المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أمهر الطهاة ( نزف قلم : محمد سنجر )



محمد سنجر
14-05-2007, 08:18 PM
برغم برودة هذه الليلة القارصة من ليال الشتاء
إلا أن انشغالنا بالرسم جعلنا نحاول أن نتناسى هذه القشعريرة التي تسري بأبداننا كلما انفتح باب الغرفة
نحاول أن نقنع أنفسنا بهذا الدفء الذي بدأ يدثر أرجاء الغرفة
و الذي كان نتيجة هذا الموقد الكهربي الذي أوقدناه منذ ساعات
يتلوى من فوقه إبريق الماء المتراقص من الغليان
ينتظر اليد الكريمة التي تمتد لترفع عنه الغطاء
تلقي فيه من بخور سحرها
فيحولها إلى مشروبنا الشعبي الوحيد (الشاي)
و بينما نحن منهمكين في عملنا
إذا بأحدنا يسأل
: أيها البربر ، أتعلمون كم الساعة الآن ؟
: لا
: الساعة تلاتة إلا ربع
: لاااا ؟
صحيح ، دانا لسه ما خلصتش الاسكتشات
: اسكتشات إيه انته راخر ، ما جعتوش و الا إيه ؟
( عندها قرقرت لكلامه بطوننا جميعا )
: أديك سامع بنفسك ، عصافير بطننا بتصوصو ، ها ها
: إيه العمل دلوقتي؟
: واحد فيكم ابن حلال كده يهز طوله و يروح يجيب لنا أكل
: و مين اللي فاتح دلوقتي يا ناصح ؟
: حتى لو يروح يجيب من (الكيت كات)
: و لا ها تلاقي في (الكيت كات)
دي عاوزه مشوار (العتبة) (رمسيس)
: و مين الأهبل ده اللي ها يروح إن شاء الله ؟
: على قبائل البربر ترشيح أحد الأبطال ليقوم بهذه المهمة الانتحارية
: أرشح (حسين)
: و أنا كمان أعطي صوتي لحسين
: و أنا أختار حسين
: نعم نعم نعم ، حسين مين يا ابن الحلال انته و هو ؟
لا الصيام أحسن
: كده برضك يا حسين ؟ يهون عليك البربر يموتوا من الجوع ؟
: يموتوا من الجوع و إلا حتى يولعوا بجاز،
أكونش خلفتكم و نسيتكم ،
و بعدين اشمعنى حسين يعني ؟ طب ما تروح انته يا ( بُرم )
: أيوه ( سنجر ) هو اللي يروح ، مش انته زعيم البربر ؟
: أيوه ( سنجر ) اللي يروح
: أروح فين في البرد ده يا ولاد الذين آمنوا ؟
: اتصرف انته بقى ، شوف لنا أي أكل عند أي واحد من حبايبك ،
: عند حبيبك (عبد الباسط) أو عند (عشري)
: بالله عليك يا زعيم البربر يا مغوااااااااااااار
تنقذهم من الجوع الكافر الجباااااااااااااااار
: حاضر ما أنا عارف إني الخدام اللي جابهولكم محمود مختاااااااار
: خادم القوم سيدهم
( ذهبت إلى غرفة (عبد الباسط) طرقت الباب على استحياء
و لما دعاني صوته الجهور دخلت أتقدم خطوة بينما أقف أخرى )
: سلام عليكم
: و عليكم السلام ، إزيك يا أبو السناجر؟
: الحمد لله ، ما عندكش أكل للبربر يا عبد الباسط ؟
: إياك أطفحه ، دا أنا هاموت من الجوع أنا كمان
: لا حول و لا قوة إلا بالله ، طيب سلام
: أمانة عليك لو لقيت أكل ما تنسانيش ، اعتبرنا من البربر يا سيدي
: قال جبتك يا عبد المعين ها ها
: لقيتك يا (دٌمياطي) عاوز تتعان ها ها
: سلام يا (شرقاوي)
(نزلت إلى غرفة حبيبي (عشري) طرقت الباب ، سمعت أصوات ترد )
: ادخل
(و عندما أزحت الباب على حذر
فوجئت بخلية نحل أمامي
هذا يرسم و قد افترش الأرض ، و هذا فوق سريره،و هذا على كرسيه ، و آخر فوق الطاولة )
: السلام عليكم ، بسم الله ما شاء الله ، بسم الله ما شاء الله
( رددوا في صوت واحد )
: و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته
: الحبايب كلهم متجمعين
: أهلا سنجورة
: طبعا خلصت شغلك يا أبو السناجير
: لأ لسه ، أمال فين ( عشري ) ؟
: تعالى يا سنجور
( وجدته خلف الجموع جالس على سريره و وجه للحائط الذي يستند لوحته إليه)
: آجي فين ياعم ؟ ما عندكوش أكل ؟
: ها ها ها ، ما كنش انعذر و لا باع جزر ، تاخد لك سيجارة أحسن ؟
: آكلها ؟
: ولع ، ولع ، ها تعين صحتك لمين يا راجل ؟
تصدق بإيه ؟
: لا إله إلا الله
: أنا و العيال دول كنا لسه بنقول ها نبعت (مجاهد) لمين يجيب لنا من عنده أكل ؟ كلنا قولنا ما فيش غير البربر (جيب السبع ما يخلاش)
: بقولك إيه ، السلطانية دي مش واسعة شوية ؟ سلام عليكم
: أمانة عليك
( عندها أسرعت أكمل له جملته )
: لو لقيت أكل أعمل حسابكم ، حاااااااااااااااااااضر
( خرجت و قد زاد الحمل على عاتقي
فبعدما كنت أبحث عن طعام لخمس أفراد من البربر
أصبحت الآن أبحث عن طعام يكفي أكثر من عشرة أشخاص
و بينما أنا شارد أدع الله أن يرزقنا
هداني الله إلى فكرة تنقذنا من هذه المجاعة
عندها جريت إلى غرفتي أحضرت أكبر إناء لدينا
عندها تهلل وجه زملائي سألوني متعجبين )
: لقيت أكل ؟
: ربك الرزاق ، ادعوا الله يوفقني
: ربنا يرزقك برزقنا يا سي السيد قادر يا كريم
(انطلقت إلى صديقي (سامي) و أنا أعلم مسبقا عنه أنه يقوم بتخزين بقايا الخبز الذي يأخذه معه لإطعام أفراخهم بالقرية
كثيرا ما وبخنا على إلقاء مثل هذه البقايا بالقمامة
طرقت الباب فلما دعاني للدخول أجبت
وجدت لفيف من السهارى )
: السلام عليكم
: و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته أهلا (سنجور)
خلصت و إلا لسه ؟
: لسه ، بس بطون البربر بتزغرد و بدور لهم على حاجة تخرسها
: و مين سمعك
: أنا وقعت و انته استلقتني
: و الله ما عندنا أكل ، ده إحنا كمان ميتين من الجوع
: عارف و عشان كده عاوز من عندك كم رغيف من الخزين بتاع البلد
: بس ده كله ما ينفعش يا بن الحلال
: بس وريني اللي عندك
: حاضر تفضل
( فتح لي الخزانة التي يحفظ بها خبزه
عندها حاولت اختيار ما يصلح من الأرغفة
أخذتهم داخل آنيتي و أسرعت بهم إلى الأحواض أغسلها بالماء
أزيل ما عليها
حتى إذا ما رضيت عنها
قطعتهم لأجزاء صغيرة داخل آنيتي المعدنية
ذهبت إلى غرفتي أحضرت علبة ( الحليب المجفف ) المهملة
هدية أختي
كم من مرة تراجعت عن استخدامها بسبب خوفي من سخرية أفراد قبائل البربر ، فكيف أنصب نفسي زعيما لهم و لم أفطم بعد ؟
أفرغت ما بالعلبة من الحليب المجفف فوق قطع الخبز ثم أضفت السكر عليهم ثم غمرت المزيج بالماء و وضعته فوق النار
و ما هي إلا دقائق
وجدتني أمتلك إناءا مملوءا بالطعام الشهي الدافئ
حمدت الله ، هللت فرحا ،
صعدت إلى غرفتي حاملا إنائي
أطرق الأبواب بقدمي أستصرخ الجوعى
: على السادة المقرقرة بطونهم التوجه فورا إلى غرفة قبائل البربر لالتهام ما لذ و طاااااااااااب ،
على جميع الإخوة الجائعين إحضار ملاعقهم و التوجه فورا إلى غرفة قبائل البربــــــــــــر
( عندها خرجت الجموع من كل حدب و صوب يركضون في اتجاه غرفة قبائل البربر ، كل منهم يحمل سلاحه ( ملعقته )
و ما أن وضعت الإناء فوق الأرض حتى اختلط الحابل بالنابل
تهافتت الملاعق على الإناء تنال من شبعه و دفئه
دقيقة واحدة وجدنا أنفسنا نستند إلى الحوائط و الأسرة خلفنا
ننتظر من يجود علينا من البربر بالشاي الدافئ
تجشأ أحدهم و قال
: اللهم لك الحمد يا رزاق
و الله إنها ألذ ما أكلنا يوما

ألنشمي
14-05-2007, 11:27 PM
000
00
0


الجوع يعمل عمايل



ولا يشعر بطعم ولذة الاكل الا الجائع



سرد شيق




بورك بيمينك اخوي محمد





دمت بخير

رشا محمود
16-05-2007, 01:19 PM
مرحبا بعودتك أخى محمد

ومرحبا بعودة قلمك للدرر

سرد رائع جدا

وقريب منا كثيرا

تشعر معه بالألفة الشديدة

وتضحك مع طرافته اللطيفة

ذكرنى بالحكايات التى رواها لى أخى أيام إقامته بالمدينة الجامعية بالقاهرة

كم فعل بهم الجوع الأفاعيل فى أوقات عجيبة

حيث أن للطعام مواعيد لا يجوز للمعدة أن تخالفها

ولكن هذا لا يمنع بعض التحايل عليها مثلما فعل صاحبنا

شكرا لك يا أخى

تحياتى

محمد سنجر
23-05-2007, 11:12 AM
جزاكم الله خيرا
على طيب ردودكم
أحب الشكر على النعمة
الحفاظ عليها
فهل نحن منتهون ؟؟؟؟؟؟؟؟؟