المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بـاقـات مـن حـدائـق مـيّ



Petals
02-11-2007, 09:36 PM
"صحيح أنك لم تهتدي بعد إلى صورتي فهاكها: استحضري فتاة سمراء كالبن أو كالتمر هندي، كما يقول الشعراء أو كالمسك كما يقول ميتم العامرية، وضيفي إليها طابعاً سديمياً – فلسمح لي البلاغيون بهذا التعبير المتناقض – من وجد وشوق، وذهول ، وجوع فكري لا يكتفي وعطش روحي لا يرتوي ، يرافق أولك جميعاً استعداد كبير للطرب والسرور واستعداد أكبر للشجن والألم – وهذا هو الغالب دوماً – وأطلقي على هذا المجموع اسم مي تري من يساجلك الساعة قلمها".
"مي"

المــوضوع برمتــه منقول. كتب بواسطــة الجميلة أوفيليا التي تحب الآنسـة مي مثلي :)
إن القراءة لــ الآنسة مي زيادة وميـض سرمدي ينبعث في حنايا الروح مطلقــا شجونا شتى ولحونـا أبدية لن تغادركم!
لأنه، وفيما بعد، حينما تتحول كل تلك الكلمـات المكتوبة للذاكرة سيمكنكم أن ترددوا مقولتها "نحن فيكِ وأنتِ فينا"، عندها أنصتوا جيدا لصوتها يرد "أنا فيكن وأنتن فيّ""..

تمنيـاتي لكم بذكريات جميلة :)

ملحوظة: مؤلفـات مي زيادة للتحميـل في نهاية الموضوع.

Petals
02-11-2007, 09:45 PM
http://upthings.googlepages.com/bakat.JPG

باقات من حدائق مي

فاروق سعد

سيرة مي زيادة
مع مقتطفات من تراثها

منشورات زهير بعلبكي
بيروت



أتمنى أن يأتي بعد موتي
من ينصفني، ويستخرج من كتاباتي
الصغيرة المتواضعة ما فيها من
روح الإخلاص والصدق والحمية
والتحمس لكل شيء حسن وصالح
وجميل، لأنه كذلك، لا
عن رغبة في الانتفاع به..



"ميّ"
من رسالة لمي زيادة إلى الدكتور
يعقوب صرّوف في شباط 1919




ألا تصغى إلى همس خفيّ وراء الاسم ؟!

شجية ، كنار ، عائدة ، إيزيس كوبيا ، السندبادة البحرية الأولى ، مداموزيل صهباء ، خالد رأفت ، الآنسة مي .. جميعها أسماء لمسمّاة واحدة هي ماري زيادة !.

" ألا تصغي إلى همس خفي وراء الإسم والكنية عند سماعها للمرة الأولى كأن لها ذاتاً خفية وراء المعنى الظاهر" و "أي شيء في الاسم؟ تناجي جولييت حبيبها روميو في الفصل الثاني من مسرحية شكسبير "إن ما نسميه وردة سينشر عرفه ذكياً لو تسمى باسم آخر".

ولو لم تتسم ماري زيادة بتلك الأسماء، أم بواحدة منها ، لما حال ذلك دون كونها تلك الآنسة التي عظمت مكانتها في الأفئدة واستفاض ذكرها على الألسنة، لما وهبته من شاعرية فذة ، وذكاء نادر وفصاحة فريدة، ولما بلغته من غاية الفكر والفن والأدب، ولما أبدعته من تراث أمدّ الفكر الإنساني عامة والفكر العربي خاصة بعطاء رائع خالد.




صحيح أنك لم تهتدي بعد إلى صورتي؟!

"صحيح أنك لم تهتدي بعد إلى صورتي فهاكها: استحضري فتاة سمراء كالبن أو كالتمر هندي، كما يقول الشعراء أو كالمسك كما يقول ميتم العامرية، وضيفي إليها طابعاً سديمياً – فلسمح لي البلاغيون بهذا التعبير المتناقض – من وجد وشوق، وذهول ، وجوع فكري لا يكتفي وعطش روحي لا يرتوي ، يرافق أولك جميعاً استعداد كبير للطرب والسرور واستعداد أكبر للشجن والألم – وهذا هو الغالب دوماً – وأطلقي على هذا المجموع اسم مي تري من يساجلك الساعة قلمها".

تلك هي اللوحة التي رسمتها مي لصورتها في رسالة من رسائلها إلى صديقتها السيدة جوليا طعمة دمشقية فبدت صورة ذاتية دافقة بالإنطباعية في ألوان خلابة تملك المشاعر وخطوط مرهفة تستأثر بالألباب.




ولدت في بلد ، وأبي من بلد ،
وأمي من بلد ، وسكني في بلد

" ولدت في بلد ، وأبي من بلد ، وأمي من بلد ، وسكني في بلد وأشباح نفسي تنتقل من بلد إلى بلد .. فلأي هذه البلدان أنتمي وعن أي هذه البلدان أدافع".

هكذا بعبارات سلسلة تعبر مي ببساطة عن تساؤلات تطارحت في مخيلتها يوم انتقلت إلى القاهرة مع والديها سنة 1908 .. ثم تتالت الأحداث في حياتها تحمل الإجابات على هذه التساؤلات.

ولدت في بلد!.. كانت ولاة مي في بلدة الناصرة بفلسطين.
وأبي من بلد !.. وكان والد مي الياس زخور زيادة من حتول احدى قرى قضاء كسروان في جبل لبنان.
وأمي من بلد!.. وكانت نزهة معمر والدة مي فلسطينية من الجليل.
وسكني في بلد!.. ورأى الياس زيادة أن ينتقل مع أسرته إلى القاهرة لعله يحظى بمدخول أوفر من راتبه الذي يدره له التعليم في مدرسة الأرض المقدسة في الناصرة.. يمكنه ممارسة الصحافة إلى جانب التعليم.. وهكذا انتقل الياس زخور زيادة وزوجته نزهة معمر ووحيدتها مي إلى القاهرة ليمارس التدريس والصحافة ثم لينصرف إلى الصحافة في جريدة "المحروسة".





أزاهير حلم Fleurs de Reve

".. بأي اللهجات أتفاهم والناس، وبأي الروابط أرتبط؟ أأتقيد بلغة جماعتي وهي، من زعمهم ليست لي، ولم توجد لأمثالي أم أكتفي بلغة الغرباء وأنا في نظرهم متهجمة عليها".

كان لا بد لمي من طرح هذا السؤال وهي تنر مؤلفها الأول "أزاهير حلم" بلغة ليست لغة جماعتها ، هي اللغة الفرنسية..

ولكن هل كانت مي فعلاً متهجمة على لغة الغرباء؟...

لنباشر من البداية ولندع مي تتحدث عن أزاهير حلم:

" – في مشاهد لبنان الجميلة، حيث الجنائن المزدانة بمحاسن الطبيعة الضاحكة والجبال المشرفة بجلالها على البحر المنبسط عند هاتيك الأكمام الوادعة – كنت أسرح الطرف بين عشية وضحاها وأنا طفلة صغيرة بمدرسة عينطورة، فكانت توحي إلى نفسي معاني الجمال، فتفيض بها شعراً في أوقات الفراغ وأثناء الدرس التي كنت أشغل عنها بنظم الشعر وتدوينه حتى اجتمع لي منه مجموعة باللغة الفرنسية سميتها "أزاهير حلم" ونشرتها بإمضاء إيزيس كوبيا سنة 1911 بعد أن نزلت مصر مع والدي وكانت هذه المجموعة أول كتاب صدر لي في عالم التأليف".

وهكذا يصدر للآنسة اللبنانية التي كانت تعطي دروساً خصوصية باللغة الفرنسية لبنات الوجيه القاهري إدريس راغب ديوان شعر بالفرنسية تحت عنوان Fleurs de Reve لمؤلفته إيزيس كوبيا Isis Copiaa !

وتلفت هذه المجموعة الشعرية نظر كل من انطوان الجميل وخليل مطران فيخصها الأول بكلمة في جريدة المحروسة ويكتب عنها الثاني مقالاً في جريدة الأخبار.

يقول انطوان الجميل واصفاً الكتاب إنه يراه "مجموعة أزهار عطرية نبتت في رياض الأحلام الجميلة وهي مهداة إلى لامرتين شاعر القلوب الحزينة، وهذه الروح المتألمة ترف على كل صفحة من صفحاته وتجعل الكاتبة تقول في قصيدة، "هل هي شاعرة" معناها البكاء والرأفة والحب والألم.. هذه هي صفات الشاعر"

أما خليل مطران فإنه بعد مطالعته "أزاهير حلم" تمثل لديه "قفص من الذهب يتحرك في داخله وينتقل بين أسلاكه اللامعة عصفور صغير ملوّن الريش مرح كل المرح، كأنه يضرب بأجنحته الصغيرة جوانب هذا القفص الذهبي ليفلت من قيود أسلاكه وينطلق فيه إلى الجو الفسيح لأنه لا يطيق الاحتباس ولا يقدر أن يكون سجيناً في مكان ضائق بأمانيه في الحياة".





يتبع..





وقلنــا يتبع!

Petals
02-11-2007, 09:52 PM
.
.
تعبق أزاهير حلم بشذى يضاهي ذلك الأريج الذي فاحت به قصائد الرومنطيقيين الأوروبيين في القرن التاسع عشر.

أن أول ما يطالعنا في شعر مي حضور شخصيتها بل كينونتها. وحضور شخصية مي لا يتمثل في وجودها الحسي فيها فحسب بل في انعكاسات ذاتيتها على مدى أبعاد ، فحضور مي "مع لورد بايرن في غابات لبنان" لا يقف عند قولها:


" نحن الآن في منتصف الساعة الحادية عشرة صباحاً. وأنا
وحدي في الغابة منذ ساعتين. وحدي مع بايرن شاعر العنف
والعذوبة والذي يضعه الإنجليز في المرتبة الرابعة من شعرائهم
مع أنه يستحق أن يكون الأول بعد شكسبير.

بينما كنت أقرأ كان دفتري على مقربة مني. والآن وقد
أنشأت أكتب فإن شايلد هولد ملقى عند قدمي".

ويتعدى حضور شخصية قول مي هذا إلى أعماق وجودها النفسي في تفاعله مع رؤى الطبيعة:


" يا هذه البرية ! يا هذا الخلاء في لبنان!
إني لألقي على كل صخر من صخورك، تحت كل شجرة من
أشجارك ، في كل مذهب من مذاهب أوديتك، نثرات من
كياني: أنثر الإبتسامات ، والزفرات ، والأحلام ، والأغاني
والآمال ، والإعجاب والتأمل...


يلوح لي أحياناً أني طرحت عليك كل ما في حولي وكل ما
في وسعي، وأني ألقيت إليك بنهاية منتهى اقتداري.


ولكني كلما أحببتك زدت نمواً واقتداراً.
كلما دفقت عليك، يا قمم جبالي، عواطفي وذهولي تجدد
فيّ الحب وذكى الحماسة، فإذا بي مثلك باقية.
أحبك ، وسأحبك على الدوام".


ويأتي الألم بكل ما يحمل من صبر وعزة وطهارة ليقف إلى جانب الكآبة في "أزاهير حلم":


" ما أشرفك أيتها الأنفس التي تجردت من الثروة؟ وأنت أيتها الأنفس
الجبارة التي لا تحطمها أحداث الدهر!
وما أسمى شموخ الأنف الذي لا يذله الفقر!
وما أنبل القلوب الشهمة التي تثقلها الآلام ولا تخنع..

الفرح يهملك بعد ابتسامه الطويل، والأخطار تحيق بك من كل صوب.
والشدائد تمزقك والدموع السخينة التي تذرفينها في وحدتك تقرح عينيك وتضرم
قلبك. غير أنك ستبقين كبيرة فالشرف مقرون بعذابك النبيل، والسعادة
تفوق الادراك والوصف".


وها هي تهتف في أزاهير حلم:


" دعوني في هذا الملجأ الساحر.
دعوني وحيدة أحيا مطمئنة
بعيدة عن ضوضاء المدن،
دعوا لأنظاري تلك الرؤى العذبة
دعوا لأفكار أحلامها الرخية
دعوني أنعم بالرقاد
دعوني أياماً فإني لا أود أن أسمع
إلا الحفيف ، الخفيف، الموسيقي الحنون
الذي تتنفس به هذه الجبال
ألا أبعدوا عني، ولو حيناً، أصوات البشر
التي تتبطن الحسد والحقد والغل
هنا يطيب لنا الحب...
أجل يطيب لنا الحب: بين الأشجار المنعزلة؛
والخرائب البائدة، وما حملت من أخبار الزمان
وهذه الصخرة الكئيبة..
كل ما في هذه الربوع يجذبني ويسحرني
الأوراق التي أحسها تنبض، والعصافير التي ترد
كلما رأتني أدنو".



ورغم أن "أزاهير حلم" نشرت باللغة الفرنسية إلا أنها كانت تتقن اللغة العربية كما تتقن اللغة الفرنسية.. وكما تتقن اللغة الألمانية.. وكما تتقن اللغة الانجليزية.. وغيرها وغيرها.. إنها (عبقرية اللغات) تلك التي تتمتع بها هذه الفتاة...

ولكن من أين لمي تلك البراعة باللغة العربية وثقافتها الأساسية فرنسية!...
الجواب لمي نفسها

" – لذلك حكاية طريفة. لما صدر كتابي الفرنسي، قامت والدتي تحتج عليّ وتقول لي: ما في أحلى من اللغة العربة.. أما اللغة العربية فقد تعلمتها من القرآن على لطفي السيد بك وكان كلما زارنا مرة، انزويت وإياه والدكتور شميل في ركن من بهو الإستقبال، وراح يقرأ عليّ القرآن ويفسره ويشرح العويص من كلامه ثم أهدى إلي أول كتب عربية طالعتها: "النسائيات" لباحثة البادية، "مجموعة الأشعار" للبارودي، "تحرير المرأة" لقاسم أمين".

"... وكان والدي قد أصدر في هذا العهد جريدة "المحروسة" فأخذت أقرأ بعناية كل ما يكتبه فيها كبار الكتّاب، حتى تكونت لي ملكة عربية شجعتني على ترجمة رواية فرنسية بعنوان "رجوع الموجة".

وكانت أول كتاب نشرته باللغة العربية.

وفي هذا الحين كنت أتابع دروسي باللغة الألمانية والانجليزية والفرنسية فترجمة رواية "هجرة الفرنسيين إلى أمريكا" – عن الانجليزية – بعنوان "الحب في العذاب". وتوضح مي: "رجوع الموجة نقلته عن الفرنسية للكاتب برادا ونشر ذيلاً بجريدة المحروسة أو رفرفاً كما كان يسمي Feuilleton أحمد زكي باشا".

وعندما عدت إلى مصر آخر الصيف نشرت "الحب الألماني" ذيلاً في المحروسة فلم يعجب عنوانه والدي فسألني عن موضوعه فلخصته له بكلمات فاقترح عليّ تسميته "ابتسامات ودموع".




يتبع..



وبرضــو يتبــع :)

Petals
02-11-2007, 09:55 PM
ابتسامات ودموع

http://upthings.googlepages.com/bakat2.JPG

" الفكر!.. ما أجذب الفكر إذا هو مزج بطلاوة العاطفة وخيمت عليه أوشحة الخيال! عشت السنوات الأولى من حياتي دون تفكير، وها قد غدا الجناح الملون بألوان قوس السحاب يضرب جبهتي ليفسح له فيها وكراً فصار كل موضوع، وكل مشهد طبيعي ينحني بتأملات زرقاء، وردية، ذهبية،فضية، رمادية تحول حولي تارة، وطوراً تجثم فيّ متعاونة مع ما في الكتاب على إيصالي إلى روح الإنسانية. فإذا أسمع دقات قلبها ومدى أنينها فأدرك أنها شقية بجهلها واضطرابها وهمومها، وأنه قدر على المختارين من بنيها أن يتألموا أضعافاً لأنهم السابقون إلى مقاتلة المجهول وكجميع الطلائع يتلقون ضربات المصادرة والمقاومة فلا تضعف عزائمهم، ولا تكل أقدامهم، ويثابرون على تلمس السبيل في حالك الظلمات، ويسيرون إلى الأمام حاملين غنيمة الجهود الإنسانية والثقة بتحقيق الآمال".

"كان ذلك في صيف عام 1911 وبي تيقظ الفتاة الأولى، واستفسارها الصامت إزاء المسائل الكونية والعمرانية والروحية، المتنبه المتحفز للاهتمام والتحمس. وبي كذلك خجلها وحيرتها وترددها..."

"... كنت شرعت أدرس الألمانية في القاهرة ابان الشتاء ولم ينلني منها سوى عشرين درساً أو أكثر قليلاً. ولما تزودت بالكتب قبيل الرحيل أضفت إلى حقيبتي كتاباً ألمانياً لا غير، هو "الحب الألماني" هذا. وقد وقع عليه اختياري لأن السيدة البروسية التي تتلمذت لها ذكرته ممتدحة أسلوب مكس مولر المشبع فكراً ومعرفة، على سهولته ورشاقته. ونسبت هذه الرشاقة وتلك السهولة إلى كون المؤلف شاعراً بفطرته ووراثته رغم اشتهاره بالعلم والبحث، وإلى كونه إنجليزياً بوالدته كما صار بعدئذ انجليزيا بزوجته وباستيطانه إنجلترا أعواماً طوالاً. فكان له من إجادة اللغة الإنجليزية ومعالجتها والتأليف منها ساعد قوي في تجريد جملته الألمانية من التطويل والصعوبة والابهام الملازم لها غالبا عند كتاب الألمان، لا سيما العلماء والفلاسفة.

"أنشأت أتصفح الكتاب في عزلة "الكوخ الأخضر" ولم أخرج من الفصل الأول حتى تملكتني روحه الشعرية الفلسفية وأرهفت ذهني فتمكنت من الإحاطة بالمعنى العام وإن فاتني من معنى المفردات الكثير. وما أتيت عليه إلا وعدت أراجع قراءته مرات حتى ابتهجت بمحاسنه نفسي المنفردة وعلى قصر باعي بالعربية التي كنت نشرت فيها مقالات ابتدائية قلائل ، ومع إني لم يكن لدي معجم ألماني، استعنت بالقلم والقرطاس لأرسم بلغتي تلك الخطوط البديعة، ولو كان لي مقدرة مكس مولر الفكرية والانشائية لما أفصحت عن حركات النفس بسواها. وقد قال لي أحد الأدباء عندما نشرت "ابتسامات ودموع" في ذيل المحروسة في الشتاء التالي، قال "أسائل ذاتي ساعة أقرأ ذيل المحروسة أأنت ناقلة مكس مولر إلى العربية أم هو ناقلك إلى الألمانية؟".؟ في هذه الكلمة التي تخال تماماً للوهلة الأولى حقيقة أولية هي كل قوة الكاتب الوجداني الذي إنما نحكم له بالتفوق لأنه أحسن التعبير ليس عما يشعر به هو الكاتب بل ما نشعر به نحن القراء. وكيف لا نحكم له بذلك وهو الغريب الجاهل أسرار قلوبنا قد اطلع على خفايانا وبسطها لنا وللعالمين. وكتاب "ابتسامات ودموع" من هذا القبيل آية سحر وبراعة. لا يقصر على الوصف بل هو مهبط وحي للنفوس الحساسة".

"الحب الألماني! كلا. ليس هذا الكتاب حباً ألمانياً فقط بل هو خلاصة بسمات الإنسان وعبراته. فسميته "ابتسامات ودموع". فإن كان ذلك تزييفاً لفكرة المؤلف الواجب احترامها على كل مترجم، فهو صادق من حيث اقتناعي الخاص، أمين للصورة التي ارتسمت منه في نفسي".

هذا ما أوردته مي في مقدمتها لكتابها "ابتسامات ودموع" الذي نقلته إلى العربية من الألمانية عن قصة الكاتب مكس مولر الذي تعرّفنا مي به وبأعماله تلو مقدمتها للكتاب.


http://upthings.googlepages.com/bakat3.JPG

كتاب "ابتسامات ودموع" قصة مؤلفة من ثمانية فصول أو بالأحرى من ثمانية ذكريات ضمتها صفحات من رسائل نجت من الحريق على حد زعم المؤلف في المقدمة: "كذلك يقرأ الصديق الأسيف صحائف لم تقع عليها عين غير تلك التي أطبقت إلى الأبد. وإذ يتثبت من خلوها مما يعبأ به العالم يحملها بيد مرتجفة ويلقيها في النار، فيضم اللهيب وديعته هنيهة ولا يطول حتى ينفلت وإياها رماداً.. لقد نجت الصفحات التالية من مثل هذا المقدور..."...

في الذكرى الأولى أسرار الطفولة..
وفي الذكرى الثانية لقاء مع الأميرة...
وفي الذكرى الثالثة خاتم الاميرة..
أما الذكرى الرابعة فهي عودة إلى قصر الأميرة.
وفي الذكرى الخامسة تتفتح براعم الحب.
وفي الذكرى السادسة تهيئة السفر.
أما الذكرى السابعة فهي رحلة طويلة .. في القصر .. مع الكونتس..

كلمات في صور ملونة تترى نلمح بينها هيلانه جوته وهايدي بيرون، ورؤى وعبارات شللر و وردذورث وروسو، وخطوط ترنر، وتنبعث منها ألحان سيمفونيات بتهوفن حتى إذا أتت الذكرى الأخيرة كان الماضي يتمثل في الذاكرة...


يتبع..



يووووووووووووووووووووتبع

Petals
02-11-2007, 09:59 PM
السانحة الأولى

نحن الفتيات أسيرات الأزياء،و عبدات التبرُّج ، ولُعَب الأهواء، أنكتب نحن فتيات اليوم؟

نعم، صرنا نكتب ليس بمعنى تسويد الصحائف فحسبُ بلبمعنى الانتباه للشعور قبل التحبير ، لقد خبرنا الاختلاء بذواتنا فأقبلنا على تفهممعاني الحياة نتفرس في المشاهد بأبصارٍ جديدة، ونصغي إلى الأصوات بمسامع منتبهة ،ونتوق إلى الحرية والاستقلال بقلوبٍ طروبة، ونعبِّر عن النزعات بأقلامٍ يشفعالإخلاصُ في تردّدها. إن الأمر لكذلك. وجرأتنا هذه لم تبدُ من اللائي سبقننا،وإقدامنا لم يألفه الرجل من سوانا ، والجمهور يرقبنا بنظرةٍ خاصة تائقاً إلىتصفُّحِ نفس المرأة في ما تصِفُ به ذاتهاو ليس في ما يرويه عنهاالكاتبون.

وما الغرض من ذلك؟

يزعم الجمهور إن رغبته في تذوُّق إنشاءِالمرأة لا تُعربُ عن إكبارهِ لذلك الإنشاء ، أو عن إقراره بصدق الفراسة منها. وإنما لأن في كتاباتها مظهراً من مظاهر الذات النسائية العامة.

خطوةٌ صالحةنحو تكريم الأدب النسائي ، إلا أن فيها من الظلم و غمط الحقوق ما فيها. نحن نحبُّ الحلم ، و نطلب التساهل ، و نريد أن يستعان في الحكم علينا "بالظروف المخففة"كما يقول سادتنا الحقوقيون.

نريد ذلك لأننا مبتدئات. نريده لأننا مبتدئات ولأننا بنات يوم تشرق علينا شمسه نخلق أنفسنا بأيدينا ، و نكتشف الطرق غي غابات مهجورة ، ونمهد السبُلَ بين الصخور و الأدغال لنا و للآتيات بعدنا.

إفساح المجال علينا عسير. فنشكرُ للحليم تغاضيه عن القصور في عملنا و انتباهه لضآلةوراثتنا في عالم القلم- كما نشكر للناقد الكيّس ما يُبيّنه لنا من أغلاطٍ ناتجةٍ عن ضعف الفتاة و قلة اختبارها. و لكنهُ لا يجوز في شرع العدل و الحقيقة أن تُرمى جميع أعمالنا بالضعف النسائي و أن يطلق عليها الحكم بلا بحثٍ و مقارنةٍ.

لقدغالى بعض المفكرين، لا سيما بعض الذين أقنعوا نفوسهم بأنهم مفكرون؛ لقد غالى هؤلاء فيفصل المرأة عن النوع الإنساني الذي كادوا يحصرونه في الرجل. و الواقع أن كل حميّةتهزُّ المرأة إنما تنطلق من النفس الإنسانية الشاملة، و كلّ نقص يشوبها إنما يرجعُ إلى العجز البشري الشائع ، و كلُّ أئرٍ من آثار ذكائها إنما هو وجهٌ من وجوه الفكرالإنساني العام.



ويقرأ ولي الدين يكن السانحة الأولى، التي نشرتها مي ويتابع سوانحها الواحدة تلو الأخرى.. كان يعرف صاحبة هذه السوانح .. وكان على اطلاع على ما أنتجه يراعها... كان يعرف صاحبة هذه السوانح.. وكان على اطلاع على ما أنتجه يراعها.. وذات يوم.. ويبدو أنه كان للتوّقد فرغ من قراءة سانحة من سوانح مي.. ويبدو أن إعجابه قد وصل إلى حد حمله إلى الكتابة لمي معبراً عن رأيه فيها.. وكتب:

"سيدتي.
وددت لو ألهمت من الكلام ما يسمو حتى ينتهي إليك في أوجك العالي – أنا حيران – أنظر فأرى فلاً باهراً وتصبو نفسي إلى تلك المحاسن. ثم يستوقفها عرفاني بعجزي. يا بيت القصيد في بدائع القدرة، ليهنأ بك العصر ولتفخر بك بنت إيزيس واوزريس.

لا أدري ما أصف : مجلسك الطيب أم صوتك الرخيم أم كلامك العذب أم فكرك المنير. أقل ما في هذه الملاحات يدق عن فهمي ويعيي عن الاحاطة به ادراكي.

كانت لي في دولة الشعر مكانة، واليوم أشهد الله إني أكاد أهوي من عليائها. أنت كالطبيعة في كل بدائعها ولكنها متقلبة وأنت ثابتة ولا أقرنك إلى من سلفك من سيدات الشرق ولا من جاوزتهن من سيدات الغرب ولا أقول أنت حمامة الدوح فتلك عجماء وأنت معربة ولكني أقول أنك بلبل الشعر الصادح في روض الحياة.

فصولك الغضة تعلو بالمدارك وتنير جوانب النفوس فلا تدعيها كالاوراق التي تحضر في الربيع وتذوي في الشتاء .. جمعيها جنية غضة وكللي بها رؤوس هذه الأعوام – الناس في حاجة إلى هذه الأنام الإلهية...


"ولي الدين يكن"



كان ذلك في 23 نيسان سنة 1912 ... وبعد عشر سنوات عملت مي باقتراح ولي الدين يكن فجمعت هذه الفصول ونشرتها لها دار الهلال سنة 1922 تحت عنوان "سوانح فتاة".


وهنا سوانح مي لمن يرغب بقراءتها


سوانح فتاة .. مي زيادة (http://www.4shared.com/file/9753465/58199107/____.html)




"لو كان قلبي معي ما أخترت غيركم
و لا رضيت سواكم في الهوى بدلا
لكنه رغيب في من يعذبه
و ليس يقبل لا لوما و لا عدلا "



لاحظوا قوسي الإقتباس :)

Petals
02-11-2007, 10:05 PM
من مي إلى جبران : 29 آذار سنة 1912
25 أيار سنة 1912


".. أمضي مي بالعربية وهو اختصار إسمي، ومكون من من الحرفين الأول والأخير من اسمي الحقيقي الذي هو ماري. الخ.. "

إنها مي تكتب رسالتها الأولى إلى جبران خليل جبران... "وكان أول ما طالعت منه مقاله "في مثل هذا اليوم ولدتني أمي" فاستذوقت نهجه. وطالعت سواه واستزادت. لقد لقيت لدى الرجل صوتاً حاد النبرة، شاسع الإيحاء ، يخدش الآذان الشرقية، الآلفة الوتيرة الواحدة، ويبعث فيها الثقة بقدرة الإنسان . ولقيت لديه أيضاً غصة ألم وضراوة وحشة وفورة جموح طالما تنازعتها هي فأورثتها القلق الذي لا يهادن.

ولم تكتف مي بمطالعة جبران وقد رأت فيه شخصية فذة بارزة السمات، بل راحت تستوضح سيرته وأوضاعه باهتمام جدي، كأنما هي أرادت أن تكتشف الينبوع الأصيل الذي فجر ذلك النتاج.. فعلمت أنه لبناني بائس هجر قريته بشري وأمه وإخوانه إلى بوسطن. وهنالك في حي موبوء قذر، جعل يدرس الإنكليزية ويرسم، عرض أن يساعد ذويه في تجارة "الخرضوات"، وعلمت أنه فقد أخاه وأمه وأخته صغيراً، فعاد إلى بيروت ودرس العربية فيها ثم قصد باريس وتلقى على يد رودان أصول الرسم الحديث لينتهي إلى بوسطن من جديد ويعيش من إبرة أخته في بيئة تعاسة وحرمان.

لم تكن هذه الوقائع التي بلغتها عن الشاعر إلا لتؤجج شوقها إلى التعمق في معرفته. إنه فريد جذاب ، كانت تقول في نفسها، ولكن كيف الوصول إليه؟

وبينما هي ذات مساء تطالع في غرفتها الموحشة قصته "مرتا البانية" إذ بها تتوقف بغتة فتطرق ذاهلة وتتأمل. لقد خطر لها أن تكتب إلى المؤلف مبدية إعجابها بنهجه".

وتلقى جبران رسالة مي في بوسطن "فتلمّس خلالها نفساً كئيبة حائرة تشكو غربتها هي الأخرى في عالم الناس وكان يومها يكتب "الأجنحة المتكسرة".

... وكتب جبران يجيب على رسالة مي:

"أما أنا فقد ورثت عن أمي تسعين بالمئة من أخلاقي وميولي، ولا أعني بذلك أنني أشابهها بالحلاوة والوداعة وكبر القلب..

"أذكر قولها لي مرة، وقد كنت في العشرين، لو دخلت الدير لكان ذلك أفضل لي وللناس.
فقلت نعم، ولكن قد اتخذتك أماً قبل أن أجيء إلى هذا العالم. فقالت: لو لم تجيء لبقيت ملاكاً في السماء. فقلت: ولم أزل ملاكاً. فتبسمت وقالت : أين أجنحتك؟ فوضعت يدها على كتفي قائلاً: هنا. فقالت: متكسرة.. وبعد هذا الحديث ذهبت أمي إلى ما وراء الأفق الأزرق. أما "متكسرة" فظلت تتمايل في مسمعي. ومن هذه الكلمة غزلت ونسجت "الأجنحة المتكسرة".

وتلقت مي جواب جبران!... وكتابه "الأجنحة المتكسرة"...

وكان يوم الثاني عشر من أيار سنة 1912 عندما جلست مي تكتب لجبران جوابها على رسالته وتعليقها على كتابه...

"إننا لا نتفق في موضوع الزواج يا جبران. أنا أحترم أفكارك وأجل مبادئك، لأنني أعرفك صادقاً في تعزيزها، مخلصاً في الدفاع عنها وكأنها ترمي إلى مقاصد شريفة، وأشاركك ايضاً في المبدأ الأساسي القائل بحرية المرأة. كالرجل يجب أن تكون المرأة مطلقة الحرية بانتخاب زوجها من بين الشبان، تابعة في ذلك أمالها وإلهاماتها الشخصية لا مكيفة مع القالب الذي اختاره لها الجيران والمعارف، حتى إذا ما انتخبت شريكاً لها تقيدت بواجبات تلك الشركة العمرانية تقيداً تاماً. أنت تسمي هذه سلاسل ثقيلة حبكتها الأجيال، وأنا أقول إنها سلاسل ثقيلة . نعم، ولكن حبكتها الطبيعة التي جعلت المرأة ما هي... لم لا تستطيع المرأة الاجتماع بحبيبها على غير علم من زوجها؟ لأن باجتماعها هذا السري – مهما كان طاهراً – تخون زوجها وتخون الإسم الذي قبلته بملء إرادتها. وتخون الهيئة الاجتماعية التي هي عضو عامل فيها...

ولكن إذا جوزنا لسلمى، ولكل واحدة تماثل سلمي عواطف وسموا وذكاء، الاجتماع بصديق شريف النفس عزيزها، فهل يصح لكل امرأة لم تجد في الزواج السعادة التي حلمت بها وهي فتاة أن تختار صديقاً غير زوجها، وأن تجتمع بذلك على غير معرفة من هذا؟ حتى وإن كان القصد من إجتماعها الصلاة عند فتى الأجيال المصلوب؟

واندلعت نار الحرب العالمية وأصبحت المواصلات والمراسلات مكرسة للحرب.. فتوقفت المراسلات بين مي وجبران.. وانصرفت مي إلى الكتابة وإلى صالونها الأسبوعي!..



http://upthings.googlepages.com/gubran.JPG



"أديش كان فيه ناس عـ المفرق تنطر ناس

وتشتي الدني

وياحملو شمسية
وأنا بإيام الصحو
ماحدا نطرني" :(


--

فيكون تحطو رسايلها وجبران عـ جنب شوي :(

Petals
02-11-2007, 10:09 PM
إن لم أمتعه بمي ناظري غداً
أنكرت صبحك يا يوم الثلاثاء

وتفتح مي أبواب غرفة الاستقبال في منزل والديها رقم 28 شارع المغربي (شارع عدلي اليوم) في القاهرة.

"مساء كل ثلاثاء – على ما يصف سليم سركيس – يتحول منزل الياس أفندي زيادة، صاحب جريدة "المحروسة" إلى منزل فخم في باريس وتتحول الفتاة التي لا تزال في أواخر العقد الثاني من عمرها إلى مدام دي ستايل، ومدام ريكاميه، وعائشة الباعونية، وولادة بنت المستكفي ووردة اليازجي، في شخص ومدارك الآنسة مي ويتحول مجلسها إلى فرع من سوق عكاظ والأكاديمي، وتروج المباحث العلمية والفلسفية والأدبية في مجلس يحضره اسماعيل صبري ولطفي السيد وشبلي شميل وخليل مطران وأحمد زكي باشا، هؤلاء جميعاً يهزّون بأحاديثهم ومناقشاتهم أغصان شجرة ذات ثمر ويحركون وردة ذات أريج، والآنسة مي بينهم تناقش هذا وتدفع حجة ذاك".

كان هذا الصالون مما دار فيه من الأحاديث، وما عولج فيه من المسائل وما روي فيه من الشعر، وما نوقش فيه من مسائل العلم والأدب وما بدا فيه من المشارب والميول، وما ظهر فيه من النفوس والعقول.. يصور لنا ناحية جميلة ممتعة من تاريخ الأدب في العصر الحديث". وعدّت هذه الندوة السمحة ظاهرة كبيرة في مطالع أدبنا الحديث، فإن رواد هذا الأدب في التطور والتجديد كانوا من زوارها وأصدقائها لا تفوتهم الثلاثاء من كل أسبوع. فإذا تعذرت الزيارة بقي روح المتغيب للضرورة كظامئ الطير حواماً على الماء، كما قال الشاعر اسماعيل صبري في رسالة لمي وقد اضطر للغياب:


http://upthings.googlepages.com/isma3eel_sabree.JPG


روحي على بعض دور الحي حائمة ... كظامئ الطير حواماً على الماء
إن لم أمتِّع بميّ ناظريّ غداً ... أنكرت صبحك يا يوم الثلاثاء

ويعرض أحمد حسن الزيات في كتاب "من وحي الرسالة" لوحة حية لمي في صالونها: "تشارك في كل علم وتفيض في كل حديث، وتختصر للجليس سعادة العمر كله في لفتة أو لمحة أو ابتسامة، كأن فيها أفضل ما في الرجل وخير ما في المرأة فمن كان يسمعها خطيبة أو يشهدها محدثة كان يحسبها – وقد استدارت على رأسها الأنيق هالة من السحر والفتنة – قليوب إحدى بنات جوبتير التسع، وإلهة الفنون التسعة، قد سرقت من أخواتها أسرار فنونهن ثم هبطت من فوق جبل البيرناس إلى ضفاف النيل".



وكان بين الحضور فتى كفيف... و "لم يرض الفتى عن شيء مما سمع إلا صوتاً واحداً سمعه. كان الصوت نحيلاً ضئيلاً وكان عذباً رائعاً. وكان لا يبلغ السمع حتى ينفذ إلى القلب". هذا الصوت كان صوت مي. أما الفتى فكان طه حسين!..
http://upthings.googlepages.com/taha_husain.JPG


وإن لم يكن صالون مي بدعة في تاريخ الفكر العربي قديمه وحديثه فإن أي من الندوات أو الصالون التي سبقته لم تكن بمستوى صالونها سواء من حيث تنوع مواضيع ما يبحث فيه أم من حيث مستوى البحث والباحثين وأثره. وقد تنبه الدكتور طه حسين إلى هذا الأمر إذ يقول في حديث له نشر في مجلة المقتطف: "فأما صالون مي فقد كان ديمقراطياً أو قل إنه كان مفتوحاً لا يرد عنه الذين لم يبلغوا المقام الممتاز في الحياة المصرية، وربما كانوا يدعون ليه وربما كانوا يستدرجون إليه استدراجاً فيلقون الناس ويتعرضون إلى أصحاب المنزلة الممتازة، ويكون لهذا أثره في تثقيفهم وتنمية عقولهم وترقيق أذواقهم. وأنا أذكر أني اتصلت بصالون مي على هذا النحو بعد أن نوقشت رسالتي في أبي العلاء وشهدت مي هذه المناقشة وشهدت فيما يظن بعض الحفلات التي أقامها لي الزملاء حينئذ وطلبت إلى أستاذها وأستاذي لطفي السيد أن يظهرني في صالونها، وكذلك عرفتها في هذا الصالون وترددت عليها في أيام الثلاثاء إلى أن سافرت إلى أوروبا.. وقد رجعت إلى مصر بعد سنة فأقمت فيها أشهراً ولاقيت فيها مياً في أيام الثلاثاء كما كنت ألقاها قبل السفر. وكان الذين يختلفون إلى هذا الصالون متفاوتين تفاوتاً شديداً فكان بينهم المصريون على تفاوت طبقاتهم ومنازلهم الإجتماعية وعلى تفاوت أسئلتهم أيضاً. وكان منهم السوريون وكان منهم الأوروبيون على اختلاف شعوبهم وكان منهم الرجال والنساء وكانوا يتحدثون في كل شيء ويتحدثون بلغات مختلفة وبالعربية والفرنسية والإنكليزية خاصة. وربما استمعوا لقصيدة تنشد أو مقالة تقرأ أو قطعة موسيقية تعزف أو أغنية تنفذ إلى القلوب".


أما الأمير مصطفى الشهابي فلم يتردد في محاضرة له من القول عن الأثر الذي تركه في نفسه حضور صالون مي: "وكأنني كنت في هيكل الأدب الأسمى وقدس النبوغ والعبقرية وإذا بأحاديثها تنم على أدق ما تلمسه مشاعر الإنسان وقد خيل إليّ أنني في حضرة إحدى سيدات الملأ الأعلى اللواتي كنت أقرأ عنهن في كتب كبار الأدباء الفرنسيين، وما كدنا نودعها ونخرج حتى ابتدرني الصديق العلامة أمين المعلوف قائلاً: "أنها مخيفة. فقلت: صدقت، وماذا أخافك منها؟ قال: حدة ذكائها ووفرة معلوماتها الأدبية، قلت: أما أنا ففرط إحساسها لدقائق الحديث حتى كدت أرى نفسي غير قادر على مجاراتها فيه".

وذاك أمير الشعراء أحمد شوقي – ولطالما زار صالون مي وجلس صامتاً مأخوذاً – يترجم انطباعاته عن مي بقصيدة يقول فيها:

http://upthings.googlepages.com/a7mad_shawqi.JPG


أسائل خاطري عما سباني ... أحسن الخلق أم حسن البيان ؟
رأيت تنافس الحسنين فيها ... كأنهما لمية عاشقان
إذا نطقت صبا عقلي إليها ... وإن بسمت إليّ صبا جناني
وما أدري أتبسم عن حنين ... إليّ بقلبها أم عن حنان
أم أن شبابها راث لشيبي ... وما أوهى زماني من كياني

ويصف عباس محمود العقاد إدارة مي لندوة صالونها فيقول: "كان ما تتحدث به مي ممتعاً كالذي تكتب بعد روية وتحضير، فقد وهبت ملكة الحديث في طلاوة ورشاقة وجلاء، ووهبت ما هو أدل على القدرة من ملكة الحديث وهي ملكة التوجيه وإدارة الحديث بين مجلس المختلفين في الرأي والمزاج والثقافة والمقال.

فإذا دار الحديث بينهم جعلته مي على نسبة المساواة والكرامة وأفسحت المجال للرأي القائل وللرأي الذي ينقضه أو يهدمه وانتظم هذا برفق ومودة ولباقة ولم يشعر أحد بتوجيه الكلام منها وكأنها تتوجه من غير موجه أو تنتقل بغير ناقل وتلك غاية البراعة في هذا المقام".

وبعد مرور نصف قرن تقريباً على تلك الأيام يستعيد عباس محمود العقاد ذكراها في مقال له بعنوان "رجال حول مي" يستعيد فيه ذكرياته عن صالون مي ورواده والمتراسلين معها فيقول:

"كم كان زوار تلك الندوة العالية؟ وكم كان كتاب الرسائل منها وإليها؟ إني أعد ممن رأيتهم فيها غير مرة نحو الثلاثين أذكرهم كما ترد أسماؤهم على القلم في هذه الساعة: لطفي السيد، عبد العزيز فهمي، شبلي شميل، سليمان البستاني، أحمد شوقي، خليل مطران، أنطون الجميل، داود بركات، نجيب هواويني، توفيق حبيب، توفيق اسكاروس، أمين واصف، مصطفى عبد الرزاق، مصطفى صادق الرافعي، هدى شعراوي، إحسان القوصي، إدجار جلاد، سليم سركيس، يعقوب صروف، حافظ إبراهيم، اسماعيل صبري، ادريس راغب، فؤاد صروف، عبد القادر حمزة، منصور فهمي، طه حسين، ملك حفني ناصف، مجد الدين حفني ناصف، عبد الستار الباسل، ونخبة من هذا الطراز على اختلاف التشكيل، ومع حفظ المقام، كما يقال في هذا المقام. وكل زائر من هذه النخبة كان حقاً له أن يزور الندوة في موعدها في أصيل يوم الثلاثاء، وكان يرى من حقه ، أو واجبه، أن يعتذر لفوات موعده منها بعض الأيام. بل كان من حقه أن يكتب رسائل الاعتذار أو رسائل السؤال والتحية، وإن لم يكن من مطمعه دائماً أن يتلقى الجواب. أكل هؤلاء عشاق ؟


http://upthings.googlepages.com/lutfi_alsayed.JPG http://upthings.googlepages.com/ya3qoop_saroof.JPG

وعلى كل من هؤلاء ينبغي لمي، إذا أجابت، أن تجيب جواب المحبوبة التي تتقبل العشق ممن يدعيه؟ هذا هو الخاطر العاجل الذي يسبق إلى الوهم كلما ذكرت تحيات الرسائل، أو القصائد أحياناً، من غير واحد في هذه الزمرة المختارة، وهذا هو الخاطر الذي تصححه لمحة سريعة أيضاً، إلى طبيعة الندوة وطبيعة التحية "العرفية" التي تناسبها، بل تستوجبها بقانون الشعر والفن، إن لم نقل بقانون الجنتلمانية والفروسية، فتاة جميلة أديبة، يزورها أدباء وشعراء وكتاب قصة وأصحاب ذوق في جمال العصمة وجمال الطلعة. إن فات أحداً من هؤلاء واجب التحية المناسبة للمقام، فما هو بزائر صالح لمثل هذه الزيارة، ولو لم تكن زيارة عشق ومناجاة، وإن فات مياً أن تتقبل هذه التحيات ، أو وجب عليها – كما قد يخطر على بال الاقدمين – أن تصدها بالعبوس والغضب فليست هي زيارة ندوة إذن.. ولكنها زيارة واحدة قد تنتهي كما تبتدئ عند باب الدار. وهذا هو تأويل الرسائل على أسلوب الفن العاطفي ، أو العاطفة الفنية، بين صاحبة الندوة وأكثر من زائر من نخبة هؤلاء الزوار. ولكل منهم أسلوبه في تعبيره داخل هذا الإطار من التحية. لطفي السيد وأسلوب الجنتلمان وعبد العزيز فهمي واسلوب الصمت والخجل وكأنه الصبي في مجلس الفتيات القريبات. وأنطون الجميل وأسلوب بائع الجواهر في معرض الهوانم. وشبلي الشميل وأسلوب المصارع في حلبة الفكر والشعور. وخليل مطران وأسلوب موليير على غير مسرح التمثيل. وسليم سركيس وأسلوب الدعاية للبيوت في صالون من أشهر صالونات البيوت. ومصطفى صادق الرافعي وأسلوب المفاجأة بالكتابة، التي يغني الاطلاع عليها عن السماع. وإسماعيل صبري وأسلوب الشاعر الذي يعلم أن حق الغزل الصريح أولى بالرعاية من حق الكتابة والتصحيح.. وأحمد شوقي وأسلوب الإيحاء من بعيد، وعليه تعليق الفيلسوف المعجب بالطرفين..."

ويختم العقاد مقاله:

"وقد كنت – كلما ازددت معرفي بمي وبحياتها في ندوتها وفي بيتها – أشعر بحنان هؤلاء الأفاضل الأبويين نحوها. فإنهم ولا ريب كانوا يقصدون التسرية عنها ويدركون من بواكير صباها أن فرط التزمت في طويتها التي جنت عليها في أخريات أيامها، وأنها تغالب شجناً كميناً لانطوائها الشديد على ذاتها، نميل إلى أنه مزيج من الصدمة العاطفية وشعور التبتل العميق في سليقتها الدينية"


http://upthings.googlepages.com/3abas_al3qad.JPG



"عاهدير البوسطة الكانت نقلتنا من ضيعة حملايا على ضيعة تنورين
تذكرتك يا عليا و تذكرت عيونك و يخرب بيت عيونك يا عليا شو حلوين"

:)

Petals
02-11-2007, 10:13 PM
باحثة البادية

" ولما توفيت "باحثة البادية" ملك حفني ناصيف، وأبّنتها بمقال في جريدة المحروسة كان الناس يقرأونه والفقيدة العزيزة محمولة على الأعناق، فنقلها الدكتور يعقوب صروف إلى المقتطف، وطلب مني أن أكتب للمقتطف بحثاً عما كانت تنادي به الفقيدة الراحلة. فكتبت عدة مقالات جمعتها في كتاب "باحثة البادية"..

من هي باحثة البادية تلك التي تكتب عنها مي:

" إن في بعض الناس قوة لا تكفيها النعوت. ليست هي الذكاء وإن كان الذكاء بدونها بلادة، ولا الجمال وإن عدم الجمال ميزة التأثير بفقدانها. ولا هي توازن تراكيب الجسم وتناسب الأعضاء ونضارة الصحة وكل هذه تافهة إذا حرمت منها لأنها العنصر الخفي المحيي الذي ينفعل به الأقوام ويخضعون لسطوته مريدين كانوا أم غير مريدين. لقد دعي ذلك العنصر مغنطيساً، وكهرباء، وجاذبية، ولطفاً، وخفة دم، وخفة روح، و"نفاشة" ، ولكن جميع هذه المعاني ليست إلا أجزاء منه وتشترك معها في تأليفه معانٍ أخرى شتى.

إنها لقوة عجيبة قد تحوّل ما هو في عرف البشر قباحة إلى جمال فتّان:فهي بروق الذكاء المتألقة في العيون، وسيال اللطف المتدفق في الابتسام، وأغنية الروح المتماوجة في نغمة الصوت. هي سحر الحركة. وهي وسم الامتياز، وهي جلال الهيبة، وهي قداسة السكوت. هي المقياس السري الذي يكيف الاشارة ويوقع الخطى، والشرارة التي تضرم نار الفكر، والنور الذي يجعل كثافة المادة شفافة. هي اليد العلوية التي إذا حلت لسان المتكلم كان بليغاً وإذا أشارت إلى الناظر بدت نظرته عميقة، وإذا قادت قلم الكاتب كانت كلماته شائقة فعّالة يبقى صداها داوياً في أعماق النفوس.
وكل من عرف باحثة البادية شخصيا أي معرفة الجسد أو معنوياً أي معرفة القلم، علم أنها كانت حائزة لهذه القوة التي حارت في تعريفها الأسماء...

... إن مؤلفة "النسائيات" قانعة بالغرفة التي تسكنها، والحي الذي تسير بين منازله، والبيئة التي هي جزء منها. وحيثما تعثر على ما لا يرضيها – وما أقل ما يرضيها ! – تضرب بمؤلفات الباحثين وشروح العلماء عرض الحائط غير معتمدة إلا على ما تختبره بالمشاهدة. وسرعان ما تقابل بين ما تراه عند الغير وما يشبهه مما طرأ عليها أو قد يكون مهدداً حياتها، هي عين ترى ما هو كائن فتذكر ما يجب أن يكون. على أن هذه العين لا تنسى لحظة أنها عين امرأة، فما تكاد تلمح خيال اللوعة حتى يحترق القلب منها لهفاً وتذوب ذراته وجعاً.

http://upthings.googlepages.com/ba7ethet_albadya.JPG

... نعم إنها التاعت وتألمت . أقول ذلك ون لم أرها يوماً إلا بين مظاهر السعادة والهناءة. بل لم أقابلها مرة إلا وهي صبيحة الوجه، طليقة المحيا، براقة العينين، والبسمة تلعب على شفتيها. لكن هذه كلها ستائر تنسدل على حركات الحياة الحقيقية حاجبة عن النواظر معانيها العميقة. وهل في وسع من ذاق مرارة الفكر وحلاوته أن يكون سعيداً بالمعنى الذي يقصده البشر؟ وإذا فرضنا أنه حاز السعادة على ذلك القياس المألوف أتكفي هذه السعادة الاصطلاحية لحمايته من لهيب الألم النفسي؟

ولكن لا ننقمن على الألم فهو مغذي الذكاء ومهذب الشعور ومنبه الادارك إلى معان جمّة وأساليب فكرية كثيرة. إنما صاحب العواطف القوية شقيّ إذا ما ذكرنا أن هذه العواطف تعذبه في كل حين وتظلّ هامسة له بالشكوى حتى في أعذب ما يناله من لحظات السعادة النادرة. لكن هذا العذاب بعينه هو ممزق غشاء الجهل والأنانية عن بصر فريسته، وهو مستنزل الوحي على فؤاده نهشته براثنه حتى أدمته. هو مفجر ينابيع النهي. هو يعطي القلم قوة تبتدع من الكلام سيوفاً وبروقاً، ويحبو اللسان بلاغة تمتلك القلب لأنها تخابره مباشرة بلا وسيط. وماذا عسى ينفع الحديث إن لم يكن مصدره القلب؟ وما هي قيمة الإصلاح إن لم يكن ناشئاً عن إدراك تكوّن ليس في العقل وحده بل في العواطف المسحوقة وما تنبّه إليه من احتياج كثير؟ ونظرة الكاتب إن لم يطل فيها خيال القلب المتوجّع ليس إلا بالنظرة الباردة القاصرة التي لا تنفذ إلى ما وراء قشرة الظواهر ويظلّ باب النفس، باب الحقيقة، أمامها مغلقاً مجهولاً!

إن مزاج باحثة البادية العصبي الصفراوي، وجنسها النسائي، وقوة عواطفها وحدّة ذكائها – كل ذلك كان مشتركا في تكوين طبيعتها السريعة الانفعال، وواضعاً فيها قابلية شديدة للألم واستعداداً كبيراً لمشاهدة الأشياء والحوادث من وراء غشاء قاتم. اقرأ كل ما كتبته تجد أنيناً متواصلاً يخترقه من أوله إلى آخره. وذلك الأنين الذي يكاد يكون ركزاً ينقلب ساعة الوجع الشديد زئيراً وعويلاً."

هذا بعض ما كتبته مي عن باحثة البادية!...

"... وغداً عندما يطرح الزمن ما يكتبه الكتاب وينظمه الشعراء في هوة النسيان، يظل كتاب باحثة البادية موضع اعجاب الباحثين والمفكرين المستيقظين. أنت يا مي صوت صارخ في البرية، وأنت صوت رباني، الأصوات الربانية تبقى متموجة في الغلاف الأبدي حتى نهاية الزمن".

إنه جبران يعلق على كتابها باحثة البادية.. ولعله أول من أعطى رأيه في كتاب مي.

كانت مي تكتب عن باحثة البادية وكأنها تكتب عن نفسها.. "هي تكتب كما تتكلم بنظرتها البسيطة النسائية فتنتقد وتنكت وتتألم وتشفق، وترتقي منبراً خيالياً تخطب بالاصلاح ثم تضحك وتبكي وتأتي بجميع الأقوال والحركات التي تجعل المرأة محبوبة كالطفل، بليغة كالشاعر، خلابة كالسحار..."

وفي مقال لفؤاد افرام البستاني نشره عن كتاب مي تحت عنوان "باحثة الباحثة، أثر المرأة في النقد الأدبي الحديث" يبدي أن مي في كتابها هذا قد بلغت من التحليل العقلي أعمقه، ومن تصوير العواطف أقصاه، كاشفة لنا بفضل الشخصية المركبة، نواحي من باحثة البادية لم يكن يسهل كشفها إلا لامرأة مثقفة ثقافة الرجال. وما قولنا في اطلاعها على ذلك "السلاح النسائي المحض" وهو الضحك وما يتقدمه من نظرات لطيفات المعاني، وما ينتج عنه من ارضاء الجميع دون إغضاب أحد، والتخلص من المواقف المحرجة بمهارة وبساطة هذا الضحك البلوري الرنين، الساذج المظهر، العميق الغور، الذي لو أدرك سره بشار المفتح الأذنين لاستبدل به الصمت في عبدته وصاح:


... ....
خرجت "بالضحك" عن لا ونعم.





"شتي يا دنيي تيزيد موسمنا و يحلى
و تدفق مي و زرع جديد بحقلتنا يعلى " :)

Petals
02-11-2007, 10:16 PM
من رسائل مي
"مختارات ومقتطفات"


من مي إلى باحثة البادية



سنة 1912


ترنمت باسمك قبل أن أعرفك، واتخذت ذكرك عنواناً لنهضة المرأة المصرية قبل أن أطالع مقالاتك لأن أصوات الجمهور قد اتفقت في الثناء على فضلك. غير أني عثرت بالأمس على مجموعة كتاباتك النفيسة فانحنيت عليها ساعات طويلات فيها خيل لي أني أقلب صفحات نفسك المفكرة المتوجعة.
ثلاث سنوات مضين، وتلك المجموعة محفوظة بين دفات المكاتب أو مبعثرة بين الأوراق والأسفار المتراكمة يوماً بعد يوم. لكن سرها ما زال مترقباً يداً تلمه، مستعداً لمناجاة نفس تتلمسه.
سنوات ثلاث فيها مشت البشرية خطواتها المعدودات متعثرة بالعظام والجماجم، منشدة أهازيج النصر الكاذب وتهاليل الفخر الباطل، وقواها الغالية تسيل على شفار السيوف، ودماء حياتها تجري أنهاراً في سهول قد أخفت نجمها الجميل وثمراتها الممتعة خوفاً من وحشية الانسان.
سنوات ثلاث فيها شعرنا بارتداد صدمات السياسة والاقصاد والأطماع المتزايدة . فيها ارتفعت دويلات جادة مجتهدة وتهشمت أعضاء تركيا العظيمة بتاريخها، الضعيفة بإهمالها وتهاونها. وقد جاش لذلك كل ما في صدر الاسلام من النخوة القديمة وبكت له قلوب الغيورين على مصالح بني عثمان.

كل ذلك ومصر، مصر بكآبتها وانعطافها واندفاعها. كل ذلك ونحن هائمون على وجهنا في صحراء الفوضى. صخور التقاليد تدمي أقدامنا الجديدة وأشواك الاصطلاحات تجرح أيدينا الممتدة للمس أشياء نظنها موصلة إلى حياة نريدها عظيمة. والسراب الجميل اللامع في صدور المستقبل غير المحدود يستدعينا آمراً كأنه نظرة عين فتانة ، فنجري في الصحراء ولا ندري إلى أين المصير!

سنوات ثلاث مررن على يوم فيه ارتفع صوتك مرشداً. عائلتنا لا تزال على ما كانت عليه، وأفكارنا لم تتغير إلا قليلاً، وعواطفنا ما برحت حائرة بين تيارات متعاكسة دائمة الاضطراب بين ما ندعي اننا نعلم وما نجهل أننا لا نعلم! غير أن الأصداء الخفية ما زالت ترجع همس ذلك الصوت الرخيم.

بالأمس لمست نفسك وقرأت أفكارك فعثرت على جراح بليغة وددت تقبيلها بشفتي روحي، وما أطبقت الكتاب إلا وأنا ألثم بناني على غير هدى. ولم يكن ذلك إلا إجلالاً لصفحات قلبتها وحباً لنفس استجوبتها فعرفتها.

فيا من "ارتفع قلبها إلى فكرها وانحنى فكرها على قلبها"، أيتها الباحثة الحكيمة، لماذا تصمتين؟

تتوالى الأيام ونحن في ضلال مبين. الرجل يجاهد في حرب الاقتصاد الدائمة. الرجل تائه في مهامه الأشغال فإذا كتب بحث في العموميات، وإذا جال قلمه في الخصوصيات فهو لا يستطيع البلوغ إلى نور الوجدان النسائي لأنه يكتب بفكره، بأنانيته ، بقساوته. والمرأة تحيا بقلبها، بعواطفها، بحبها.

علاتنا مستعصية لا يشفيها إلا طبيب يعرفها. والمرأة بعلة جنسها أدرى فهي تستطيع معالجتها. ولا تطلب هذه الخدمة الشريفة من فتيات لا يعرفن من الحياة إلا ما يصوره لهن الخيال المخيم بطلانه على منابت العواطف المخصبة. هذا اعتراف ساذج صادق: الفتيات لا يداعبن القلم إلا لينثرن الدموع أو ليصورن الابتسامات. وما تجاوز ذلك علامات استفهام متتالية وإن لم يرَ فيها من الاستفهام شيئاً.

لكن الزوجة والأم التي أعطيت ذكاء وفطنة وعلماً وشعوراً قوياً تدرك بواسطته كل ما في الحياة من حلاوة ومرارة، تلك تستطيع وضع المرأة في مركزها السامي، وتلك تقدر أن تعمل في مزج نصفي الشخصية المتألمة، شخصية المرأة وشخصية الرجل.

فيا سيدتي

لدينا قلوب تحترق ولا ندري أي نار تحرقها، وتلتهب بما لا تعرف ماهيته، فعلمينا أنت التي كنت فتاة قبل أن تكوني أماً كيف نرشدها وإلى أين نوجهها!

لدينا نفوس عزيزة تنحو فيها ميول مبهمة ورغبات حارة فأرشدينا أي الأعشاب فاسد فنقتلعه وأيها الصالح فنسقيه ماء الرعاية والحنان.

قولي يا سيدتي تكلمي!

ضمي يدك البارة إلى الأيدي التي تحاول بتعليمها واجباتها. أن صوتاً خارجاً من أعماق القلب، بل من أعماق الجراح كصوتك، قد يفعل في النفوس مالا تفعله أصوات الأفكار.

لا يهمنا أن تخفي تلك اليد النحيفة وراء جدوان خدرك وان تحجبي هيئتك الشرقية وراء نقابك الشعري، مادمنا نسمع صوتك في صرير قلمك ونعرف منك الروح العالية.

فهنيئاً لوطن يضم بين أبنائه مثيلاتك، وهنيئاً لصغار يستقون وعود الهناء من ابتساماتك ويسكبون حياتهم في قالب حياتك.


"مي"



"نسم علينا الهوا من مفرق الوادي
يا هوا دخل الهوا خدني على بلادي "


:)

Petals
02-11-2007, 10:19 PM
من كلمات مي





"منتخبات"




عجبي لهذه الإنسانية ما فتئت تعالج نفسها بالاصلاح منذ فجر التاريخ.



اسكتي الليلة يا آلات الطرب إن ما بي من طرب هادئ لا يحتمل ضوضاءك.



الحب الذي يجعل العالم هيكلاً حيث تتخشع النفوس فتجثو للعبادة والصلاة والاتحاد الروحي مع جميع قوى الكون – هو الذي نعنيه عندما نتكلم عن الحب، ونعظم عواطف الحب.



الأفعى الزاحفة على الأرض كيف تستطيع أن تفهم النسر المحلق في الفضاء.



لعقول والنفوس كما للأجساد مناخ. ألا ترى كثيرين يمرضون في الأمكنة المرتفعة أو على السواحل ولا يستريحون إلا في الأمكنة المعتدلة الهواء؟



مرعاةً لصحتهم يغادر ذوو الحول والصول المرتفعات فتظلّ كما كانت من قبل: مسرحاً للغزلان، ونزهة للأسود، وموطئاً للنسور، وعروشاً للتجلي.



فجرٌ جديد يرسل أشعته وألوانه. ولا بد للجيل الجديد أن يترجم فيه عن الوحي الجديد.



الكلمة التي لا تموت تختبئ في قلوبنا. وكلما حاولنا أن نلفظها تبدلت أصواتنا كأن الهواء لم يتم استعداده لتلقي نبراتها.



النقد من أخص خواص عصرنا. في السياسة، والإدارة، والقانون والتاريخ، والآداب، والاجتماع، ترى النقد شائعاً بمختلف اللهجات والأساليب حتى الاكتشافات العلمية وانقياد عناصر الطبيعة لخدمة الإنسان جاءت عن طريق النقد.



الثورة ككل جرأة: في وقتها ومكانها عبقرية وانتصار، وفي غير ذلك حماقة واندحار.

وراء الشرقيين إرث عظيم: إرث الأديان والنبوات. لذلك يتصور بعضهم أن الكاتب لا يكتب، وأن الخطيب لا يخطب إلا ليعلم ويهذب.



للأسلوب التهذيبي وقته ومكانه. وهو لا يؤدي رسالته سواه، وان كره دعاة "الفن للفن" وأنصار "الحياة للحياة". على أن القول الذي يرفع النفوس إلى باريها في محافل الصلاة من الواعظ الديني، ويرغّب في حميد الأخلاق من الخطيب المدني، يتغير معناه ويفقد قوته يوم يصمم امرؤٌ على أن لا يكتب إلا ليرسله، وأن لا يخطب إلا ليؤيده.



من أفعل أساليب التهذيب والإصلاح الأساليب غير المباشرة. لأن القيود ألذّ ما تكون للبشر عندما يوثقون بها وهم مقتنعون بأنهم لم يصلوا يوماً إلى مثل هذه الحرية.



ما أنت في بعض الاجتماعات إلا بعض الناس. أما في عزلتك فجميع الناس.



لئن كانت الجنة تحت أقدام الأمهات فإن الجحيم بين أيديهنّ، ولهنّ أن يكنّ لذويهنّ ولوطنهن نعيماً وجحيماً، عظمة وهواناً.



لا أعرف شيئاً أجمل وأسمى من الصلاة في أي دين من الأديان... "هي محاولة للدنو من روح الحياة الكبرى"



يحزنني الربيع، يحزنني أن أرى مواكبه الجميلة تسير في الفضاء فلا يراها البشر إلا من كوى ضيقة نُقبت في الجدران الحديدية.



كل ما يحيط بنا في الحياة سر ولغز، لكن حواسنا المثقلة بأحمال المادة تحجب عنا الأنوار، فلا نرى للأشياء وجوداً ولا ندرك لها حقيقة إلا بقدر ما تتفق فيها مع أطماعنا وشواغلنا.



إن قطرة حزن في عمقها توازي بحر سرور في اتساعه. إن الشقاء حقيقة والسعادة خيال.



في بعض ساعات الألم تشعر بأن للزمان كهفاً تحفزه الضواري وأنت وحدك فيه سجين والناس فوقك شامتون يرقصون ويمرحون.




"لبيــروت

من قلبي ســلام لبيروت
وقبل للبحر والبيوت
لصخرة كأنها
وجه بحــار قديم" (قلب ينبض)

Petals
02-11-2007, 10:22 PM
من شعر مي
"مختارات"


كآبة



كتبت في اليوم الثاني من شهر نوفمبر، وهو كما
لا يخفى يوم الموتى عند الغربيين



حزينة اليوم روحي وحزنها القاتم مؤلمي. فعلام الاكتئاب.
أترى الأوراق المتناثرة عن غصونها تدري لأي غرض تقلبها الريح وتتلاعب بها في تطايرها؟

إنها لتتناثر تلك الوريقات المسكينة وتتهاوى أكواماً. هي التي كان يمضّها أسر الالتصاق بشجرة أنالتها الحياة، هي التي نزعت إلى الانعتاق والتحرر، ها هي في نهاية الأمر فائزة بحريتها.

كم تخال مغتبطة هذه الوريقات المصفرّة، الذابلة، المتجعدة، المتغضنة، المنقبضة كبشرة هرمى العجائز! كم هي مغتبطة بهذا الانفصال وكم تختال في تلويها! إنها لتتململ فتعلو وتهبط، وتتدانى وتتباعد، وتتلاقى وتتجانب. وتدور مرفرفة حول نفسها، منتهزة هفوف أرق الأنسام لتبتعد قليلاً عن الثرى، كأنما هي تفقه بسر غريزتها ما هي صائرة إليه على هذه الأرض النكداء. فتطلب الانتشار في الجو، وتؤثر المكوث في مهب الريح، وتزعم أنها سعيدة لأنها هناك أقل بعداً عن السماء!

لقد أبصرتك تتولدين، يا وريقاتي العزيزة، ورقبتك تنبتين. وكنت صغيرة... تنمين في حلة خضراء ناضرة...

هلا حدثتني – كم من همس عذب طار إليك، وكم من قبلة طاهرة شهدت وأنت على الأفنان؟ أما كفاك العناق فيما بينك كلما هبّ عليك النسيم مداعباً؟ أيتها الحسودات الصغيرات، من علٍ رأيت السرور يمرُّ فطلبتِه ظناً منك أن السعادة على الأرض. لكن لا ! لا سعادة عندنا لأن الإنسان يرسم أمانيه ثم يعجز دون تحقيقها.

وأنت، أيتها الوريقات الساذجة، التي بذلت أقصى الجهود للتخلص من ربقة العبودية، إنك لن تظفري بما شاقك من مظهر الحرية. لن تظفري حتى ولا بالانهواء والمثوى عند قدم عزيزة تدوسك حيث تذوقين لذة الجور والإذلال ممن تحبين. إنما التقلب في التراب والتمرغ في الأوحال هو كل ما تنالين حتى التحلل والاضمحلال.

وأنا حزينة إذ أراك تتناثرين، وترفرفين، وتتهافتين نحو مثواك القاسي، وحزني هذا جداً مؤلمي.

أيها الإله!
لماذا وضعت في عيني الإنسان هذه العبرات وقضيت بألا تجف ولا تنضب؟
لماذا؟
أي مسرة أنت ملاق في النكال والإيلام؟ إنك القادر ونحن ضعاف. إنك العظيم ونحن بائسون. نحن أشرار وأنت كل الصلاح. أما كان الغفران أجدر بمعظمتك؟ أو ما كانت ملاشاتنا أوفق لرحيب قدرتك؟ ولكنك لم تفعل هذا ولا ذاك، ونحن نشقى ونتعذب.

نفسي اليوم حزينة وحزنها قاتم. أفكر في الأوراق المتناثرة، وفي الأحياء الذين يضحكون، وفي الموتى الذين مضوا كأنهم لم يكونوا.


ايزيس كوبيا (مي)



"زنوبيا زنوبيا اسمعي يا زنوبيا اسمعي
أبواق الرومان عم تعلن نهاية تدمر
تدمر يا نجمة المشارق
حاصرتك روما و أستشهدوا أبطالك
لبصرى عم يسمع نحيبك يا طفلة الممالك"

مهداة حتى نهــايتها للآنســة فدوى البقــالي :)

Petals
02-11-2007, 10:27 PM
هنري برغسون
أشهر فلاسفة العصر

هل هو ثوروي:

اقترح بعضهم انشاء سياسة ديموقراطية برغسنية وتأليف أحزاب ثوروية تستخرج مبادئها من مذهب برغسن فقالوا:
ان غاية الديموقراطية تخويل الفرد ما أمكن الحقوق وتعليم الجميع احترام حقوق الانسان الطبيعية. وكل فلسفة تهتم بالفرد (مثل مذهبي روسو وكنت) إنما هي مساعدة الديموقراطية في تحقيق غايتها. ولما كان برغسن مظهراً من الفرد أعظم قيمة ظهرت حتى الآن بكشفه عن أهمية الأنا الأساسية ومثبتاً أن الحياة الفردية مستودع قوى ثمينة تغطيها حياة الاجتماع برداء الاصطلاحات ومعلناً أن الدرجة التي يستطيع المرء الوصول إليها يجب أن تقاس بقيمته الشخصية وبخبرته الداخلية لا بما هو عليه من ثروة مادية ومركز قومي - مما رفع أهمية الفرد إلى هذه الدرجة العالية – كان مؤيداً بنظريته سياسة الفردية ومعززاً المثل الديموقراطي الأعلى.

ما أسهل أن يكون المرء محقاً اذا تكلم بهذه اللهجة! وقد صدق القائل أن أكثر الناس أذى لامرئ أكثرهم شغفاً وإعجاباً به.
الديموقراطية روح هذا العصر وفرنسا وطن الديموقراطية في العالم القديم كما أن امريكا مدرسة الحرية الديموقراطية في العالمين. وبرغسن أعظم فيلسوف فرنساوي في هذا العصر فلا عجب إذا حاول الديموقراطيون الاتكاء على مذهبه، لكنهم في تقديرهم مخطئون.

إذا كانت غاية الديموقراطية تعظيم قيمة الفرد العددية والاجتماعية فهي لا تعبأ بقيمته النفسية والاجتماعية فهي لا تعبأ بقيمته النفسية والاخلاقية وهي التي اهتم بها برغسن فدعاها الأنا الأساسية تلك الأنا التي لا تتزلف للعروش ولا تكبلها القيود والأصفاد ولا تسلبها حريتها وشرفها غيابات السجون. وهي لا غرض لها في الدفاع عن الديموقراطية والتذمر من الارستوقراطية لأنها فوقهما بمراحل.

رأيه في المكون:

فطر الانسان على تكبر وطغيان يدفعانه إلى تحديد كل شيء بالألفاظ حتى الله جل جلاله. فما ذكرنا فيلسوفاً إلا ذكرنا معه رأيه في علة الكون لأنه كما قال نتلشب إن ما نسميه الله هو أعلى وأشرف وأجمل مثل ترسمه مداركنا السامية ومطامحنا الراقية. مثل مطلق نجعل فيه أعظم ما نحب ونعبد في الأشخاص وأرفع ما نعجب به ونتهيبه في الطبيعة. كائن أزلي سرمدي بلا شريك ولا منازع.

تعليل العالم سهل لولا عنصر الشر فيه. فما وقف مفكر امام جلال الطبيعة مدركاً عظمة الكون إلا انتبه بعد حين إلى الشرور المنسابة في سبل البشر والألم الكامن في جميع الموجودات. في الكائنات الضعيفة المجاهدة ضد الكائنات القوية. في الأنواع الطامعة في حفظ نفسها وارتقائها. في النبات الذي يشق وجه الأرض ليبحث عن النور والحرارة. في ايذاء الانسان للانسان مرغماً أو مختاراً لتنازع البقاء. إن في أعماق الآفاق الهادئة لناراً تحرق أحشاء الكواكب وقوى طبيعية تعصف بالأكوان فتحطمها ويتساقط فتيتها مخترقاً جونا بشكل النيازك. تحت كل جمال ألم هائل ووراء كل سكون وجع وجهاد كأن الألم ناموس الحياة الأوحد. فيصعب على المفكر تفسير الشر إذ لا يجري شيء في الخليقة دون ارادة الله اله الرفق والصلاح وسماحه. وقد كان عنصر الشر حجر عثرة في سبيل كل مذهب فلسفي وجعلته الأديان عقاباً على اقتراف الآثام.

يتجنب برغسن هذا الموضوع ما استطاع بانزاله الغريزة الحيوانية منزلة الغاية العقلية في قلب الأشياء فيقول في كتابه "النشوء الابداعي" "ليس الارتقاء حركة اندفاع إلى الأمام فحسب بل كثيراً ما يكون لحظات جمود ظاهري وقد يكون انحرافاً والتواءً وتقهقراً إلى الوراء. ويجب أن يكون الأمر كذلك".
يعترف بإله حر مبدع الحياة والمادة وقوة ابداعه متواصلة نحو وجهة حيوية بترقية الأنواع وتنظيم الشخصيات البشرية. وهو أكثر من قوة كامنة في الطبيعة لأنه متحدٌ بها اتحاداً كلياً وهو الأصل الذي تصدر منه جميع الأمور حسنة كانت أو غير حسنة.

احتجاج برغسن على القدرية والجبرية شديد. وعنده أننا إذا رسمنا لنفسنا خطة قيدنا حريتنا وحددنا ارتقاءنا. ولئن كانت نظريته في الألوهية غير متينة ولا نهائية فإنه يصفها بعبارات سامية جليلة ومعان فخمة بديعة لم يستعملها قبله أحد كقوله أن الله البحر الذي نسبح فيه وتغمرنا أمواجه من كل صوب. هو الحياة التي نحيا بها ونتحرك فيها ويخفق قلبنا الكبير وتكون ذواتنا من غمر أنعامها. هو الفيض الشامل الذي لا ينقطع تدفقه والحقيقة الواحدة التي تتغذى أرواحنا بتشععها الخالد. وبينا هو يعظم الله بهذه العبارات إذ هو يظهر العلاقة الضيقة الشديدة بينه وبين الانسان بين منهل الروح الأسمى وقطرة الشخصية البشرية.

الحياة والمادة:

لقد كان مشهد الشر في كل مكان باعثاً على تأليف مذاهب الثنوية القائلة بقوتين قوة الخير وقوة الشر عنصر النور وعنصر الظلام . واذا كانت نظرية الالوهية عند برغسن غير مرتبة تمام الترتيب فإن فكرة الاثينية واضحة كل الوضوح بل مقررة ثابتة وهي عنده النزعة الحيوية والمادة.

ما هي نسبة الحياة إلى المادة؟ على النسبة المميزة بينهما أقام برغسن نظريته في الزمن وحرية الإرادة . فالحياة أو النزعة الحيوية حرية والمادة ضرورة أو اقتضاء. النزعة الحيوية ديمومة والمادة جمود. وكل ما يقيد العالم الهيولي من نظام آلي وتحديد يتفلت منه العنصر الحيوي. فالعقل المادي من طبعه والذي قد اعتاد أساليب المادة جعل الحياة آلية وحدد الحرية بالمادة لأنه لا يدرك إلا المحسوس. ولكن لنطرحن عنا الصور العقلية محاولين ادراك الحياة بالبداهة نجد أن ماهية الحياة هي الحرية بعينها.

تسعى النزعة الحيوية إلى التغلب على تصلب القوى المادية وتحتاج للفوز بغايتها إلى مساعد لا يمكنها ابداعه فتستعمل مكانه نفس القوة الكامنة في المادة. ولولا المادة ما استطاعت الحياة القيام بوظيفتها ولا هي تظهر في الأنواع والأفراد إلا بمقاومة تلقاها من المادة التي بدونها لا اقتدار للحركة على الانطلاق. فالمادة إذاً التي تعترض دون تدفق الحياة هي هي الشرط اللازم لبروزها وهي ميدان ارتقائها.

أبداً تبحث النزعة الحيوية عن منفذ تبدو منه وأسلوب مألوف في النظام الهيولي تفصح به عن مرادها وأبداً تعترضها المادة بما فيها من قوة الجمود والتصلب. وكل خطوة أمامية للنشوء والارتقاء انتصار تتغلب به الحياة على المادة. كأن جوهر هذا المذهب هو أن العنصر الأولى المحرك هو الحياة يقابلها عنصر أولي محرك هو المادة.

النشوء والارتقاء:

لم يفكر أحد قبل برغسن في تطبيق مذهب النشوء والارتقاء على عالم الروح ولم يكن يظن جارياً في غير عالم المحسوسات. المادة هي الشيء الوحيد الممكن تحديده بالألفاظ العلمية كما أنها الصورة التي تحل فيها الحقيقة الملائمة لادراكنا. والعقل الذي ننظم به حياتنا نتيجة النشوء المبدع وصيغة من صيغ الاندفاع الحيوي المعبر عن نفسه بتتابع الابداع.

بدأ برغسن بنقض مذاهب الجبريين والآليين وأنكر مذهب العقليين الذي ينسب للادراك البشري قوة ليست فيه ثم فسر الحياة والارتقاء بالنزعة الحيوية. فقال أن مجرى الحياة الذي تولد في حين ما يخترق الأجسام التي نظمها بالتعاقب ماراً من ذرية إلى أخرى. يخترقها لا ككرة محشوة يقذف بها المدفع فيكون اتجاهها واحداً بل كقنبلة انفجرت منها الشظايا فانطلقت كل شظية في سبيلها غير المعين لتتوزع على الأنواع وتتبعثر فيها. واذا عثرت على موانع في طريقها فلا تفقد من قوتها شيئاً بل تتحول بها إلى جهة أخرى. فما الارتقاء إلا نمو القوة السرية التي سماها "النزعة الحيوية" أو "النزعة الأصلية" وعنده أن النشوء لا يسير طبق خطة مرسومة بل هو ابداع حر متواصل التجدد يظل به المستقبل وما يضمره من الممكنات مفتوحاً أمامنا.

رأيه في الحرب:

...
لم ير عصر قبل عصرنا ما شهدناه من تفوق الفكر في كبح قوى العناصر حتى صارت طوع يدنا وأصبحت عجائب الأمس مبتذل اليوم. لكن لا سرور بتلك الاختراعات ولا فخر لأنها مصوبة جميعاً ضد الحياة التي اكسبتها الحياة. وما الكابوس الضاغط على الأفكار في هذه الأعوام ناتج عن فظائع الحرب أو عن الاثبات المحزن بأنها أشد بطشاً وأسرع فتكاً من حب المخالب والبراثن لأنها حرب العقل والعلم إذ لا بد أن تنتهي هذه الحرب يوماً فتكون الغلبة في جانب أحد الفريقين أو يكون الكلل والضنى عند كليهما. إنما الكابوس هو حكم الفلسفة المنبثة بأن كل ذلك ضرورة بيولوجية وناموس ارتقاء لا تفلت منه.

خطب برغسن سنة 1915 في موضوع الحرب ففسرها بالنظرية التي هي دعامة مذهبه. الحياة والمادة في حرب مستمرة فإذا نفذنا بفطنتنا إلى ما وراء ما نشر من الأسرار في هذه المفجعة الشعواء وراء المواقع الكبرى وحرب الخنادق اليومية وجدنا الحرب الدائمة التي لا ينقطع اتصالها لأنها عنصر الحياة بعينه. ويقول أن فلاسفة الالمان اقنعوا ابناء وطنهم بتلك المبادئ فانتخبت المانيا العسكرية لنفسها دور المادة ضاربة صفحاً عن القوة الحيوية. دور المادة التي تكافح الحياة وتود تحطيمها بدلاً من أن تكون لها مساعداً على البروز والتعبير عن نفسها.

ويرى أن الفوز النهائي للحلفاء إذ يقول : "في امكان الحياة ابداع قوى حديثة تقمع بها الآلات الفتاكة والحلفاء محاطون بنظام آلي عنيد مدبر باتقان والغرض منه كسرهم والتغلب عليهم. وذلك عمل المادة ساعة تعترض النزعة الحيوية في اندفاعها. لكن الاعداء لا ينالون مراميهم لأن لدى الحلفاء القوة المبدعة قوة الحياة التي تنازع المادة طويلاً فتكون لها الغلبة دائماً. نعم ان عند الأعداء مثل هذه القوة لكنهم أنكروها بالقائهم الرجاء والاتكال على نظامهم العسكري وما يعضده من آلات وسوامّ فهم يحاربون للسيادة والاستعباد بينا الحلفاء يحاربون لتحرير انفسهم وتحرير غيرهم. وذلك شأن الحياة في حربها مع المادة. وما هذه الحرب الدولية الكبرى إلا مظهر ضئيل من أهم شرط من شروط الوجود وهو حرب الحياة والمادة الخالدة".

العقل والبداهة:

دعي برغسن "فيلسوف البداهة" وهذه أهم نقطة من مذهبه، إنما شرف كنت الالماني قائم باثباته قصر العقل البشري وعجزه عن الوصول إلى الحقيقة في ذاتها فلا يدركها إلا نسبية حسب اقتداره الضعيف. لكن برغسن ذهب إلى أبعد من ذلك فزاد في تضييق تلك الدائرة دائرة النسبة التي رضي بها كنت فأنكر على العقل حتى امكان معرفة الشيء معرفة نسبية حقيقية.

أصل هذه النظرية هي التميز بين الزمن المكاني والديمومة السيكولوجية فيقول إن وقت التأمل الهادئ لا يشبه وقتاً يعجله الانفعال أو يطيله الألم. أما زمن الساعات زمن التسوية والتعديل فلا يقاس به زمن عواطفنا المتغيرة إلا بحكم العادة والاتفاق وحركته الآلية المصطنعة لا تشبه حركة أفكارنا وإحساساتنا التي نحياها ونكاد نلمسها في داخل ضميرنا إلا بالاسم.

يعتبر العقل أثمن قوة حصل عليها الانسان إلى الآن لأن به تفوقه الحقيقي الحاضر غير أن خبرات العقل وإدراكاته تعجز عن القبض على أصول الحياة لأنها من غير نوعها فهي لا ترى شيئاً من الحركات الجاريات في أعماق النفس المظلمة. العقل يدرك الماضي المنقضي لأنه صار بحدوثه مادياً من نوعه فيمكنه تقريره بالكلام والتثبت منه بأدلة الحواس لكنه يجهل الصيرورة التي تدفعنا إلى الأمام وهي من محفوظات البداهة. فلا نتوصل إلى لمس الحقيقة إلا بسيرنا مع السيل الحيوي وبالبداهة والشعور والانعطاف والحماسة.

يرى في طريق العقل عقبات تهشمه وحواجز يرتد عنها كليلاً وفي وسع البداهة التغلب عليها اذا استعان بها. اذ ذاك يستطيع العقل تعيين ادراكات البداهة. بالكلام موطداً النظريات والمقاصد التي تتفرد هي باكتشافها. وهذا يذكرنا برأي برغسني سبق تلخيصه في هذه النظرة السريعة في مذهبه. أعني رأيه في العلم والفلسفة. يرى أن تسبق الفلسفة العلم إلى حيث يتبعها العلم بعد حين. كذلك يقدم البداهة على العقل مشيراً عليه بتتبع خطاها. وما البداهة إلا الغريزة إذا ارتقت في الانسان.

نراه يبدد النظرية الافلاطونية القائلة أن المحسوسات ليست إلا انعكاس الفكرات الضئيل وينكر على المنطق دعواه في السيطرة على الفكر محتقراً ما يأتي منه من أمر ونهي فيما يتعلق بالحياة الداخلية. ويأبى الرضى بالعقل حكماً لتقرير ما يجب وما لا يجب أن يكون لأن المنطق العقلي لا يقوم مقام الخبرة الشخصية الداخلية الاكيدة ولا يقوى على اسكات صوت البداهة. ومن أقرب الشواهد على ذلك أن جميع الاثباتات الجدلية والبراهين العقلية والمقاييس المنطقية لا تكفي لنقض الاعتقادات الدينية مهما امتزجت بها الخرافات امتزاج الذهب بالرمل والصلصال.

ويكفي النظر إلى وظيفة العقل وتقدير نتائج عمله لنعلم أنه مناف للغريزة أو البداهة . فهو يهتم بتكييف الهيولى ومعالجة الجوامد واستنباط الآلات وما هو على هواه إلا أمام الأشياء الميتة التي يخلق لها وجوداً آلياً. غير أن الغريزة تفصح عن نفسها بوجودها الآلي ولو عرفنا أن نسألها واستطاعت الجواب لأفضت الينا بأعظم أسرار الحياة وأغربها. ولما كان اتجاه البداهة نحو الحياة واتجاه العقل نحو المادة كان تعاون الاثنين ضرورياً للسعي إلى ادراك سر الحياة والتعبير عنه.فعلى البشرية أن تنقلب عائدة إلى ملتقى السبل الذي افترقت فيه القوتان فيعضد العقل البداهة بدلاً من أن يحتقرها. وها تاريخ الفن والأدب والعلم نفسه شاهد على دور مجهول مثلته البداهة يوم أفسح لها المجال فكانت مساعدة العقل لا عدوته.

ما الانسانية الكاملة إلا الانسانية وصل منها البداهة والعقل إلى اعلى درجة ممكنة من النمو. وما الانسانية اليوم عند هذه الخطوة الصعبة من سبيلها إلا لأن سراج البداهة خبا تحت أثقال الدهور. فإذا شع فجأة الوقت بعد الوقت فهو لا يضيء إلا لمحات قليلات ولا يقوى على اثارة غير جزء صغير من ظلمات المادة .

الكلمة الأخيرة لم تقل بعد:

جوهر هذا المذهب محصور في مؤلفات برغسن الكبرى الثلاثة وتفسيره مبعثر في مئات المحاضرات والمقالات. يرى فيه الناقدون تناقضاً كثيراً لكن الآراء العلمية العصرية لا تنقض نظريته في اندفاع النزعة الحيوية التي هي قاعدة هذا المذهب. ولئن شغل كثيراً بما وراء المحسوس فله كذلك اهتمام بالحياة العملية ولا يستطيع نبذ ذلك الاهتمام في مصلحة المذهب ذاته وهذا سبب فوزه الشامل.

يقول برغسن ان هذا المذهب يرمي إلى استيعاب العقل في البداهة لحذف نقط الصعوبات العقلية من جهة وزيادة الرغبة في العمل وتقوية الحب للحياة من جهة أخرى. لكن أين العالم الاجتماعي الذي يقتحم المجازفة بكل ما لدى البشر من الخبرات العقلية والنتائج الآلية لتطبيق الارتقاء والسعادة على قواعد المذاهب البرغسني المهيب بجلاله النظري وجماله التركيبي لكن القاصر دون حماية مطالب الحياة العملية وشؤونها.

على أن هناك أمراً لا جدال فيه وهو أن العقل وحده لا يستطيع ايصالنا إلى السعادة وصرنا بفضل برغسون مدركين قيمة هذه الالاهة (البداهة) الكامنة فينا شاعرين بعذوبة بسمتها في أعماق النفوس معترفين بفائدة اشتراكها مع العقل في تدبير شؤون الحياة والسعادة.

جميع نظريات برغسن لم تطبع بالطابع النهائي ولم يقل بعد في مذهبه الكلمة الأخيرة لأنه ما فتئ شاباً في زهرة شبابه الفكري.

"بتذكر أخر مرة شفتك سنتا
بتذكر وقتا أخر كلمة قلتا
و ما عدت شفتك و هلق شفتك
كيفك أنت ملا أنت"

:)

Petals
02-11-2007, 10:33 PM
مؤلفــــــات مي زيــادة من موقع مكتبة المصطفــى


إبتسامات و دموع, أو الحب الالماني
http://www.al-mostafa.info/data/arabic/depot2/gap.php?file=010059.pdf

كلمات وإشارات جـ 1

http://www.al-mostafa.info/data/arabic/depot2/gap.php?file=017936.pdf

كلمات وإشارات جـ2

http://www.al-mostafa.info/data/arabic/depot2/gap.php?file=000132.pdf


وردة اليازجي

http://al-mostafa.info/data/arabic/depot2/gap.php?file=013026.pdf

باحثة البادية:دراسة نقدية

http://www.al-mostafa.info/data/arabic/depot2/gap.php?file=002529.pdf

رجوع الموجة / رواية

http://al-mostafa.info/data/arabic/depot2/gap.php?file=013666.pdf

سوانح فتاة

http://www.al-mostafa.info/data/arabic/depot2/gap.php?file=008446.pdf

عائشة تيمور : شاعرة الطليعة

http://www.al-mostafa.info/data/arabic/depot2/gap.php?file=013273.pdf

الأعمال المجهولة لمي زيادة
http://www.al-mostafa.info/data/arabic/depot2/gap.php?file=018909.pdf


------

"سلملي لي عليه و قلو إني بسلم عليه
و بوسلي عينيه و قلو إني ببوس عينيه"

Petals
02-11-2007, 10:42 PM
خلصـــــــــــــــــــــت :)


.
.
.


المصــــــدر للأمـــانة (http://www.alsakher.com/vb2/showthread.php?t=111741)

سارونه
02-11-2007, 11:03 PM
http://www.sfsaleh.com/upload/uploaded//12223.gif





اقراها ان شاء الله

مشكورة
ماننحرم هالمجهود
والشكر لاوليفيا |238|

Petals
02-11-2007, 11:34 PM
مواضيع أخرى بخصوص الآنسة مــي هنا في الدرر :)


الحديث الحلو واللحـن الشجي_لأنيس منصور..( وكتاب عن مي زيادة للتحميـل ) (http://www.dorarr.ws/forum/showthread.php?t=26363)




أنت أيها الغريب... إهداء إلى فتاة الفجـــر (!) (http://www.dorarr.ws/forum/showthread.php?t=18150)


ياااه رحم الله التعجب بين القوسين :)

Petals
02-11-2007, 11:37 PM
http://www.sfsaleh.com/upload/uploaded//12223.gif





اقراها ان شاء الله

مشكورة
ماننحرم هالمجهود
والشكر لاوليفيا |238|







والعفــو كثيرا


وأهلا بكِ دومــأ


وفعلا الشكر الجزيل لأوفيليا

Petals
03-11-2007, 09:53 PM
الأفضــل إضافة الكتاب هنا

مي زيادة أسطورة الحب والنبوغ لنوال مصطفى

http://www.dorarr.ws/forum/attachment.php?attachmentid=29 88&d=1151926646

عابده لله
04-11-2007, 04:48 PM
http://www.dorarr.ws/forum/uploaded/286/s30.gif
كـــح كـــح كـــح
ويلي دايمنك غاطسه مع المغبرين
ومافي غير انفض الغبار عنك :drr05_64:





لا عن جد تسلم يداتك نوري
:)



مي كانت علامة مميزة في الأدب
العربي المعاصر وستظل

فهي انسانة رقيقة حسها
وتذوقها للحرف عالي
جداً ؛ بصراحة تعجبني
رغم أنها صعبة المزاج
وبيني وبينها ألــم
مشترك ألا وهو

غربة الروح





حبها الكبيــر لـ
جبران خليل جبران
رغم أنهما لم يلتقيا ما
عاشا من عمرٍ أكبرها
في ناظري
:)

ومما جعلني أشعرني
بها رهافة حسها أليست
هي من قالت بهدوء
وصمت الكون :

" أتمنى أن يأتي أحد بعد موتي وينصفني "

بربكِ أين هو الإنصاف يا مي ..!




بيتي ..
أرهقني متصفحكِ
وأزاح الغبار من على
كتبٍ كثيرة كنت قد دفنتها
في اعلى السندرة ..!

قررت التو الإفراج عنها
ووهبها الحياة بين يداي
من جديدhttp://www.dorarr.ws/forum/uploaded/286/48.gif


.
.

عابده

Petals
04-11-2007, 07:07 PM
http://www.terezia.org/thumb.php?s=200&id=43b4e45315f9e.jpg


"ولدتُ في بلد، أبي من بلد، وأمي من بلد، وسكني في بلد، وأشباح نفسي تنتقل من بلد إلى بلد، فلأي من هذه البلدان أنتمي، وعن أي هذه البلدان أدافع؟" (مي زيادة، "ظلمات وأشعة"). صورة مي زيادة بين الأدب والحب وحيرة الانتماء والعزوبة والوحدة... وأخيراً "الجنون" الملتبس أو المزعوم، هي واحدة من صور حياتنا الثقافية في الأمس واليوم. وقد تكون حياتها في القاهرة الكوزموبوليتية، حيث أنشأت صالونها الأدبي في مطالع القرن العشرين، الحلقة الأبرز في صورتها، إلى جانب كتاباتها المتنوعة وعلاقتها "الغرامية" بجبران... على الورق. وما استعادة سيرتها الناقصة اليوم إلاّ محاولة لإضاءة جوانب خلاّقة من ماضي ثقافتنا وحاضرها الراهن.

لم نجد لدى الأدباء العرب واللبنانيين في أوائل القرن العشرين سوى القلّة القليلة، ممن اتخذت حياته منحى غريباً يفارق مناحي الأدباء المألوفة، على نحو ما شهدنا في حياة الأديبة مي زيادة. ولئن ولدت مي في الناصرة من أعمال فلسطين في 11 شباط من عام 1886 ، فإن أبويها (والدها لبناني وأمها فلسطينية - سورية) ما برحا شديدي التعلق بقرية شحتول، في قضاء كسروان. وإذا قُدّر لها أن تقيم في القاهرة، منذ العام 1904 ، بداعي التعليم الذي انصرف إليه والدها، فإن أوهاماً كبرى لازمت روحها، محلقة بها في ما يتجاوز القارتين الإفريقية والأوروبية إلى أميركا، وتحديداً إلى نيويورك حيث أقام جبران خليل جبران، حبيب نفسها وموطن آمالها التي أبادها عندما مات.

لا وطن لي! سبقت مي زيادة، بلا شك، مجايليها من الأدباء المصريين واللبنانيين والعرب عموماً، بتلك الصلة المهزوزة التي اعترت علاقتها بالوطن الأم.... ذلك أن مي زيادة، الفريدة بين أديبات ذلك الشرق وأدبائه، هي ممن راحوا يتفحصون أوطانهم بعين الرهافة ويزينونها بميزان التجربة الفردية، يرفدهم في ذلك إرث ثقافي عماده الارتياب بفكرة الوطن لصالح الكائن الحر، الأرقى وجوداً من أي كيان. فإذا ما أنعمت النظر إلى وطنها، وراحت تقيسه بمقاييس العدل والقرابة الحقة واحترام المرأة، وجدت أن وطنها ذاك "تنقصه شروط المواطنية". وإذا جالت في أرجاء الوطن وتأملت طبيعته الحلوة، أحبته حباً، غير ان ذلك الحب لا يكفي أن يصير ذلك الوطن لها. ثم، بعد أن تجري جردة في محاسن كل أمة، مفاضلة بينها وبين وطنها، تنتهي إلى أن "لا وطن لها"، وأن وطنها إنما هو وطن "العالِم والفيلسوف والشاعر والفنان...".

وقد يظن البعض أن حال اللاإنتماء هذه التي انتهت إليها مي زيادة، كانت تتويجاً لمسار أدبي ذروته الانصراف عن الناس وقضاياهم وقيمهم التي يختلط فيها الغثّ بالسمين، والوطني الحق بالطائفي، والقومي بالتعصبي، في حين بدت مي، منذ انخراطها في حياة القاهرة المدنية نشطة، تخطب في الناشئة وتحضّ على المساواة بين الرجل والمرأة، وتفتتح النوادي داعية إلى معونة أهل سوريا ولبنان ممن أصابتهم نكبة الجوع. حتى ليمكن القول إن تحرّكها الاجتماعي الناشط، والذي نستدل عليه من سلسلة خطبها ومقالاتها ومما أُثر عنها في محيطها القريب، كان مستمداً من النبض الحي والمتنامي لنخبة اجتماعية مصرية في عزّ صعودها، بالتزامن مع اليقظة المصرية والوطنية، متمثلة بثورة سعد زغلول، وما أشاعته في أوساط العامة والخاصة من مشاعر الاعتزاز القومي والتآخي بين عناصر الأمة. إذاً، لم يكن شعور مي زيادة بالانتماء إلى مصر أو إلى لبنان، في بادئ الأمر، شعوراً نخبوياً مجرداً من كل شوائب العامة. وإنما كانت منجذبة إلى هذا الانتماء الطبيعي انجذاباً خالصاً، لعله يلطّف من مرارة انسلاخها عن محيطها الأول (لبنان) وقساوة ابتعادها عن مسقط رأسها وملعب صباها (فلسطين) ومسرح تألقها الأدبي والفكري (مصر).

إلاّ أن ما كابدته إبّان أزمتها النفسية الأولى، وعنيت موت بعض الأدباء ممن كانوا يشكلون الحلقة الأدبية التي راحت تنتظم دورياً في بيتها الوالدي، وما تلى ذلك من صلات مضطربة، بل متوترة، بأقارب لها من آل زيادة، ممن كانوا يتحيّنون الفرص لانتزاع الإرث من بين يديها، فاقم في نفسها الشعور بعدم الانتماء إلى وطن، إذ فطنت إلى الفرق العظيم بين شعارات من مثل القربى والوطنية والجماعة والأمة، والمسلك الحقيقي الذي ينطوي عليه بشر هذه الجماعات والأقوام والأوطان. حتى إذا تقصيت كتب مي زيادة، لما بعد العام 1920 ، وجدت حقلاً معجمياً أكبر فيها، ويكاد يكون الأعظم بدلالته، وعنوانه الغربة: متفرد، هجران، المجهولة، المنبوذ، التائه، الغريب، السجينة وغيرها، وقطبه الثاني المرتبط به ارتباطاً لا يقل دلالة، هو الجماعة: الجماهير، الجماعات، الناس، المجتمع، وغيرها من مترادفاته.

لا، لم تكن غربة مي محض عنوان برّاق لمسلك رومنطيقي كانت تدرك أصوله الكبرى بالعقل وتأنف من اتخاذه ما لم يصدر من صميم وعيها وروحها، وإنما كانت يقيناً راسخاً في أعماق كيانها، ومؤداه أن الفرد مآله الوحدة في عالم تهاوت قيمه وأطره الجمعية، وأن على الأدب أن يتنكّب المهمة السامية وهي مؤاساة الإنسان في مصيره الفردي، على ما أوردته في محاضرتها العتيدة، "رسالة الأديب إلى العالم العربي"، التي ألقتها من على منبر الجامعة الأميركية في بيروت، في العام 1938 ، بإصرار من صديقها أمين الريحاني، دحضاً لمزاعم جنونها التي أطلقها أنسباؤها عليها، وتسببت بالفصل المأسوي الأخير من حياتها في لبنان. إذاً، كانت مي زيادة اللامنتمية الأولى بين الأدباء اللبنانيين والعرب، من قبل أن تذيع هذه الدرجة من كولن ويلسون في أهل العربية. ولربما كانت أول أديبة إنسانية (او إنسانوية) جازت بقلبها وقلمها حدود الأوطان العربية والمشرقية إلى آفاق لم تتسنّ رحابتها إلاّ للقلة القليلة، تعينها على ذلك كوزموبوليتية سرت في عروقها منذ رأت الـنـور ولـم تـفـارقـهـا حـتـى مفارقتها الحياة. وفي حين كان قاسم أمين، رائد تحرير المرأة في مصر، يخطب ودّ الخديوي عباس الثاني، طمعاً في منصب، وكان طه حسين، الذي ما برح يتردّد إلى صالون مي زيادة الأدبي عقداً من الزمن حتى تولتها سويداء الموت، ساعياً بدوره في سكة الموظفين الكبار في بلاد الملك فؤاد الأول، وكان لطفي السيد وولي الدين يكن وشبلي الشميل وغيرهم من المثقفين المصريين أو المنضوين في حركة الثقافة في مصر، معتمدين على "رضى الدولة"، ومرتضين العيش في كنفها، على أنها ضامنة للحداثة التي يزعمون حملها في ذواتهم ونتاجهم...

في حين كانت أحوال هؤلاء المثقفين على هذا الوصف، كانت مي زيادة هانئة في منزلها الكبير، في القاهرة، ناعمة بحال مقبولة من البحبوحة، موفورة بعمل والدها; تنقل خطوها بين مكتبها المستقل فيه، حيث يخط قلمها ما يخطر في بالها، حرة الضمير واللغة والموقف، وبين البيانو الذي تجيد العزف عليه، وبين صالونها الوسيع الذي جعلته منتدى أدبياً عامراً على مدى سبعة عشر عاماً أو أكثر، منذ العام 1912 ، عام إصدارها باكورتها الشعرية الفرنسية "أزاهير حلم"، وحتى العام 1929 ، تاريخ موت والدها. وقد أمّ منتدى الثلاثاء أو صالون مي الأدبي، الأدباء والشعراء اللبنانيون والمصريون والسوريون ليتداولوا في أخطر القضايا الأدبية والاجتماعية، متحررين من ضغط الوظائف، ومن ثقل انتمائهم إلى دواوين الدولة، في غالبيتهم العظمى، وما تمليه عليهم من أوليات غير أدبية.

وقد وصفت الكاتبة جانباً من النقاشات الحارة التي كانت تجري في صالونها الأدبي، "وفي ردهة الاستقبال بمنزل والدي مي"، ذكرت في مطلع المحاورة المنقولة عن أجواء اللقاءات، ولئن حرصت على أن تتنقل، في هذه المحاورة بين شخصيات نموذجية تمثل نخبة المجتمع المصري، وتشكل عينة من رواد صالونها الأدبي (السيدة جليلة; معلمة مي، مي، تلميذة السيدة جليلة وكاتبة مقالات المساواة، بلانش وانتوانت; رفيقتا مي تتكلمان الفرنسية، عارف; أديب خبر الناس، الأستاذ سامي: عالم فيلسوف، سعيد بك; وجيه ورئيس جمعية خيرية، زكي أفندي; لا فكر له، وممتدح جميع الناس)، فإنها شاءت أن تُخرج نفسها على صورة الناظمة لهيئة المفكرين والأدباء المصريين وللمنتفعين على حد سواء، والذين راوحت ميولهم بين الملكية المحافظة والاشتراكية الصاعدة، بين الطبقة الثرية ذات المغانم التي تحدو بها إلى التمثل بالفرنسيين لغة ومسلكاً، ودعاة الثورة وأصحاب الرؤى المستقبلية، والمخيّبين من كل طبقات المجتمع وصفوف رجاله ونسائه.

أريستوقراطية النبوغ كان موقع مي، الذي رسمته لنفسها، كناظمة لعمل الأدباء وساعية إلى تلاقيهم في منتداها، حائلاً دون ارتباطها بحزب أو برابط مصلحة سياسية، تشدها حيناً إلى السلطة الملكية الناشئة في مصر، وحيناً آخر إلى الأحزاب العلمانية المعارضة التي توالي ظهورها في مصر، منذ منتصف العقد الثاني. ولئن أبدت الكاتبة ميلاً واضحاً إلى أريستوقراطية النبوغ، اذ راحت توازن بينها وبين شتى أنواع الأريستوقراطيات (أريستوقراطية الحسب، والعقار، والمال)، فهي انبرت إلى نصرة المد الوطني المصري، ممثلاً بثورة زعيمها سعد زغلول، وإن بنبرة تكاد تخلو من التحريض الثوري، بل كانت أقرب إلى التعاطف العقلاني مع نزعة في البلاد شرعية... لم تكن مي لتدرك معنى أن يكون المرء مثقفاً، وعلى أي حال، لم تبلغ هذه الكلمة الأصقاع المصرية إلاّ في خمسينات القرن، وإبان غلبة الفكر الاشتراكي ما عداه، في ساحة النضال الفكري. وإنما أدركت بحسها المرهف وبحكم رفاهيتها البيتية التي هنئت بها في القاهرة، أن موقعها السليم هو في صلب اريستوقراطية النبوغ إلى جانب الاريستوقراطيات المذكورة، على نمط الحكم الملكي الانكليزي التي راحت الكاتبة تعدّد أفضالها على الإنسانية، على مدار مقالاتها الفكرية والسياسية.

ومن هذا القبيل مثلاً يقينها بأن انتصار البلشفية في روسيا (1917) ينطوي على قدر كبير من التزوير لمفهوم المساواة، إذ يفرض مشايعوها (البولشفية) غلبتهم على النظام السياسي، ويسلبون الممتلكات وينصفون طائفة ليظلموا طوائف، وكل ذلك باسم المساواة. بيد أن هذه الأديبة الاريستوقراطية، التي جعلت نفسها نامية إلى نخبة المجتمع المصري بالنبوغ وحده، هي أكثر أدباء جيلها التزاماً لقضايا مجتمعها، وانصرافاً إلى مؤازرة الفقراء والمعدمين والمهمشين والضعفاء، وأولاهم المرأة الشرقية. وخير شاهد لنشاطها الإنساني هذا الكمّ الكبير من الخطب التي كانت تفتتح بها الأعمال الخيرية بجمعيات أهلية (النادي الشرقي، جمعية الاتحاد والإحسان السورية - طنطا، نادي الاتحاد السوري، جمعية ثمرة الاتحاد القبطية، جمعية القديس جاورجيوس السورية الأرثوذكسية، ملجأ الحرية، وغيرها) وتحضّ فيها الطبقات المقتدرة على العطاء والبذل في سبيل "أبناء الأمة العراة الجائعين"، بمثل ما كانت تجهد في إرسال نبضها الإنساني، حاراً وسامياً ورقيقاً حتى الدمع، في دعوتها إلى مؤاساة الحزانى والمستوحدين والغرباء في وطنهم، وأولئك الذين لا وطن لهم، شأن الكاتبة الشريدة الطريدة لا وطن لها".

ورغم إنسانيتها، الشاملة بردائها كل البشر، فقد أُثر عن مي زيادة حبها لوطنها الثالث والأخير مصر. إنها في الكثير من خطبها تظهر "فضل مصر على الشرق"، وعلى أمة العرب، وتعلي من قدر "بلاد الشمس ومملكة الهياكل والتماثيل والأعمدة". وقد أبدت الكاتبة ميلاً فطرياً، بحكم هويتها المركبة من ثلاثة عناصر عربية، إلى تأييد العرب عموماً في كل حركات التجديد والتحرر السياسي التي ظهرت بوادرها في العشرينات من القرن الماضي، بكل ما أوتيت من قويم الحجج والبراهين، حتى قال عنها جبران: "إن الوطن العربي بيتكِ وبيتي". لكنها لم تنِ تثبت مصرّيتها كلما أطلّت من على منبر أو خطّت مقالة في التاريخ أو الفكر أو السياسة، فإذا ما انبرت للتعريف بالاشتراكية السلمية، على سبيل المثال، تؤرخ لها حيناً وتحتج أحياناً، ارتأت أن تورد شواهد لنفاذ هذه النظرية إلى الحياة السياسية المصرية، فذكرت الحزب الاشتراكي المصري وأقامت الدليل على سلميته المفرطة، ولم يكد يبلغ عامه الأول في ميدان السياسة.

بيد أن مصر لم تكن في ناظري مي، أرض الواقع الجديد فحسب، ولا كانت المجال الذي تتخذه مثالاً لنظرياتها في السياسة والفكر والاجتماع والأدب فقط، وإنما كانت إلى ذلك موطن اعتزازها ومسرح ألفتها الهنيّ، وقد بلغت القاهرة، في ذلك الحين، أي في العقد الثاني من القرن العشرين ذروة من الانفتاح ومجاراة المدن الغربية في الكثير من مظاهرها (المسرح، السينما، الأوبرا، الصحافة، الأحزاب، الجمعيات الأهلية، المدارس) وقد انخرطت نخب مصر واريستوقراطياتها كافة، في الحركة العمومية التي اندفعت وتيرتها بقوة، إلى أن بلغت ذروتها مع ثورة سعد زغلول الوطنية. ولم يقتصر التزامها السياسي على التنبيه النظري إلى مكامن الخلل السياسي، وهي العليمة بشؤون السياسة والفكر والاجتماع والنفس وعلومها، تقرأها باللغات الأجنبية الست (الفرنسية، الانكليزية، الألمانية، الايطالية، اليونانية والاسبانية)، ناهيك بلغاتها القديمة الثلاث (العربية، السريانية واللاتينية)، وإنما تعدّاه إلى الإصلاح، وحمل لواء المرأة والحثّ على العلم والعمل، وإعلاء شأن الحضارة الحديثة بكل مظاهرها وألوانها، إلى نفاذ بصيرة وحسّ باللحظة الراهنة لم يكونا متوافرين في أي من رجال الإصلاح من كتاب النهضة الأولى.

امرأة الحرية والتمرد والفردية وفيما كان جبران خليل جبران، ينظّر لوحدانيته ويحياها في مشغله في نيويورك، منكراً الزواج على صورته التقليدية، وفي حين كان العديد من الكتّاب المصريين أمثال لطفي السيد، أستاذ مي، ممن اختاروا العزوبية نمطاً في الحياة ومظهراً للتفرّغ الكلي أو الكياني لمهنة الأدب أو الفن أو المعرفة، كانت مي زيادة ترسخ نموذجاً عزّ نظيره بين نساء الشرق المتأدبات، نموذج الفتاة الحرة فكراً ومسلكاً والناظرة إلى المجتمع المصري بعين من التحدي العالي. غير أن صورة مي، التي ما برحت تعكسها الأديبة في خطبها ومذكراتها وبعض حواراتها المسرحية، صورة الفتاة المندمجة في حياة المجتمع الاريستوقراطي (اريستوقراطية النبوغ، في كنف اريستوقراطية المال) والعاملة الملتزمة إصلاح شأنه والمتحررة من وصاية الرجل، عزباء، متمردة ونبيلة، ما كانت لتبلغ هذا التمام لولا النماء المدينيّ الكبير الذي بلغته القاهرة في العقد الثاني من القرن العشرين; ذلك ان الهامش الذي أعطي للأدباء والمفكرين والعلماء والفنانين وأصحاب الخلق عامة، إنما امتدت رقعته امتداداً كبيراً، حتى كاد يجاري المتن الذي أعطي للحياة السياسية الخاصة بالملك وحاشيته. وهي القائلة: "وهذه الفردية الصحيحة الحرّة إنما هي نسيج المجتمع، ولا يكون المجتمع قوياً عظيماً إلاّ عندما تكون فردياته قوية عظيمة، مالئة كل مكانها الطبيعي..."، وكان ذلك كله منوطاً بتأسيس الدولة المصرية الناشئة على غرار الدولة الانكليزية أو النمسوية أو الفرنسية حيث للفرد، سواء أكان رجلاً أم امرأة، حصة في الوجود والانتفاع متساوية.

وزد على ذلك، ما كان للدولة الغربية، على ما وعته مي من حرص على الأديب والفنان ما دامت الحياة المدينية، في وجهها غير النفعي، قائمة على الاحتفاء بالنتاج الفني والأدبي والهندسي، وبالنبوغ في مختلف أوجهه. إذاً، لقد بلغت صورة القاهرة لدى مي زيادة، كما في أذهان النخب الاجتماعية المصرية، اوائل القرن العشرين، أرقى مكانة، حتى استوت أشبه بفيينا او لندن أو باريس، كيف لا، والفردية التي طالما بشّرت الكاتبة بحلولها في المجتمع المصري من خلال "الأدب الحي، المهذب الراقي، والفن، والموسيقى، والمعارض، والمتاحف، والمسرح، والصالون، والأعياد القومية، والرحلات المدرسية، والصحافة ، والراديو، والسينما".

ويكفي المثل التالي الذي أعطته الكاتبة، مي زيادة، عن مصادفتها، في مكتبات الجامعة المصرية، الكثير الكثير من الأجنبيات والقليل من المصريات، للاستدلال على الكوزموبوليتية التي تميزت بها مدينة القاهرة، والتي شاءها الملك فؤاد كذلك. وعليه، فإن الفردية، في حدود اختياراتها القصوى، ولا سيما لدى الفنانين والأدباء من ذوي المزاجية المفرطة، فتحت لهم أبواب العزوبية على مصراعيها، وجعلتهم في حل من الروابط الجمعية ما دامت الدولة (المدينية) أعظم ضامن لفرديتهم. غير أن لهذه العزوبية وجهاً آخر قاتماً، إن لم نقل سوداوياً، هو ما يتعلق باختيارات مي ومواصفاتها للزوج المثالي; وهي التي ردّت الكثيرين من طلاب القربى بها، وأهمهم الدكتور نعوم مكرزل الذي أعلنت خطوبته على الآنسة مي لشهور معدودة. إلاّ أن صلتها بجبران خليل جبران حالت دون زواجها وإنجابها البنين الذين تحرقت إليهم، قبيل انهيارها الأخير وموتها المأسوي.

منتدى الثلاثاء ولم تكن مي زيادة، رغم القواسم المشتركة الكثيرة بينها وبين أدباء مصر وفنانيها المجايلين لها، خلاّقة في الأدب وحده، أو محض صحافية تنقل قلمها بين المجلات المصرية واللبنانية والسورية، من مثل "سركيس" و"الأهرام" و"المحروسة" و"المقتطف" و"الهلال" و"الفجر" و"الخدر" و"المرأة الجديدة" و"النهضة النسائية" و"المقطّم"، وإنما كانت امرأة من الطراز النادر، ذات هالة آسرة وحسّ بالراهن الفكري والأدبي لا نظير له بين الأدباء. ولئن أسعفها ثراء أهلها في افتتاح صالونها الأدبي، لما يقتضيه من حسن الضيافة وتقديم حفلات الشاي في أثناء المناظرات وتوفير الراحة لعشرات الوافدين إلى منزل والديها، كل ثلثاء، على امتداد ستة عشر عاماً، فإنها ما برحت في عيون أغلب الكتّاب والفنانين المصريين الناشئين في العقد الثاني من القرن العشرين، تلك الناقدة العلاّمة التي يُخشى حكمها الأخير في هذا النتاج أو ذاك، بعد أن يتم التداول في شأنه في مناقشة بين رواد ذلك الصالون الأدبي العتيد.

وليس أدل على مكانة هذا الصالون الأدبي في حياة القاهرة الثقافية، من طلب طه حسين إلى لطفي السيد، معلمه ومعلم مي زيادة على السواء، أن يظهره في منتداها، باعتبار ذلك الظهور شهادة لا تُردّ على جودة أدبه وصلاح القضايا التي يطرحها. ورغم أن صالون مي الأدبي لبث "ديموقراطياً، مفتوحاً، لا يرد عنه الذين لم يبلغوا المقام الممتاز في الحياة المصرية..."، فإن كبار الأدباء المصريين ارتادوا صالونها، وانطبعت فيهم نقدات صاحبته وآراؤها. من هؤلاء يعقوب صروف، ومنصور فهمي، وعباس العقاد، وأنطون الجميّل، وشبلي الشميل، وأحمد شوقي، ومصطفى الرافعي، وولي الدين يكن، وخليل مطران، وإسماعيل صبري، وسليم سركيس، ونجيب هواويني، والمطران دريان، وأحمد لطفي السيد، وإدريس راغب، وطه حسين، وزكي مبارك، وسليم البستاني، وسلامة موسى، وتوفيق حبيب، وأمين واصف، وإميل زيدان، وحسن نائل المرصفي، وحمدي يكن، وعبد القادر حمزة، ومصطفى عبد الرازق، ومصطفى صادق الرافعي، وداود بركات، وأحمد زكي باشا، وعبد العزيز فهمي، وإحسان القوصي، واسعد خليل داغر، والشيخ رشيد رضا، وأخوه محيي الدين رضا، وإدغار جلاد، وابرهيم المصري، وفتحي رضوان، ومحمد عبدالله عنان، والشاعران حافظ ابرهيم وخير الدين الزركلي، وغيرهم ممن مروا بمنتدى مي الأدبي مرور الكرام، وانطبعت في نفوسهم أجواؤه الندية وعلقت في أسماعهم نبرة الأديبة مي زيادة المحببة، الودودة، الأثيرية، والفاهمة كل شاردة وواردة من شوارد الحاضرين، على ما يشهده أغلب الذين حضروا تلك الجلسات. ولم تكن جلسات الصالون هذا وقفاً على الرجال فقط، وانما ترددت إليه نساء عديدات، ممن عرفن بنشاطهن الأدبي او الاجتماعي، مثيلات هدى شعراوي، وإيمي خير، وحرم شكور باشا، فضلاً عن السيدة ملك حفني ناصف داعية التحرّر النسوي وغيرهنّ الكثيرات.

إذاً، لبثت حلقات هذا الصالون الادبي تعقد في بيت مي الوالدي، أنّى أقام أهلوها; سواء في شارع مظلوم، عام 1913 ، أو في شارع المغربي عام 1914 في الطبقة الرابعة من بناء قديم، أو في شارع علوي الرقم 1 قريباً من جريدة "الأهرام" في العام 1927. ولئن كانت تجري المداولات في قضية أدبية أو نتاج أدبي في عينه، باللغة العربية الفصحى، على ما تشيعه هذه اللغة من وقار وجدية مفرطة، فإن قدرة مي على إدارة النقاشات، بروح ديموقراطية عزّت في بلاد العرب قاطبة، كانت كفيلة جعل هذه المداولات معقد آمال اغلب الأدباء المصريين، المجددين منهم والاتباعيين، كلما شاؤوا الإطلالة من على منبر مشع إلى الجمهور المصري والعربي إشعاعاً أكيداً.

وعليه، فقد جعلت مي صالونها الأدبي، قلب الحركة الأدبية المصرية، ولا سيما تلك التي نسبت اليها صفة التقليد أو مجاراة أذواق الحاشية والملك، من دون طائل. ذلك أن مي زيادة، على كونها منشطة الندوات وناظمة الآراء المختلفة في كل شؤون الفكر والأدب، كانت واسعة الاطلاع على أكثر الظواهر والأعمال المتصلة بالعصر وأعظم مجايليها استعلاماً عن المبتكرات في كل مجال، بحيث لم يقوَ أحد من المثقفين المصريين، مهما يكن تبحّره من الأدب العربي وسعة اطلاعه على المعاصرين من الأدب الغربي، على المسّ بتفوّق مي أو على التشكيك في موسوعيتها الراهنة، بشهادة بعض من سوّلته له نفسه اختبار مي في إحدى ندواتها.

على أن الناظر في المشهد الثقافي المصري العام، في العشرينات وقبيلها، يجد أن ندوة الثلاثاء ساهمت، من طريق غير مباشر، في حثّ الأدباء الناشئين، من ذوي النزعات المجددة على إطلاق دعواتهم إعلاء للجديد وتسويغاً له (مجلة أبولو، حركة القصة الواقعية...)، مع العلم أن مي زيادة، نفسها، كانت جاوزت في كتاباتها كل حد من حدود الاتجاهات التقليدية في الأدب والشعر، حين كتبت القصيدة النثرية، غير هيّابة مجاراة الشعراء الفرنسيين والألمان والانكليز وغيرهم، ممن شاعت في كتاباتهم النزعة السريالية، أو جاوزوها إلى كتابة ذات فرادة ورموز وعوالم. وعلى مدار ندوات الثلاثاء هذه، نوقشت مئات المسائل الأدبية والنقدية، من مثل الحداثة والتجديد، ورسالة الأديب الاجتماعية، والإصلاح العمومي، ودور المرأة وصورتها في الأدب، ودور التراث، والأنواع الأدبية، ودور الصحافة، والفنون كافة في النهضة، والمدارس النقدية الأدبية.

وكانت مي من أشد المعارضين للنقد التاريخي، واول الداعين إلى نقد النتاج الأدبي مستقلاً عن عوامله الأخرى، قبل طه حسين. كما شهدت هذه الندوات نقاش العديد من الأعمال الأدبية شعراً ورواية وقصة وفكراً وترجمة، وبيّنت مقدار العمق والدقة والصوابية التي كانت تعالج بها هذه الأعمال.

المحبوب الأوحد ولكن مي الأديبة، الناشطة، الشاعرة، الخطيبة، الناقدة، المترجمة، المنسّقة الديموقراطية آراء الناس في صالونها الأدبي، كان في حناياها قلب يخفق لمحبوب أوحد، هو جبران خليل جبران. فمن الرسالة الأولى التي خطتها إلى جبران (آذار 1912) وتبدي فيها إعجاباً بلغته "المفعمة بالحيوية والخيال وبعوالمه الجميلة"، وتعرّف بنفسها، انعقد مصير الشابة الكوزموبوليتية فصار الإعجاب بمرّ الأيام حباً لا فكاك منه إلا بالموت. ولئن احتفظت مي برسائل جبران الست والثلاثين، وكانت بعنوان "الشعلة الزرقاء"، ولازمتها أنّى رحلت، وكانت عزاءها الوحيد في أحلك أيامها، وقد وُجد بين أوراقها صورة لجبران كتبت عليها بالانكليزية "وهذه مصيبتي منذ أعوام"، فإن رسائل مي التي جمعها الدارسون تدل على حب تصاعدت وتائره من العام 1912 وحتى العام 1924 ، وبالتحديد في 24 شباط منه، يوم باحت مي، التي طالما عرفت بالخجل والمحافظة والكتمان، بالحب، وهي تجهد في تجنّب كلمة الحب، عبثاً، حين قالت: "ولكني اعرف أنك محبوبي... فإن قلبي يسير إليك، وخير ما يفعل هو أن يظل حائماً حواليك، يحرسك ويحنو عليك...".

والحال أن السنوات الأولى من مراسلات الأديبين، أي من العام 1912 إلى العام 1918 ، على ما يقول متري بولس، تميّزت بطابع الصداقة الأدبية البحتة. بيد أن انعطافاً جديداً أصاب هذه المراسلات من العام 1919 ، وبالتحديد في شهر شباط، وذلك حين طلب جبران من مي أن تخاطبه بما فيها من حس أنثوي كانت أخفته وراء نقاب الباحثة والناقدة والنافذة إلى مكامن الروائع . وأمكن جبران، بلغته الشعرية الضبابية (العنصر الشفاف، الحب الأسمى، الروح، القلب...) أن يستميل مي إلى مصهر العواطف الذي يستعر قوياً، ويخفت حيناً، ومن ثم يتوهج، حتى يأتي على كل آمال مي ورجائها بموت المـرسِل جبران في العام 1931.

على أن المدقّق في هذه المراسلات، استناداً إلى ما يعرفه عن حياة مي وظروفها، يجد أن مطمع مي في جبران كان مختلفاً عن طموح الأخير في مي، فالكاتبة سيّلت كيانها في رسائل الشوق إلى جبران، ومضت تحثه على زيارة مصر أو لبنان أو البلاد العربية أو الدول الأوروبية، تحرّقاً إلى اللقاء الحسي به حسماً للعلاقة على نحو ما ترجوه. وفي المقابل رأينا رسائل جبران إلى مي وقد فاضت بجمل التمني والشرط والتحبيذ والتسويف، إلا أنها كانت تنطوي على معنى خفي واحد، هو أن كاتبها لن يعمد إلى إنفاذ هذه التمنيات، بحجة "علاقاته الكثيرة هنا"، على حدّ ما أجاب ميخائيل نعيمة به يوماً، حين ذكره بأمنيته الأولى بالعودة إلى دير مار سركيس. ولمّا أيقنت مي بأن رسالة البوح هذه التي حملتها كل طاقتها على الحب لجبران، لم تلقَ الجواب الذي يرضيها، ما دام جبران مقيماً في "سجن من الرغائب"، سارعت إلى سلوك سبيل آخر في مراسلاتها معه، وهو سبيل الصداقة التي يصحّ فيها تأنيب الصديق أو فضح مسلكه أو التلاعب، بحدود معينة، مع هيئة الصديق الجديدة التي قبلتها على مضض.

إلى ذلك، كانت مي، في تلك الأثناء، قد بلغت التاسعة والثلاثين من عمرها، وأيقنت أن القدر ضرب ضربته معها، وأنه لا بدّ لها أن تحفظ، مع جبران، صلة هي بمثابة الخيط الوحيد الذي يربطها بحلم حياتها الذي لم يتحقق. في المقابل، رأينا جبران، وقد أدرك خطورة المأزق الذي دفع مي إليه دفعاً، وكان في رسائله التي خطها لها في العام 1923 يصرّح فيها بحبه لصغيرته بروحه وقلبه، ويوشح أوصافه لها بقدر كبير من الرومنسية والضبابية ويلجأ إلى العموميات والاقتصاد، من دون أن يتخلى نهائياً عن رومنسيته المعهودة. إلى ان انقطع سيل الرسائل من مي عام 1928 ، وانصرفت إلى تدبير مآسيها واحدة تلو أخرى. خلاصة القول إن جبران كان يجد في مي، المرأة الشرقية والمتفهمة والأديبة والمحبة والمبادرة بغير وجل، وكان يجد فيها نوعاً من التعويض عن علاقاته النسوية غير السوية، في نيويورك، وتسامياً ضرورياً لعمل التخييل وعالمه اللذين بات الأديب - الفنان أسيرهما.

ومع ذلك كله، أمكن القول إن مشاعر جبران حيال مي بلغت، ما لم تبلغه في أي صلة له بالنساء اللواتي عرفهنّ، أي مرتبة الحب الصافي الذي لم تعكره مصلحة مادية أو نزوة عابرة - شأنه في علاقته بكل من ماري هاسكل وميشلين - فكانت الرومنسية قد لازمت بوحه لهذا الحب، في رسالة مؤرخة في 5 تشرين الاول عام ،1923 وكانت الحافز الأكبر لمي كي ترد ببوحها الأشد إفصاحاً ورقة; وهو القائل: "أنت تحيين فيّ، وأنا أحيا فيك"، وهو الواصف حبه لها بأنه "عاطفة نفسية، وعنصر شفاف".

وأغلب الظن أن استغراق جبران في حياته الفنية، وعمله الدؤوب ليل نهار في محترفه في نيويورك، ملكا عليه اختياراته فآثر البقاء في مدينة الصخب على تلبية دعوة مي إلى زيارة مصر "خوفاً من ان يصاب بخيبة أمل"، وقد بلغ الأربعين، وهي لامست السابعة والثلاثين من عمرها. ومجمل القول أن مي زيادة، في حبها الصامت لجبران - إذ أنها أبقته سراً دفيناً في نفسها حتى اليوم الذي فجعت فيه بموته عام 1931 ، إنما ارتضت أن تكون شهيدة لحب اختارته بعقلها أولاً، وبقلبها ثانياً، وإرادتها ثالثاً، حين كان الخطيبون يتقدمون منها، فلا يلبثون أن يرتدوا منكسري الخاطر إزاء إصرارها على حبيب واحد مجهول المقام والاسم.

في النفق ودهمت مي زيادة خطوب كثيرة أولها موت أصدقائها الأدباء واحداً تلو آخر، وثانيها موت والديها، وثالثها إدراكها أنها باتت وحيدة في هذه الدنيا، وقد بلغ بها العمر أيما مبلغ (سبعة وأربعون عاما) من دون أي عقب ولا عائلة تحتضنها أو تخفف عنها من وطأة المآسي التي راحت تثقل صدرها وتذيقها مرّ الآلام. راحت مي تداوي حزنها المقيم بالسفر حينا إلى فرنسا وحينا آخر إلى انكلترا. إلا أن كآبتها سرعان ما كانت تعاودها، حالما تحط رحالها. غير أن هذه الكآبة التي وصلت أخبارها إلى أقرباء لها في لبنان مضخمة، ما كانت في حقيقتها سوى تعبير نفساني طبيعي قياسا إلى إلحاح ذكرى الميتين عليها وحضور أطيافهم في خيالها المتوقد.

وزاد حرص هؤلاء الأقربين من آل زيادة على صحتها، ما تناهى إلى أسماعهم من أن مي قريبتهم هذه، عازمة على التوصية بمكتبتها، بعد مماتها إلى الأمة المصرية والأمة اللبنانية (أمين الريحاني، قصتي مع مي، ص 313). عندئذ خف الدكتور يوسف زياده، على ما تروي مي، إلى القاهرة وفي رفقته محامون وكتّاب، وأقنعها بألف حجة بضرورة توقيع صك التخلي عن ملكية كتبها إلى آل زيادة. وبعد توقيعها المشؤوم ذاك، أقنعها بالسفر معه إلى لبنان والإقامة في منزله، ترويحا لها عن آلامها، و"لتبديل الهواء"، بعدما اقسم لها بأنه سوف يعيدها إلى مصر بعد أسبوع واحد. وكان ذلك في مطلع العام 1936. حتى إذا وطئت قدماها لبنان وأقامت في جوار أقاربها شهرين "عمد الطبيب المذكور إلى وضعها في مستشفى العصفورية" زاعما أنها تعاني اضطرابات عقلية تستدعي علاجاً دائماً.

ومنذئذ تبدأ مي رحلة عذابها، على أيدي أقاربها. عذاب خطت سطوره مقالات لم تنشر لها، وفي كتاب "ليالي العصفورية" الذي توارت مخطوطته عن الأنظار ولما تزل، وكانت قد أخبرت ألبرت الريحاني به لما اصطافت في الفريكة سنة 1938 (أمين الريحاني، وجوه شرقية، قصتي مع مي، ص 385). وما أعظم ألمها حين بلغها تصديق أمين الريحاني خبر جنونها! ويروي الريحاني كيف انه غالب ظنونه وزارها في مستشفى ربيز وجعل يتردد عليها وقد هاله منطقها السديد، على عكس ما أشيع عنها، حتى أقنعها بمغادرة المستشفى والإقامة في الفريكة صيف العام 1938 ، فدلت خلال إقامتها على رهافة حس ومنطق ولا اسلم، توّجتهما بمحاضرة طنانة حول رسالة الأديب إلى العالم العربي ألقتها من على منبر الجامعة الأميركية في بيروت وأذهلت خلالها الحضور، ولاسيما أهل الفكر والقلم.

غير أن سطوع الأدب والتعقل في روح مي زيادة وعزم الريحاني وصحبه على تخليص الأديبة من قيود أقربائها الذين هالهم أن تعود قريبتهم إلى وعيها الكامل، ما لبثا أن تلاشيا في مصر. إذ كان قريبها، على ما كانت تخشاه مي، قد وطّد علاقاته بكل من وزير الصحة ووزير الأوقاف المصريين، وأقنعهما بضرورة الحجر الصحي على مي لأسباب هي مزاعم وشواهد ملفقة، تدحضها شهادات الأطباء اللبنانيين والفرنسيين حول صحتها العقلية. وكان لهؤلاء ما أرادوا، إذ مكثت مي في مستشفيات القاهرة، على أمل الخروج إلى الحياة السوية، فإذا بمعاناة الحجر، وهي صنو الأسر، تضاعف من سويدائها وتمضي بها في آخر اختياراتها التي تنمّ على بشريتها السامية إلى الموت، اثر إضرابها عن الطعام عشرة أيام متتالية، فلفظت أنفاسها الاخيرة، في العشرين من تشرين الاول من العام 1941. وعلى أي حال، فان ما تركه لنا أمين الريحاني في كتيبه "قصتي مع مي" من وصف للصراع الذي خاضته مي مع مرضها الذهاني (الاكتئاب والتوحد) ومع مستغليه الكثر في حينه، يشكل خير مدافعة عن مي زيادة .

نقلاً (بتصرّف) عن مقال أنـطـوان أبـو زيـد (النهار 7/5/2001)



راجعتلك يا دبــة :)


بس إقري اللي فوق!

Petals
04-11-2007, 11:16 PM
مــــرفق:

3 مقالات مختلفة أو متشــابهة عن مي! :)

هدهد6666
07-11-2007, 02:39 PM
يااااااااااااااااه .. تجبري الشخص على التوقف ..

تسلم يدك

عساك على القوة .. يتبع في كل شيء

Petals
07-11-2007, 11:00 PM
http://www.dorarr.ws/forum/uploaded/286/s30.gif
كـــح كـــح كـــح
ويلي دايمنك غاطسه مع المغبرين
ومافي غير انفض الغبار عنك :drr05_64:





لا عن جد تسلم يداتك نوري
:)



مي كانت علامة مميزة في الأدب
العربي المعاصر وستظل

فهي انسانة رقيقة حسها
وتذوقها للحرف عالي
جداً ؛ بصراحة تعجبني
رغم أنها صعبة المزاج
وبيني وبينها ألــم
مشترك ألا وهو

غربة الروح





حبها الكبيــر لـ
جبران خليل جبران
رغم أنهما لم يلتقيا ما
عاشا من عمرٍ أكبرها
في ناظري
:)

ومما جعلني أشعرني
بها رهافة حسها أليست
هي من قالت بهدوء
وصمت الكون :

" أتمنى أن يأتي أحد بعد موتي وينصفني "

بربكِ أين هو الإنصاف يا مي ..!




بيتي ..
أرهقني متصفحكِ
وأزاح الغبار من على
كتبٍ كثيرة كنت قد دفنتها
في اعلى السندرة ..!

قررت التو الإفراج عنها
ووهبها الحياة بين يداي
من جديدhttp://www.dorarr.ws/forum/uploaded/286/48.gif


.
.

عابده


"ولدت في بلد، وأبي من بلد ، وامي من بلد، وسكني في بلد، وأشباح نفسي تنتقل من بلد إلى بلد، فلأي هذه البلدان أنتمي، وعن أي هذه البلدان أدافع؟"


للأسف يا عزيزتي إتجه الإهتمــام بــمي لرســائلها وعلاقاتها أولا بجبران وبرواد صالونها حتى جعلوهــا عشقية لهم كلهم !!!

وهذا الإهتمــام السلبي التكثيف أهمل مؤلفاتها الأدبيــة..:(

إذا لقيتي "ظلمات وأشعة" فإقريه .. رائــع


تحيـــــــاتي المغبـــرة جدا :)

Petals
07-11-2007, 11:02 PM
يااااااااااااااااه .. تجبري الشخص على التوقف ..

تسلم يدك

عساك على القوة .. يتبع في كل شيء


أهلين هدهد


آميــن ولك مثلهــا :)


مرحبــا بك دومــا ويارب تقراه :)


دمت بود