المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الطاعنون في الحزن..وبائعــه الجســد



السـ ـأهـ ـره
05-02-2007, 02:34 PM
رائــعه قرأتها..
أحببتكــم معي..


لم يعد يتذكر متى أصابه الإدمان على الكتاب .. كل ما يتذكره أنه ذات يوم شاهد بنت الجيران تطل من النافذة ، فاختطف كتابا وجلس أمام الباب لأول مرة تقع عيناه على اسم الكتاب (قصة ألف ليلة وليلة) .. لم يكن بعد أدمن .. لكنه كان يريد أن يقول لبنت الجيران أنه مثقف .. هكذا نحن ننفخ في ذواتنا .
حين سقطت عيناه على أولى الحكايات أحب (شهرزاد) ونسي بنت الجيران وأدمن القراءة .. وبالتأكيد كرهته بنت الجيران .
كان الغريب الذي جاب الأرض بحثا عن ذاته ذاهبا للهند .. وبالتحديد في مدينة (حيدر أباد) ، لا يعرف لماذا اسمها هكذا ، ولا أين ذهب حيدر أباد .. ولا ما الذي أباده ، ظن الغريب أن حيدر أباد الفرح .. فالفرح لم يعد يمر من هناك .. وحده المرض والفقر يسكنان هناك .
هو ذا الغريب لم يتغير .. كتاب وفنجان قهوة أمريكي (آه لو كانت قهوة تركي) .
يهز رأسه ليسقط فكرة قهوة الصباح التركية التي يصنعها بيده كمفتاح لصباحه ، القهوة الأولى هي عرافة الصباح التي تحدد له علاقته مع الأشياء .. كان كتاب (في اعتقادكم من أكون) لا يحتمل أن تشاركه أي فكرة .
قبل أن يبدأ فعل القراءة جاءت للمرة الثانية فتاة (الكفيتري) بائعة الجسد لتسأله : هل باستطاعتي أن أخدمك سيدي ؟
وللمرة الثانية ينظر .. من أعلى إلى أسفل .. من أسفل إلى أعلى ، قبل أن يأمر عينيه بالتوجه إلى الكتاب دون أن ينبس بكلمة .
قالت له : هل يضايقك سيدي أن أسألك بين حين وآخر ، هل تريدني أن لا أمر عليك إلا حين تناديني .
رد : أتمنى لو أن هناك نادلا غيرك .
ـ هل يضايقك وجودي سيدي ؟.
ـ بالتأكيد .. فأنا احتقر بائعات الجسد .
شعر بلذة ونشوة .. فراح حارس الفضيلة في داخله يكمل تمزيق روحها .
ـ ربما تريدين معرفة لماذا أحتقركِ .. حسنا قد تكوني جميلة لكنكِ عاهرة .
(نظر لوجهها .. عله يرى وقع كلمة عاهرة ) أطمئن أن الكلمة أدمت روحها ، فراح يكمل .. تبيعين جسدك لمن يدفع أكثر ، لا تكذبي لقد رأيتكِ تخرجين من عدة غرف في الفندق ، لهذا أحتقركِ وأتمنى لو هناك نادلا غيرك فرائحة العفن تخرج منكِ .
كادت تفر دمعة من عينيها .. أغلقت عينيها لتمسح دموعها بجفنيها .. ومضت تلعن كل من عليها .
ابتلعها الباب .. عاد هو إلى كتابه ونشوة الانتصار لم تفارقه .

######

عنوان الكتاب مغر (في اعتقادكم من أكون) .. ومع هذا لم يستطع القراءة .. فقد انتابه شعور بفداحة جريمته .
ـ مؤلم الضمير إذ يستيقظ .
قال لنفسه : سأناديها .. وأطلب مزيدا من القهوة وأمنحها (بخشيشا) يسيل له لاعب أي نادل ، ولن أعتذر .. نعم لن أعتذر .. لن اعتذر لعاهرة ؟
أطلت فتاة (الكفيتري) من الباب .. رفع إصبعه ليشير لها .
ـ هذه المرة تقدمت والكراهية تلفها .
ـ لو سمحتي فنجان من القهوة .
نظرت أليه كما نظر هو بالسابق .. لم تقل شيئا .. اختفت خلف الباب لتتركه يتجرع هزيمة نظرتها .
أقسم أنه سيشكوها إن لم تحضر القهوة .. ولعن بائعات الجسد .
وضعت فنجان القهوة .. شربه ثم طلب الحساب ، قدمت له الفاتورة .. ترك مبلغ مغر قائلا : الباقي لكِ .
ـ لا أحتاج ورمت الباقي على طاولته .
أربكته إجابتها .. ربما لأنه أعتقد أنها ستنحني له احتراما ، فتزداد ثقته بأنه علينا أن نحتقر بائعات الجسد.
لم يعد يعرف ما الذي يقوله .. وماذا تريد فتاة (الكفيتري) .
قال بينه وبينه : لن أعتذر يا بائعة الجسد .
مرة أخرى تنظر له بازدراء : قد يوحي شكلك أنك مهذب .. لكن لسانك يعريك .. لا تتحدث كي يبقى احترام الآخرين لك .. ومضت .
لم يكن هناك أحدا سوى اثنين على طاولة بعيدة افترشا الطاولة بالأوراق وكانا منهمكان ..
ومع هذا شعر بأن الجدران نبتت لها أعين لترى هزيمته .
عاد يلعن بائعات الجسد .. لعن ذاك الصوت الخارج من داخله : هكذا أنت لا تتركني حتى أهزم .. (لعنة الله على الضمائر النائمة) .

######

في صباح اليوم التالي جلس على نفس الكرسي .. كانت الصفحة نفسها التي طويت بالأمس لم تتغير .. لم يقرأ ، ولم يتخلص من طعم مرارة الهزيمة .. وعاهد نفسه على الانتقام .
جاءت فتاة (الكفيتري) إليه وبيدها فنجان القهوة .
ـ لم أطلب شيئا .
ـ أعرف سيدي .. ولكن أعتبره اعتذارا على ما بدر مني بالأمس .
أربكه تصرفها هذا .. فأسقط كتابه تحت الطاولة ليس ارتباكا .. بقدر ما هو انسحابا تكتيكيا ليمنح نفسه فرصة التفكير .. اختفى رأسه تحت الطاولة .
قال لنفسه : هل هي حقا تريد أن تعتذر .. أم تناور كأي امرأة قذرة بائعات الجسد لا يعرفن الاعتذار ؟
أطل برأسه وهو يقول : أنا الذي يجب أن أعتذر .. كان من المفترض أن أبحث عن جملة أقل قسوة لأنصحكِ .
ـ سيدي إن كنت تريد أن تعتذر .. فقبل دعوتي خارج الفندق وسأعتبرها اعتذار .
حراس الفضيلة يظنون أن الحكاية تبدأ من متعة اسمها الجسد ، لهذا وافق ليؤكد لها أن ثمة من لا يغريه الجسد ، وأن الفضيلة إن تمسكنا بها هي من سينجينا من إغواء الجسد .

######

كانت تنتظره خارج الفندق .. هو لا يأتي في الوقت المحدد ، هو كذلك يكره الانتظار .
سألها إلى أين ؟
ـ لا تخف .. لن أخطفك .. وضحكت .
قال الغريب الذي جاب الأرض بحثا عن ذاته :
استقلينا سيارة أجرى .. اتجهت السيارة إلى الجنوب .
رحت أطل من النافذة .. دارت برأسي فكرة مفادها : الجنوب أي جنوب مليء بالفقر والمرض والموت .
وتساءلت : لماذا المسافة بين الشمال والجنوب مليئة بالكرامات المهدرة والنفاق ؟
استيقظت على صوتها وهي تقول لقد وصلنا .
لم أعد أكترث باللعبة أو الحرب التي كنت أريد أن أخوضها مع فتاة (الكفيتري) .
تمنيت لو لم أتي إلى الجنوب .. دفعني صوتها : من هنا .
دخنا بيتا صنع من (الكراتين) .. (كراتين) لا تقوى على تحمل ليس المطر بل رذاذ المطر .
جاء صوت امرأة لم أفهم ما قيل . سألتها : ماذا قالت ومن هذه ؟
ـ أمي تسألني من معكِ ..
بدأت عيناي تسجل صور للمكان .. في اليمن تجلس امرأة طاعنة في الكبر والمرض بلا أقدام (ترى أين سقطت أقدامها .. هل تعبتا من المشي فسقطتا؟؟) ، بجانبها فتاة ضئيلة تبدو أصغر من عمرها التي حددته (امرأة الكافتيريا) كانت ضئيلة وجسدها جاهز للمرض والموت .
قالت أن عمر أختها (11) عاما .
وكانت ترتدي ثوبا اختلطت ألوانه بسواد القذارة ووجهها كان خارطة من الحزن سوده لون القذارة ، تحمل صحن وتحاول إطعام العجوز .
في الركن البعيد طفل ملقى على الأرض ربما نائم .. ربما ميت .
آخر جاء يحتضنها .. والرمد تمكن من عينيه .
كان هذا البيت مأوى للطاعنين في الحزن .
همست قبل أن يختفي صوتي .. من هؤلاء ؟
ـ منزلي وأمي وأخوتي الثمانية .
هذا المعاق يحتاج لغسيل لديه فشلا كلوي أمي كذلك .. الطبيب يقول إن لم تجر عملية لأخيكِ سيصاب بالعمى فالرمد تمكن من عينيه ، أختي مصابه بالصرع وفقر الدم .. باقي أخوتي يلعبون في المستنقع .
كدت أن أختنق .. قاطعتها بصوت مبحوح : لنمضي .
ابتسمت بسخرية .. قبل أن تجلد حارس الفضيلة الذي يسكنني : لماذا نمضي .. هل تتقزز من رؤية المرض والموت .
لم أجب ولم تكف عن جلد حارس الفضيلة : هكذا أنت يا حارس الفضيلة ، تريد الهرب من المكان حسنا ..أمضي أنت .. أنا هنا ، ويجب علي أن أستمر هنا ، وإلا مات الجميع .
سيدي كل فتاة تتمنى أن يكون لها بيت وأسرة وأطفال تسهر على راحتهم .
كنت أتمنى أن أولد في مكان آخر كأن أكون أختك ، أو حبيبتك التي لم يمسسها أحد .
ولكن لم أختر .. جئت إلى هذا العالم .. وكان من المفروض أن يموت أحدنا .. هم أو أنا ، لتكن مكاني كن قائدا ، سيقولون لك هل يموت تسعه من جنودك أم واحد ؟
هل ستفكر .. لا تنسى الذي سيختار امرأة جبلت على التضحية ؟
ـ هذا ليس عدلا .
ـ من قال لك أن الحياة تهب العدل ، هنا نصف العدل فقط .. أو الظلم .
واخترت أنا نصف العدل .. يموت جندي ويبقى تسعة .

ـ أين والدك ؟
ـ أبي مثل كل الرجال .. مضى وتركنا .
ـ إلى أين ؟
ـ لم يحتمل ومات .
هل عرفت الآن لماذا أنا حقيرة .. وهل تعرف أن النساء أقل خيانة من الرجل ؟.
وهؤلاء الرجال الذين يقتاتون من جسدي هل هم شرفاء ؟
لا تجب على هذه الأسئلة ، فثمة سؤال آخر يؤرقني .. سأقدم لك حياتي إن أجبت عليه ..
ترى هل سيغفر لي الله خطيئتي؟

ولد حايل
05-02-2007, 03:16 PM
الأخت الساهره
أريد أن أجاوب على سؤالك الأخير وسأترك باقي الأسئله للأخوه والأخوات الأعزاء
بالنسبه ل ترى هل سيغفر لي الله خطيئتي؟
أنا لا أزكي على الله أحد ولكن أتوقع أن يغفر الله لكي بسبب تحملك لذلك الطاغي الذي عرفته من خلاص القصه ،،،، ولكن أدعو وأدعو وأقف ليلا بين يدي الله الذي قال أدعوني أستجب لكم
أن يهدي سرك وأن يغفر لكي وأ يجعلكي الباره دوما وأبدا وأن يصبرك على المكروه
أسأل الله رب السماوات أن يجعلكي من الحور العين يوم القيامه وأن يبدلكي خير مما كنتي فيه
دعواتي صادقه ومن القلب لكاتبة الموضوع
****************************** **********
أخوك / ولد حايل

السـ ـأهـ ـره
06-02-2007, 04:09 AM
ولــد حايــل..
هي مجرد قصــه لها اسبــابهــا..
ليــس إلا..أنها اعجبتني ونقلتهــا..حتى تعم الفائــده من عده نواحي..
أولهــا..ان لـ بعض الأشخاص خروج عن مــألوف..لاننظر بأي نظره
مهمـــا وهنـــو بـ دون ان نعي السبب..
وإن لم يشبع فضولنــا..
فـ لاننســى..أن الانفس تختلف..
والثاني..
الصياغه الأدبيه..بمعنــى..التثقف..

:)

السموحه..
آحترامي لك ولتواجدك

رشا محمود
07-02-2007, 12:17 PM
ساهرتى

شكرا لكِ غاليتى على نقل القصة

الرائعة جدا فى أسلوبها وتناولها

والجاذبية المصاحبة للحروف منذ البداية


هى ذات الفكرة القديمة للظروف الطاحنة والفقر المدقع وأسرة بلا عائل


ولا تجد الفتاة سوى طريق الرذيلة أو هكذا يصور لها شيطانها

ولو أن هذه الفتاة وغيرها تسلحت بإيمانها وصبرها وعملت بكد لبارك الله فى رزقها وأعانها على مسؤولياتها وكم من الفتيات فى ذات الظروف ويعملن للانفاق على أسرهن من الحلال والله يرزق من يشاء بغير حساب


تظل وجهة نظر الكاتب .. ربما للتخفيف من وطأة الهجوم على بطلته .. ولكن لا شىء يشفع للخطيئة .. سوى بقايا ضمير يتساءل .. هل يغفر الله لى؟!!


حفظ الله نساء المسلمين وسترهن فى الدنيا والآخرة


ما زلت معجبة بأسلوب القص الشيق وخاصة عنوانها " الطاعنون فى الحزن و ...."


شكرا لكِ ساهرتى

تحياتى

ألنشمي
08-02-2007, 08:29 PM
000
00
0


كثيرون من يحكمون على الاخرين


دون روية او تحقق


وان كانت المظاهر تدل على ذلك


مواقف 000 تمر بنا



ونجد خلفها حقائق اخرى





الغالية السـ ـأهـ ـره




مساؤكِ ورد وياسمين



قصة معبرة




دمتِ بخير

السـ ـأهـ ـره
10-02-2007, 03:29 AM
رشــا..
بم أناديــك ايتها الرائــعه..
فقــد انرتي المكان
بحق
:)
دمتــي..
هنــا وبكل مكــان..
نورا كـ القمر..يهتدي به

آحترامي

السـ ـأهـ ـره
10-02-2007, 03:33 AM
دومــا اخا مقــدام
اشكرك اخي الطيب النشمي روعه مرورك
آحترامي لك عزيزي
دمت بحفظ الله