المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المساحات الفارغة



عبدالله البقالي
07-06-2007, 07:21 PM
لا شئ قاتله أكثر من المساحات الفارغة.
في البدء لم يكن هناك متسع لمساحة تسع انفاس طفل صغير. ابتدا الأمر كهدير عظيم أعقبه ما يشبه انفلاق بوابة سد تدافعت خارجها أنهار من مشاعر حارة وتفاعلات متلهبة وسيول جارفة من شوق و حب مجنون.
كل الأشكال البادية لعينيه لم يكن يرى فيها غير ملامحها. و كل الأجسام التي كانت تمر به صارت مغيبة بسطوة تأثير حضورها. وكل الأفكار التي لم يكن لها وجود فيها كانت تظل خارج طوق سميك للكون الذي أنشأه. كون لها وحدها.
هي أيضا كانت تبحث عنه. تلاحقه في تنقله. ترسل له عير الأثير إكسير الروح الذي كان يقايضه بعنفوان حب وقلب لم يكن يخفق إلا لها وحدها.
يتسمر في الأمكنة فاتحا خلاياه للتزود بطاقة الروح التي كانت تجود بها بسخاء نادر. وحتى حين كانت تصمت فقد كان حضورها يظل متواصلا كشمس حياتها في توقدها، بشكل كان يبدو فيه انها قد نجحت في زرع مفاعلات تشتغل من تلقاء نفسها.

حين كان ينظر إليها، كان يسنفر كل قواه ويدعو حواسه للاشتغال بأقصى طاقاتها ملتقطة كل كبيرة وصغيرة فيها.
في جلساتها الملكية لم تكن تضع الكاميرا قبالة وجهها. وبذلك الشكل وهي تنظر للشاشة كانت تبدو كقائدة رحلة فضائية مكلفة بمهمة روحانية تستوجب نقل شحنة من اللطف و الوداعة لسكان كوكب أفقدتهم عصور من الاقتتال ثقافة الجمال و الحب. أو تبدو كملاك نازل من اعالي السماء محملا بالأقدار و المصائر، ويحاول فيما تبقى له من الوقت الفاصل عن وصوله اكتشاف معادلة تمكنه من تعديل المصائر وجعلها اكثر رحمة.
كان يبعث لها بأقساط روحه. يتتبعها وهي في الطريق إليها. وحين كانت تصلها، كان يتجمد في مكانه مراقبا تأثيرها فيها. وحين كانت ملامحها تتباطأ في رسم انطباعها. كانت أنفاسه تنحبس. يتأهب مستجمعا ما لديه من صلابة لتخفيف وقع صدمة قوية. وبوثيرة أسرع من الخيال، كان الزمن يمدد حجمه للحد الذي كان يسع الف سؤال. هل روحه ملوثة؟ هل أساء لمن لا تجب الإساءة في حقه؟
تتمادى في الصمت و السكون. تتلقى حواسه إشعارا بأن انفجارا مدمرا سيحدث في اقل من ثانية. يسري الدم ساخنا في اوصاله ليصير وجهه قانيا، متحسسا عرقا ساخنا كان يتدفق عبر المسام.
ترفع رأسها أخيرا منتزعة نفسها من شرودها. تستدير جهة الكاميرا. تنظر إليه. يحس الإحساس نفسه الذي سينتاب الإنسان يوم البعث قبل لحظة استلام كتابه وقد فقد القدرة على تمييز يمناه من يسراه.
تصل الحواس إلى ذروة الاستنفار. يرصد موجة دقيقة تتشكل لتعبر مساحة وجهها منطلقة من مشارف الثغر إلى أقصى امتداد الوجه. وتفرج في الأخير عن ابتسامة.
يلونه الفرح. يجرفه. تنفتح خلايا وجدانه ليحس أنه يتخلص من ثقله. و ان الجاذبية تفقد سيطرتها عليه. و انه يرتفع. يطير ويتوارى داخل عمق مملكة الأحلام.

هل كان يعرف أن للابتسامة كل هذا السحر و التأثير؟ وهل كان يعي أنها تستطيع أن تسوعب الحياة كلها للحد الذي تصير عنوانا لها؟... لكن الأهم من هذا كله، هل من يكشف أعماقه الغائرة يكون أول من تغرب عنه الشمس؟

من قبل اجتهد كثيرا في أن يعرف المنطق بطريقته. رأى أنه الجانب الجامد في الإنسان. وان سطوته مهما علت و ارتفعت فهو في النهاية لا يستطيع أن ينسج قصة حب. و ان الحب هو القلعة المقفلة دوما في وجه المنطق. غير أنه يرى الآن أن الحب هو في النهاية حكاية. و ان الحكاية هي عمر . و ان العمر حتى لو شكله الخيال فهو لن يبدأ أبدا بالشيخوخة و ينتهي إلى الصبا.
في البدء كانت نشوة اللقاءات الأولى تجعل عينيه لا ترى الا لونا واحدا. ومسامعه لا تلقتط الا لحنا وحيدا. انتزع نفسه من العالم كله لحد خلق داخله يقين بأن الحياة استوت أخيرا على خط مستقيم. و أن الأحلام أنهكها التحليق وتاقت نفسها لتجسيد يمكنها من أن تمد اخيرا ساقيها على الأرض دون خوف من أن تبهت ألوانها أ و تمسخ كائناتها العجبية.
انتبه فجأة ان شيئا ما قد انكسر . و ان مساحات حضورها بدأ تتقلص و تتراجع لفائدة فراغ وغياب كان يكبر بشكل معاكس لنمو حبه لها. و ان حكايته هي ككل الحكايات في زمن سريع تحدث فيه الوفاة على مرأى من الولادة. هل كان مجرد نزوة بالنسبة لها؟

رشا محمود
10-06-2007, 07:01 PM
مرحبا بك أخى عبد الله

ومرحبا بإطلالتك الجديدة والمشرقة

سعدت بمصافحة نصك الجديد

وبانتظار المزيد

تحياتى

الحياة
29-06-2007, 03:00 AM
تسلم اخى العزيز عبدالله البقالى على مجهودك

ألنشمي
29-06-2007, 04:48 PM
000
00
0


قصة رائعة


وسرد جميل




بورك بيمينك



دمت بود