المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : السنة تجمع المسلمين والبدع والأهواء تفرقهم



أبو مصعب السكندرى
04-11-2007, 10:27 PM
السنة تجمع المسلمين والبدع والأهواء تفرقهم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
السنة والاستقامة تعني الجماعة والعزة والتمكين، وعكسها البدعة والإعراض عن شرع الله الذي يعني بالضرورة (بالنسبة للمسلمين): الفرقة والذلة والهزيمة (والنكسات والنكبات).
وأهل الأهواء والمنافقون - قديمًا وحديثًا- عكسوا القاعدة - كعادتهم-، فزعموا أن التزام السنة ومحاربة البدع، والإنكار على أهل البدع والأهواء؛ سببٌ رئيس (في النكسات التي أصابت الأمة)، وهذا من التلبيس والجهل فإن العكس هو الصحيح، فإن المتأمل لأحوال المسلمين قديمًا وحديثًا يجد أن من أعظم سمات أهل الأهواء والبدع والافتراق شؤمهم على المسلمين في كل زمان ومكان.
ويكفيك أن تنتقل بذهنك إلى أحداث التاريخ المشهورة، والتي ألحقت بالمسلمين الذلة والفرقة والتشتت تجدها من أهل الأهواء، وأمثلة ذلك:
أول فتنة فرقت الأمة فتنة السبئية، وقد أدت إلى قتل خليفة المسلمين الراشد عثمان - رضي الله عنه - ثم تمخضت عن افتراق الخوارج والشيعة، عن جماعة المسلمين وإمامهم.
ولما ظهرت القدرية والمعتزلة والجهمية أفسدت عقائد طوائف من الأمة، وأوقعتها في الأهواء والفرقة والخصومات والمراء في الدين والفتنة في العقائد.
ولما تمكنت المعتزلة في الدولة ألزمت الأمة بالقول بالكفر (خَلْق القرآن)، وامتحنت العلماء وعرضتهم للسيف والسجن والإهانة، والقول بخلاف الحق.
ولما تمكنت دويلات الرافضة والباطنية كالبويهية والعبيدية والقرامطة، قمعت السنة وأهل الحديث وأظهرت البدع والإلحاد والزندقة والكفر وتسلط أوباش الباطنية على رقاب المسلمين، واعتدوا على المقدسات وقتلوا الحُجاج وأخذوا الحجر الأسود، وعاثوا في الأرض فسادًا، وأباحوا المحرمات، ومكَّنوا للنصارى من دخول ديار المسلمين.
ولما تمكن بعض الرافضة من الوزارة في آخر عهد الدولة العباسية والدويلات التي تلتها خانوا الأمانة وأدخلوا التتار والنصارى ديار المسلمين ومكنوهم فيها.
ولما تمكنت الطرق الصوفية وأهل البدع من الدولة العثمانية في آخر عهدها ضعفت الأمة وذلت وعلقت أقدارها بغير الله، وتعلقت بالأضرحة والبدع والغلو في الشيوخ وتقليدهم بلا بصيرة، فأصابها الذل والتشتت وسلط الله عليها الأعداء فمزقوها وفرقوا شملها.
ولا تزال الفرقة والطرق الصوفية ببدعها ومحدثاتها من أعظم أسباب وهن الأمة وانحطاطها، ناهيك عن هيمنة الرافضة والباطنية وأهل الأهواء والبدع والعلمنة والإلحاد والإعراض عن دين الله وشرعه.
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية بعض الآثار السلبية من جراء تأثير أهل الأهواء وتمكينهم، من ذلك:
شؤم الجعد بن درهم على دولة بني أمية ومروان بن محمد، قال: «وقد قيل: إن أول من عرف أنه أظهر في الإسلام التعطيل الذي تضمنه قول فرعون، هو الجعد بن درهم فضحى به خالد بن عبد الله القسري، وقال: أيها الناس، ضحوا تقبل الله ضحاياكم، إني مضحٍ بالجعد بن درهم، إنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً، ولم يكلم موسى تكليمًا، تعالى الله عما يقول الجعد علوًا كبيرًا، ثم نزل فذبحه، وشكر له علماء المسلمين ما فعله، كالحسن البصري وغيره.
وهذا الجعد إليه ينسب مروان بن محمد الجعدي آخر خلفاء بني أمية، وكان شؤمه عاد عليه حتى زالت الدولة، فإنه إذا ظهرت البدع التي تخالف دين الرسل انتقم الله ممن خالف الرسل، وانتصر لهم». [الفتاوى 13/177].
وعن أثر الباطنية في إظهار الزندقة والرفض والإلحاد وشيوع البدع والطرق.
قال: «ولهذا لما ظهرت الملاحدة الباطنية وملكوا الشام وغيرها ظهر فيها النفاق والزندقة الذي هو باطن أمرهم وهو حقيقة قول فرعون «إنكار الصانع وإنكار عبادته» وخيار ما كانوا يتظاهرون به الرفض، فكان خيارهم وأقربهم إلى الإسلام الرافضة، وظهر بسببهم الرفض والإلحاد، حتى كان من كان ينزل الشام مثل بني حمدان الغالية ونحوهم متشيعين ؛ وكذلك من كان من بني بويه في المشرق». [الفتاوى 13/177].

أثر ابن سينا وأهل بيته (الباطنية الإسماعيلية) وشؤمهم على الدولة العباسية

قال: «وكان ابن سينا وأهل بيته من أهل دعوتهم قال: وبسبب ذلك اشتغلت في الفلسفة، وكان مبدأ ظهورهم من حين تولى المقتدر، ولم يكن بلغ بعد، وهو مبدأ انحلال الدولة العباسية ؛ ولهذا سمي حينئذ بأمير المؤمنين الأموي الذي كان بالأندلس، وكان قبل ذلك لا يسمى بهذا الاسم، ويقول: لا يكون للمسلمين خليفتان، فلما ولي المقتدر قال: هذا صبي لا تصح ولايته فسمي بهذا الاسم». [الفتاوى 13/177].
قال: «وكان بنو عبيد الله القداح الملاحدة يسمون بهذا الاسم، ولكن هؤلاء كانوا في الباطن ملاحدة زنادقة منافقين، وكان نسبهم باطلاً كدينهم؛ بخلاف الأموي والعباسي، فإن كليهما نسبه صحيح، وهم مسلمون كأمثالهم من خلفاء المسلمين».
[الفتاوى 13/178].
ولما ظهرت البدع والنفاق والفجور سلط الله على المسلمين أعداءهم:
قال: «فلما ظهر النفاق والبدع والفجور المخالف لدين الرسول صلى الله عليه وسلم سلطت عليهم الأعداء، فخرجت الروم والنصارى إلى الشام والجزيرة مرة بعد مرة، وأخذوا الثغور الشامية شيئًا بعد شيء، إلى أن أخذوا بيت المقدس في أواخر المائة الرابعة، وبعد هذا بمدة حاصروا دمشق، وكان أهل الشام بأسوأ حال بين الكفار والنصارى والمنافقين الملاحدة ؛ إلى أن تولى نور الدين الشهيد، وقام بما قام به من أمر الإسلام وإظهاره والجهاد لأعدائه، ثم استنجد به ملوك مصر بنو عبيد على النصارى فأنجدهم، وجرت فصول كثيرة إلى أن أخذت مصر من بني عبيد أخذها صلاح الدين يوسف بن سادي وخطب بها لبني العباس، فمن حينئذ ظهر الإسلام بمصر بعد أن مكثت بأيدي المنافقين المرتدين عن دين الإسلام مائة سنة». [الفتاوى 13/178].
قال: «فكان الإيمان بالرسول والجهاد عن دينه سببًا لخيري الدنيا والآخرة، وبالعكس البدع والإلحاد ومخالفة ما جاء به سبب لشر الدنيا والآخرة». [الفتاوى 13/179].
وقال: «فلما ظهر في الشام ومصر والجزيرة الإلحاد والبدع، سلط عليهم الكفار، ولما أقاموا ما أقاموه من الإسلام وقهر الملحدين والمبتدعين نصرهم الله على الكفار، تحقيقًا لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّـهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ [الصف: 10- 13].
وكذلك لما كان أهل المشرق قائمين بالإسلام مظهرين للسنة كانوا منصورين على الكفار المشركين من الترك والهند والصين وغيرهم، فلما ظهر منهم ما ظهر من البدع والأهواء والفرقة والإلحاد والفجور، سلط عليهم الكفار، قال تعالى: وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاَهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولاً (5) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6) إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7) عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا [الإسراء: 4- 8].
هكذا نجد أن ظهور البدع والزندقة والإلحاد على أيدي أهل البدع والأهواء والفرق كان سببًا لدخول التتار بلاد المسلمين:
قال شيخ الإسلام: «وكان من أسباب دخول هؤلاء ديار المسلمين ظهور الإلحاد والنفاق والبدع، حتى إنه صنف الرازي كتابًا في عبادة الكواكب والأصنام وعمل السحر، سماه (السر المكتوم في السحر ومخاطبة النجوم)، ويقال: إنه صنفه لأم السلطان علاء الدين محمد بن لكش بن جلال الدين خوارزم شاه، وكان من أعظم ملوك الأرض، وكان للرازي به اتصال قوي، حتى أنه وصى إليه على أولاده، وصنف له كتابًا سماه: الرسالة العلائية في الاختيارات السماوية». [الفتاوى 13/180].
ثم ذكر شيخ الإسلام أثر الجهمية والمعتزلة في فتنة القول بخلق القرآن وامتحان العلماء:
قال: «ثم لما ولي الخلافة (يعني المأمون) اجتمع بكثير من هؤلاء - يعني الجهمية والمعتزلة-... ودعا إلى قولهم في آخر عمره، وكتب - وهو بالثغر بطرطوس التي ببلد سيس - إلى نائبه ببغداد إسحاق بن إبراهيم بن مصعب كتابًا يدعو الناس فيه إلى أن يقولوا: القرآن مخلوق، فلم يجبه أحد، ثم كتب كتابًا ثانيًا يأمر فيه بتقييد من لم يجبه وإرساله إليه فأجاب أكثرهم، ثم قيدوا سبعة لم يجيبوا فأجاب منهم خمسة بعد القيد، وبقي اثنان لم يجيبا: الإمام أحمد بن حنبل ومحمد بن نوح ؛ فأرسلوهما إليه فمات قبل أن يصلا إليه، ثم أوصى إليه أخوه أبو إسحاق، وكان هذا سنة ثماني عشرة ومائتين، وبقي أحمد في الحبس إلى سنة عشرين فجرى ما جرى من المناظرة حتى قطعهم بالحجة، ثم لما خافوا الفتنة ضربوه وأطلقوه.
وظهر مذهب النفاة الجهمية وامتحنوا الناس فصار من أجابهم أعطوه وإلا منعوه العطاء وعزلوه من الولايات، ولم يقبلوا شهادته، وكانوا إذا افتكوا الأسرى يمتحنون الأسير، فإن أجابهم افتدوه وإلا لم يفتدوه.
وكتب قاضيهم أحمد بن أبي داود على ستار الكعبة: «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْحَكيم»، لم يكتب وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ.
ثم ولي الواثق واشتد الأمر إلى أن ولي المتوكل فرفع المحنة وظهرت حينئذ السنة».
[الفتاوى 13/183- 184].
قُلْتُ: لو كان شيخ الإسلام حيًا لرأى مصداق قوله في واقع المسلمين في كثير من بلاد المسلمين في الوقت الراهن تحت تأثير أهل الأهواء والبدع العلمانيين، والأقليات الباطنية، الرافضة، والصوفية، والمقابرية، والله المستعان.
بينما البلاد التي تسود فيها السنة لا تزال - بحمد الله - قوية عزيزة وشعائر الدين فيها ظاهرة، والسنة منصورة كما هو الحال في المملكة العربية السعودية، ولذلك ضاق أهلُ الأهواء ذرعًا بذلك، وبالمقابل نجد أنه كلما عاد المسلمون أو بعضهم إلى السنة أعزهم الله ومكَّنهم ورفع عنهم الذلة والهوان، كما حصل في عهد صلاح الدين حينما نصر السنة وطهر الأرض من رجس الرافضة العبيدية (الفاطمية)، وغيرهم من دويلات أهل البدع، التي فرقت المسلمين، ثم لما قامت الدولة العثمانية في أول عهدها على نصر السنة - نسبيًا - تمكنت وجمعت شمل المسلمين، إلى أن دب فيها مرض التصوف والبدع فهانت وذلت، ثم لما قامت دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب والدولة السعودية على نصر السنة وقمع البدع والمحدثات أعزها الله ومكنها، واجتمعت كلمة المسلمين في هذه البلاد عليها، وقويت السنة وأهلها، وانخذلت البدعة، وأهلها بحمد الله.
وهذا هو الحق لمن وفقه الله وهداه، وما عداه فهو الباطل الذي سيذهب جفاءً بحول الله وقوته، نسأل الله الهداية والتوفيق، ونعوذ بالله من الضلالة والخذلان وحسبنا الله ونعم الوكيل.

منقوووووووول

أبو حسام المصرى
06-11-2007, 03:03 PM
جزاكم الله خير اخي ابومصعب