المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مراسم الوداع الحزين



محمد دلومي
29-03-2007, 07:50 PM
تقدم مني صديقي بهدوء وهمس في أذني بلطف :
_ لم تعد تسأل عنها ...
_ أسأل على من ..؟
_ ..... ياسمين ...!

ياسمين حكاية حب ولد ميتا ’ أو ولد ليموت , لا أعرف لما كلما يتسلل إلى سمعي اسم الياسمين يقشعر بدني وأشعر بالحزن , غصت في ذاكرتي إلى أول لقاء كان بيننا يوم تعرفنا على بعضنا البعض في المعهد بدأ تعارفنا باختلاف وانطلقنا باتفاق وأثمر اتفاقنا حب كان رائعا في بدايته جميل بريء مثل الأطفال جميل مثل الربيع وبعدما اثملتنا سكرة الحب قضينا عليه بالانفصال .. ياسمين كانت جميلة عينيها صافيتان مثل السماء , كانت جميلة لكنها عنيدة .. طيبة لكنها متمردة .. لازال صوتها الملائكي ولهجتها العاصمية ترن في أذني ... وقطع عني صديقي شريط الذكريات بسؤال جديد كان مثل صفعة أيقظتني من غفوة الذكريات .
_ ألا زلت تحبها ..؟ !!
_ ..؟ ..؟ ..؟... وكرر علي السؤال نفسه ..
لم يعد في قلبي المثقل بالطعنات مكان للحب ولا للكره , لم تعد ثمة امرأة تغريني او تستحق حبي ’ كل امرأة ذميمة كانت أو جميلة تحب من يكذب عليها بمشاعره حتى تحبه ’ والصادقون في مشاعرهم عليهم أن يتحملوا طعنة غدر . كان هذا جوابي له . ومرة أخرى يسألني :
_ لكنك لم ترد على جوابي . .. ألازلت تحبها ..؟

وهذه المرة كان علي أن أرد على الأقل لأخرج من هذا الموضوع الذي لا أريد الرجوع إليه .
_ صدقني لم اعد أحب أحدا ولم أعد قادرا على الكره أيضا ربما تبلدت مشاعري أو تلاشت فهذا القلب الذي بين ضلوعي أضحى مجرد مضخة لضخ الدم إلى العروق هذا دوره في هذه الساعة إلى إشعار آخر . غرقنا في صمت أشبه بصمت المقابر واختلطت علي الأفكار آو ربما حاصرتني جراح الماضي فاستسلمت لخيالي وذكريات بعيدة مضت ليوقظني صديقي هذه المرة على نبأ كان مثل طعنة لم أكن انتظرها ..
_ ياسمين دخلت المستشفى منذ شهر ولم تخرج بعد كان كل كلامه الأول تمهيد لما قاله لي الآن . لا أعرف كيف تحولت المضخة التي بين ضلوعي إلى كتله حية تنبض بعنف وراحت ترق وتلين لتملأ المآقي عبرات دافئة .. لم أجد ما أقوله .. ويكبر الجرح بحجم السماء , يكبر ويتوسع مثل شرخ زلزال يشق الأرض نصفين وأنا أسمعه يردف بصوت ثقيل يملأه الحزن .
_ التحاليل أثبتت أنها مصابة بسرطان الدم . أحاول أن أتمالك وأن اثبت .. لكن الأرض تدور وتلف واشعر بثقل في راسي وطنين حاد .. آه يا كبدي أي جرح فيك سينزف ..؟ لما أيتها الدنيا ..؟ آه يا دنيا ما صنعت أنا ..؟ كل هذا كان صراخ الروح في عتمة النفس .. كل هذا كانت أحلامي المهدورة المعلقة على مشانق الواقع .. وقفز الى خيالي طيفها ’ أراها الآن مثلما رايتها أول مرة في براءة الأطفال .. ضحكتها الجميلة وجهها الذي يشبه القمر , ثغرها العذب الذي تطل منه الشمس صافية في ربيع جميل عيونها الصافية التي تطل علي من خلف أهداب كحيلة طويلة تتأملني مثل طفلة وأنا أخط خاطرة أو قصة أو شيء من تفاهتي التي كانت تقول عنها جميلة .. يا لأناملها وهي تمسك يدي .. يا للمستها الحانية التي تشق صلابة الصخر فتجعله لينا طريا ’ يا لصوتها العذب الذي يذكرك بصوت الطبيعة في ربيع باسم .. آه يا كبدي أي جراح تحتملي .. ؟ يغدر البشر ويحكم القدر , وبين غدر البشر وحكم القدر قصة عذابي . جفت الكلمات من حلقي مثل نبع ماء ابتلعه شق أرض على حين غرة , أبتلع بقايا ريقي الذي أحسه مرا مثل العلقم . الكبرياء الزائف إن لم يكن في محله يقتل الحب الصادق , كان فراقنا صنيعة الكبرياء الزائف وفي الحب لا وجود للكبرياء فالحب الصادق يحطمه الكبرياء ويشتته الشك وتقتله الأنانية كان علي أن اذبح الكبرياء في لحظتها , أخطأت وكلنا نخطئ كان علي أن أسامح وأغفر فالحب ان لم نغفر فيه لمن نحب فذاك إمضاء لشهادة وفاته , نعم كنت أنانيا وكنت مغفلا لأني قتلتها مرتين يوم خيرت نفسي بين حبها وكرامتي فاخترت كرامتي وكان علي أن اختار من أحببت .. آه يا كبدي أي الجراح هاته التي ستثخن الروح فيك ..؟ وأستيقظ من غفوة الذكريات على جسد هزيل أطل عليه من خلف زجاج الإنعاش أختلس النظر إليه فأراه ممددا تخترقه الأجهزة الصماء ’ ذلك الجسد الأشبه بالياسمين أصبح مثل الهيكل تتردد في إرجاءه رياح الخريف الباردة ’ تلك العيون التي كانت تطل علي منهما الحياة أضحت بلا أهداب غارقتين في مقلتين في ظلال من سواد ,و تلك الوجنتين التي كانتا مثل الورود الحمراء أصبحتا نحيفتين ذابلتين . زهرة الياسمين البيضاء أضحت مثل هيكل أو مثل الخراب الذي يكاد يهوى على حين غفلة . هاهو الموت يطوف على رأسك يا ياسمين ولا أحد يمنعه عنك .. وتنحدر دموعي بلا توقف ويحترق القلب ويتقد نارا ,, ليت الأيام تعود يوما ليتك تبقين يا ياسمين .. ليتك .. ليتك .. تمهل أيها القدر .. أنه قلبي .. تمهل أيها الموت وأشفق فإنها روحي .. تمهل أيها الزمن . إنها أنفاسي تلك العيون التفتت نحوي نظرت نحوي ورمت إلي بسمة ذابلة التقطتها مثل اللاهث خلف السراب .. مثل التائه في صحراء جرداء بسمة فيها كثير من الفرح وحركات شفاه وهمهمات , لم أكن افهم منها شيء , لكني أدركت أنها سعيدة بوجودي .. مثل زهرة الياسمين . مضى عليها الربيع وهاهي اليوم على حافة صيف يكاد يقضي نحبه ليسلمها إلى خريف قاس لا يرحم لتذبل بعدها إلى الابد . كنت أتلمس زجاج الإنعاش بأنامل مرتعشة أحاول ان أتسرب خلفه لأغوص في روحها لأنزع من عمري عمرا وأعطيه لها .. لأقتسم الحياة معها نصفين .. كانت تلك أماني الخائبين والخاسرين في الحياة . جذبتني الممرضة من ذراعي بلطف وأخرجتني وراحت عيوننا تتهامس ربما لآخر مرة ورحت أبتعد وبصري معلق بها وبسمتها الذابلة تلحق بي تتبعني مثل طفلة , وترتفع يدها ببطء تودعني وذاك الثغر الجميل يبتسم لي , اهو موتي أو موتها ...؟ اهو عمري ام عمرها ..؟ واختفت ياسمين خلف المآزر البيضاء والآلات الصماء ليتسلمها الموت بعد يومين ورحلت دون أن تقول وداعا قد مضى العمر .. دون أن يمهلني الموت نظرة أخرى إلى وجه سكنه الموت . هل كان هذا اليوم الذي أرى فيه نعشك موضوع على عتبة بيتكم منتظرا بالنسبة لي في لحظة من لحظات العمر الذي قضيناه مع بعض أو في الوقت الضائع الذي قضيناه بعيدين عن بعض ’ بسبب خلافاتنا التافهة ..؟ لم أكن أتصور يوم مثل هذا سيقع على طول ما عرفتك به من زمن , لكنه وقع . أرى الدموع تنهمر من الأحداق غزيرة ووحدي كنت ابكي بلا دموع لكن القلب كان يبكيك بحرقة كان يبكيك دما قانيا, ويتخبط ألما مثل طير ذبيح .. أين كانت الأيام تخفي لي كل هذا ..؟ أبعد هذا أأتمن الزمن .. ؟ كدت أهوى من طولي وأنا أرى الأكتاف تسند نعشك ’ أتخيلك وحيدة مدثرة بكفنك الأبيض في نعش مظلم .. لا أعرف أكنتِ ترسمين ابتسامة ولا أعرف أيضا أكنت ِ تحسين وتدركين بأنكِ ميتة ؟ يا لتلك السواعد التي تحملك كم قاسية .. كم ظالمة ,,, رويدكم .. أمهلوني نظرة إلى وجهها القمري دعوني اقطف من ثغرها آخر بسمة لأحفظ ذكراها ما بقي لي من عمر .. ونعشك يوضع على العربة كدت أصرخ ويحكم إلى أين تأخذون قلبي .. ؟ ردوها إلي .. وسار الموكب ومعه سرت ذاهل عن نفسي تائه في ظلمة النفس ناكسا رأسي لا تكاد ساقاي تقويان على حملي ولا يكاد عقلي يستوعب أن الدنيا ستمضي بي بلا وجودك وان الربيع يأتي مزهرا في العام القادم فلا يجد أناملك التي تقطف زهره وورده ’ ويأتي الصيف ولا يلامس بحره قدميك الحافيتين وتداعبك أمواجه .. بل كيف لي أن استوعب وجودي كله .. ؟ لما أتذكركِ وأدرك انكِ سقطتي من قائمة الحياة .. ينقبض القلب وتضيق الأضلاع التي تحيطه حتى أشعر ان بركانا بداخلي سينفجر .. كنت أكتم لوعة تضطرم مثل نار .. لهيب القلب يستعر ..ولم يعد لي في كل هذا زاد من صبر . أحلم شنيع هذا أم حقيقة .. ام وهم وخيال هو موتك ..؟ أتمنى أن استيقظ اللحظة لأعرف أن الحياة لازالت تحتفظ باسمك في قائمتها .. وان كل الذي يحدث مجرد خيال شارد هارب , كابوس من كوابيس الليالي المعتمة ومن خيالات الروح والنفس.. لكنها أماني الخائبين في الحياة لأن زوالك واقع وليس وهم وموتك أمر قد وقع , يا حرقتي لما أتذكر أن غدا سيأتي ولا أسمع فيه همسك .. يا حرقتي لما أتيقن أن غدا سيأتي ولن اسمع ضحكتك .. يا حرقتي لما أتذكر أن غدا ستشرق الشمس وترسل أشعتها ليس إلى وجهك ولكن إلى قبرك .. أي الم هذا الذي يسكن الضلوع .. وأي بحر في الدنيا يطفئ لهيب أحشائي ..؟ كل العالم أصبح أنتِ انتهيتِ فانتهى العالم وزال .. أمام قبرك المفتوح الذي ظللته أشجار الزيتون تذكرت شجرة التوت التي لملمتنا ظلالها الوارفة في المعهد .كانت الذكريات جميلة مثل حلم لن يتكرر .. تذكرت جنوننا وفرح الأطفال بيننا .. وشغبنا .. وسعادتنا .. كلامنا في كل شيء .. وفي اللاشيء .. أتذكر خصامنا الذي يصل أشده .. نتصالح مرة ونتخاصم أخرى , ونقسم أن لكل منا طريق ونمضي في الطريق لنكتشف أننا نسير في نفس الطريق .. كان الحب الذي بيننا كبيرا جدا بحجم البحر .. وحجم السماء الممتدة على مد البصر .. هل خطر ببالك أو ببالي ونحن تحت شجرة التوت أن يوما مثل هذا يقع ..؟ تحدثنا في كل شيء إلا هذا الأمر الذي لم يكن له في حساباتنا ذكر وفي الحقيقة انه الحساب الوحيد الذي وجب أن يكون في فكر كل البشر .. أفقت من غشية الذكريات الجميلة على جسدك الهزيل تلمه بياض الأكفان .. يا وجعي .. ويا فجيعتي .. ليتني أستطيع ألصراخ بأعلى صوتي .. ماذا تفعلون ..؟ يا سواعدكم التي لا ترحم كيف تقدرون على ردمها ..؟ وأنزلوك مستقركِ الأخير ومعك أنزلوا قلبي .. وهربت من الجميع بعيدا خلف الأشجار لتنفجر العيون عبرات سخية هائجة مثل حمم البركان ورحت أنوح مثل نواح الثكلى المفجوعة في وحيدها وعانقت الشجرة أحاول أن استمد منها ثباتا وصبرا .. هويت على ركبتي أحرث التراب بالأظافر , واروي الأرض بدموعي ربما تصل عبراتي إلى أديم الأرض فتعانق سويداء قلبك فتنبتي لي ملاكا رائعا ويأخذني معه إلى عالم ابدي ليس فيه زوال ’ هناك .. هناك إلى السماء إلى رحمة الله وملكوته نجالس الجمال , في سموات الله الفسيحة .. هناك بعيدا حيث لا يوجد البشر .. هناك إلى عالم الملائكة والكائنات النورانية وتسابيح المخلوقات .. يا أيتها الأماني الخائبة قد مضت ولن تعود .. يا خيالات الحزن العتيق ..قد مضت ورحلت وتركت العالم بأسره .. يا ذكرياتي الجميلة قد قطف القدر فاكهتك , وتركك باهتة بلا معنى ... وعدت الى الجموع الملتفة حول القبر ,, عدت بلا دموع كواحد من الحاضرين يطب أجرا وحسنات الجنازة .. لأتفرج على تلك السواعد وهي تهيل التراب على جسدك الجميل وعلى وجهك القمري وعلى بسمتك التي كانت تشرق مثل الحياة ’ وأتفرج على الأكف التي تنفض التراب مصفقة .. وانقضى كل شيء .. أنتِ من اللحظة عدم .. يا حرقتي ويا جرح في كبدي يمتد من مشرقٍ إلى مغربٍ ترتسم فيه خرائط الحزن الكبير .. وأصطف المشيعون يصافحون والدك وأشقاءك ويعزون أهلك .. ووحدي بقيت بلا عزاء .. أكتم لوعة تتلظى بين الضلوع و لهيب بأحشائي .. ودموع أهر قها سرا .. ومضى الكل وتركوكِ وحدك وبقيت الأخير بينهم من حيث لا يشعر بي أحد فالأحياء لا يلتفتون إلى الأموات .. انظر إلى قبرك وارفع رأسي إلى السماء والدموع غلبت صبري والألم نارا تستعر .. وأجهر بالقول داعيا رافعا الأكف إلى السماء متضرعا "" ربي .. إنها كانت مني الروح والقلب فارحمها وافتح لها بابا تنتظر منه إلى جنتك وأفسح لها مكانا في جنة الخلد . إنها ضيفتك في عالم آخر لا تعرف منه إلا حكايات .. إنها طفلتي يا ربي و كياني وكل عقلي ومددت يدي المرتعشة إلى تربة قبرك وحملت منها حفنة .. ورفعتها إلى ثغري وطبعت فيها قبلة رحمة .. وبللتها من فيض دموعي وانسحبت متسللا أمشي متمايلا كالذي به نشوة من سكرة وليست نشوة من سكرة ولكنه الألم .. ولم يطاوعني القلب والذكريات وبسمتك التي تقف أمام نظري فوقفت من بعيد انظر إلى رمسك الذي احتضنك وكلما خطوت خطوة توقفت لألقي عليك نظرة كلما قلت الأخيرة تلتها نظرة حتى اختفى قبرك بين ظلال الأشجار . وأشرقت شمس يوم جديد .. يوم لم يعد لكِ فيه وجود لكنه يوم جديد وشمس لم تطل ولم تشرق على قلبي ..

أميرة العرب
30-03-2007, 07:34 PM
السلام عليكم
مساك خير أخي الكريم"محمد "

جمعتك مباركة

**
قصة موجعة حقاً
وتحتوي الكثير من الالم والتعب,

فالزمن كفيل بالنسيان
وكفيل بأن يجعلنا اقوى بعد كل "صدمة"

**
سلمت يمناك
ودمت لنا بكل الخير والود
اختك أميرة العرب

رشا محمود
31-03-2007, 10:55 AM
أخى الكريم / محمد دلومي

مرحبا بك فى درة القصة

ومرحبا بحروفك

رغم الوجع الذى يكتنغها

والذى يحرض القلوب والعيون على ذرف الدم والدمع حزنا على زهرة الياسمين وحلم مات قبل الميلاد

وشاركنا تشييعه فى مراسم الوداع الحزين

شكرا لك يا أخى

ننتظر جديدك

كل التحية والتقدير

رغــد
02-04-2007, 12:52 AM
.
.

ياااه ,, يااه يامحمد ..
كتبت فأوجعتْ ..!

آلمني وداع الياسمين .. وكأنها ثرثرة دمع مالح .. تشرّبتها حتى الأنين .

مرحبا بك ..
وأهلاً بقلمك الرائع .

.
.

رغد

ألنشمي
07-04-2007, 09:02 PM
000
00
0

الحب 000 وان افترقا المحبين



لا يزال الحب في قلوبهم



ومهما ابتعدا عن بعض





فلن ينسى احدهم الاخر







اخي الغالي محمد




حزن كُتب بمداد قلمك



فحزن القلب




ولن يُنسى الحبيب مهما طال بنا العمر



بورك بيمينك ما خطت




دمت بخير

قمر الغربية
20-04-2007, 11:34 PM
فعلاً هي مراسم لوداع حزين ولكن يبقى الحب