محسن يونس
21-08-2007, 07:50 PM
" وما من دابة فى الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا فى الكتاب من شىء ثم إلى ربهم يحضرون "
صدق الله العظيم ( الأنعام آية 38 ) ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
( 1 ) ديك ديامو جزيرتنا أمير الفجر ، وسيد النهار ، رآه الصقر ، وهو يطير فى ميدانه السماء ، كان الديك يمشى فى خيلاء ، وهذه مشيته كما خلقه الله لا يدعيها عجبا ، ولا استجلبها ترفا ، له عرف يهتز كلما صاح صياحه الجميل : كوكوووو .. كوكوووكووو ..
توقفت أجنحة الصقر عن مغازلة الهواء ، مستقرا فى نقطة من الفضاء لا يبرحها ناظرا لأسفل حيث الديك مازال يصدح بغنائه ، ويقعص رقبته حتى تخرج نغماته مدوزنة لا يشوبها نشاز ..
تركنا الصقر مسمرا فى مكانه ، والآن نعود إليه ، ونسمع ما يقول وهو فى حالة انبهار كاملة : " هذا والله طير له شأن عظيم " ..
كان يقصد ديكنا ، اعتبرناها شهادة طير يطير لصالح إنساننا الذى دجن ، وولف ، وأنتج فكان لديكنا جناحان معطلان ، وصوت أبهر الصقر .. حدث هذا الإعجاب فى أعلى أما نساؤنا على الأرض فكن يتطلعن نحو السماء ، أو هناك فى أعلى جدار الحجارة ، أو فوق أحد أغصان الشجرات النبق الثلاث تحت ظل العلاية حيث يقف الصقر، لم يرتحن لتسكعه هكذا ، كن يجمعن الكتاكيت ، وهن ينظرن إليه فى شك، ففى حضور من له مخالب نقصان وخسارة .
إذن فأمر هذا الصقر مريب ، فهو دائم الحضور فى الصباح ، وفى الغروب ، ومع ذلك ترك كتاكيتنا ، ودجاجاتنا بلا هجوم أو خطف ، حتى أنها كانت تمرح فى الوسع بين العلاية والجدار آمنة ، كان جرابنا يمتلىء ، قال البهلوان عطية : " دماغه إذا دلك به القضيب هيج الباه " نظرنا إليه فى استنكار ، وهو أقسم على صحة المعلومة ، فقلنا له أن يسكت ، صاح عجوز ديامو : " يابنى عندك علاج للروماتيزم أهم " صاح البهلوان فى عجوز ديامو : " خذ مرارة الصقر ودلك به عضوك يذهب الروماتيزم " التفتنا ونحن نضحك إلى صياح الصقر ، وهو يهبط إلى قرب الديك .. كان الطائر الجارح يفعل شيئا غير معهود فى تاريخ جنسه ألا وهو : لا حديث أو مصادقة بين الصياد وبين الفريسة ، هى مسافة عداء لا تضيق أبدا ، وينبغى على الأوابد المحافظة على حدودها وإلا أشرقت شمس من غرب ، وطلع نهار بديل ليل ..
هذا الذى كسر الحاجز يحدث الديك الآن بإعجاب ظاهر: " رأيتك ترتدى قوس قزح .. كيف تجعله يتلألأ هكذا أيها الطائر الجليل ؟! "
صحنا : " هذا شر مستطير ؟! علينا العوض فى أفراخنا !! "
كان مكر الديك دليلا على أنه عاشر أسود الرأس ، وتعلم منه .. ها هو ينفش ريشه الملون قريبا من عينى الصقر قائلا فى زيف مبتكر : " ارتديته مع أنه ثقيل يمنعنى من الطيران مثلك .. أما عن أنه يتلألأ فلا أخفى عليك لقد تزوجت من القمر "
تحدث الصقر بأدب ، ولكن كانت تشوب كلماته بعضا من الاستنكار : " كيف تتزوج من القمر وهو مذكر ؟! "
قلنا : " يا الله !! ديكنا سوف يصنع مكيدة فى الصقر سينتف ريشه واهما إياه بإعطائه قوس قزح !! "
هذه حكاية معروفة ، ولا نرض من ديكنا أن يعيد إنتاجها ..
سمعنا ديكنا يهمس : " لا تحرجنى أيها الطائر .. أنتم تذكرون القمر هنا .. فى بلاد أخرى يؤنثونه "
ما هذا ؟! أيركع كائن حرهكذا ؟!
رأينا الصقر يميل بجناحيه المفروضين ، ويركع أمام الديك قائلا : " سأحمل إليك أفراخى لتؤدبها .. أريد لها مشيتك وزهوك أيها الطائر الجميل .. "
ما هذا ؟!
الشمس تسافر من أفق إلى أفق ، ونحن نستقبل ميلادها اليومى ، فتولد معها الرياح ، والأمطار ، والأكاذيب .. أما جزيرة ديامو فتستقبل كل ذلك بوله ، وتطلب المزيد ..
( 2 ) كانت دجاجاتنا تنفر ، وتهرب من حول الديك ، والصقر يرحل ويعود ، فى كل رحلة يحمل فرخا من صقوره الصغيرة ، واضعا إياه عند أقدام الكاذب الشملول ..
اكتمل العدد .. أربعة أفراخ صغيرة ، ضمها الصقر تحت جناحيه فى حنان ، ثم دفعها عند أقدام الديك قائلا : " إليك أيها الطائر الجليل أفراخى وديعة لديك .. كن راعيا ومربيا لها .. أريد لكل واحد منها أن يتزوج نجمة من نجوم الليل "
صاح الديك صياح المتورط : " ومن يستطيع فعل ما تطلب ؟! "
قال الصقر : " يستطيع من ارتدى قوس قزح ، وتزوج القمر .. "
تعالت ضحكاتنا حتى تهيب ديكنا والصقر ..
مال الديك نحو الصقر ليسمعه ، وهو يهمس : " احذر هؤلاء .. إنهم ناس جزيرة ديامو .. "
نظر الصقر نحو ناس الجزيرة – نحن – وقال فى أنفة : " ليس لهم أجنحة !! "
ليست القضية هنا أن أحمقين قد التقيا فى فاصل من الحمق .. هنا سؤال لا بد أن يسأل : أى ورطة يقود كل من النقيضين نفسه إليها ؟
سألنا السؤال ، وهربت الإجابة إذ مضى الصقر ، وبقى الديك ينظر من أعلى بعين واحدة تثقب الأفراخ الصغيرة بتأفف وضيق ..
( 3 ) ترك ديكنا الأفراخ الصغيرة لدجاجه ، فهو مشغول بمشاكل رعيته ، يسافد ، وينقر زاجرا ، وناصحا ، ويصيح مجربا صوته فى كل صياح ، ويوازن بين الصيحة والصيحة أيهما كانت أجود ، والدجاجات لم يألفن روائح الصقور الصغيرة ، ويبتعدن متأففات ..
كان كلب البهلوان عطية أول من تعامل مع الصقور الصغيرة ، تشممها جيدا ، ثم فجأة زمجر ، وانقض عليها ، لم تفهم الصقور الصغيرة أن خشونة الكلب سمة فى لعبه ، فنقرته فى خشمه ، فأعقب سوء الفهم هذا فرخا واحدا مقطوع الرقبة ، وإن ظلت قطعة جلد موصولة بجسمه ..
الحقيقة أن الديك قال : " الموت يحدث .. " نظر إلى الأفراخ الثلاثة الباقية وأكمل : " الصقر سيفهم .. "
كانت الدائرة تدور ليكتمل محيطها ، فالفرخ الثانى اختفى ، ولم تعثر الدجاجات التى كلفها الديك بالبحث عنه فى أرجاء ديامو عليه ، أو على جثته ، بحث الديك عن تبرير فلم يجد ، إلا أنه صاح فى الدجاجات حينما وجدهن ينظرن إليه : " ليس العيب منى .. "
دخل أطفالنا الدائرة واختطفوا فرخا من الفرخين الباقيين ، ربطوا خيطا فى إحدى قدميه ، أخذوه إلى العلاية ، صعدوا إليها ، ظلوا يقذفون به فى الهواء ليطير ، حتى زهقت روحه ، قال الديك : " لا لوم على .. هؤلاء أطفال البشر .. "
منذ هذه اللحظة لم يترك الفرخ الوحيد الباقى ، أنامه فى كنه ، جعل عينيه حارسين ، يصطحبه معه فى تجواله ، هل يكون الديك حائط صد يمنع الخطر ؟ وهل لا يدرى هذا العبيط أن الخطر مثل الماء والهواء والغذاء ، كامن فى الحياة يتبع خطاك وأنت نائم ، أو ضاحك .. هازل أو جاد ..
انتاب الديك هياج إذ سمع منا : " الديك أحمق ، ألا يعرف أن الصقر عدو له ولجنسه ؟ "
صاح : " أنتم يا أهل ديامو رأيتم القصة من بدايتها ولم تعترضوا .. الآن تقع المصيبة أراكم وقد صرتم أنبياء !! " ..
رفعنا أكتافنا لأعلى ، قلنا : " كنا نظنها لا تصل إلى هذه النتيجة .. "
كان الديك يغادرنا نحو شاطىء بحرنا ، والفرخ الصغير يتبعه ، فى لمحة خاطفة اعتلت موجة من أمواج بحرنا حدود الشاطىء ، وتراجعت آخذة معها الفرخ إلى أعماق مظلمة لا تعيد ودائعها ، ووقف الديك مشدوها أمام اتساع البحر ، وعدم اهتمامه بفداحة ما فعلت موجته .. حينما تمالك الديك نفسه قال : " ماذا أقول؟ .. ماذا أفعل؟ .. لن أقول شيئا .. لن أفعل شيئا .. "
( 4 ) كانت حرب الإبادة قد بدأت ، رأينا أعدادا من الصقور تحتل سماءنا ، تغير على دجاجاتنا ، تختطفها ، وتذهب هناك بعيدا عند الصخور خلف جدار ديامو الحجرى ، كانت تسقط أسراها من بين مخالبها ، فتتحطم أدمغتها على الصخر ، وتعود فى هجمة أخرى ..
حينما انتبهت نساءنا كانت ديامو الجزيرة قد أوشكت على أن تكون جزيرة بلا فجر يرتدى قوس قزح ، أو بيض يسوى فى سمن أو زيت ..
سمعنا نساءنا تعلو أصواتهن : " الصقور تهاجم أطفالنا إنها تريد خطف عيونهم " ..
لا يجمع سيفان فى غمد .. النصيحة لمن ؟! للديك ؟ أم للصقر ؟! ربما هى للاثنين معا .. النصيحة لنا أيضا .. معناها هنا يتسع ، ويظل يتسع كلما تأملنا كلماتها ..
كنا قد دافعنا عن أطفالنا ، ودجاجنا وديوكنا ، انتهت من جزيرتنا أصوات الصقور : تصو تصو، ألغينا وجودها ، وصارت السماء واسعة بزرقتها ، قلنا : " علينا أن نبدأ من جديد .."
كان مبعوثنا إلى بقية الجزر يحمل معه رغبتنا فى صقر ذكر ومعه أنثاه ، سوف نصنع عشا لهما بين حجارة جدار ديامو ، ونجعلهما يصيغان تاريخا جديدا على يابستها ، وليبق ديكنا له الحق فى أن يكون موهوما بالاكتمال .
صدق الله العظيم ( الأنعام آية 38 ) ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
( 1 ) ديك ديامو جزيرتنا أمير الفجر ، وسيد النهار ، رآه الصقر ، وهو يطير فى ميدانه السماء ، كان الديك يمشى فى خيلاء ، وهذه مشيته كما خلقه الله لا يدعيها عجبا ، ولا استجلبها ترفا ، له عرف يهتز كلما صاح صياحه الجميل : كوكوووو .. كوكوووكووو ..
توقفت أجنحة الصقر عن مغازلة الهواء ، مستقرا فى نقطة من الفضاء لا يبرحها ناظرا لأسفل حيث الديك مازال يصدح بغنائه ، ويقعص رقبته حتى تخرج نغماته مدوزنة لا يشوبها نشاز ..
تركنا الصقر مسمرا فى مكانه ، والآن نعود إليه ، ونسمع ما يقول وهو فى حالة انبهار كاملة : " هذا والله طير له شأن عظيم " ..
كان يقصد ديكنا ، اعتبرناها شهادة طير يطير لصالح إنساننا الذى دجن ، وولف ، وأنتج فكان لديكنا جناحان معطلان ، وصوت أبهر الصقر .. حدث هذا الإعجاب فى أعلى أما نساؤنا على الأرض فكن يتطلعن نحو السماء ، أو هناك فى أعلى جدار الحجارة ، أو فوق أحد أغصان الشجرات النبق الثلاث تحت ظل العلاية حيث يقف الصقر، لم يرتحن لتسكعه هكذا ، كن يجمعن الكتاكيت ، وهن ينظرن إليه فى شك، ففى حضور من له مخالب نقصان وخسارة .
إذن فأمر هذا الصقر مريب ، فهو دائم الحضور فى الصباح ، وفى الغروب ، ومع ذلك ترك كتاكيتنا ، ودجاجاتنا بلا هجوم أو خطف ، حتى أنها كانت تمرح فى الوسع بين العلاية والجدار آمنة ، كان جرابنا يمتلىء ، قال البهلوان عطية : " دماغه إذا دلك به القضيب هيج الباه " نظرنا إليه فى استنكار ، وهو أقسم على صحة المعلومة ، فقلنا له أن يسكت ، صاح عجوز ديامو : " يابنى عندك علاج للروماتيزم أهم " صاح البهلوان فى عجوز ديامو : " خذ مرارة الصقر ودلك به عضوك يذهب الروماتيزم " التفتنا ونحن نضحك إلى صياح الصقر ، وهو يهبط إلى قرب الديك .. كان الطائر الجارح يفعل شيئا غير معهود فى تاريخ جنسه ألا وهو : لا حديث أو مصادقة بين الصياد وبين الفريسة ، هى مسافة عداء لا تضيق أبدا ، وينبغى على الأوابد المحافظة على حدودها وإلا أشرقت شمس من غرب ، وطلع نهار بديل ليل ..
هذا الذى كسر الحاجز يحدث الديك الآن بإعجاب ظاهر: " رأيتك ترتدى قوس قزح .. كيف تجعله يتلألأ هكذا أيها الطائر الجليل ؟! "
صحنا : " هذا شر مستطير ؟! علينا العوض فى أفراخنا !! "
كان مكر الديك دليلا على أنه عاشر أسود الرأس ، وتعلم منه .. ها هو ينفش ريشه الملون قريبا من عينى الصقر قائلا فى زيف مبتكر : " ارتديته مع أنه ثقيل يمنعنى من الطيران مثلك .. أما عن أنه يتلألأ فلا أخفى عليك لقد تزوجت من القمر "
تحدث الصقر بأدب ، ولكن كانت تشوب كلماته بعضا من الاستنكار : " كيف تتزوج من القمر وهو مذكر ؟! "
قلنا : " يا الله !! ديكنا سوف يصنع مكيدة فى الصقر سينتف ريشه واهما إياه بإعطائه قوس قزح !! "
هذه حكاية معروفة ، ولا نرض من ديكنا أن يعيد إنتاجها ..
سمعنا ديكنا يهمس : " لا تحرجنى أيها الطائر .. أنتم تذكرون القمر هنا .. فى بلاد أخرى يؤنثونه "
ما هذا ؟! أيركع كائن حرهكذا ؟!
رأينا الصقر يميل بجناحيه المفروضين ، ويركع أمام الديك قائلا : " سأحمل إليك أفراخى لتؤدبها .. أريد لها مشيتك وزهوك أيها الطائر الجميل .. "
ما هذا ؟!
الشمس تسافر من أفق إلى أفق ، ونحن نستقبل ميلادها اليومى ، فتولد معها الرياح ، والأمطار ، والأكاذيب .. أما جزيرة ديامو فتستقبل كل ذلك بوله ، وتطلب المزيد ..
( 2 ) كانت دجاجاتنا تنفر ، وتهرب من حول الديك ، والصقر يرحل ويعود ، فى كل رحلة يحمل فرخا من صقوره الصغيرة ، واضعا إياه عند أقدام الكاذب الشملول ..
اكتمل العدد .. أربعة أفراخ صغيرة ، ضمها الصقر تحت جناحيه فى حنان ، ثم دفعها عند أقدام الديك قائلا : " إليك أيها الطائر الجليل أفراخى وديعة لديك .. كن راعيا ومربيا لها .. أريد لكل واحد منها أن يتزوج نجمة من نجوم الليل "
صاح الديك صياح المتورط : " ومن يستطيع فعل ما تطلب ؟! "
قال الصقر : " يستطيع من ارتدى قوس قزح ، وتزوج القمر .. "
تعالت ضحكاتنا حتى تهيب ديكنا والصقر ..
مال الديك نحو الصقر ليسمعه ، وهو يهمس : " احذر هؤلاء .. إنهم ناس جزيرة ديامو .. "
نظر الصقر نحو ناس الجزيرة – نحن – وقال فى أنفة : " ليس لهم أجنحة !! "
ليست القضية هنا أن أحمقين قد التقيا فى فاصل من الحمق .. هنا سؤال لا بد أن يسأل : أى ورطة يقود كل من النقيضين نفسه إليها ؟
سألنا السؤال ، وهربت الإجابة إذ مضى الصقر ، وبقى الديك ينظر من أعلى بعين واحدة تثقب الأفراخ الصغيرة بتأفف وضيق ..
( 3 ) ترك ديكنا الأفراخ الصغيرة لدجاجه ، فهو مشغول بمشاكل رعيته ، يسافد ، وينقر زاجرا ، وناصحا ، ويصيح مجربا صوته فى كل صياح ، ويوازن بين الصيحة والصيحة أيهما كانت أجود ، والدجاجات لم يألفن روائح الصقور الصغيرة ، ويبتعدن متأففات ..
كان كلب البهلوان عطية أول من تعامل مع الصقور الصغيرة ، تشممها جيدا ، ثم فجأة زمجر ، وانقض عليها ، لم تفهم الصقور الصغيرة أن خشونة الكلب سمة فى لعبه ، فنقرته فى خشمه ، فأعقب سوء الفهم هذا فرخا واحدا مقطوع الرقبة ، وإن ظلت قطعة جلد موصولة بجسمه ..
الحقيقة أن الديك قال : " الموت يحدث .. " نظر إلى الأفراخ الثلاثة الباقية وأكمل : " الصقر سيفهم .. "
كانت الدائرة تدور ليكتمل محيطها ، فالفرخ الثانى اختفى ، ولم تعثر الدجاجات التى كلفها الديك بالبحث عنه فى أرجاء ديامو عليه ، أو على جثته ، بحث الديك عن تبرير فلم يجد ، إلا أنه صاح فى الدجاجات حينما وجدهن ينظرن إليه : " ليس العيب منى .. "
دخل أطفالنا الدائرة واختطفوا فرخا من الفرخين الباقيين ، ربطوا خيطا فى إحدى قدميه ، أخذوه إلى العلاية ، صعدوا إليها ، ظلوا يقذفون به فى الهواء ليطير ، حتى زهقت روحه ، قال الديك : " لا لوم على .. هؤلاء أطفال البشر .. "
منذ هذه اللحظة لم يترك الفرخ الوحيد الباقى ، أنامه فى كنه ، جعل عينيه حارسين ، يصطحبه معه فى تجواله ، هل يكون الديك حائط صد يمنع الخطر ؟ وهل لا يدرى هذا العبيط أن الخطر مثل الماء والهواء والغذاء ، كامن فى الحياة يتبع خطاك وأنت نائم ، أو ضاحك .. هازل أو جاد ..
انتاب الديك هياج إذ سمع منا : " الديك أحمق ، ألا يعرف أن الصقر عدو له ولجنسه ؟ "
صاح : " أنتم يا أهل ديامو رأيتم القصة من بدايتها ولم تعترضوا .. الآن تقع المصيبة أراكم وقد صرتم أنبياء !! " ..
رفعنا أكتافنا لأعلى ، قلنا : " كنا نظنها لا تصل إلى هذه النتيجة .. "
كان الديك يغادرنا نحو شاطىء بحرنا ، والفرخ الصغير يتبعه ، فى لمحة خاطفة اعتلت موجة من أمواج بحرنا حدود الشاطىء ، وتراجعت آخذة معها الفرخ إلى أعماق مظلمة لا تعيد ودائعها ، ووقف الديك مشدوها أمام اتساع البحر ، وعدم اهتمامه بفداحة ما فعلت موجته .. حينما تمالك الديك نفسه قال : " ماذا أقول؟ .. ماذا أفعل؟ .. لن أقول شيئا .. لن أفعل شيئا .. "
( 4 ) كانت حرب الإبادة قد بدأت ، رأينا أعدادا من الصقور تحتل سماءنا ، تغير على دجاجاتنا ، تختطفها ، وتذهب هناك بعيدا عند الصخور خلف جدار ديامو الحجرى ، كانت تسقط أسراها من بين مخالبها ، فتتحطم أدمغتها على الصخر ، وتعود فى هجمة أخرى ..
حينما انتبهت نساءنا كانت ديامو الجزيرة قد أوشكت على أن تكون جزيرة بلا فجر يرتدى قوس قزح ، أو بيض يسوى فى سمن أو زيت ..
سمعنا نساءنا تعلو أصواتهن : " الصقور تهاجم أطفالنا إنها تريد خطف عيونهم " ..
لا يجمع سيفان فى غمد .. النصيحة لمن ؟! للديك ؟ أم للصقر ؟! ربما هى للاثنين معا .. النصيحة لنا أيضا .. معناها هنا يتسع ، ويظل يتسع كلما تأملنا كلماتها ..
كنا قد دافعنا عن أطفالنا ، ودجاجنا وديوكنا ، انتهت من جزيرتنا أصوات الصقور : تصو تصو، ألغينا وجودها ، وصارت السماء واسعة بزرقتها ، قلنا : " علينا أن نبدأ من جديد .."
كان مبعوثنا إلى بقية الجزر يحمل معه رغبتنا فى صقر ذكر ومعه أنثاه ، سوف نصنع عشا لهما بين حجارة جدار ديامو ، ونجعلهما يصيغان تاريخا جديدا على يابستها ، وليبق ديكنا له الحق فى أن يكون موهوما بالاكتمال .