المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حقيقة إلقاء الشيطان في أمنية الأنبياء والمرسلين



العرابلي
29-05-2007, 07:34 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
حقيقة إلقاء الشيطان في أمنية الأنبياء والمرسلين
قال تعالى : (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آَيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52) لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (53) الحج.
هذه الآية تثبت بكل وضوح أن الشيطان قادر على أن يلقي من أقواله في أمنية الأنبياء والمرسلين في حال تمنيهم.
ظاهر هذه الآية أنه قد يحصل خلط بين ما هو وحي من الله تعالى وما يلقيه الشيطان، والله تعالى يبطل هذا الخلط بعد حدوثه بالنسخ والتثبيت.
ومثال على هذا الخلط ما ذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يتلو سورة النجم على الكافرين أنهم سمعوه يذكر آلهتهم بخير، ويقول فيها "تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى" أو "لترتضى" وقد ورد هذا القول بأكثر من صيغة ، بعد قوله تعالى: (أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20) النجم، ففرح المشركون لذلك، فلما انتهى إلى السجدة في آخر السورة سجد النبي عليه السلام وسجد معه الكفار، وانتشر الخبر بإسلام أهل مكة، فعاد بعض المهاجرين من الحبشة.
وأصاب النبي عليه الصلاة والسلام الغم مما سمعه المشركون، وهم لا يشكون أن ما سمعوه هو من النبي عليه الصلاة والسلام، وليس من غيره.
وتصدى من تصدى من العلماء لبيان فساد هذه القصة؛ لأن فيها إخلال بعصمة النبي صلى الله عليه السلام.
ولا أريد أن أناقش صحة هذه القصة أو عدم صحتها ... إنما أريد أن أدخل في تعريف الأمنية ... لأن فيها البيان الشافي إن شاء الله تعالى .
فعندنا تسأل امرأ عن أمنيته سيجيب لك بالشيء الذي يمتناه؛ كسيارة حديثة غالية الثمين مثلاً، أو بيت واسع وجميل، أو بستان مليء بأنواع الفواكه والخضار، أو ما يحبه من الأنعام، أو أي شيء آخر له قيمة، أو تكون أمنيته أن ينال شهادة في علم ما، أو ينال وظيفة ذات مكانة ومنزلة عالية، أو عودة حبيب غائب أو مسافر بالسلامة، ... والأماني كثيرة ومتنوعة، وهذه الأشياء الذي يمتناها هي أشياء خارج نفسه وذاته، وليست جزءًا منه ... فما يتمناه المتمني لا يكون في داخله، بل هو في الخارج، منفصل عنه، كان ذلك فاكهة مشتهاة، أو قصرًا مشيدًا، أو تعلق بفرد عزيز أو جمع من الناس.
فالأمنية هي غير ذات المتمني، وإن كان القلب محل كل نية، والتطلع إلى كل رغبة وشهوة.
فإلقاء الشيطان في الأمنية لا يكون في نفس المتمني، ولا في قلبه، ولا على لسانه، بل يكون الإلقاء في نفس الأمنية التي هي خارجة عن ذات المتمني ... ولا يلقي الشيطان إلا في فيمن له عقل.
وأمنية الرسول صلى الله عليه وسلم لم تكن شيئًا من متاع الدنيا ،، إنما كانت هي ذات قومه، متمنيًا إسلامهم، وتركهم لما هم عليه من الشرك والكفر، والصد عن سبيل الله.
والرسول صلى الله عليه السلام مكلف من الله تعالى بتبليغ الرسالة، وليس عليه هدايتهم، وكان عليه الصلاة والسلام حريصًا على هداية قومه، ويحب لهم كل الخير في اتباع هذا الدين، وكان يؤلمه عدم إيمانهم، وصدودهم عن دين الله .. فتمنى وهو يبلغهم أن يتحولوا عن كفرهم إلى الإيمان ... فكانت هذه فرصة للشيطان لأن يلقي في نفوس الكافرين، وأن يسمعهم غير ما يتلوه النبي عليه السلام من القرآن ... فكان ما كان من سجودهم على غير ما تلاه عليه الصلاة والسلام.
هذه الآية تبين وترشد أن على النبي، والأمة من بعده ألا تنشغل إلا بالتبليغ، وتترك أمر الهداية إلى الله عز وجل، وجدية المبلغ تضعف تأثير الشيطان على المبَلََغين .
وأن التمني بهدايتهم مدخل للشيطان إلى أنفسهم، وحاجب من وصول البلاغ إليهم، وفتنة لهم لأن في التمني رغبة في توجه المبلَغين من أنفسهم لهذا الدين، ولو لم تكن عن كامل قناعة منهم، وليس توجههم بسبب قوة الحجة، وإقامة البرهان والدليل، والأثر المباشر لدعوته وتبليغه بأمر الله .... وذلك يكون منه بعدما يلاقيه الداعي إلى الله من العداوة من قومه، والشدة والكرب في تبليغهم، وعدم استجابتهم،
فما جاء في الآية وقصة الغرانيق لو صحت ليس فيها طعن بعصمة النبي عليه السلام في تبليغه عن ربه، لأن الإلقاء لم يكن في نفس النبي عليه السلام، ولا قلبه، ولا على لسانه، مما لم يرد لفظه في الآية، كالذي وقع فيه بعض المفسرين لوصف ما جرى، وإنما كان ذلك في نفوس الكافرين، لأن الأمنية لا تكون إلا لشيء غير مملوك، وخارج عن ذات المتمني، وبعيد عن نفسه ويده، وأن محل أمنية الرسول صلى الله عليه وسلم هي قومه، وتمنيه هو أن يتركوا الكفر الذي هم عليه، ويؤمنوا بالله ورسوله، وفي هذا إرشاد من الله عز وجل ودرس آخر للنبي عليه السلام وللأمة من بعده؛ يعلمنا الله تعالى فيه الحكمة في الدعوة لدينه.... وأن إعادة وتكرير البلاغ عليهم، بعين الألفاظ التي أمر بتبليغها؛ ينسخ ما يوقعه الشيطان في أنفسهم إن حدث ذلك، ويثبت بعدها الله تعالى آياته على الوجه الذي نزلت عليه.... والله تعالى أعلم.
أبو مسلم/ عبد المجيد العرابلي