صخب الثورات
06-10-2002, 10:59 AM
((ليس السخاء بأن تعطيني ما انا في حاجة اليه اكثر منك , بل السخاء بأن تعطيني ما تحتاج اليه اكثر مني))
جبران خليل جبران
______________________________ ____________
الصراخ وحده كان الفيصل بين ان يفرض احدهم وجهة نظره...كانت كلماتهم تأتي هادرة..قوية..وتردد صداها جدران الصالة التي ينعكس عليها ضوء المدفأة التي نحن الصغار نكون متجمعين حولها على طاولة صغيرة واطئة تستخدم للطعام عادة ام هم فقد كانت طاولتهم اكثر ارتفاعا...لم نكن نفقه من كلامهم شيئا نحن الصغار بأعوامنا الطرية السبعة او الستة..واللذين اغلب همنا كان كيف نكتب الواجب المتمثل بـ(قدري قاد بقرنا) ...كان حرف القاف من اشد الحروف كراهية لي...لم اكن اعرف لم اعترضت على وجود النقطتين فوق ال (ق) وهكذا نشبت بيني وبين هذا الحرف كراهية لا محدودة..ويالبؤسي حين اكتشفت ان هذا الحرف بالذات يختم اسم وطني..!
كانت الفاظهم غامضة..ويزيدها غموضا عواء الريح الباردة في الشتاء الصحراوي القارس ..والدي منشغل بمسبحته..والدتي تفترش الارض عند قدميه...كل واحد منهم كان يتحدث بلغة لم اكن افهما وحين كنت احاول فك طلاسمها يغلبني النعاس...ورقبتي تجاههم ورأسي على طاولة الكتابة/الاكل...عادة ما تقوم اختي الكبرى بأعادتي الى سريري كلما تكرر هذا المشهد ..وما اكثر ما تكرر..!
في سريري يعاودني بعض الوعي المخلوط بالنعاس وبرودة الفراش...وفي اذني كلمات متراصة مبعثرة...احاول الان ان ارسم لها رابط ولو وهمي..فأفشل..قدري...قومي...بعث ي..قاد...شيوعي..بقرنا..الطريق الى الحرية..تحرري..اسلامي..الله وحده..لا شريك له..للحرية الحمراء باب ....
واصحو فجأة عند الصباح فأجد ان اكثر الكلمات التصاقا بذاكرتي (قدري قاد بقرنا) (دعوة للكلمة التحريرية لا الشفوية!!)
واحمد الله مبتسمة ان عاصفة الكلمات الليلية التي اخترقت اذني لم تؤثر على الواجب الذي ستسألني اياه المعلمة
قررت اليوم ان اسأل المعلمة..عن معنى (قومي) لانني لم اعد اذكر باقي اشلاء العاصفة الكلامية..
- "..ست ما معنى قومي ؟"
نظرت الي شزرا ..
- من اين اتيت بهذه الكلمة يا شيطانة؟
- سمعتها
للتو ظننتها شتيمة...لكن مهلا..لو كانت شتيمة ..فكيف يتلفظون بها اما الوالد..لا ..لا ...ليست شتيمة..بالتأكيد
- لا شأن لك بها ...هذا كلام كبار
ردت علي بشدة اخافتني
قلت..لابد انها لا تعرف معناها ...لكن كيف؟ هي المعلمة..ألم تفسر لنا معنى..قدري..ومعنى..قاد..ومعنى. .بقرنا..اذن لا بد ان تعرف معنى (قومي) ..منذ تلك اللحظة..ابتدأت عندي حالة ان اسأل نفسي السؤال مائة مرة قبل ان اطرحه للغير...عل وعسى اعرفه...نرجسية مبكرة اصابتني..
فكرت ..قلت لنرى كيف تكتب كلمة (قومي)...اوه ياربي اعرف كتابة هذه ال(ق) اللعينة...وال (و) اعرفها من درس (دار ..دور)...وال(ي) اعرفها من دري (ينبوع)...لكن ما افعل بهذه ال(م) ..ما أسمهما؟..علي ان انتظر حتى يحين درس ال (م) ..
ولكي ابعث في نفسي شيء من الاطمئنان واردع عجلتي ...اخذت اقلب صفحات كتاب القراءة لاحسب كم تبقى لنصل درس ال(م) هذه...واطمئننت...ويبدو انني سأحب ال(م) هذه...لان الدرس خاصتها..مليئا بصور المطر واطفال يلعبون الماء..وهكذا اصبح كل همي ودقائق يومي ...متى يأتي درس ال (م) ..اعتبرت بعقلي الغض وطفولتي الطرية..ان مجرد تعلمي لمتابتها..سأصل الى فحواها بشكل او بآخر
انتهى درس ال(ق) القميء,,ومن ثم تلاه درس ال(ك) الذي كان طويلا جدا بدقائقه..وجاء درس ال(ل) لينتهي..(اعتبار ان قراءة الصف الاول تدرس الاحرف الهجائية بالتسلسل)...وعندما جاء درس ال(م) حاربني القدر...ويمكن كانت هذه اولى معاركه ضدي..وبدء حديتي في التعامل مع الاشياء من حولي..حيث اصبت بالحصبة..التي لا تسمح لي الحمى الناجمة عنها بالذهاب الى المدرسة او الاختلاط ببقية الاطفال الا بعد مرور سبعة ايام كاملة داخل المنزل...وكنت ابكي..وابكي..وامي تعتبر بكاءي ضربا من الدلال..من الحمى...
-لم تبكين؟
-كلهم اصابتهم الحصبة وتعافوا...
-مابالك؟
-اعرف انك ضعيفة لكن الاسبوع المقبل مثل هذا اليوم ستكونين بخير..
البستني كل ماتملك من ذهب على قلته..والثوب الاحمر ..ووضعت على يمين الفراش آنية مليئة بالعدس وعلى اليسار..صحن مملوء بالبيض المسلوق..طقوس للحصبة وصقوس للشفاء ..رغم انها لا تغير شيئا فالحمى على اشدها ونحن لا نشفى..
كنت ابكي فوات درس ال (م) هذا الذي كنت اعد له الايام وكدت احتفل بقدومه..ترى لو قلت ذلك لامي..لاعتبرته هذيان الحصبة وحماها..كان كتاب القراءة تحت وسادتي..احاول متهالكة بيدي الصغيرة ان اسحبه.. لارى مالذي فاتني غير حرف ال(م)..آه انها ال(ن) ..رميت بالقراءة جانبا من حنقي...ومسحت دمعة ونمت..وحينها قررت ان لا ابحث عن حرف ال(م) ..سوف استمع الى اشقائي الليلة..واتعلم كلمة غير (قومي) (النحيسة!!) علني استطيع ان الحق بركب احرف القراءة المتبقيات...لكن الطامة الكبرى كانت حين سمعت كلمة(شيوعي)...امم..فكرت هذه ال(ش) اخذناها في درس سابق..اعرفها..وال(ي) اعرفها..كذلك ال(و) وال(ع) ايضا..حلت العقدة انشاء الله..اكيد سأفهم معنى (شيوعي).. لكن مهلا...لماذا اخي الكبير الذي يرددها دائما..يرتدي قميصا احمر؟ هل هو الاخر مصاب بالحصبة؟ لابد ان يكون كذلك
لكنه معافى..لم ينم في الفراش..طيب لماذا يلبس دوما قميصا احمر؟..صار عقلي عبارة عن متاهات حلزونية ومتداخلة ببعضها
الحصبة...اللون الاحمر...شيوعي..
مالرابط...؟
لاسأله...لا لن اسأله..بل سأسأله..
فعلا..جاءني في الصباح...ووجدته يضع قبلة حانية على جبيني..ووجهه غطاني بشعره الكثيف وشارباه الطويلان وقميصه الاحمر ذاته...وهذا الصباح لم تقفز الى ذاكرتي (قدري قاد بقرنا) بل تدللت في رحاب الذاكرة..كلمة(شيوعي)..فتحت عيناي..ابتسمت له..قلت ..
-هل انت (محصب؟!)...
ضحك..قال...
-لم ياحبيبتي؟ لا لست كذلك...رددت بطفولة...وعفوية...قلت
-لماذا قميصك احمر...دائما..؟
وجاءني الرد هادرا من الصالة التي كان الجميع يتناولون فيها فطورهم...((لانه شيوعي))..
اها...الم اقل لكم ان هناك علاقة ما بين اللون الاحمر والحصبة والشيوعي؟؟؟!!
اصررت على الذهاب الى الدوام في اليوم الرابع دون انتظار لدورة المرض ان تنتهي..واصرت امي على عدم ارتداء الزي المدرس الابيض والازرق..بل البستني الثوب الاحمر..وملأت لي صحنا بالعدس ..وثلاثة بيضات مسلوقات..شددت على جارتنا ان تحرص ان لا اكل غيرهن....
جلست في قاعة الدرس والحبوب الحمراء ما تزال تملأ وجهي والحرارة تكاد تغيب روحي وتسلخها عن جسدي ودموع حارة لا ادري لم فقدت السيطرة عليها فجأة تتساقط كالشلالات ..اردت حضن امي..تلك اللحظة...وفراشي..لكن هيهات المدرسة بعيدة..والرجوع مشيا يستغرق ساعة..قررت ان اصمد
اقتربت مني المعلمة لتطمئن ان كنت بخير..مسحت على رأسي بيدها وداعبت خصلات شعري..هي نفس المعلمة التي سألتها عن معنى (قومي) ولم تجبني بل نهرتني..اقتربت..سألتني بأبتسامة...
-لماذا ترتدين ثوبا احمر. انه ممنوع؟
رددت عليها بصوت اردت لكل الفتيان والفتيات في الصقف ان يسمعوه ويعرفوا انني لم يفتني شيء وانني بت اعرف اكثر منهم...ومنها هي بالذات!!!
-لانني مصابة بالشيوعي
ضحكت وضحكت وضحكت حتى خيل لي انها سيغمى عليها...من الضحك..وانبهرت وجوه الصغار من حولي امام ردي انا و ضحكها هي...
قالت..
-من اين تأتين بهذا الكلام الكبير..؟
واكتشفت حين كبرت ان معلمتي هذه كانت شيوعية...وفصلت من المدرسة بعد عامين..واغتصبها المحققين...وانزوت في زاوية من زوايا الحياة المظلمة...
معلمتي هذه تقززت من معنى(قومي) عندما سألتها..لانها كانت شيوعية...معلمتي هذه صار بيني وبينها ود لا منتهي جعلني ابحث عنها بشدة في يومي نيلي شهادة الماجستير..الذي ارتديت فيه فستانا احمر...وا قتربت منها ..قائلة :
انا الان مصابة بالثورية
فضحكت هي وضحكت انا
مودتي
رجاء جمعة سلمان
جبران خليل جبران
______________________________ ____________
الصراخ وحده كان الفيصل بين ان يفرض احدهم وجهة نظره...كانت كلماتهم تأتي هادرة..قوية..وتردد صداها جدران الصالة التي ينعكس عليها ضوء المدفأة التي نحن الصغار نكون متجمعين حولها على طاولة صغيرة واطئة تستخدم للطعام عادة ام هم فقد كانت طاولتهم اكثر ارتفاعا...لم نكن نفقه من كلامهم شيئا نحن الصغار بأعوامنا الطرية السبعة او الستة..واللذين اغلب همنا كان كيف نكتب الواجب المتمثل بـ(قدري قاد بقرنا) ...كان حرف القاف من اشد الحروف كراهية لي...لم اكن اعرف لم اعترضت على وجود النقطتين فوق ال (ق) وهكذا نشبت بيني وبين هذا الحرف كراهية لا محدودة..ويالبؤسي حين اكتشفت ان هذا الحرف بالذات يختم اسم وطني..!
كانت الفاظهم غامضة..ويزيدها غموضا عواء الريح الباردة في الشتاء الصحراوي القارس ..والدي منشغل بمسبحته..والدتي تفترش الارض عند قدميه...كل واحد منهم كان يتحدث بلغة لم اكن افهما وحين كنت احاول فك طلاسمها يغلبني النعاس...ورقبتي تجاههم ورأسي على طاولة الكتابة/الاكل...عادة ما تقوم اختي الكبرى بأعادتي الى سريري كلما تكرر هذا المشهد ..وما اكثر ما تكرر..!
في سريري يعاودني بعض الوعي المخلوط بالنعاس وبرودة الفراش...وفي اذني كلمات متراصة مبعثرة...احاول الان ان ارسم لها رابط ولو وهمي..فأفشل..قدري...قومي...بعث ي..قاد...شيوعي..بقرنا..الطريق الى الحرية..تحرري..اسلامي..الله وحده..لا شريك له..للحرية الحمراء باب ....
واصحو فجأة عند الصباح فأجد ان اكثر الكلمات التصاقا بذاكرتي (قدري قاد بقرنا) (دعوة للكلمة التحريرية لا الشفوية!!)
واحمد الله مبتسمة ان عاصفة الكلمات الليلية التي اخترقت اذني لم تؤثر على الواجب الذي ستسألني اياه المعلمة
قررت اليوم ان اسأل المعلمة..عن معنى (قومي) لانني لم اعد اذكر باقي اشلاء العاصفة الكلامية..
- "..ست ما معنى قومي ؟"
نظرت الي شزرا ..
- من اين اتيت بهذه الكلمة يا شيطانة؟
- سمعتها
للتو ظننتها شتيمة...لكن مهلا..لو كانت شتيمة ..فكيف يتلفظون بها اما الوالد..لا ..لا ...ليست شتيمة..بالتأكيد
- لا شأن لك بها ...هذا كلام كبار
ردت علي بشدة اخافتني
قلت..لابد انها لا تعرف معناها ...لكن كيف؟ هي المعلمة..ألم تفسر لنا معنى..قدري..ومعنى..قاد..ومعنى. .بقرنا..اذن لا بد ان تعرف معنى (قومي) ..منذ تلك اللحظة..ابتدأت عندي حالة ان اسأل نفسي السؤال مائة مرة قبل ان اطرحه للغير...عل وعسى اعرفه...نرجسية مبكرة اصابتني..
فكرت ..قلت لنرى كيف تكتب كلمة (قومي)...اوه ياربي اعرف كتابة هذه ال(ق) اللعينة...وال (و) اعرفها من درس (دار ..دور)...وال(ي) اعرفها من دري (ينبوع)...لكن ما افعل بهذه ال(م) ..ما أسمهما؟..علي ان انتظر حتى يحين درس ال (م) ..
ولكي ابعث في نفسي شيء من الاطمئنان واردع عجلتي ...اخذت اقلب صفحات كتاب القراءة لاحسب كم تبقى لنصل درس ال(م) هذه...واطمئننت...ويبدو انني سأحب ال(م) هذه...لان الدرس خاصتها..مليئا بصور المطر واطفال يلعبون الماء..وهكذا اصبح كل همي ودقائق يومي ...متى يأتي درس ال (م) ..اعتبرت بعقلي الغض وطفولتي الطرية..ان مجرد تعلمي لمتابتها..سأصل الى فحواها بشكل او بآخر
انتهى درس ال(ق) القميء,,ومن ثم تلاه درس ال(ك) الذي كان طويلا جدا بدقائقه..وجاء درس ال(ل) لينتهي..(اعتبار ان قراءة الصف الاول تدرس الاحرف الهجائية بالتسلسل)...وعندما جاء درس ال(م) حاربني القدر...ويمكن كانت هذه اولى معاركه ضدي..وبدء حديتي في التعامل مع الاشياء من حولي..حيث اصبت بالحصبة..التي لا تسمح لي الحمى الناجمة عنها بالذهاب الى المدرسة او الاختلاط ببقية الاطفال الا بعد مرور سبعة ايام كاملة داخل المنزل...وكنت ابكي..وابكي..وامي تعتبر بكاءي ضربا من الدلال..من الحمى...
-لم تبكين؟
-كلهم اصابتهم الحصبة وتعافوا...
-مابالك؟
-اعرف انك ضعيفة لكن الاسبوع المقبل مثل هذا اليوم ستكونين بخير..
البستني كل ماتملك من ذهب على قلته..والثوب الاحمر ..ووضعت على يمين الفراش آنية مليئة بالعدس وعلى اليسار..صحن مملوء بالبيض المسلوق..طقوس للحصبة وصقوس للشفاء ..رغم انها لا تغير شيئا فالحمى على اشدها ونحن لا نشفى..
كنت ابكي فوات درس ال (م) هذا الذي كنت اعد له الايام وكدت احتفل بقدومه..ترى لو قلت ذلك لامي..لاعتبرته هذيان الحصبة وحماها..كان كتاب القراءة تحت وسادتي..احاول متهالكة بيدي الصغيرة ان اسحبه.. لارى مالذي فاتني غير حرف ال(م)..آه انها ال(ن) ..رميت بالقراءة جانبا من حنقي...ومسحت دمعة ونمت..وحينها قررت ان لا ابحث عن حرف ال(م) ..سوف استمع الى اشقائي الليلة..واتعلم كلمة غير (قومي) (النحيسة!!) علني استطيع ان الحق بركب احرف القراءة المتبقيات...لكن الطامة الكبرى كانت حين سمعت كلمة(شيوعي)...امم..فكرت هذه ال(ش) اخذناها في درس سابق..اعرفها..وال(ي) اعرفها..كذلك ال(و) وال(ع) ايضا..حلت العقدة انشاء الله..اكيد سأفهم معنى (شيوعي).. لكن مهلا...لماذا اخي الكبير الذي يرددها دائما..يرتدي قميصا احمر؟ هل هو الاخر مصاب بالحصبة؟ لابد ان يكون كذلك
لكنه معافى..لم ينم في الفراش..طيب لماذا يلبس دوما قميصا احمر؟..صار عقلي عبارة عن متاهات حلزونية ومتداخلة ببعضها
الحصبة...اللون الاحمر...شيوعي..
مالرابط...؟
لاسأله...لا لن اسأله..بل سأسأله..
فعلا..جاءني في الصباح...ووجدته يضع قبلة حانية على جبيني..ووجهه غطاني بشعره الكثيف وشارباه الطويلان وقميصه الاحمر ذاته...وهذا الصباح لم تقفز الى ذاكرتي (قدري قاد بقرنا) بل تدللت في رحاب الذاكرة..كلمة(شيوعي)..فتحت عيناي..ابتسمت له..قلت ..
-هل انت (محصب؟!)...
ضحك..قال...
-لم ياحبيبتي؟ لا لست كذلك...رددت بطفولة...وعفوية...قلت
-لماذا قميصك احمر...دائما..؟
وجاءني الرد هادرا من الصالة التي كان الجميع يتناولون فيها فطورهم...((لانه شيوعي))..
اها...الم اقل لكم ان هناك علاقة ما بين اللون الاحمر والحصبة والشيوعي؟؟؟!!
اصررت على الذهاب الى الدوام في اليوم الرابع دون انتظار لدورة المرض ان تنتهي..واصرت امي على عدم ارتداء الزي المدرس الابيض والازرق..بل البستني الثوب الاحمر..وملأت لي صحنا بالعدس ..وثلاثة بيضات مسلوقات..شددت على جارتنا ان تحرص ان لا اكل غيرهن....
جلست في قاعة الدرس والحبوب الحمراء ما تزال تملأ وجهي والحرارة تكاد تغيب روحي وتسلخها عن جسدي ودموع حارة لا ادري لم فقدت السيطرة عليها فجأة تتساقط كالشلالات ..اردت حضن امي..تلك اللحظة...وفراشي..لكن هيهات المدرسة بعيدة..والرجوع مشيا يستغرق ساعة..قررت ان اصمد
اقتربت مني المعلمة لتطمئن ان كنت بخير..مسحت على رأسي بيدها وداعبت خصلات شعري..هي نفس المعلمة التي سألتها عن معنى (قومي) ولم تجبني بل نهرتني..اقتربت..سألتني بأبتسامة...
-لماذا ترتدين ثوبا احمر. انه ممنوع؟
رددت عليها بصوت اردت لكل الفتيان والفتيات في الصقف ان يسمعوه ويعرفوا انني لم يفتني شيء وانني بت اعرف اكثر منهم...ومنها هي بالذات!!!
-لانني مصابة بالشيوعي
ضحكت وضحكت وضحكت حتى خيل لي انها سيغمى عليها...من الضحك..وانبهرت وجوه الصغار من حولي امام ردي انا و ضحكها هي...
قالت..
-من اين تأتين بهذا الكلام الكبير..؟
واكتشفت حين كبرت ان معلمتي هذه كانت شيوعية...وفصلت من المدرسة بعد عامين..واغتصبها المحققين...وانزوت في زاوية من زوايا الحياة المظلمة...
معلمتي هذه تقززت من معنى(قومي) عندما سألتها..لانها كانت شيوعية...معلمتي هذه صار بيني وبينها ود لا منتهي جعلني ابحث عنها بشدة في يومي نيلي شهادة الماجستير..الذي ارتديت فيه فستانا احمر...وا قتربت منها ..قائلة :
انا الان مصابة بالثورية
فضحكت هي وضحكت انا
مودتي
رجاء جمعة سلمان