

بلوتوث
24-01-2008, 04:44 PM
تسلسل جميل
.
.
وسرد رائع
.
.
سلمت يمناك أخوي
.
`•.¸
`•.¸ )
¸.•
(`'•.¸(` '•. ¸ * ¸.•'´)¸.•'´)

ミ♡彡.•:*¨`*:•.₪ محسن يونس ₪.•:*¨`*:•. ミ♡彡

(¸. •'´(¸.•'´ * `'•.¸)`'•.¸ )
.•´ `•.¸
`•.¸ )
.

.
.
تقبل تحياتي البلوتوثية

mouffaq
26-01-2008, 06:28 AM
بارك الله فيك أخي مسحن

ننتظر مزيدك

أخوك موفق

محسن يونس
27-01-2008, 10:05 AM
ألنشمى
بلوتوث
موفق
أشكركم ..
مروركم الطيب