المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : (( ... شهــــــــــــــــــــــــــــ ادة وفاة ... ))



محمد الدسوقي
14-03-2007, 04:07 PM
(( .. شهـــــــادة وفاة .. ))




حينما لا مست قدماي رصيف الشارع كان قناع من جمود يكسو كل ملامحي وقد حجبت الرؤية أمامي غلالة حاولت جاهداً أن أزيحها عن عينيي وأنا أحاول أن أتغلب علي هذا الزحام الذي احتشد أمام منزل في بداية المنعطف الصغير حتى أني لم أشعر بذلك الشخص الذي اندفع نحوي كالسهم حاملا عني الحقيبة ولسانه يردد عبارات لم أتبينها ولم ألق لها بالا وإن كانت لا تبعد كثيرا عن (عنك أنت يا بيه) التي اعتدتها كثيرا بينما عني آخر بغلق باب السيارة التي هبطت منها للتو ... صوت واحد تردد في فراغ رأسي كما يترد الصدى في الحجرة الواسعة كان عامل الصحة الذي يدعي الحذق ويعشق الظهور والذي اندفع نحوي بدوره ثم راح يتقدمني بخطوات ضيقة موليا جانبه للزحام بينما راح يفسح أمامي نهر البشر وهو يميل نحوي قائلا:
ـ عاوزين نخلص إجراءاتنا بسرعة يا باشا .. الراجل طول عمره بتاعنا .. و بعدين دا عضمة كبيرة .. وأنت عارف الصيف وبهدلة الحر .. ربنا يكرمك يا بيه أنت عارف إن عم مجاهد الله يرحمه ماكانش له حد غيرنا
لا أدري لماذا شعرت بهذا الكم من الضيق علي الرغم أنها ليست المرة الأولي لذلك وأني لم أظهر له ذلك الشعور من قبل كل ما فعلت أن أومأت برأسي بلا معني ولا ريب عندي أنه قد فهم في ذلك تأكيداً مني لكلماته .. كان هذا بينما أخطو بقدمي للمرة الأولي داخل عتبة البيت علي الرغم من أن عم مجاهد يعمل معنا منذ سنوات ولا أدري لماذا وقتها طالعت بهو المنزل المتخم بالبشر بهذا الاهتمام كأنما أبحث بين الركام عن وجه مفقود بلا فائدة .. كان هذا قبل أن يستقر بصري علي الجدار المقابل حيث طالعتني صورة أبيض واسود اصفرت أوراقها بينما غلفها إطار قديم لعم مجاهد بعكازه الأثير وعلي وجهه ابتسامة فخورة بينما تعانق يده يد الرئيس أنور السادات في زيه الرسمي .. من منا لم يعرف قصتها .. !!
ـ وسع يا أخينا منك له الدكتور وصل .. عاوزين نخلص تصريح الدفن عشان ننتهي .. إحنا ورانا لسه دفنة يا جدعان ..!
قالها عامل الصحة وهو يدفعني بيده نحو حجرة عم مجاهد المغلقة

_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

ـ عم مجاهد ده بركتنا كلنا يا دكتور
قالها وهدان مختص التوظيف وهو يقدم لي عم مجاهد فرفعت عينيا نحو الرجل الذي تقدم نحوي بخطوات مترنحة كبندول مجهد تتقاسمها ساق إنسان وحيدة وعكاز خشبي غليظ .. والعجيب أني لم ألتفت إلي ملامحه للوهلة الأولي .. بل خطف انتباهي هذا العكاز الذي ارتكن عليه الرجل بينما امتدت يده نحوي فصافحته سريعا ولا ريب أن وهدان نفسه قد شعر بما يعتمل في رأسي فبادرني قائلا :
ـ عم مجاهد من أبطال الحرب يا بيه .. كل الناس هنا يعرفوه كويس ..
ثم أكمل بحذق كأنما يحاول ان يحتوي ما قد يتبادر لذهني من رفض قائلا:
ـ بعدين ده هيشتغل معانا مؤقتا .. أصل ..
هنا تحدث عم مجاهد للمرة الأولي وقد فهم بدوره ما يدور بخلدي
ـ أصل الرئيس نفسه وعدني أنه هيوفر لي شغل يا بيه
لفتت عبارته إنتباهي بشدة فاستدرت أطالع ملامحه الودودة للمرة الأولي وهو يتبع بحماس:
ـ الرئيس السادات نفسه يا بيه وصي عليا المحافظ ووعدني أنه هيشوفلي شغلانة قريب
وهنا التقط وهدان طرف الحديث من لسانه قائلا:
ـ عم مجاهد الرئيس كرمه في احتفالات أكتوبر اللي فاتت باعتباره من أبطال الحرب ووعده أنه هيوفر له شغلانه ياكل منها عيش بس لسه المحافظ مبعتلوش .
وحينما شخص بطرف عينيه نحو ساق الرجل الوحيدة فهمت ما يعنيه لكني لم أجد وقتها ما أقول فاستدرت بدوري نحو عم مجاهد قائلا:
ـ أنت عندك ولاد يا عم مجاهد ..؟
ردد وقد لانت ملامحه عن ابتسامة:
ـ عندي علي يا بيه ربنا يحميه
بادلته الابتسام وأنا أتبع:
ـ دا عال قوي بس أنت تاخد بالك منه هو و مراتك
لانت ملامحه عن ابتسامة من نوع آخر ثم أتبع :
ـ أم علي تعيش أنت يا بيه
تنحنحت في حرج:
ـ تعيش وتفتكر يا عم مجاهد
ثم استدرت نحو وهدان لأخفي حرجي
ـ خلاص أنت تشوف إجراءاتك ... من النهارده عم مجاهد معانا .. وإن حب يفضل معانا علي طول أهلا بيه
قلتها وانصرفت بينما شيعني الرجل بدعائه
كان هذا منذ زمن بعيد يا عم مجاهد ..!

_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

في جوانب الغرفة خافتة الإضاءة كانت الحياة تردد باقتدار عابث أنشودة الموت بينما تعبق رائحته جو الحجرة من حولي
رائحة لا يدركها إلا من قدر له أن يعتادها
وأنا أعتدت هذه الرائحة
اعتدتها في هذا الصمت الذي لا يشوبه ضجيج
وذلك السكون الخال من الحركة
وذلك الجسد المسجي أمامي وقد فارقته الحياة

_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

ـ أنت مش ناوي تموت بقي يا عم مجاهد..؟
رددها وهدان في وجهه بلا مبالاة من باب المزاح الثقيل في جلسة مازحة
لم تترك الكلمة تأثيرها المتوقع علي وجه عم مجاهد الباسم .. بل زادته ابتساماً حتى أني قد تعجبت لذلك قبل أن يقول برضا:
ـ ربنا يديكوا طولة العمر يا سيادنا
ثم استأنف بينما يستدير نحو وهدان متنهدا:
ـ مأنت لو كنت معانا في الحرب من أول النكسة لحد معبرنا القنال مكانش همك الموت .. الموت كان متبت في رقبتنا كلنا وحالف ما يسيبنا .. والمحظوظ بس إللي نفد منه
ثم صمت برهة عاد بعدها ليقول:
ـ يووووووه هأقولك إيه ولا إيه .. كانت أيام .. كان ييجي علينا الليل ما نعرفش لو نمنا هنصحي تاني ولا لأ.. ولو جه النهار وصبحنا خمسة ولا ستة ييجي الليل واحنا بالميت إتنين ولا تلاتة .. دا إحنا شفنا أيام ما يعلم بيها غير المولي .. كل صبح يطلع علينا أقول مش هييجي المسا ولو جه المسا أقول مش هيطلع عليا نهار .. دا حتى مراتي وابني حسبوني مش راجع لهم تاني والولية حسبتني رميت عليها الحمل واتوكلت
ثم هز رأسه في قلة حيلة قبل أن يتبع بأسي:
ـ حداشر سنة من قبل النكسة وبعد ما عدينا القنال ولحد ما حبسوني ولاد الكلب في سجونهم .. ولحد الله يعمر بيته الرئيس مرجعني في اتفاقيات الأسري دي ولا اسمها ايه والله منا عارف..
ثم تنهد مرة أخري حتى شعرت بحرارة زفيره تكاد تحرق وجوهنا قبل أن يتبع:
ـ كانت أيام الله لا يعودها ولا يوريها لحد فيكم .. ولا حد يعز عليكوا
قالها ثم استدار بنظره نحو وهدان وهو يستأنف حديثه:
ـ وأديك زي ما أنت شايف .. مسكت في الدنيا زي الشبطة وأديني قدامك أهو ومراتي اللي ربنا افتكرها وسابت لي الواد في رقبتي .. الظاهر الدنيا هي اللي طلعت متبتة فيا
قالها وأطلق ضحكة طويلة فضحكنا له

_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

بينما كنت أكشف الغطاء عن جسد عم مجاهد النحيل المتخشب وقعت عيناي علي صورة ذات إطار مذهب لابنه علي يحتفظ بها بجوار فراشه .

_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

الواد يا بيه بقي له أربع أيام ما بياكلش .. من يوم ما عرف إن الكلية اختارت واحد غيره يتعين معيد .. أقوله يا بني دا أنت طول عمرك البريمو يقول اختاروا التاني عشان أبوه أستاذ في الكلية..
طيبت بخطره وقلت له وإيه يعني أستاذ في الكلية ما أنت كمان أبوك مش شوية .. دا الوزير نفسه يعرفني .. هأروح له وأقوله علي اللي جري وهو هيتصرف
هززت رأسي في مرارة بينما يتبع:
الواد زعق في وشي يا بيه ... أول مرة علي يزعق في وشي وقال لي أنت ما تبتش من أيام الوظيفة اللي الرئيس وعدك بيها
تصدق زعلت منه يا بيه ..و كله كوم ولما خلع صورتي مع الرئيس السادات الله يرحمه وعايز يكسرها ..!
ولولا أني حلفته بروح الغالية كان عملها .. ومن يوميها وهو قافل علي نفسه باب أوضته ولا راضي ياكل ولا يشرب .
والنبي تكلمه يا بيه .. هو بيسمع كلامك .. أصلك بتعرف تقول كلام كبير زى كلامه .. إنما أنا قليل الحيلة لا بأرد ولا بأصد معاه .. الواد طول عمره بيتكلم زي الناس الكبار اللي بييجوا في التليفزيون .. وأنت عارفني يا بيه دا أنا حتى مبعرفش أفك الخط .. قوله أبوك مش زعلان منك .. ولا عمره زعل منك .. دا أنت نني عنيه من جوا
وقوله بس إن أنا صعبان عليا قلة أكله وشربه .. دا أنا مليش غيره .. وإن كان علي الشغل .. أنا هأروح للمحافظ وأكيد هيشوف له شغلانة .. وقوله مش هأقول للمحافظ إني من أبطال الحرب .. ولا هجيب له سيرة رجلي إللي اتقطعت .. أنا بس هأقوله إن ابني طول عمره البريمو في الكلية وهو هيجيب له شغلانة علي طول .. هما يطولوا واحد زيه .. ها يا بيه قلت إيه .. هتكلمه..؟

_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

امتدت يدي تتفحص جثة عم مجاهد في آلية بحكم العادة .. وعلي الرغم من أن شعور الجميع أمام الموت سواء إلا أنها المرة الأولي التي أرتجف فيها أمام الموت بهذه الصورة حتى أني تراجعت للوراء وحتى أواري هذا التوتر الذي شملني عن عيني موظف الصحة التقطت واحدة من سجائري وأوليته ظهري ثم واستدرت باتجاه النافذة .. ثم نفثت دخان ثورتي مع دخان السجائر .. وعلي الرغم من ذلك فقد أتاني صوته بادي الأسى قائلا:
ـ ربنا يديك طولة العمر يا دكتور .. عم مجاهد أثر فينا كلنا
وفي آلية وبلا شعور سألته :
ـ مفيش أخبار لسه عن علي ..؟
بعد تنهيدة امتزج فيها الأسى والنقمة أجاب:
ـ وهو حد عارف أراضيه من يوم مسافر .. يالله بقي ربنا يسامحه ..!

_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

الصغير بيكبر يا بيه .. والكبير بييجي له يوم ويسيبك .. والواد راسه وألف سيف لازم يسافر .. أقوله هتسيبني لمين..؟ يقول لي مش أحسن ما أقعد جنبك زي البيت الوقف .. ولا عايز تصرف عليا كمان بعد تخرجي .. قلت له يا بني خليها علي الله .. ورب هنا رب هناك .. والمقسوم هييجي لحدك .. سكت و مردش .. المرة دي لا بيرد ولا بيصد .. وأنا مش عايزه يسافر يا بيه .. قلت له يا بني الواحد كبر .. والأعمار بإيد الله .. وأنا مليش إلا أنت .. يرضيك أنام من غير ما أطمن عليك يا علي .. يرضيك ما أشوفش وشك كل يوم الصبح .
سألته كمن يلقي التسائل عن كاهله:
ـ وقال لك إيه..؟
أجابني بينما يمسح دموعه:
مردش يا بيه .. سبني وخرج .. الواد اتغير يا بيه .. مش دا علي .. اللي مزعلني إني مش عارف أعمل له إيه ... والنبي يا بيه وحياة ولادك تكلمه تاني .. دا جميل مش هانساهولك

_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

كلمات كثيرة ألقيتها علي مسامعه ... عن الانتماء.. عن الوطن .. و عن أبيه

_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

للم أنس بعد نظرته لي ... ولا كلماته التي أطلقها في وجهي كرصاص ..!
ـ أما الانتماء .. فقد لفظته كما يلفظ المريض ما يعييه ... لابد لأحدهما أن يقضي علي الآخر ..
ـ ولا تحدثني عن الوطن فلا وطن ... فبين أنياب الفقر وقواطعه تموت هذه الكلمة ... وتدفن في دروب الاحتياج ... و في النهاية تدهمها الأقدام في الزحام ...!
أي وطن لمن أمضي حياته في حلم سلبه الوطن .. أي وطن لمن بذل أبوه فيه عمره وساقه بلا مقابل ..!
ـ وأما أبي فقد أصبحنا مرادفين لكلمة واحدة في أقصوصة الوطن الذي تزعمه .. أصبحنا ككل الناس .. نفس الحكاية .. حكاية الطيور الصغيرة التي تشارك الجوارح عيشتها .. طيور لا عش لها .. ولا تعرف كيف تبني العش .. ولو عثرت عليه لبعثرت قشه .. إنها طيور لا تعرف لها مستقراً .. فلا كيف ولا أين تبقي .. ولا أين تحلق .. إنها حكاية رعب دائم .. ومطاردة أبدية .. ولو مع الذات .

_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

وسافر علي ... سافر بلا انتماء .. لــلا وطن .. وحيث لا أب له
سافر لأنه لا أنا ولا غيري ملك وقتها ما يقال ..!

_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

وكما احتوت الغربة علي هناك غرق أبوه في بحارها هنا ..!

_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

لم أجرؤ علي فتح النافذة فدهمت عقب السيجارة بقدمي .. واستدرت مرة أخرى نحو الجسد المنهك الذي قدر له أن يسترح أخيراً

_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

مفيش أخبار عن ابنك يا عم مجاهد ..؟
قلتها في آلية من لا يجد ما يقول
من بين شفتين أرهقهما الزمن أتتني إجابته
- بيبعت لي كل شهر جواب .. ادعيله يا بيه ربنا يخليلك عيالك ومتشوف فيهم حاجة وحشة

_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

مفيش أخبار عن علي يا عم مجاهد ..؟
شرد طولا .. وبدا كمن تسيطر علي عقله غمامة قاتمة
ـ فين وفين علي ما يفتكرني بجواب يا بيه .. ربنا يرد غيبتك يا ابني قادر يا كريم

_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

إيه أخبار ابنك يا عم مجاهد..؟
هذه المرة دحر الصمت مقدرته علي الكلام .. ثم استدار يجر نفسه .. وقدمه الوحيدة
ومضي ..
كانت المرة الأخيرة التي أراك فيها يا عم مجاهد ...!!

_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

معلش يا دكتور .. أنت عارف إن الوقت ضيق والناس عاوزين يشيعوا الجنازة عشان كل واحد يشوف مصالحه .
قالها موظف الصحة وهو يمد يده نحوي بالقلم بينما تشبثت يده الأخرى بدفتر تصاريح الدفن
فتناولته منه بلا حيلة .. خانات فارغة ملأتها بآلية من اعتاد هذا العمل .. ثم وقفت عيناي عند خانة فارغة تصدرتها عبارة سبب الوفاة..!!

_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

ـ الرئيس نفسه وعدني أنه هيوفر لي شغل يا بيه ...
ـ كان بييجي علينا الليل ما نعرفش لو نمنا هنصحي تاني ولا لأ.. ولو جه النهار وصبحنا خمسة ولا ستة ييجي الليل وإحنا بالميت إتنين ولا تلاتة ...
ـ الواد يا بيه بقي له اربع أيام ما بياكلش ...
ـ أنا بس هأقوله إن ابني طول عمره البريمو في الكلية وهو هيجيب له شغلانة علي طول .. هما يطولوا واحد زيه ...
ـ أصبحنا مرادفين لكلمة واحدة في أقصوصة الوطن الذي تزعمه ...
ـ ربنا يرد غيبتك يا ابني قادر يا كريم ...

_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

لمحت بطرف عيني صورة علي بجانب الفراش .. وارتسمت في مخيلتي صورة أبيض وأسود بإطار قديم يتصدرها رجل بعكاز .. ثم جرت يدي بالقلم سريعا في الخانة الفارغة كأنما أفرغ عن كاهلي ثقلاً هائلاً بعبارة جافة اعتدتها .... لا جـــريمة ..!!



تمت بحمد الله

زاد الركب
14-03-2007, 06:52 PM
لا جريمة .. والمجرم لم يكن له من مأوى سوى قلب المغدور به .. !!

( شهادة وفاة ) ..
لوحة صاخبة الألوان ..
من الأبيض قلباً .. إلى الأحمر حباً .. إلى الأسود فناء ..
لكنما وحده الموت ينصف الأنقياء ..


أخي الكريم .. محمد الدسوقي ..

ما قرأت هنا كفيل بأن يجعلني أتتبع خطى قلمك بشغف
فتقبلني في صفوف قرائك ..

.
.

زاد ( ... )

رشا محمود
14-03-2007, 11:49 PM
مرحبا بعودتك أخى الكريم / محمد

ويا لها من عودة

أجد تألقا وتميزا فيما طرحته

لقد وجدتنى أتابع بشغف تلك اللوحة المرسومة ببراعة

حتى تمثلت شخوصا وأحداث

أسلوب التنقل بين المشاهد بخفة دون تخبط أضفى جوا خاصا على النص

وأبقى القارىء فى حالة انتباه تام

حقا .. سعدت بالعودة والنص معا

ننتظرك دوما

كل التحية

محمد الدسوقي
15-03-2007, 03:12 PM
لا جريمة .. والمجرم لم يكن له من مأوى سوى قلب المغدور به .. !!

( شهادة وفاة ) ..
لوحة صاخبة الألوان ..
من الأبيض قلباً .. إلى الأحمر حباً .. إلى الأسود فناء ..
لكنما وحده الموت ينصف الأنقياء ..


أخي الكريم .. محمد الدسوقي ..

ما قرأت هنا كفيل بأن يجعلني أتتبع خطى قلمك بشغف
فتقبلني في صفوف قرائك ..

.
.

زاد ( ... )


آلمني عم مجاهد .. طعن جراحي القديمة فأراق منها الدماء .. وكان لابد من تدوين حكايته عله يكون ثمنا في زمن بخست فيه كل الأثمان..!
أقدام الجهل والتجاهل الغاشمة وطأت مجاهد يوم أن وطأت حلمه .. منذ أن قتلت نبتاً أخضراً وحيداًَ في حياته هو علي .. ولده الوحيد
ويوم أن مات بداحله هذا النبت الوحيد أسدلت الحياة ستائرها القاتمة في وجهه فماعاد لتلك الحياة معني واكتست كلها بالظلام..!!
لم يمت مجاهد يوم توقيع تصريح الدفن .. مات قبلها .. قتلته الحياة بمن فيها من زوي الأحجار النابضة .. وقد نكون بكل أسف شركاء في الجريمة .. ولا عجب..!!
شهادة وفاة مجاهد كانت شهادة وفاة لنا جميعا
وشهادة ميلاد مؤكد لأجحار بشرية
تحياتي

زاد الركب .. أكرمتني في ردك فأجزلت الكرم
تحياتي

ألنشمي
15-03-2007, 10:18 PM
000
00
0



كفاح


وتضحية



وعمر قُدم فداءً



للوطن


وعلي ذلك الشاب الذي لم يجد


له مكان في الكلية ليخدم وطنه


هاجر ليترك من ضحى بشبابه

لأجله ولوطنه (والده مجاهد)



هكذا سيدي



جيل يدفع جيل


لتستمر الحياة





اخوي الغالي محمد


استمتعت بسلاسة


سرد قصتك






سلمت يداتك



دمت بخير

محمد الدسوقي
17-03-2007, 10:08 AM
مرحبا بعودتك أخى الكريم / محمد

ويا لها من عودة

أجد تألقا وتميزا فيما طرحته

لقد وجدتنى أتابع بشغف تلك اللوحة المرسومة ببراعة

حتى تمثلت شخوصا وأحداث

أسلوب التنقل بين المشاهد بخفة دون تخبط أضفى جوا خاصا على النص

وأبقى القارىء فى حالة انتباه تام

حقا .. سعدت بالعودة والنص معا

ننتظرك دوما

كل التحية


توقفت كثيرا عن الكتابة.. كنت ألملم جراح النفس .. وأني للجراح أن تلتئم ..!!
وفي النهاية أدركت أن الجراح لن تلتئم أبدا .. فقد باتت نقطة الربط بيننا
فلا تسألوني عن الجراح .. فكلنا جرحي
ولا تسألوني عن الدواء .. فلا دواء
ولا تسألوني عن مجاهد .. فكلنا مجاهد ..!
فبين أنياب الوطن وقواطعه يموت المجاهدون .. وتغتال أحلامهم .. وتدهمهم أقدام اللاهين في كل ميدان ..لهذا ستبقي الجراح ..!
ولا تسألوي عن الوطن .. فلا وطن .. لا وطن .. لا وطن ... كلمة أخاف ترديدها لأنها باتت جريمة الوطن ذاته ..!

أختي رشا أشكر لك ردك

محمد الدسوقي
17-03-2007, 10:15 AM
000
00
0



كفاح


وتضحية



وعمر قُدم فداءً



للوطن


وعلي ذلك الشاب الذي لم يجد


له مكان في الكلية ليخدم وطنه


هاجر ليترك من ضحى بشبابه

لأجله ولوطنه (والده مجاهد)



هكذا سيدي



جيل يدفع جيل


لتستمر الحياة





اخوي الغالي محمد


استمتعت بسلاسة


سرد قصتك






سلمت يداتك



دمت بخير

مشكلتنا سيدي ليست مشكلة الطيور الصغيرة ... مشكلتنا هي مشكلة هذه الطيور الكبيرة .. التي استنكرت علي البسطاء حلمهم .. فجردتهم منه .. نازعة عنهم مجرد الحلم
أشكر لك ردك سيدي
دوما أنت من المشجعين لي
ها أنا أعود لرحاب الدرر مرة أخري
ولن أخرج بإذن الله
أشك لك ردك واستقبالكم لي هنا مرة أخري
وأرجو أن تطيب لكم اقامتي
تحياتي الغاليه