المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تعالى ( تفسير الشعراوى )



عمر باعقيل
21-01-2008, 10:47 PM
http://www.adma1.com/vb/uploaded/4502_1184522661.jpg


المقدمة


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله كما علمنا أن نحمد، وصلى الله وسلم على رحمته وخاتم رسله سيدنا محمد وبعد ...

فهذا حصاد عمري العلمي ، وحصيلة جهادي الإجتهادي.

شرفي فيه أنى عشت كتاب الله ، وتفانيت لأستقبال فيض الله ولعلى أكون قد وفيت حق إيماني وأديت واجب عرفاني وأسأل الله سبحانه أن تكون خواطري هذه مفتاح خواطر من يأتى بعدي ، وكتاب الله لا تنقضى عجائبه حتى يرث الله الأرض ومن عليها ،
وحينئذ نعلم من الله ما أدخره لمن هداه

وحسبنا الله ونعم الوكيل

محمد متولي الشعراوي

***********************

مدخل



بسم الله الرحمن الرحيم .. والحمد لله رب العالمين ..

والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..

خواطري حول القرآن لا تعني تفسيراً للقرآن .. وإنما هى هبات صفائية .. تخطر على قلب مؤمن فى آية أو بضع آيات .. ولو أن القرآن من الممكن أن يفسر .. لكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى الناس بتفسيره .. لأن عليه نزل وبه إنفعل وله بلغ وبه علم وعمل .. وله ظهرت معجزاته . ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم .. اكتفى أن يبين للناس على قدر حاجتهم من العبادة التى تبين لهم أحكام التكليف فى القرآن الكريم وهى إفعل ولا تفعل .. تلك الأحكام التى يثاب عليها الإنسان إن فعلها ويعاقب إن تركها .. هذه هى أسس العبادة لله سبحانه وتعالى ..
التى أنزلها فى القرآن الكريم كمنهج لحياة البشر على الأرض ..

أما الأسرار المكتنزة فى القرآن حول الوجود، فقد إكتفى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما علم منها .. لأنها بمقياس العقل فى هذا الوقت لم تكن العقول تستطيع أن تتقبلها ، وكان طرح هذه الموضوعات سيثير جدلا يفسد قضية الدين، ويجعل الناس ينصرفون عن فهم منهج الله فى العبادة إلى جدل حول قضايا لن يصلوا فيها إلى شيء والقرآن لم يأت ليعلمنا أسرار الكون، ولكنه جاء بأحكام التكليف واضحة وأسرار الوجود مكتنزة .. حتى تتقدم الحضارات ويتسع فهم العقل البشري ..

فيكشف الله سبحانه وتعالى من أسرار الكون ما يجعلنا أكثر فهماً لعطاءات القرآن لأسرار الوجود، فكلما تقدم الزمن وكشف الله للإنسان عن سر جديد فى الكون ظهر إعجاز فى القرآن .. لأن الله سبحانه وتعالى قد أشار الى هذه الأيات الكونية فى كتابه العزيز .. وقد تكون الإشارة إلى آية واحدة أو بضع آيات .. ولكن هذه الآية أو الآيات تعطينا إعجازاً لا يستطيع العلم أن يصل إلى دقته.

والقرآن الكريم حمل معه وقت نزوله معجزات .. تدل على صدق البلاغ عن الله سبحانه وتعالى .. وعن صدق رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وكانت أول معجزة أن القرآن كلام الله .. فيه عطاء الله ما تحبه النفس البشرية ويستميلها ..

إنه يخاطب ملكات خفية فى النفس لا نعرفها نحن ولكن يعرفها الله سبحانه وتعالى خالق الإنسان وهو أعلم به .. هذه الملكات تنفعل حين تسمع القرآن فتلين القلوب ويدخل الإيمان إليها .. ولقد تنبه الكفار إلى تأثير القرآن الكريم فى النفس البشرية .. تأثيراً لا يستطيع أن يفسره أحد .. ولكنه يجذب النفس إلى طريق الإيمان ويدخل الرحمة فى القلوب.

لذلك كان أئمة الكفر يخافون أكثر ما يخافون .. من سماع الكفار للقرآن .. ويحاولون منع ذلك بأية وسيلة .. ويعتدون على من يتلو القرآن .. ولو أن هذا القرآن لم يكن كلام الله الذى وضع فيه من الأسرار ما يخاطب ملكات خفية فى النفس البشرية .. ما هتم أئمة الكفر أن يستمع أحد للقرآن أو لا يسمع .. ولكن شعورهم بما يفعله كلام الله .. جعلهم لا يمنعون سماع القرآن فقط .. بل قالوا كما يروى لنا القرآن الكريم:

"وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ " 26 سورة فصلت

وهكذا نعرف أنه حتى أهل الكفر كانوا لا يمنعون سماع القرآن فقط .. بل يطلبون من أنصارهم أن يلغوا فيه، ومعناها (يشوشرون عليه) .. ولا يمكن أن يكون هذا هو مسلكهم وتلك هى طريقتهم الا خوفاً مما يفعله القرآن فى كسب النفس البشرية إلى الإيمان .. إن مجرد تلاوته تجذب النفس الكافرة إلى منهج الله .

ولو نأخذ مثلاً قصة اسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه .. نجد أنه علم أن اخته فاطمة وزوجها ابن عمه سعيد بن زيد قد أسلما .. فأسرع اليهما ليبطش بهما وحاول أن يفتك بسعيد بن زيد .. فلما تدخلت زوجته فاطمة لحمايته .. ضربها حتى سال منها الدم .. وعندما رأى عمر الدم يسيل من وجه أخته فاطمة .. رق قلبه وحدث فى قلبه انفعال بالرحمة بدلاً من انفعال الإيذاء .. فخرج العناد من قلبه وملأه الصفاء .. فطلب من أخته صحيفة القرآن التى كانا يقرآن منها .. وقرأ من أول سورة طه ثم قال ما أحسن هذا الكلام وأكرمه .. ثم أسرع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلن اسلامه .. ولذلك فإنه اذا خرج العناد والكفر من القلب .. واستمع الإنسان بصفاء إلى القرآن دخل الإيمان إلى قلبه .

لقد سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه القرآن قبل ذلك ولم يسلم .. ولكنه عندما رأى الدم يسيل على وجه أخته وتبدل انفعال الإيذاء فى قلبه بإنفعال الرحمة .. استقبل القرآن بنفس صافية فأمتلأ قلبه بالإيمان وأسرع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلن اسلامه

ولذلك كان الكفار يحاولون إهاجة مشاعر الكفر فى القلوب حتى لا يدخلها القرآن .. لأنه لكي تستقبل الإيمان يجب أن تخلص قلبك من الكفر أولاً .

وهكذا نرى أن القرآن الكريم لأنه كلام الله .. فان له تأثير خاص فى النفس البشرية .. حتى ان الكفار كانوا يسترقون سماع القرآن من وراء بعضهم البعض .. وكانوا يقولون ان له لحلاوة وان عليه لطلاوة .. وان أعلاه لمثمر ..وان أسفله لمغدق .. وإنه يعلو ولا يعلى عليه .. وكان هذا أول اعجاز لأن القرآن هو كلام الله تبارك وتعالى .

ولقد وقف الصحابة والمؤمنون الذين عاصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم عند عطاء القرآن وقت نزوله فيما استطاعت عقولهم ان تطيقه من اسرار الكون .. ومن اسرار القرآن الكريم .. فلم نجد صحابياً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن معنى آيات الكون فى القرآن .. أو عن عطاءات القرآن فى اللغة .. فمثلاً لم يسأل عن معنى " ألم" .. أو عن " عسق" .. أو "حم" .. مع ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستقبل كثيرين يؤمنون بكتاب الله .. وكثيرين يكفرون بما أنزل الله .. وكان هؤلاء الكفار يريدون أن يقيموا الحجة ضد رسول الله صلى الله عليه وسلم وضد القرآن الكريم .. لم نسمع أن أحداً منهم .. وهم قوم بلغاء فصحاء عندهم اللغة ملكة وموهبة وليست صناعة .. لم نسمع أحداً من الكفار قال ماذا تعني " ألم" .. أو "حم" .. أو "عسق ".

كيف يمر الكافر على فواتح السور هذه ولا يجد فيها ما يستطيع ان يواجه به رسول الله صلى الله عليه وسلم ويجادله؟! .. لقد كانت هذه هي فرصتهم فى المجادلة .. ولا شك ان عدم استخدام الكفار لفواتح السور هذه .. دليل على انهم انفعلوا بها وان لم يؤمنوا بها .. ولم يجدوا فيها ما يمكن ان يستخدموه لهدم القرآن او التشكيك فيه .. ولو ان هذه الحروف فى فواتح السور كانت تخدم هدفهم .. لقالوا للناس وجاهروا بذلك.

رسول الله صلى الله عليه وسلم – وهو الذى عليه القرآن نزل – فسر وبين كل ما يتعلق بالتكليف الإيماني .. وترك ما يتعلق بغير التكليف للأجيال القادمة .. ويمر الزمن ويتيح الله لعباده من أسرار آياته فى الأرض ما يشاء .. فيكون عطاء القرآن متساوياً مع قدرة العقول .. لماذا ؟ لأن الرسالات التى سبقت الإسلام كانت محدودة الزمان والمكان .. أما القرآن الكريم فزمنه حتى يوم القيامة .. ولذلك فلا بد ان يقدم اعجازاً لكل جيل .. ليظل القرآن معجزة فى كل عصر .





***** يتبع المدخل بعون الرحمن *****

ألنشمي
21-01-2008, 11:02 PM
000
00
0





رائع

وكم كان رحمة الله عليه بليغ في ذلك


مشكور اسير


وجزاك ربي خير

الـدانــة
22-01-2008, 08:32 AM
رحمه الله رحمة واسعة,,

مازلنا ننهل من علمه حتى بعد مماته,,

ودروسه في تفسير القرآن مبسطة وسهله,,

لم يكن كمثله أحد في طريقته المشهورة,,

وكان لايفارق المسجد,,ويستمع لكبير القوم ورذيلهم,,

غفر الله بما قدم وخدم المسلمين,,

بارك الله فيك أخي أسير بـ انتظار الباقي

عمر باعقيل
24-01-2008, 12:35 PM
الغالي
النشمي
الرائع
تواجدك هنا

عمر باعقيل
24-01-2008, 12:36 PM
اخيتي
الدانة
بارك الله فيك على تواجدك الطيب هنا

عمر باعقيل
24-01-2008, 12:37 PM
والقرآن نزل يتحدى العرب فى اللغة والبلاغة .. ولكن لأنه دين للناس جميعاً .. فلابد أن يتحدى غير
العرب فيما نبغوا فيه .. ولذلك نزل متحدياً لغير العرب وقت نزوله .. فقد حدثت حرب بين الروم والفرس وقت نزول القرآن .. وكانت الروم والفرس يمثلان فى عصرنا الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد السوفيتي .. كانا اعظم واقوى دولتين فى ذلك العصر .. وحدثت الحرب بينهما وانهزم الروم .. واذا بالقرآن ينزل بقوله تعالى :
الم (!)غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ(3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ(4) سورة الروم
لو ان هذا القرآن من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فما الذى يجعله يدخل فى قضية كهذه ؟ او يطلب أحد منه ان يدخل فيها .. وكيف يغامر رسول الله صلى الله عليه وسلم فى كلام متعبد بتلاوته إلى يوم القيامة ولا يتغير ولا يتبدل باعلان نتيجة معركة ستحدث بعد سنين؟ .. وماذا كان يمكن ان يحدث لقضية الدين كله لو ان الحرب حدثت وانتصر الفرس مرة اخرى .. او ان الحرب لم تحدث وتوصل الطرفان إلى صلح ؟ انها كانت ستضيع قضية الدين كله .. ولكن لأن الله سبحانه وتعالى هو القائل وهو الفاعل جاءت هذه الآية كمعجزة لغير العرب وقت نزول القرآن ..وحدثت المعركة فعلا وانتصر فيها الروم كما اخبر القرآن الكريم .
ولكن القرآن لم ينزل معجزة لفترة محدودة .. بل هو معجزة حتى قيام الساعة .. والقرآن هو كلام الله ، والكون هو خلق الله .. ولذلك جاء القرآن يعطي اعجازاً لكل جيل فيما نبغوا فيه .. اذا اخذنا العلوم الحديثة التى اكتشفت فى القرن العشرين واصبحت حقائق علمية .. نجد ان القرآن الكريم قد اشار اليها باعجاز مذهل .. بحيث ان اللفظ لا يتصادم مع العقول وقت نزول القرآن الكريم .. ولا يتصادم معها بعد تقدم العلم واكتشاف آيات الله فى الأرض .. ولا يقدر على هذا الأعجاز المذهل الا الله سبحانه وتعالى .. اقرأ مثلاً قول الحق تبارك سبحانه وتعالى:
وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ(7) سورة ق
والمد معناه البسط .. وعندما نزل القرآن الكريم بقوله تعالى : "والأرض مددناها " .. لم يكن هذا يمثل مشكلة .. للعقول التى عاصرها نزول القرآن الكريم فالناس ترى ان الأرض ممدودة .. والقرآن الكريم يقول :"والأرض مددناها".. وتقدم العلم وعرف الناس ان الأرض كروية .. وانطلق الإنسان إلى الفضاء ورأى الأرض على هيئة كرة .. هنا احست بعض العقول بأن هناك تصادمات بين القرآن الكريم والعلم .. نقول لهم أقال الله سبحانه وتعالى أي أرض تلك المبسوطة؟.. لم يقل ولكنه قال الأرض على إطلاقها .. أى كل مكان على الأرض ترى فيه الأرض أمامك مبسوطة.
إذا نزلت القطب الشمالى تراها مبسوطة .. وإذا كنت فى القطب الجنوبى تراها مبسوطة .. وعند خط الإستواء تراها مبسوطة .. وإذا سرت من نقطة على الأرض وظللت تسير إلى هذه النقطة فالأرض أمامك مبسوطة .. ولا يمكن أن يحدث هذا أبداً إلا إذا كانت الأرض كروية .. فلو أن الأرض مثلثة أو مربعة أو مسدسة .. أو على أي شكل هندسي أخر .. لوصلت فيها إلى حافة ليس بعدها شىء .. ولكن لكي تكون الأرض مبسوطة أمامك فى أي مكان تسير فيه لا بد أن تكون على هيئة كرة.
هذا الإعجاز الذى يتفق مع قدرات العقول .. وقت نزول القرآن الكريم .. فإذا تقدم العلم ووصل إلى حقيقة لما يعتقده الناس .. تجد أن آيات القرآن تتفق مع الحقيقة العلمية إتفاقاً مذهلاً .. ولا يقدر على ذلك إلا الله سبحانه وتعالى .
ولو أن النبى صلى الله عليه وسلم تعرض لهذه الآيات الكونية تعرضاً لا يتناسب مع إستعدادات العقول وقت نزول القرآن .. فإنه ربما صرف العقول عن أساسيات الدين إلى جدل فى أسرار كون لا يستطيع العقل أن يستوعبها أو يفهمها .. ولكن الحق تبارك وتعالى ترك فى الكون أشياء لوثبات العقول فى العلم .. بحيث كلما تقدم العلم وجد خيطاً يربط بين آيات الله فى الكون وآياته فى القرآن الكريم ..ولو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فسر كونيات القرآن وقت نزوله لجمد القرآن ..لأنه لا أحد منا يستطيع أن يفسر بعد تفسير رسول الله صلى الله عليه وسلم ..وبذلك يكون عطاء القرآن قد جمد..ولكن ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم للتفسير أتاح الفرصة لعطاءات متجددة للقرآن الكريم إلى قيام الساعة .. وهكذا كان المنع هو عين العطاء .. وهذه معجزة أخرى من إعجاز القرآن الكريم
كلمة قرآن ساعة تسمعها تفهم أنه يقرأ .. قرآن مصدر قرأ مثل غفر غفراناً .. ولكن بعد نزول القرآن الكريم أصبح لفظ قرآن إسماً بكلام موحى به من الله سبحانه وتعالى لرسول الله صلى الله عليه وسلم بقصد التحدي ..ويسميه الله تبارك وتعالى كتاب .. إذن هو قرآن إذا أخذنا أنه يقرأ .. وهو كتاب إذا أخذنا أنه يكتب .. والقراءة تستلزم حافظاً والكتابة لا تستلزم حافظاً .. فالإنسان حين يقرأ من كتاب ليس محتاجا إلى الحفظ، ولذلك فللقرآن وسيلتان من وسائل التلاوة: يحفظ فى الصدور ويسجل فى السطور .. بحيث تستطيع فى أي وقت أن تقرأ من الكتاب .
وحين بدأ تدوين القرآن الكريم كتابة كان لا يكتب منه آية إلا إذا كانت مكتوبة على جذوع النخل او الجلود .. أو أية وسيلة اخرى من وسائل الكتابة فى عصر نزول القرآن .. وزيادة على أن الآية تكون مكتوبة ..كان لا بد أن يكون هناك إثنان على الأقل من الصحابة الحافظين لها .. إلا آية واحدة لم توجد مكتوبة بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا عند حافظ واحد فقط وكان القياس يقتضي ألا تكتب وهي قوله سبحانه وتعالى
" مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (23) سورة الأحزاب
ولكن انظر إلى الخواطر الإيمانية يقذفها الحق سبحانه وتعالى فى قلوب المؤمنين ليكمل منهجه .. هذه الآية لم يوجد من يحفظها إلا خزيمة بن ثابت ، وعندما ثار الجدل حول تدوينها ، ذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (من شهد له خزيمة فحسبُه) رواه البخارى وأحمد والنسائى والترمذى وقال :حسن صحيح
عن زيد بن ثابت قال :لما نسخنا المصحف فقدت آية من سورة الأحزاب كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها لم أجدها مع أحد إلا مع خزيمة بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه الذى جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادته بشهادة رجلين (من المؤمنين رجال ......)
وكان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قد أعطى خزيمة بن ثابت وحده نصاب شهادة رجلين ... وهذه لها قصة ...أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إبتاع فرساً من أعرابي .. فاستتبعه النبى صلى الله عليه وسلم ليعطيه ثمن الفرس .. فأسرع رسول الله صلى الله عليه وسلم المشي.. وأبطأ الأعرابي فطفق رجال (أي أخذ رجال ) يعترضون الأعرابي ليساوموه فى الفرس دون أن يعرفوا ان النبى صلى الله عليه وسلم قد ابتاعه .. فنادى الأعرابي رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال :إن كنت مبتاعاً هذا الفرس وإلا بعته .. أي هل تريد شراء الفرس أو أبيعه ؟
فقال النبى صلى الله عليه وسلم :أوليس ابتعته منك ؟ ....فقال الأعرابي ما بعته (أي ما بعته لك ) ..فقال النبى صلى الله عليه وسلم :بل قد ابتعته منك ...فقال الأعرابي هلم شهيداً ..أي ائتني بشاهد..فقال خزيمة بن ثابت أنا أشهد أنك بايعته (أي بعته له).
وبعد أن انصرف الناس ..أقبل النبى صلى الله عليه وسلم على خزيمة...
فقال: بم تشهد؟ .. (اي كيف شهدت على هذا ) .. ولم تكن موجوداً وقت المبايعة بيني وبين الأعرابي؟ .فقال خزيمة: بتصديقك يا رسول الله ..(أي هل نصدقك فى كل ما تأتينا به من خبر السماء ونكذبك فى هذه؟..فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادة خزيمة بشهادة رجلين .. فأخذت شهادته بشهادة رجلين وتم تدوين الآية .. وكان خزيمة يدعى ذو الشهادتين .. لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجاز شهادته بشهادتين . من سير أعلام النبلاء . الجزء الثانى . ص 486 وإسناده صحيح
إذا أردنا ان نعرف القرآن ..فإنه لا بد أن يخرج عن مقاييس البشر ..فالناس حين يعرفون الأشياء يقولون : حده كذا ..ورسمه كذا ..إلى اخره ..ولكن كى نعرف القرآن الكريم نقول أن القرآن هو ابتداء من قوله تعالى :
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ(1) الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(2) فاتحة الكتاب
إلى أن نصل إلى قوله
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ(1) مَلِكِ النَّاسِ(2) إِلَهِ النَّاسِ(3) مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ(4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ(5) مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ(6) سورة الناس
أي أنه من أول سورة الفاتحة ..إلى آخر سورة الناس .. على أن نستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ..قبل أن نقرأ أية آية من القرآن الكريم ..كما علمنا الحق سبحانه وتعالى فى قوله :
فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ(98) سورة النحل
لكن العلماء أرادوا التخفيف على الناس فى تعريف القرآن الكريم ..فقالوا هو كلام الله .. نزله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بقصد التحدي والإعجاز ليبين للناس منهج الله . والقرآن يتفق مع المناهج التى سبقته ، ولكنه يضيف عليها ويصحح ما حذف منها لأنه موحى به من الله ..فالتوراة والإنجيل والزبور من الله .. ولكنها تحمل المنهج فقط .. أما القرآن الكريم .. فهو المنهج والمعجزة الدالة على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
التوراة كانت منهج موسى وكانت معجزته العصى .. والإنجيل منهج عيسى ومعجزاته إبراء الأكمه والأبرص بإذن الله ..إذن بالنسبة للرسل السابقين ..كانت المعجزة شيئ والمنهج شيء آخر، ولكن القرآن تميز أنه المنهج والمعجزة معاً .. ذلك أن المناهج التى أرسلها الله على الرسل السابقين أنزلها على نية تغيرها..
ولكن القرآن الكريم ..نزل على نية الثبات إلى يوم القيامة . ولذلك كان لا بد أن يؤيد المنهج بالمعجزة حتى يستطيع أي واحد من اتباع محمد صلى الله عليه وسلم أن يقول محمد رسول الله وتلك معجزاته ..ولكن معجزات الرسل السابقين حدثت وانتهت لأنها معجزات حسية ..من رآها آمن بها .. ومن لم يرها فهو غير مقصود بها .لأنها حدثت لتثبيت المؤمنين..الذين يتبعون الرسول .. فمعجزة عيسى عليه السلام لا يمكن أن تعود الآن من جديد..وعصى موسى التى شقت البحر لا يستطيع أتباع موسى أن يأتوا بها الآن ليقولوا هذه معجزته..
إذن فالرسل السابقون لرسول الله صلى الله عليه وسلم كان لكل منهم منهج ومعجزة ولكن كليهما منفصل عن الأخر ..فالمنهج عين المعجزة حالة مفقودة فى الرسالات كلها .. ولكنها فى رسالة محمد صلى الله عليه وسلم أمر موجود يمكن أن يشار اليه فى أي وقت من الأوقات ..


*** يتبع بحول الله ***

بلوتوث
25-01-2008, 06:40 PM
رحم الله الشيخ

محمد متولي الشعرواي
وأدخله فسيج جناته

.
.
صور نادرة للشيخ الشعراوي رحمه الله




الشيخ الشعراوى يلبس الغتره

v
v
v
v

http://www.dorarr.ws/forum/uploaded/4918/untitled55.JPG

.
.
سلمت يمناك أخوي الغالي
.
`•.¸
`•.¸ )
¸.•
(`'•.¸(` '•. ¸ * ¸.•'´)¸.•'´)

ミ♡彡.•:*¨`*:•.₪ أسير الأحزان ₪.•:*¨`*:•. ミ♡彡

(¸. •'´(¸.•'´ * `'•.¸)`'•.¸ )
.•´ `•.¸
`•.¸ )
.

.
.
على هذا النقل المفيد
.
.
ومنتظرين البقية
.
.
تقبل تحياتي البلوتوثية

mouffaq
25-01-2008, 11:51 PM
بارك الله فيك أخي أسير والله يعطيك ألف عافية

أخوك موفق

عمر باعقيل
30-01-2008, 11:30 PM
الغالي
بلوتوث
اللهم امين
شاكر لك تواجدك هنا

عمر باعقيل
30-01-2008, 11:30 PM
وبارك الله فيك يالغالي على تواجدك هنا

عمر باعقيل
30-01-2008, 11:31 PM
ونظرة واحدة فيما قال الله سبحانه وتعالى فى كونيات الحياة التى أتيحت للعقل البشرى فى القرن العشرين .. نجد أن القرآن الكريم يشير إليها لأن العمر فى الرسالة القرآنية إلى قيام الساعة .. ومادام إلى أن تقوم الساعة .. يظل القرآن معجزة حتى قيام الساعة ولذلك يقول الله سبحانه وتعالى:
سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ(53) سورة فصلت
أي أن القرآن له عطاءان فى الإعجاز .. العطاء الأول آيات فى الآفاق ، وهذه هى الآيات الكونية..والعطاء الثانى "آيات فى انفسهم" وهذه هى الآيات التى تتعلق باسرار الجسد البشري..وقول الحق " حتى يتبين لهم انه الحق" أي أن القرآن هو الحق ولذلك يمكن أن تقول ان آيات الكون ستأتي موافقة لآيات القرآن الكريم ..أي أن الله سبحانه وتعالى وضع فى القرآن الكريم من آيات الكون واسراره وعن الجسد البشرى وتكوينه آيات يمكن أن يعطيها المؤمنين وغير المؤمنين..
ولقد أعطى الله تبارك وتعالى من آيات الكون المؤمنين .. فبرع المسلمون الأوائل فى العلوم .. مثل جابر بن حيان الذى وضع أساس علم الكيمياء ..وابن سيناء الذى وضع أساس علم الطب والفلك والرياضيات..وابن النفيس الذى اكتشف الدورة الدموية ووصفها وصفاً علمياً دقيقاً ..وابن الهيثم الذى برع فى الرياضيات والطبيعيات والطب وكان أول من شرح تركيب العين وكيف تعمل وأبو القاسم الذى نبغ فى العمليات الجراحية وغيرها.
ثم أعطى الله سبحانه وتعالى من آيات الكون غير المؤمنين بما تشهده الآن من نهضة علمية فى دول الغرب ..وذلك يفسر قوله تبارك وتعالى : " حتى يتبن لهم أنه الحق" أي أن آيات الكون .. ستجعل المنكرين للقرآن الكريم يعترفون أنه الحق .. ذلك أن المؤمن يعرف أن القرآن هو الحق .. ولكن المنكر للإسلام يكشف الله له آية فى أمر معجز .. يبين له أن هذا الدين حق . ولقد حدث أخيراً فى مؤتمرات الإعجاز العلمى للقرآن الكريم أن أعلن عدد من العلماء إعتناقهم للدين الإسلامى.
وإذا أردنا أن نعرف شيئاً عن معجزة القرآن فانظر ماذا قال عن الكون وكروية الأرض ودورانها حول نفسها .. وما يحدث فى أعماق البحار وغير ذلك مما لا يكتشف إلا فى القرن العشرين ..وإذا أردنا أن نعرف الإعجاز فى القرآن فى قوله "وفى انفسهم" فلننظر إلى مراحل تكوين الجنين ومراكز الأعصاب فى الجسد البشرى وتكوين الأذن والعين وغير ذلك من إعجاز لا يمكن أن يتحدث عنه بهذه الدقة الا خالقه .. وهذا ما شهدوا به علماء نبغوا فى علومهم بينما هم منكرون للإسلام وللقرآن! وهذه الحقائق العلمية التى أشار اليها القرآن لا يستطيع أحد أن ينكرها الآن لأنها أصبحت ثابتة الوجود.
والقرآن حين يتحدى فإنه لا يمكن أن يأتى بمعجزة لا يعرف عنها الخلق شيئا فأنت لاتتحدى كسيحاً فى سرعة المشى .. ولا شيخاً كبيراً ضعيفاً فى حمل الأثقال .. ولكنك إذا تحديت فلا بد أن تتحدى مجموعة من الناس فيما نبغوا فيه ولذلك إذا قلنا أن القرآن جاء يتحدى العرب فى إعجاز الأسلوب واللغة ..فهذه شهادة للعرب أنهم نبغوا فى دنيا الكلمة..وهنا عندما يغلبهم القرآن ويعجزهم يكون هذا هو التحدي ..تحد فيما نبغوا فيه وتفوقوا فيه ..ولذلك كان لا بد أن يكون العرب عندهم نبوغ فطري فى الكلمة .. ويكون الأداء الجيد المميز للكلمة مألوفاً لديهم شعراً ونثراً وخطابة .
وحين جاء القرآن الكريم يتحدى غير العرب .. تحداهم فى آيات الكون والخلق ولذلك نجد مثلا قول الحق سبحانه وتعالى عن أصحاب النار
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً(56) سورة النساء
هذه الآية الكريمة عندما نزلت فهمت بأنه كلما احترقت الجلود تجددت ، وعندما توصل العلم الحديث إلى أن مراكز الأعصاب موجودة تحت الجلد بحيث أنه إذا احترق الجلد ضاع الإحساس بالألم ، كانت هذه معجزة جديدة للدنيا فى عصرنا .. يريد بعض الناس أن يتخذ العلم إلهاً من دون الله . وهكذا كان الإعجاز المتجدد الذى يجعل القرآن معجزة خالدة .. وهذا دليل جديد على أن القرآن من عند الله وأنه كلام الله .
نأتى بعد ذلك إلى معجزة اخرى فى اختيار رسول الله عليه الصلاة والسلام وإعداده للرسالة .. أننا إذا تتبعنا حياة رسول الله صلى الله عليه نجد أن الله تبارك وتعالى اختاره أمياً لا يقرأ ولا يكتب ، ومع ذلك أجرى عليه معجزات كلها تنطق بصدق رسالته صلى الله عليه وسلم .. أولها أنه لم يشتهر عليه الصلاة والسلام أنه نبغ فى شعر أو نثر مثل قس بن ساعدة واكثم بن صيفي..ومن هنا كان حظ رسول الله صلى الله عليه وسلم من البلاغة حظاً عادياً دون نبوغ
ومع ذلك فقد جاءت رسالته عليه الصلاة والسلام تتحدى قومه فى البلاغة وفى اللغة . ولو أنه صلى الله عليه وسلم كان مشهوراً بالشعر أو النثر أو الخطابة لقالوا أن القرآن عبقرية ادائية لمواهب كانت موجودة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ الصغر .. ومواهب الناس عادة كانت تظهر قبل سن العشرين أو الثلاثين إذا كانت المواهب متأخرة، ولكنها لا تظهر فجأة على الإنسان فى سن الأربعين، ولا توجد عبقرية تتأخر أبداً حتى الأربعين .. ولكن الناس فوجئوا بأن محمداً عليه الصلاة والسلام الذى ما خطب ولا كتب وما قال شعراً يأتي بقرآن يعجز عنه أشهر البلغاء ..وأكثرهم موهبة فى فن الكلام .. من أين أتى بهذا الكلام المعجز الذى تحدى به الإنس والجن وهو فى هذه السن ؟!
بعض الناس يدعون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عنده الإعجاز اللغوى ..وأخفاه عن الناس حتى سن الأربعين وبعد ذلك أظهره .. نقول ان هذا الكلام لا يتفق مع العقل .. لأننا نعيش فى عالم أغيار يموت فيه الناس قبل سن العشرين وقبل سن الثلاثين وقبل سن الأربعين ..فمن الذى أخبر محمداً عليه الصلاة والسلام أنه لن يموت قبل سن الأربعين حتى يكتم هذه العبقرية إلى هذه السن ؟.. لقد مات أبوه وهو فى بطن امه .. وماتت أمه وهو طفل صغير .. هذه المقدمات لا يمكن أن توحي إلى محمد عليه الصلاة والسلام أن يكتم عبقريته عن الناس حتى يصل إلى هذه السن ، لأن أباه وأمه قد ماتا وهو طفل صغير .
ولذلك عندما جاء الكفار وطلبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغير القرآن كما يروي لنا القرآن الكريم فى قوله تعالى:
وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ(15) سورة يونس
ولو أن القرآن من عند محمد عليه الصلاة والسلام ربما بدله حتى يؤمن من كفر ، ولكن الحق سبحانه وتعالى يعلم رسوله صلى الله عليه وسلم ليرد عليهم بالحجة البالغة:
قُل لَّوْ شَاء اللّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُم بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ(16) سورة يونس
الله سبحانه وتعالى يعلم رسوله الكريم أن يرد على الكفار أنه عاش معهم أربعين سنة قبل الرسالة .. لم يشتهر بينهم بالخطابة والشعر أو البلاغة .. فلو أنهم فكروا بعقولهم لعرفوا أن هذا القرآن ليس من عند رسول الله ، بل من عند الله . ثم من الذى ينب اليه الكمال فيرفضه ؟.. ويقول ليس من عندى .. مع أن الناس تدّعي كمالات الغير..فكم من إنسان رأى اعجاب الناس بعمل من الأعمال .. لم يعرف صاحبه فنسبه إلى نفسه .. بل إن الناس تتصارع على نسب الأشياء الجيدة لنفسها .. وكم رأينا نزاعاً أمام القضاء بين أشخاص مختلفين كل منهم يدعى ملكيته لعمل جيد.
ثم تأتى لفتة اخرى: رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى لم يقرأ ولم يكتب ..هل يمكن أن تكون له ثلاثة اساليب متميزة تختلف بعضاً عن بعض تماماً .. وهى أسلوب القرآن الكريم وأسلوب الأحاديث القدسية وأسلوب الأحاديث النبوية.. لا توجد عبقرية فى الدنيا من يوم أن خلقت إلى يومنا هذا لها ثلاثة أساليب لكل منها طابع مميز لا يتشابه مع الأخر...كيف يمكن أن يفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتكلم بين القرآن الكريم والحديث القدسى والحديث النبوي .. بحيث يعطى كلا منها طابعاً وأسلوباً يميزه عن الأخر..
إن لكل شخص اسلوبه الذى يتميز به .. وأنت إذا كنت مطلعاً فى علوم اللغة والأدب .. فبمجرد أن تقرأ الكلام تقول هذا كلام فلان ، لأن لكل شخص منا أسلوباً يميزه .. فكيف استطاع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقسم كلامه .. فيقول هذا قرآن وهذا حديث قدسى وهذا حديث نبوي؟؟؟
إذن فاختلاف القرآن الكريم والأحاديث القدسية والأحاديث النبوية .. أكبر دليل على أن القرآن والأحاديث القدسية ليست من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ..لأن الشخصية الأسلوبية لأى انسان هى شخصية مميزة .. ولا يمكن أن ينفعل احد باحداث الحياة .. فيكتب كل مرة باسلوب مختلف تماماً عن الأسلوب الآخر .. أو يكتب اليوم بأسلوب وغداً بأسلوب وبعد غد بأسلوب .. ثم يعود بعد ذلك إلى الأسلوب الأول .. أنه إذا قرأ احدهم القرآن نقول هذا قرآن ، وإن تلا أحدهم حديثاً قدسياً نقول هذا حديث قدسي .. وإذا قال أحدهم حديثاً نبوياً قلنا حديث نبوي .. ولكل إنسان منا شخصية أسلوبية واحدة .. أذا حاول أن يخرج منها فإنها تغلبه .. والفروق الهائلة فى الأساليب بين القرآن والأحاديث القدسية والنبوية أكبر دليل على صدق رسالة محمد صلى الله عليه وسلم .
واحتار الكفار ماذا يفعلون .. ولم يجدوا ثغرة من منطق ينفذون منها .. فماذا قالوا؟ .. قالوا ساحر!! وكان الرد ببساطة أن المسحور ليست له إرادة مع الساحر .. بحيث يستطيع دفع السحر عن نفسه ، وأن الساحر يسحر من امامه رغماً عن إرادتهم...فإذا كان محمد صلى الله عليه وسلم ساحراً فلماذا لم يسحركم أنتم حتى تؤمنوا به .. وبأي شيء رددتم السحر عن أنفسكم ؟؟
إن ادعاءكم هذا يكذب حجتكم لأن كونكم الآن جالسين تقولون ساحر فمعنى ذلك أنه لم يسحركم .. ولو كان ساحراً حقيقياً لأجبركم بسحره على أن تتبعوه .
وقالوا مجنون .. نقول لهم الجنون عمل بغير رتابة .. بمعنى أنك لا تستطيع أن تتنبأ بما يفعله المجنون فى اللحظة القادمة فقد يجلس يتحدث معك وبعد دقيقة واحدة يضربك .. وتجده يبكى وبعد ثوان قليلة يضحك .. ورد تبارك وتعالى عليهم :
ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ(1) مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ(2) وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ(3) وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ(4) سورة القلم
والشهادة من الله بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم على خلق عظيم .. لا يتصادم مع ما يعرفه الكفار عنه قبل الرسالة .. فهو بشهادتهم كان معروفاً بالصدق والأمانة والخلق الحسن وكانوا يلقبونه بالأمين .. وكانوا يأمنونه على أموالهم وكل شىء له قيمة .. ولتعرف كيف يتناقض الكفار مع أنفسهم نقول لهم كيف تأتمنون انساناً مجنوناً
على أغلى ما تمتلكون؟ .. هل هذا يتمشى مع العقل .. أيذهب الإنسن بأغلى ما عنده ويضعه عند رجل مجنون ؟..طبعاً مستحيل لا يمكن أن يكون المجنون على خلق عظيم .
وقالوا شاعر وكاهن.. فرد القرآن الكريم بقوله تبارك وتعالى:
إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ(40) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ(41) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ(42) سورة الحاقة
وقولهم شاعر مردود عليهم .. بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقل شعراً فى حياته .. والمواهب لا تأتى فجأة بل لا بد أن تصقلها التجربة والخطأ .. تماماً كالذي يقود السيارة .. عندما يبدأ لا بد أن يكون معه إنسان يعرف قيادة السيارة .. ويعلمه فيخطيء ويصيب .. ثم بعد ذلك يقود السيارة ..
ورسول الله صلى الله عليه وسلم ما كانت عنده ملكة الشعر ولا دربه أحد عليه .. اما قولهم كاهن فالإنسان ينسى بمرور الوقت ، لذلك قيل إذا كنت كذوباً فكن ذكوراً.
وإذا أردنا أن نعرف الحقيقة فإننا نسأل الإنسان على فترات .. فإن كان كاذباً فإنه يتخبط فى اقواله .. ورسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب .. كان ينزل عليه الوحي بالآيات فيتلوها على اصحابه .. ثم يؤذن للصلاة بعد ذلك بساعات .. فيتلو رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الصلاة.. الآيات التى نزلت عليه دون أن يتغير منها حرف واحد .. ولذلك يقول الحق تبارك وتعالى :
"قليلا ما تذكرون " .. لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كان يأتي بالقرآن من عنده لنسي ولغير وبدل .. لأن الذاكرة لا يمكن أن تستوعب بنفس الألفاظ ما قالته. ولو أنك جئت بانسان وطلبت منه أن يتحدث فى موضوع معين وسجلته له .. ثم طلبت منه ان يعيد بعد نصف ساعة ما قاله .. لا يمكن أن يأتي بنفس الكلام أو بنفس الألفاظ أو بنفس الترتيب.
والحق سبحانه وتعالى يعطى رسله منهجه بالوحي .. ويكون عطاؤه غيبياً لأن الله غيب .. فالله سبحانه وتعالى يقول :
وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ(51) سورة الشورى
وذلك لأن التكوين البشري لا يمكن أن يستقبل من الله مباشرة .. والوحي إعلام بخفاء ، ولكى نقرب المعنى من الأذهان .. نقول أنك لو كنت لا تريد أن تقابل ضيفاً ثقيلاً فإنك تتفق مع خادمك على إشارة معينة .. فإذا جاء وأخبرك أمام الحاضرين بأن فلان وصل .. تعطيه إشارة فلا يدخل إلى المنزل .. هذه الإشارة المتفق عليها .. لا يفهمها أحد من الحاضرين ولا يعرف معناها ..
هذا هو معنى الوحي إعلام بخفاء .. لا يفهمه إحد إلا الموحِي ومن يوحَى إليه .. والوحي ما دام إعلاماً بخفاء فإنه يقتضى موجهاً .. وموحَى إليه وموحَى به ..


*** يتبع بحول الله ***

عمر باعقيل
07-02-2008, 02:22 PM
هذا هو معنى الوحي إعلام بخفاء .. لا يفهمه إحد إلا الموحِي ومن يوحَى إليه .. والوحي ما دام إعلاماً بخفاء فإنه يقتضى موجهاً .. وموحَى إليه وموحَى به ..

ولقد أوحى الله للرسل وأوحى إلى غير الرسل .. فأوحى للملائكة وإلى أم موسى وإلى الحواريين وللنحل وللأرض .. وهناك وحي من الشيطان لأوليائه هذا هو الوحي اللغوي .. أما الوحي الشرعي فيكون وحياً من الله لرسله .وكان وحي الله لموسى عليه السلام أن كلمه من وراء حجاب .. وكان وحي الحق جل جلاله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .. بأن ارسل له جبريل عليه السلام .. ويجىء الملك بالوحي فيسمع رسول الله عليه الصلاة والسلام صلصلة الجرس تنبيهاً .. ويتم اللقاء بين جبريل والرسول فتتغير كيماويات جسد الرسول .. حتى أنه حينما جاءه الوحي لامست ركبته الشريفة ركبة صحابي كان يجلس بجواره فأحس كأنها جبل .. وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم راكباً الناقة .. فتنام او تبرك الناقة على الأرض ولا تستطيع السير .. وكانت لفتة اخرى من الله تبارك وتعالى .. إنه لا تناقض مطلقاً بين القرآن وبين العلم ..فإذا جاءت نظرية علمية تناقض القرآن الكريم .. فالقرآن على حق والنظرية على باطل .. وهناك نظريات أخفاها الله سبحانه وتعالى عنا .. ولكن إخفاءه لها لا يضرنا بشيء
فالشمس ينتفع بها كل الناس ولا يعلم حقيقتها أحد .. وكذلك الظواهر الكونية الأخرى .. فكل ما أخفاه الله عنا هو جهل لا يضر ولا يقلل انتفاعنا بالكون.

والقرآن كلام الله لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .. ولقد حمل منهج الله للبشر ليحمي حركة الإنسان الإختيارية فى الكون .. وما دام الإنسان يلتزم حياته بالقرآن الكريم فإنه يستمتع بالجمال فى الكون .. أما إذا خالفه فيكون الإنسان قد سعى إلى شقائه . ولقد ظهرت الداءات والأمراض فى المجتمعات عندما خالف الإنسان منهج السماء ولذلك قال الحق سبحانه وتعالى :
وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً(82) سورة الإسراء
لماذا قدم الله سبحانه وتعالى الشفاء على الرحمة .. لأن الرحمة تقي الناس من أي شر قادم ولكن لا بد من الشفاء أولاً .. وعندما نزل القرآن كانت الأمراض والداءات تملأ المجتمعات .. الظلم وأكل حقوق الناس واستعباد الإنسان للإنسان وغير ذلك من أمراض المجتمع .. فجاء الأسلام أولاً ليشفي هذه الأمراض إذا اتبع منهجه .. ثم بعد ذلك تأتي الرحمة وتمنع عودة هذه الداءات . فإذا حدثت غفلة عن منهج الله .. جاءت الداءات والأمراض .. فإذا عدت إلى صيدلية القرآن تأخذ منها الدواء يتم الشفاء .

fahodi
09-02-2008, 07:49 AM
تسلم يمينك اخوي اسير الاحزان

جزاك الله خيرا


وجعلها في موازين حسناتك

عمر باعقيل
12-02-2008, 07:17 PM
اللهم امين
ويجزاك كل خير

عمر باعقيل
12-02-2008, 07:17 PM
"أعوذ بالله من الشيطان الرجيم"

طلب الله سبحانه وتعالى من كل مؤمن ان يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ..
قبل ان يقرأ القرآن .. إذن فالإستعاذة هى أول التقاء.. بين المؤمن وبين بداية قراءته للقرآن الكريم والله سبحانه وتعالى يقول :
فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ(98) سورة النحل
وواضح أن الآية الكريمة .. تطلب منا الإستعاذة بالله من الشيطان قبل أن نقرأ القرآن .. ذلك أن كل مخلوق إذا اتجه إلى خالقه واستعاذ به يكون هو الأقوى برغم ضعفه وهو الغالب برغم عدم قدرته .. لأن الله عندما يكون معك . تكون قدرتك وقوتك فوق كل قدرة وأعلى من كل قوة .. لأنك جعلت الله سبحانه وتعالى فى جانبك . ونحن حين نقرأ القرآن لا بد أن نصفّي جهاز استقبالنا لحسن استقبال كلام الله .وفى هذه الحالة لا نفعل ذلك بقدراتنا نحن ولا بقوتنا .. ولكن بالإستعانة بقوة وقدرة الله .. لماذا ؟ لأن معوقات المنهج عند الإنسان المؤمن إنما هى من عمل الشيطان.
وإبليس يأتى دائماً من الباب الذى يرى فيه المنهج ضعيفاً .. فإذا وجد إنساناً متشدداً فى ناحية يأتي له من ناحية اخرى . فلو أن العبد المؤمن متشدد فى الصلاة .. يحافظ عليها ويؤديها فى اوقاتها ، جاءه إبليس من ناحية المال . يوسوس له بألا يخرج الزكاة لأنها ستؤدي به إلى الفقر .. ويوسوس له أن يأكل حقوق الناس ..مدخلاً السرور إلى نفسه بالوهم بأنه سيصبح غنياً آمناً مطمئناً على غده .. وهذا كذب
والحقيقة هى التى رواها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: (ما نقص مال من صدقة ) رواه أحمد ومسلم والترمذى عن أبي هريرة وتتمه الحديث "وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً وما تواضع أحد لله الا رفعه" والصدقة هى التى تكثر المال وتضع فيه البركة فيزداد وينمو .. والمال هو مال الله ينتقل من يد إلى يد فى الدنيا .. ثم يموت الإنسان ويتركه..ولكن ابليس يستغل غفلة الناس عن هذه الحقيقة ليدفعهم إلى المال الحرام .. فإذا كان الإنسان متشدداً من ناحية المال .. جاءه من ناحية المرأة فيظل يزين له امرأة خليعة .. يوسوس له حتى يسقط فى الزنا .. وإن كان قوياً فى هذه النواحى كلها .. زين له إبليس الخمر او مجلس السوء او النميمة ..المهم أن إبليس يظل يدور حول نقط الضعف فى الإنسان ليسقطه فى المعصية .
ولذلك فإن الإستعاذة بالله من الشيطان الرجيم ، إنما تجعل الله سبحانه وتعالى يقوي نقط الضعف فيك . فلا يستطيع الشيطان أن ينفذ اليك وأنت تقرأ القرآن ليضع فى رأسك هواجس تلهيك عن هذه القرآءة .. ذلك عطاء الله فى القرآن يساوي بين جميع الخلق .. فعطاء القرآن متساو ولكن كل إنسان يأخذ قدر ايمانه .. فالقرآن يقرأ والناس تسمع ولكن هل يتقبل الجميع القرآن تقبلاً متساوياً ؟ نقول لا ..فقد قال الله سبحانه وتعالى
ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفا أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم(16) سورة محمد
أي أن القرآن لم يؤثر فيهم .. ولكنه أثر فى المؤمنين الذين استمعوا إليه مصداقاً لقوله جل جلاله :
وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِياًّ لَّقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ(44) سورة فصلت
فالقرآن عطاؤه للجميع ولكن المهم من يستقبله .. وكيف يستقبله عندما يتلى عليه .. والله سبحانه وتعالى يريدنا عندما نقرأ القرآن .. أن نبعد الشيطان عن أنفسنا قبل أن يبعدنا هو عن منهج الله وعن آياته .. وبما أننا لا نرى الشيطان وهو يرانا .. ولا نعرف أين هو بينما هو يعرف أين نحن .. مصداقاً لقوله تبارك وتعالى :
يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ(27) سورة الأعراف
فلا بد أن تستعيذ بقوة تستطيع ان تقهر الشيطان وتدمره .الله سبحانه وتعالى طلب منا أن نستعيذ به وأن نلجأ إليه لأنه هو القادر على أن يحمينا .. ويصفي قلوبنا ونفوسنا من همزات الشياطين فيحسن استقبالنا للقرآن الكريم .. لأنه إذا صفيت نفسك لأستقبال القرآن .. فإن آياته الكريمة تمس قلبك ونفسك وتكون لك هدى ونور
والشيطان قد قضى الله سبحانه وتعالى فى أمره فطرده من رحمته رجيماً مبعداً .. والشيطان يعرف أن مصيره النار ويعتقد أن آدم هو السبب .. لأن بداية المعصية كانت رفض إبليس طاعة أمر الله فى السجود لآدم .. وقال كما يروي لنا القرآن الكريم .
قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ(12) سورة الأعراف
وكانت معصية إبليس فى القمة .. لأنه رد الأمر على الآمر .. وقال لن أطيع ولن أسجد لآدم لأنني خير منه .. هو من طين وأنا من نار .. فكأنه لم يرض بحكم الله سبحانه وتعالى وأراد ان يعدله . وهذه معصية فى القمة.. جعلت الله تبارك وتعالى يطرد إبليس من رحمته .. ويصفه بأنه رجيم .. وذلك حتى نعرف أن مصيره النار وأن الله لن يغفر له .
وبدأ إبليس بغواية آدم عليه السلام .. فآدم عاش فى جنة تعطيه مقومات حياته بلا تعب وبلا عمل .. وكان فى الجنة ألوف الأشجار تعطى كل الثمرات وهى حلال لآدم وحواء يأكلان منها ما يشاءان .. ما عدا شجرة واحدة حرمها الله عليهما ..وكانت هذه الشجرة هى بداية الخطيئة ..بدأ إبليس يغري آدم وحواء على المعصية .. كيف ؟ .. حاول إقناعهما بأن عدم الأكل من هذه الشجرة .. سيحرمهما من خير كبير .. واقرأ قول القرآن الكريم:
فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ(20) سورة الأعراف
وفى إغواء أخر:
"فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى(120) سورة طه
وهكذا نعرف أن إبليس يأتي للإنسان من أكثر من زاوية .. لذلك كانت الزاوية الأولى هي أن هذه الشجرة من يأكل منها يكون ملكاً أو يكون خالداً .. وكان الإغواء الثاني أن هذه الشجرة تعطى لمن يأكل منها بجانب الخلود ملكاً لا ينتهي .
إذن فإبليس يصور للإنسان .. أن ما منعه الله عنه هو الخير .. وأنه لو عصى فسيحصل على المال والنفوذ .. لقد أكل آدم وحواء من الشجرة . فلم يخلدا ولم يأت لهما مُللك لا ينتهي . بل ظهرت عوراتهما وعرفا أن ابليس كان كاذباً .. وأن الله سبحانه وتعالى بمنهجه وما ينهانا عنه إنما كان يريد لهما الخير .
ولكن الشيطان يأتي ويزين للانسان طريق الباطل .. ولو أن آدم كان قد حكّم عقله لعرف كذب وسوسة ابليس.. فإبليس كما يدعي كان يدل آدم على شجرة الخلد .. ولو أن هذه الشجرة كانت تعطي الخلد فعلاً .. لما طلب إبليس من الله تبارك وتعالى أن يبقي على حياته إلى يوم القيامة .. بل لأكل من الشجرة ونال الخلد.
ولكن إبليس دخل من ناحية الغفلة فى النفس البشرية ليوقع آدم فى المعصية .. وهو يدخل إلى أبناء آدم من ناحية الغفلة أيضاً. ولو أن ابناء آدم حكموا عقولهم وهم يعرفون أن هناك عداوة مسبقة بين آدم وابليس .. وأن إبليس طلب من الله سبحانه وتعالى أن يبقيه إلى يوم القيامة لينتقم من آدم وأولاده بإغوائهم على المعصية .. لو تنبهنا إلى ذلك لأخذنا حذرنا .. وعندما تنكشف وسوسة الشيطان فإنه يهرب
إبليس دخل إلى ناحية الغواية بأن أقسم بعزة الله .. وأن الله عزيز لا يحتاج لخلقه ولا يضره سبحانه وتعالى من كفر ولا يزيد شيئاً فى ملكه من آمن ..
إستغل عزة الله فى استغنائه عن خلقه فقال كما يروي لنا القرآن الكريم
قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ(82) سوءة ص
ولكن الحق تبارك وتعالى أخبرنا أنه طرد ابليس من رحمته وسماه رجيماً حتى نعرف جميعاً أنه لن يدخل فى رحمة الله ابداً.
إبليس دخل إلى غواية بني آدم بعزة الله سبحانه وتعالى عن خلقه .. فلو أن الله أراد خلقه جميعاً مهديين .. ما استطاع إبليس أن يتقدم ناحية واحد منهم .. واقرأ قوله سبحانه ..
إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين(4) سورة الشعراء
إذن الله سبحانه وتعالى .. هو الذى أعطى للإنسان حق الإختيار ولو شاء لجعله مقهوراً على الطاعة كباقي الخلق .. من نقطة الإختيار هذه وقوله تبارك وتعالى :
وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقاً(29) سورة الكهف
إذن فالله سبحانه وتعالى بين لنا طريق الهداية وطريق المعصية .. ثم ترك لنا أن نختار طاعة الله ورحمته .. أو معصية الله وعذابه .. ولم يعطنا الحق تبارك وتعالى هذا الإختيار إلا فترة محدودة هى حياتنا فى الدنيا .. فعندما يحتضر الإنسان تخمد بشريته .. ويصبح لا اختيار له. كما أن الله جل جلاله لم يعطنا الإختيار فى كل أحداث الدنيا .. بل اعطاه لنا فى المنهج فقط فى الطاعة أو المعصية.
ولكي نتقي الشيطان فى حياتنا شرح لنا القرآن الكريم كيف سيغوي إبليس بني آدم .. واقرأ القرآن الكريم :
قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ(16) سورة الأعراف
أي أن إبليس لا يجتهد فى إغواء من باع نفسه للمعصية .. وانطلق يخالف كل ما أمر به الله .. فالنفس الأمارة بالسوء لها شيطانها.. وهى ليست محتاجة إلى إغواء لأنها تأمر صاحبها بالسوء .. ولذلك فإن إبليس لا يذهب إلى الخمارات وبيوت الدعارة ويبذل جهداً فى إغواء من يجلسون فيها ..لأن كل من ذهب إلى هذه الأماكن ..هو من شياطين الإنس.. ولكن إبليس يذهب إلى مهابط الطاعة وأماكن العبادة .. هؤلاء يبذل معهم كل جهده وكل حيلة ليصرفهم عن عبادة الله، ولذلك لا بد أن ننتبه إلى أن إبليس لم يقل لهم على الطريق المعوج..فالطريق المعوج بطبيعته يتبع الشيطان ..فإبليس يريد أهل الطاعة .. ويزين لهم المعصية ويغريهم بالمال الحرام
القرآن الكريم يقول
ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ(17) سورة الأعراف
هذه هى جهات الغواية التى يأتى منها إبليس .. من بين أيديهم أي من أمامهم وهذه هى الجهة الأولى ومن خلفهم أي من ورائهم وهذه هى الجهة الثانية ..وعن أيمانهم أي من اليمين وهذه هى الجهة الثالثة .. وعن شمائلهم أي من الشمال وهذه هى الجهة الرابعة.. وكلنا نعلم أن الجهات ست وليست اربعاً .. فما هما الجهتان اللتان لا يأتي منهما الشيطان؟ .. هما فوق وتحت .. هرب إبليس من هاتين الجهتين بالذات .. ولم يقل سآتي لهم من فوقهم أو من تحتهم ، لأنه يعلم أن الجهة العليا تمثل الفوقية الإلهية .. وأن الجهة السفلى تمثل العبودية البشرية حينما يسجد الإنسان لله .. ولذلك ابتعد إبليس عن هاتين الجهتين تماماً.
ومن العجب أنك إذا نظرت إلى أبواق الإلحاد فى كل عصر .. تجدها تأتى من الجهات التى يأتي منها الشيطان .. يقولون: تقدمي جهة الأمام ..ورجعي جهة الخلف ويميني جهة اليمين ويساري جهة اليسار .. نقول لهم نحن لسنا في أية جهة من هذه الجهات. لا تقدميين ندعو إلى التحلل والفجور .. ولا رجعيين نقول هذا ما وجدنا عليه آباءنا . ولا يساريين ننكر الدين ونناصر الكفر .. ولا يمينيين نؤمن بالرأسمالية واستغلال الإنسان .. ولكننا أمة محمدية فوقية كل أمورنا من الله وما دامت أمورنا من الله سبحانه وتعالى فنحن لا نخضع لمساوٍ لنا ولكننا نخضع لله العلى القدير وما دمت تخضع لأعلى منك فلا ذلة أبداً بل عزة ورفعه مصداقا لقوله تبارك وتعالى
يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ(8) سورة المنافقون
ونحن أمة محمدية فوقية .. نعلن عبوديتنا وخضوعنا لله .. ونتبع منهج السماء .. ولذلك فقد تميزنا عن البشر جميعاً لأن كل إنسان فى الدنيا لا يخضع لله سبحانه وتعالى ولا يأخذ منهجه عنه فهو خاضع لمنهج بشرى وضعه مساوٍ له من البشر .. والنفس البشرية لها هوى تريد أن تحققه . لذلك فهى تضع المنهج الذى يمكنها من أن تتميز به على الناس .. المنهج الذى تستفيد منه هى وحدها.. وقد يكون المنهج من وضع مجموعة أفراد أو طبقة .. نقول أن مناهجهم لفائدتهم .. ولكن الله سبحانه وتعالى يضع منهجه ليعطيك خيراً .. لا ليأخذ منك الخير لأنه جل جلاله مصدر الخير كله وهو ليس محتاجاً لما تملك ولا ما يملك البشر. اذن العدل والخير والعزة هى منهج السماء فالله لا يأخذ منك ولكن يعطيك ولا يذلك ولكن يعزك.
على أن هناك لفتة .. لا بد أن ننتبه إليها . ...


**** يتبع بحول الله ****

عمر باعقيل
28-02-2008, 09:02 PM
على أن هناك لفتة .. لا بد أن ننتبه إليها
فهذه الفوقية هى التى جعلت الله سبحانه وتعالى يختار أمة أمية .. ليجعل فيها آخر صلة للسماء بالأرض ويختار من هذه الأمة رسولاً أمياً .. أي كما ولدته أمه لم يأخذ ثقافة من مساوية..لم يتثقف على الشرق أو على الغرب ولم يقرأ لفلان فيتأثر به .. أو لفيلسوف فيتبعه ولكن الذى علمه هو الله جل جلاله
إذن فالأمية شرف لرسول الله صلى الله عليه وسلم ..لكنها تؤكد أن كل ما جاء به هو من الله سبحانه وتعالى ولذلك فكل ما يأتي به معجزة لأنه وحي السماء ..فلو أن القرآن نزل على أمة متحضرة كالفرس او الروم .. أو على نبس غير أمس ..قد قرأ كتب الفلاسفة والعلماء من الشرق والغرب .. لقيل ان "القرآن إلتقاء حضارات وهبات عقل وإصلاحات ليقود الناس حركة حياتهم" ولكن لا. هى أمة أمية – رسول أمي.. تأكيداً لصلتها بالسماء .. وأن ما جاء به محمد عليه الصلاة والسلام لا دخل لبشر ولا ثقافة ولا حضارة به. وهو ليس من معطيات عقول البشر.. ولكنه من الحق تبارك وتعالى ..ليصبح محمد صلى الله عليه وسلم وهو الرسول الأمي معلماً للبشرية كلها .
وهكذا نعرف أن الشيطان لا يستطيع أن يقترب من مكان صعود الصلاة وصالح الأعمال إلى السماء ومن مكان الخضوع والعبودية لله سبحانه وتعالى

وقد أصر الشيطان على غواية الإنسان .. حتى لا يكون هو العاصي الوحيد. فما دام عصى وطرد من رحمة الله لماذا يكون هو العاصي الوحيد؟.. لماذا لا يكون الكل عاصياً؟.. وإذا كانت معصية الشيطان بسبب عدم السجود لآدم .. فلماذا لا يأخذ أولاد آدم معه إلى النار؟ انتقاماً منهم ومن أبيهم. بعض الناس يقول ..إبليس عصى وآدم عصى والله سبحانه وتعالى طرد إبليس من رحمته وغفر لآدم .. نقول أن هناك فرق بين معصية ومعصية. معصية إبليس كانت معصية فى القمة .. ترد الأمر على الآمر .تقول لا ..لن اسجد ولن اطيع لأنني من نار وهو من طين .. فكأنه رد الأمر على الآمر.. أما آدم فقال : يا رب أمرك الحق .. وقولك الحق ومنهجك الحق .. ولكني ضعيف لم أستطع أن أحمل نفسي على الطاعة .. فسامح ضعفي يا رب، ولذلك شرع له الله سبحانه وتعالى التوبة . وعلمه كلمات ليتوب عليه .

إذن فهناك فرق بين معصيتين .معصية تقول لن أطيع لأنني خير منه .. ومعصية يعترف فيها العبد بالخطأ والضعف ويتجه إلى الله طالباً التوبة والغفران. وبرغم أن الله سبحانه وتعالى قد أبلغنا فى القرآن الكريم أن الشيطان عدو لنا .. فى قوله
إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ(6) سورة فاطر
فإن الإنسان لا يحتاط.. ولذلك فى كل مرة نقرأ فيها القرآن .. يريد الله سبحانه وتعالى .. أن نستعيذ به من الشيطان الرجيم .. حتى إذا كان الشيطان قد مسنا او غلبنا فى حدث من أحداث الحياة ..فإن الله سبحانه وتعالى يبعده عنا ونحن نقرأ القرآن ..حتى تصفوا قلوبنا ونكون قد أبعدنا الشيطان .. وما حاول أن يوسوسه لنا ليبعدنا عن المنهج .

عندما نستعيذ بالله من الشيطان الرجيم .. فهناك مستعاذ به وهو الله تبارك وتعالى من الشيطان .. والشيطان من خلق الله وأنت من خلق الله . فمن الممكن أن ينفرد خلق الله بخلق الله، ويكون القوي بقوته . أما إذا إلتحم أحدهما بخالقه فالثاني لا يقدر عليه. وأنت إذا تركت نفسك للشيطان .. إنفرد بك. ولذلك تستعيذ بالله الذى خلقك وخلق الشيطان .. فيعينك عليه .. ولذلك حين تجد قوماً مؤمنين وقوماً كافرين ..إن ظل المؤمنون موصولين بربهم لا يهزمهم الكفار ابداً .. فإذا بعدوا عن منهج الله .. يهزمهم الكفار.. لأنه فى هذه الحالة يكون القتال بين فئتين ابتعدتا عن الله .. إذن فعندما ينفرد خلق بخلق .. فالقوي هو الذى يغلب . أما إذا احتمى خلق بخالقهم فلا يقدر عليهم أحد. البشر يقدر على البشر إذا بعدت الفئتان عن الله .. فإن كانت الفئتان معتصمتين بالله .. فلن يتقاتلا.

والحق تبارك وتعالى .. يريدك حين تقرأ القرآن أن تصفى جهاز استقبالك تصفية تضمن حسن استقبالك للقرآن .. بأن تبعد عنك نزغ الشيطان .. حينئذ تستقبل القرآن بصفاء .. وتأخذ منه كل عطاء فإذا استعذت بالله من الشيطان الرجيم تكون فى جانب الله فلا يأتيك الشيطان ابداً .. ولذلك سيأتي الشيطان يوم القيامة ليقول لمن اغواهم كما يروي لنا القرآن الكريم :
وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(22) سورة ابراهيم
إذن فالشيطان ليس له سلطان على الإنسان أن يقهره على فعل لا يريده ..أي ليس له سلطان القهر وليس له سلطان على أن يقنع الإنسان بالمعصية .. وهذا إسمه سلطان الحجة .. فالسلطان نوعان .. قهر لمن يريد الفعل وإقناع يجعلك تقبل الفعل وأنت راض .. الشيطان ليس له سلطان القهر على عمل لا تريده وليس له سلطان الحجة .. ليقنعنا بأن نفعل ما لا نريد ان نفعله .. ولكن المسألة أن وسوسة الشيطان .. وجدت هوى فى نفوسنا فتبعناه.

والله سبحانه وتعالى يريد أن يمنع عنا هذه الوسوسة .. ونحن نقرأ القرآن الكريم .. ولكن الحق سبحانه وتعالى هو الذى خلق الشيطان .. وهو الذى أعطاه القدرة على أن يوسوس للانسان .. لماذا؟.. لأنه لو أن الطاعة وجدت بدون مقاوم لا تظهر حرارة الايمان .. ولا قوة الإقبال على التكليف .. وإنما عندما يوجد إغراء والحاح فى الإغراء .. وأنت متمسك بالطاعة فذلك دليل على قوة الإيمان ..تماماً كما أنك لا تعرف قوة أمانة موظف إلا إذا أغريته برشوة فلو أنه لو لم يتعرض لهذا الإغراء .. فلن تختبر أمانته ابداً ولكن إذا تعرض للأغراء .. وتمسك بأمانته ونزاهته فهذه هى الأمانة...

والله سبحانه وتعالى أعطانا الإختيار لأنه يريد من خلقه من يطيعه وهو قادر على معصيته .. ويؤمن به وهو قادر على عدم الايمان .. لأن هذه تثبت صفة المحبوبية لله . الخلق المقهور لله يأتي له قهراً .. لا يقدر على المعصية .. وهذا يثبت القهر والجبروت لله ولكن الحق سبحانه وتعالى أراد خلقاً يأتيه عن حب .. وقد يكون هذا الحب من أجل عطاء الله فى الآخرة ونعيمه وجنته فلا يضن الله على عباده بها .. وقد يكون عن حب لذات الله . لذلك يقول بعض أهل الصفاء فى معنى الآية الكريمة
قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (110) سورة الكهف
يقولون أن الجنة أحد .. لأن الحق سبحانه وتعالى قال " من كان يريد لقاء ربه" .. أي الأنس بلقاء الله .. فإن كنت تعمل للذات وليس للعطاءات .. فإنك تكون فى أُنس الله يوم القيامة .. والذى عمل للجنة سيأخذها .. والذى عمل لما فوق الجنة يأخذه
أو لم يخلق الله تعالى جنة ونار ، أما كان اهلاً لأن يعبد ؟! ولقد قالت رابعة العدوية :" اللهم إن كنت تعلم أني أعبدك طمعاً فى جنتك فاحرمني منها ، وإن كنت تعلم أني أعبدك خوفاً من نارك فأرسلني فيها ، أنا أعبدك لأنك تستحق أن تُعبد "

والحق سبحانه وتعالى : يريدك عندما تقرأ القرآن .. أن تصفي نفسك له سبحانه وتعالى وهو جل جلاله يعلم مكائد الشيطان ومداخله إلى النفس البشرية وأنه سيوسوس لك ما يفسد عليك فطرتك الإيمانية .. فيأتي القرآن على فطرة فسدت فلا يحدث إستقبال لفيوضاته على النفس البشرية .. ولكن إذا استعذت بالله فقد استعذت بخالق .. فلا يجرؤ الخلق على الإقتراب منك ولذلك إن اردت من جهاز استقبالك أن يكون صالحاً لصفاءات الإرسال سامعاً لكلام الله .. لأن الله هو الذى يتكلم .. فالقرآن ليس كلام القارىء له ولكنه كلام الله سبحانه وتعالى ..

ولذلك قال سيدنا جعفر الصادق رضي الله عنه .. وكان أكثر آل بيت رسول الله معرفة باسرار القرآن الكريم .. إن مفزعات الحياة عند الإنسان ..الخوف والغم والهم والضر وزوال النعمة.. قال عجبت لمن خاف ولم يفزع إلى قول الله سبحانه وتعالى : حسبنا الله ونعم الوكيل . فقد سمعت الله بعده يقول " فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء " وعجبت لمن ابتلي بالضر ولم يفزع إلى قول الله سبحانه وتعالى " إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين" فقد سمعت الله بعده يقول " فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر ". وعجبت لمن ابتلي بالغم كيف لم يفزع إلى قول الله تعالى " لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين" فقد سمعت الله بعده يقول " فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين " وعجبت لمن أُضير .. ولم يفزع لقول الله سبحانه وتعالى " وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد " فقد سمعت الله تعالى بعدها يقول " فوقاه سيئات ما مكروا"
وأنت ما دمت فى معية خالقك لا يجرؤ الشيطان أن يذهب إليك أبداً

وحين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فى غار ثور ومعه أبو بكر الصديق رضي الله عنه يوم الهجرة .. والكفار عند مدخل الغار بسلاحهم .. ماذا قال أبو بكر رضي الله عنه ؟ قال لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا .. وهذا واقع لا يكذب إلا بصفاء إيماني .. ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لصاحبه : ما ظنك باثنين الله ثالثهما وما تشير اليه الآية الكريمة بقوله تعالى :
لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا(40) سورة التوبة

إذن فرسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر رضي الله عنه كلاهما فى معية الله ولكن هل كونهما فى معية الله رد على قول أبي بكر : لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا .. نقول نعم .. لأنهما فى معية الله – والله لا تدركه الأبصار – فلا تدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر الأبصار كذلك ما داما فى معية الله.

عمر باعقيل
07-03-2008, 02:23 PM
سورة الفاتحة

سورة رقم 1

وآياتها 7


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)

إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ

عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)





بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1)

القرآن الكريم منذ اللحظة التي نزل فيها .. نزل مقرونا بسم الله سبحانه وتعالى ـ ولذلك حينما نتلوه فإننا نبدأ نفس البداية التي أرادها الله تبارك وتعالى ـ وهي أن تكون البداية بسم الله. وأول الكلمات التى نطق بها الوحي لمحمد صلى الله عليه وسلم كانت "اقرأ بسم ربك الذي خلق". وهكذا كانت بداية نزول القرآن الكريم ليمارس مهمته في الكون .. هي بسم الله. ونحن الآن حينما نقرأ القرآن نبدأ نفس البداية. ولقد كان محمد عليه الصلاة والسلام في غار حراء حينما جاءه جبريل وكان أول لقاء بين الملك الذي يحمل الوحي بالقرآن .. وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم قول الحق تبارك وتعالى: "اقرأ".

واقرأ تتطلب أن يكون الإنسان .. إما حافظا لشيء يحفظه، أو أمامه شيء مكتوب ليقرأه .. ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان حافظا لشيء يقرؤه .. وما كان أمامه كتاب ليقرأ منه .. وحتى لو كان أمامه كتاب فهو أمي لا يقرأ ولا يكتب.

وعندما قال جبريل: "اقرأ" .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أنا بقارئ .. وكان الرسول الله صلى الله عليه وسلم منطقيا مع قدراته. وتردد القول ثلاث مرات .. جبريل عليه السلام بوحي من الله سبحانه وتعالى يقول للرسول "اقرأ" ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما أنا بقارئ .. ولقد أخذ خصوم الإسلام هذه النقطة .. وقالوا كيف يقول الله لرسوله اقرأ ويرد الرسول ما أنا بقارئ.

نقول إن الله تبارك وتعالى .. كان يتحدث بقدراته التي تقول للشيء كن فيكون، بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتحدث ببشريته التي تقول أنه لا يستطيع أن يقرأ ولا يكتب لتجعله معلما للبشرية كلها إلي يوم القيامة .. لأن كل البشر يعلمهم بشر .. ولكن محمد صلى الله عليه وسلم سيعلمه الله سبحانه وتعالى. ليكون معلما لأكبر علماء البشر .. يأخذون عنه العلم والمعرفة. لذلك جاء الجواب من الله سبحانه وتعالى



اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ(1) خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ(2)

سورة العلق



أي أن الله سبحانه وتعالى. الذي خلق من عدم. سيجعلك تقرأ على الناس ما يعجز علماء الدنيا وحضارات الدنيا على أن يأتوا بمثله .. وسيكون ما تقرأه وأنت النبي الأمي إعجازا .. ليس لهؤلاء الذين سيسمعونه منك لحظة نزوله. ولكن للدنيا كلها وليس في الوقت الذي ينزل فيه فقط، ولكن حتى قيام الساعة، ولذلك قال جل جلاله



اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ(3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ(4)

سورة العلق



أي أن الذي ستقرؤه يا محمد .. سيظل معلما للإنسانية كلها إلي نهاية الدنيا على الأرض .. ولأن المعلم هو الله سبحانه وتعالى قال: "اقرأ وربك الأكرم" مستخدما صيغة المبالغة. فهناك كريم وأكرم .. فأنت حين تتعلم من بشر فهذا دليل على كرم الله جل جلاله .. لأنه يسر لك العلم على يد بشر مثلك .. أما إذا كان الله هو الذي سيعلمك .. يكون "أكرم" .. لأن ربك قد رفعك درجة عالية ليعلمك هو سبحانه وتعالى ..

والحق يريد أن يلفتنا إلي أن محمدا عليه الصلاة والسلام لا يقرأ القرآن لأنه تعلم القراءة، ولكنه يقرأه بسم الله، ومادام بسم الله .. فلا يهم أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم تعلم من بشر أو لم يتعلم. لأن الذي علمه هو الله .. وعلمه فوق مستوى البشرية كلها.

على أننا نبدأ أيضا تلاوة القرآن بسم الله .. لأن الله تبارك وتعالى هو الذي أنزله لنا .. ويسر لنا أن نعرفه ونتلوه .. فالأمر لله علما وقدرة ومعرفة .. واقرأ قول الحق سبحانه وتعالى



قُل لَّوْ شَاء اللّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُم بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ(16)

سورة يونس



لذلك أنت تقرأ القرآن بسم الله .. لأنه جل جلاله هو الذي يسره لك كلاما وتنزيلا وقراءة .. ولكن هل نحن مطالبون أن نبدأ فقط تلاوة القرآن بسم الله؟ إننا مطالبون أن نبدأ كل عمل بسم الله .. لأننا لابد أن نحترم عطاء الله في كونه. فحين نزرع الأرض مثلا .. لابد أن نبدأ بسم الله .. لأننا لم نخلق الأرض التي نحرثها .. ولا خلقنا البذرة التي نبذرها. ولا أنزلنا الماء من السماء لينمو الزرع

أن الفلاح الذي يمسك الفأس ويرمي البذرة قد يكون أجهل الناس بعناصر الأرض ومحتويات البذرة وما يفعله الماء في التربة لينمو الزرع .. إن كل ما يفعله الإنسان هو أنه يعمل فكره المخلوق من الله في المادة المخلوقة من الله .. بالطاقة التي أوجدها الله في أجسادنا ليتم الزرع. والإنسان لا قدرة له على إرغام الأرض لتعطيه الثمار .. ولا قدرة له على خلق الحبة لتنمو وتصبح شجرة. ولا سلطان له على إنزال الماء من السماء .. فكأنه حين يبدأ العمل بسم الله، يبدؤه بسم الله الذي سخر له الأرض .. وسخر له الحب، وسخر له الماء، وكلها لا قدرة له عليها .. ولا تدخل في طاقته ولا في استطاعته .. فكأنه يعلن أنه يدخل على هذه الأشياء جميعا بسم من سخرها له ..

والله تبارك وتعالى سخر لنا الكون جميعا وأعطانا الدليل على ذلك. فلا تعتقد أن لك قدرة أو ذاتية في هذا الكون .. ولا تعتقد أن الأسباب والقوانين في الكون لها ذاتية. بل هي تعمل بقدرة خالقها. الذي إن شاء أجراها وإن شاء أوقفها.

الجمل الضخم والفيل الهائل المستأنس قد يقودهما طفل صغير فيطيعانه. ولكن الحية صغيرة الحجم لا يقوى أي إنسان على أن يستأنسها. ولو كنا نفعل ذلك بقدراتنا .. لكان استئناس الحية أو الثعبان سهلا لصغر حجمها .. ولكن الله سبحانه وتعالى أراد أن يجعلها مثلا لنعلم أنه بقدراته هو قد أخضع لنا ما شاء، ولم يخضع لنا ما شاء. ولذلك يقول الحق تبارك وتعالى:

أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ(71) وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ

وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ(72)

سورة يس



وهكذا نعرف أن خضوع هذه الأنعام لنا هو بتسخير الله لها وليس بقدرتنا.

يأتي الله سبحانه وتعالى إلي أرض ينزل عليها المطر بغزارة. والعلماء يقولون إن هذا يحدث بقوانين الكون. فيلفتنا الله تبارك وتعالى إلي خطأ هذا الكلام. بأن تأتي مواسم جفاف لا تسقط فيها حبة مطر واحدة لنعلم أن المطر لا يسقط بقوانين الكون ولكن بإرادة خالق الكون .. فإذا كانت القوانين وحدها تعمل فمن الذي عطلها؟ ولكن إرادة الخالق فوق القوانين أن شاءت جعلتها تعمل وإن شاءت جعلتها لا تعمل .. إذن فكل شيء في الكون بسم الله .. هو الذي سخر وأعطى .. وهو الذي يمنح ويمنع. حتى في الأمور التي للإنسان فيها نوع من الاختيار .. واقرأ قول الحق تبارك وتعالى:



لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ(49)

أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ(50)

سورة الشورى





والأصل في الذرية أنها تأتي من اجتماع الذكر والأنثى .. هذا هو القانون .. ولكن القوانين لا تعمل إلا بأمر الله .. لذلك يتزوج الرجل والمرأة ولا تأتي الذرية لأنه ليس القانون هو الذي يخلق .. ولكنها إرادة خالق القانون .. إن شاء جعله يعمل .. وإن شاء يبطل عمله .. والله سبحانه وتعالى لا تحكمه القوانين ولكنه هو الذي يحكمها.

وكما أن الله سبحانه وتعالى قادر على أن يجعل القوانين تفعل أو لا تفعل .. فهو قادر على أن يخرق القوانين .. خذ مثلا قصة زكريا عليه السلام .. كان يكفل مريم ويأتيها بكل ما تحتاجه .. ودخل عليها ليجد عندها ما لم يحضره لها .. وسألها وهي القديسة العابدة الملازمة لمحرابها



قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَـذَا(37)

سورة آل عمران



الحق سبحانه وتعالى يعطينا هذه الصورة .. مع أن مريم بسلوكها وعبادتها وتقواها فوق كل الشبهات .. ولكن لنعرف أن الذي يفسد الكون .. هو عدم السؤال عن مصدر الأشياء التي تتناسب مع قدرات من يحصل عليها.. الأم ترى الأب ينفق ما لا يتناسب مع مرتبه .. وترى الابنة ترتدي ما هو اكبر كثيرا من مرتبها أو مصروفها .. ولو سألت الأم أو الابنة من أين لك هذا؟ لما فسد المجتمع .. ولكن الفساد يأتي من أننا نغمض أعيننا عن المال الحرام. بماذا ردت مريم عليها السلام؟ قالت "قَالَتْ كما اخبرنا الله سبحانه وتعالى

هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ(37)

سورة آل عمران


إذن فطلاقة قدرة الله لا يحكمها قانون .. لقد لفتت مريم زكريا عليهما السلام إلي طلاقة القدرة .. فدعا زكريا ربه في قضية لا تنفع فيها إلا طلاقة القدرة .. فهو رجل عجوز وامرأته عجوز وعاقر ويريد ولدا .. هذه قضية ضد قوانين الكون .. لأن الإنجاب لا يتم إلا وقت الشباب، فإذا كبر الرجل وكبرت المرأة لا ينجبان .. فما بالك إذا كانت الزوجة أساسا عاقرا .. لم تنجب وهي شابة وزوجها شاب .. فكيف تنجب وهي عجوز وزوجها عجوز .. هذه مسألة ضد القوانين التي تحكم البشر .. ولكن الله وحده القادر على أن يأتي بالقانون وضده .. ولذلك شاء أن يرزق زكريا بالولد وكان .. ورزق زكريا بابنه يحيى.
إذن كل شيء في هذا الكون باسم الله .. يتم باسم الله وبإذن من الله .. الكون تحكمه الأسباب نعم ولكن إرادة الله فوق كل الأسباب.


**** يتبع بعون الرحمن ****

عاشق لبنان
16-03-2008, 03:57 AM
جزاك الله ألف خير وجعله في ميزان حسناتك

عمر باعقيل
17-03-2008, 10:21 AM
عاشق
لبنان
وجزاك المولى كل خير على تواجدك هنا