المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الرباط المتين(الاخوة الايمانية)



أبو الوليد
11-04-2007, 02:36 AM
ان رابطة الاخوة الايمانية هي الركيزة الأساس بعد الإيمان بالله ـ عز وجل ـ الذي هو أساسها؛ حيث أمـــر الله بالاجتماع على أساس الإيمان فقال: ((يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ)) [آل عـمـــران: 102]، ثم قــال: ((وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا)) [آل عمران: 103]، ثم امتنّ بهذه النـعـمـــة الجليلة فقال: ((وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إخْوَاناً)) [آل عمران: 103](1).
فلا أخوة بلا إيمان: ((إنَّمَا المُؤْمِــنُـــونَ إخْــوَةٌ)) [الحجرات: 10]، ولا صداقة بلا تقوى: ((الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إلاَّ المُتَّــقِــيـنَ)) [الزخرف: 67]، وإذا انعدمت الصلة الروحية الإيمانية التقت الأجساد على المصالح الذاتية، والمنافع الشخصية.
وهذه الرابطة هي قوام المجتمع. وقد كانت الـدعــامـــــة الثانية - بعد بناء المسجد - في تأسيس دولة الإسلام في المدينة بُعَيد هجرة النبي. ولقد كانت قصة المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار قصة من عالم الحقيقة، ولكنها في طبيعتها أقرب إلى الأحلام، وهي قصة وقعت في الأرض، ولكنها في طبيعتها من عالم الخلد والجنان.
وفي المقابل فإن انفكاك هذه الرابطة هو سبب الفشل والضياع، قال ـ تعالى ـ: ((وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ)) [الأنفال: 46]؛ لذا عمل الإسلام على توثيق عرى الأخوة ببيان فضائلها ومقاصدها وثمراتها ووسائل تعميقها، ووعد عليها أحسن الجزاء، واعتبرها وسيلة لكـثير من المقاصد والغايات الشرعية العامة. وهذه النقاط هي محور الحديث. وحتى يكون الحـديـث مجــديــاً فــــلا بد أن يكون وسطاً بين المثالية المغرقة، وبين إقرار الواقع على علاته(2).
فضائل الأخوة:
1- الأخـــــوة أوثق عرى الإيمان، وتحقيقها عبادة من أعظم العبادات، بل هي من كمال الإيمان. قال: (مــن أحــــب لله، وأبـغـــض لله، وأعـطــى لله، ومـنـع لله، فقد استكمل الإيمان)(3)، وبها تُتَذوق حلاوته، قال: (من سره أن يجــد طعم الإيمان فليحب المرء، لا يحبه إلا لله ـ عز وجل ـ)(4) والموالاة على أساس الإيمان منهج أولياء الله ـ تعالى ـ، قال ـ عز وجل ـ: ((لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَـــــادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإيمَــــانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ)) [المجادلة: 22]. فهي طريق إلى ولاية الله ـ عز وجـــل ـ.
2- وبالأخوة تُستجلب محبة الله ـ تعالى ـ، كما في الحديث القدسي: (وجبت محـبـتـي للمتحابين فيّ، والمتجالسين فيّ، والمتزاورين فيّ، والمتباذلين فيّ)(5).
3- والأخوة سبيل إلى ظل عرش الله ـ تعالى ـ، فمن السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: (رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه)(6).
4- والأخوة سبب لعلو المكان في الآخرة، ودخول الجنة؛ فالمتحابون في اللـه علـى منابـر مـــن نـور ـ يوم القيامة ـ يغبطهم الأنبياء والشهداء(7)، وجوههم نيّرة، وقلوبهم آمنة، لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
5- وهي عماد التعاون على البر والتقوى، وهو أمر لا يُتصور حصوله من الفرد؛ وذلك أن الأخـــوة قوة إيمانية تورث الشعور بالمحبة والثقة والارتباط، الذي ـ بدوره ـ يولد أصدق العواطـــــف في اتخاذ مواقف إيجابية من التعاون والإيثار والرحمة والعفو والتكافل، وفي اتخاذ مواقف سلبية من الابتعاد عن كل ما يضر الناس في أنفسهم وأموالهم وأعراضهم(8).
6- أنها تـعـتـبــر سبباً لتحصيل أجور عبادات لا تحصل إلا بها، وهي ما كان من باب حقوق الأخوة وآدابها، ومن ذلك:
أ - المصافحة: وهي من أسـبـاب الـمـغـفــرة، لحـديـــث النبي: (ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان، إلا غفر الله لهما قبل أن يفترقا)(9).
ب - عيادة المريض: ففي الحديث: (من عاد مريضاً أو زار أخاً له في الله ناداه منادٍ: أن طبت وطاب ممشاك، وتبوأت من الجنة منزلاً)(10).
7- والأخوة ـ أيضاً ـ طريق للنجاة من وعيد الله ـ تعالى ـ الذي توعد به من آثر الدنيا على محبة الله؛ حيث قال: ((فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَاًتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي القَوْمَ الفَاسِقِينَ)) [التوبة: 24].
مقاصد الأخوة وثمراتها:
1- لا يخفى أن المقصود من الأخوة: التعاون على البر والتقوى، والتواصي بالصبر. ورعايةً لهذا المقصود النبيل؛ فإنه يلزم اختيار الأخ والصديق على هذا الأساس؛ بحيث يكون معيناً على طاعة الله ومرضاته، فإن أقل ما يستفيده الأخ من أخيه: الانكفاف بسببه عن المعاصي؛ رعايةً للصحبة، وتنافساً في الخير(11).
2- وهناك مقصود آخر لا يقل أهمية عن الأول وهو: الاستعانة على نوائب الدهر، وحاجات الزمان، وإنما يحتاج الإنسان (إخوان العُشرة لوقت العسرة)(12)، وقال القاسم بن محمد: (قد جعل الله في الصديق البار المقبل عوضاً من ذي الرحم العاق المدبر)(13). وانظر كيف سأل موسى ـ عليه السلام ـ ربه أن يجعل معه أخاه هارون وزيراً.
3- وحين نوسّع النظرة نرى الأخوة رباط المجتمع وعماده، وصمام أمانه، وسرّ قوته.
ويوم أن يكون المؤمنون جسداً واحداً فإنه يستحيل لقوة بشرية - كائنة ما كانت - اختراقهم، إلا حين يدب الداء من داخلهم. ويوم يتحقق الجسد الواحد نرى النتائج الطيبة التي حققها الرعيل الأول حين نشروا الإسلام في أرجاء المعمورة، وانبثقت عنهم حضارة الإسلام(14).
وبالجملة: فإن أقل ما تستفيده من الأخ: (أن يحفظك في حضرتك ومغيبك، وأن تنفعك محبته ودعاؤه في حياتك ومماتك، وأن يدافع عنك، وقد يعرّفك ويصلك بمن تستفيد منهم)(15) لدنياك وآخرتك.
لأجل هذه الأمور ونحوها كان ابتعاد المسلم عن إخوانه وانقطاعه عنهم عقوبة من أعظم العقوبات، قال الشافعي: (ضياع العالم أن يكون بلا إخوان) (16). وهل كانت عقوبة الثلاثة الذين خُـلّفُوا ـ رضي الله عنهم ـ إلا بقطع صلتهم عن إخوانهم وحجبهم عنهم؟ ولا عجب فإن المؤمن بلا إخوان كعضو بُتر من جسد؛ فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد شبه المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً، وجعل مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى(17).
شرائط الأخوة وضوابطها:
إن من ينشد تلك الفضائل والمقاصد من علاقة يقيمها هو وفق هواه كمن ينشد الماء في السراب؛ فإن ذلك مكسب كبير لا يتأتى إلا من علاقة خاصة تتوجها الحلل الآتية:
1- كونها خالصة لوجه الله ـ تعالى ـ، مجردة من المقاصد المادية؛ ففي الحديث أن رجلاً زار أخاً له في قرية أخرى، فأرصد الله له على مدرجته ملكاً، فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخاً لي في هذه القرية، قال: هل لك عليه من نعمة تربّها؟ قال: لا، غيـر أني أحببتـه في الله ـ عز وجل ـ. قال: فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه(18)، وإلى هذا المعنى تشير النصوص العامة في اشتراط الإخلاص في كل عمل، وبخاصة الواردة في المؤاخاة والمحبة.
2- اقترانها بالإيمان والتقوى: ((إنَّمَا المُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ)) [الحجرات: 10]، وبيّن ـ عز وجل ـ تبدد العلاقات إلا ما كان عماده التقوى، فقال: ((الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إلاَّ المُتَّقِينَ)).[الزخرف: 67]
3- التزامها منهج الإسلام وتعاليمه: وإليه يلمح قوله -صلى الله عليه وسلم- في نعت الأخوة الموصلـة إلى ظـل اللـه ـ تعالى ـ: (ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه).
4- قيامها على النصح: ولمكانة هذا الشرط استحق أن تؤخذ عليه العهود، قال جرير بن عبد الله البجلي: (بايعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم)(19)، وإذا كان ذلك لعامة المسلمين فهو لخاصة الأصحاب أوْلى بالمراعاة.
5- التعاون على البر والتقوى: وهو الهدف الأول من عقد الأخوة، واختلاله يؤذن بزوالها وتحولها.
6- التكافل والتباذل والتضحية والتعاون على ضرورات المعيشة وحاجاتها، وهو أمر من الجلاء بحيث لا تخفى نصوصه الآمرة به، كحديث: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)(20)، وحديث: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)(21) ونحوها.
من تُصاحب؟
قديماً قيل: قلْ لي من تصاحب أقل لك من أنت. ومصداقـه قول النبي: (الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل)(22). وعليه فاختيار الصديق مرحلة خطيرة تشبه مرحلة اختيار الزوجة من حيث أنها تشكل منعطفاً ـ في حياة المرء ـ له ما بعده.
(عن مجلة البيان)