المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : طفل وشيخ



الأخيــــــــر
18-03-2002, 03:11 AM
هذا وقد مضي من عمري الكثير...ومازلت أناشد آلامي بان تغيب
آلامي شمس لاتزيد الليالي الا ظلمه وسواد
ترفض ان تغيب ..ترفض الرحيل ... ترفض ان تهاودني القتال ...رغم دمائي التي أغرقت ملامح وجهي ..واتبسامتي بلونها الشفاف من عيناني

مضي عمري واحترقت زهرة شبابي بحلم ..يتيم ...واخترقت الالاف السجائر برئتاي ..
مضي عمري ودٌفنت علي عزف أوتار قيثارتي

لم تزدني الليالي وايام عمري حنكو او حكمه ..ولم تفدني بشئ
مازلت رغم كثرتها ...ذاك الطفل الصغيــر ..الذي يهرب الي ابعد زاوية يراها
يوحتضن نفسه ويركن رأسه للجدر ..عندما تزيد آلامه
الطفـــل الذي يحن لأمه ..ويبكي دون صوت
دون صوت ...وخلال وهله وتاليتها ...تنوح الجدارن ..ويهتز جسمه الذي اعياه الألم والمرض..ويجهش بالبكاء
الطفل الذي نسي حينها كل الكلمات ..ومن بينها اختار حرف واسم يحن اليه ..((آه ياامي))
الطفل الذي قاوم البكــاء ..لايستطيع التوقف الأن ...ولايريد ان يتوقف
لايريد ان يتوقف ..فهو يعرف تماما بان البكاء يغسل الهموم ..ربما ليس كل الهموم ...ولكنها تريح قليلا
الطفل يذكر اليوم التي قالت له العجوز ذلك
المراه العجوز التي وعدته باكمال قصة الشاب ..وخلفت بوعدها له
حكت له قصة شاب ترك بلاده ..واهله هاربا بجراحه باتجاه تلك الجبال ..
لم يعرف حينها معني الجراح وكان يتخيل من يرحل عن اهله وهو ينزف بدماء ...فتلك الجروح ...كما يعرفها ..
ذهب الي بلاد لم يزرها من قبل ولايعرف اهلها بماذا يتحدثوون
حكت له العجوز كيف قاوم ..وكيف سعي خلف حلمه .. وكيف كان يقاتل من اجل امله الوحيد
لم تكمل القصه ووعدته ان تكملها اليوم التالي
كنت يزورها فقط من اجل قطعة الحلوي واللعب واللهو...فقط
وبعد ان بدات القصه ...اصبح يذهب لها كل مساء كي يسمع بقية القصه
هي وعدته..واخلفت وعدها
اتي اليها باليوم التالي
طرق الباب وطرق.. لم يجبه احد
لم يري سوي والده يعدو نحوه ... يحمله علي كتفيه .. ويعيده للمنزل
وسط صرخاته ... وعناده ...ورجائه لوالده ...كان يحلف لوالده بانه لم يفعل شيئا
كان يردد بانها تطلب منه زيارتها كل عصر ..وتهديه قطعة حلوي وتحكي له قصه
والده يعلم تماما كل ذلك...وكان اجابته الوحيده ... ماتت ليلة امس

لم تكمل له القصه ...
هذا انا الطفل الصغير الذي يتذكر كل هذا ... ويعرف تماما بان القصه ..هي قصته ..والعجوز تنبأت بها له ..ولكن كما يضعه زمانه في حيره دائما .. بغير ملامح محدده ..ويطلب منه النجاح والانجاز ...تركته العجوز كذلك ...لايعرف ماذا يحدث ويجري له
بعد ان تخور قواااي تماما من البكاء ..
اشعر بان نهايتي هذه .. اغمض عيناي...
احتضن نفسي بكل ماتبقي لي ..واركن تماما الي هذا الجدر ..
الجدر الي تلك اللحظه ..يبكي ..ويتلقاني بصدر حنون ..وهذا كل مااريد ..هذا كل ماريد حينها .. صدر حنون

استيقظ من النوم ...عينان لاتقوي ان تري شيئا ..يداي متعبه وضعيفه ..
وقدماي ... مثل حظي ..تخونني الأن وتعاندني رافضة النهوض
انظر لكل شئ حولي ..
اين انا ..؟
هذه اللوحات اعرفها تماما ... ولكن ..لست انا من رسمها ..
هذه قيثاره حضنتها الي كثيرا .. ولكن لااعرف لمن هيه ..ولااجيد العزف وجرح اوتارها
هذه المجموعه الذهبيه اعرفها تماما ..ولكن لمن هي ؟؟
اسمع حولي هتافات وعبارات ترحيب وتمجيد
حولي الكثير يذكرون لي اشياء لااعرفها
انت ...وانت
فعلت كذا ..وقمت بكذا .. وانت ..وانت

لااعرف عن من يتحدثون .. فانا كما ترون .. شيخ هرم ..لاتقوي قدماي علي حملي .ولايداي علي الاشاره ..ولاعيناي النظر
انطق كلمات لااعرفها ...امضغ الاحرف منها .. والفظ منها التفاهه والمراره
وارددها ولااعرف ماذا اقول..وافهم تماما مااقصد
لست من تتحدثون عنه ..ولست بذاك الشاب
لست من تروون ..
وهذا انا اشعل سيجاره ..لست ادخنها ...بل اقبلها .. وانفث النار التي بصدري
من تتحدثون عنه ..شخص اخر ..شاب عاش العظمه والمجد والفخر وانجز
وانا رجل هرم.. امسي ليلته طفل
واصبح هرم
لم يعرف الشباب ولا قوتها ولاعنفوانها
لم يعرف ماهو الانجاز والصبر وتحقيق المراد
انا لم اقل ولم افعل ولم اصنع ولم اضع ولم احمل
ربما اضعت كل شئ...
انا طفل يعدوا نحو الشباب والتقي بنفسه هرما في مفترق طرق اضاع فيه شبابه واضاع الطريق ..واضع احلامه البريئه
حلمه كان ان يسعد والده ..ويفرح بامه وهي تهنئه..ويحكي لهم مافعل لهم
وهنا اضاع نفسه ونسي مايفعل لنفسه وقضي علي احلامه بنفسه
ان لااعرف من كنت ...ولااعرف كم مضي من عمري
العمر محموعة من ارقام تمثل حقبه زمانيه تتغير باختلاف اليوم والشهر والسنين وانا اضعتها جميعا
انا هذا طفل ليلة امس وهرم اليوم .. اجلس بين ذكرياتي وبقايا احلام
واوراق مستشفيات وادويه ..استنشق غبارا وانفث هموما واعاصر الام لم تبرح من امس
لم اعدو بغير ذلك كله كوني عجوزا ... في لحظة يقظته ونومه وحياته ومزاحه كونه الأخيــر

أرسطوالعرب
18-03-2002, 06:19 AM
سلام
أيها الأخير....

أرهقتني يا هذا !!!!

أبكيت أقلامي فجف حبرها من شدة إبتهالها للمنقذ الوحيد...

قرأت ...حتى شعرت أنك تنزع عنك ملابسك...فأصبحت عارياً كالفكرة !!

أبكيتني أيها الأخير....شيخ قفز به الزمان من الطفولة.!!!!

ما أقساه الدنيا حينما يشتعل رأس الطفل شيباً..

لولا إيماني بالله...لقلت أنك أحد الملكين...وقد قرأ حياتي على البشر!!!

أجدت أيها الأخير....وأتمنى أنها مقطوعة أدبية.....لا فصل من فصول حياتك...


ولو تباع السعادة وتشترى...

لأبتعتها لك يا صديقي...


---------

انا طفل يعدوا نحو الشباب والتقي بنفسه هرما في مفترق طرق اضاع فيه شبابه واضاع الطريق ..واضع احلامه البريئه <=== لم أقرأ أجمل من هذه ماشاء الله :)

---------

الساحر
18-03-2002, 06:18 PM
رائع حتي الجمال
مدهش حتي الابهار
ما خطته اناملك ايها الاخير
بصدق امتعني نصك الجميل هذا
وانا متاكد انو اثار في نفوس الجميع
هذا النوع الجميل من انواع الحزن
اللي يسمي
الشجن
تحياتي



:rolleyes: :rolleyes: :rolleyes: :rolleyes:
الساحر